تمتلك بعض الحيوانات ذوات الدم البارد أعمارا أطول من أقرانها، غير أن الفرضيات التي تفسر هذا الأمر تبدو متضاربة.
الحيوانات ذوات الدم البارد تُعمّر أطول من أقرانها (بيكسابي)
لطالما شُغِلت الثقافات والشعوب القديمة بإيجاد "إكسير الخلود" أو "رحيق الآلهة" الذي يمنح شاربه حياة أبدية. وفي الوقت الذي لم تنجح فيه هذه الثقافات في إيجاد مادة كهذه تطيل العمر، استطاعت بعض الحيوانات من ذوات الدم البارد أن تُعمّر أطول من أقرانها من الحيوانات الأخرى التي لها الحجم نفسه تقريبا.
حيوانات أطول عمرا
ولذا، فقد جذبت الحقيقة الأخيرة فضول العلماء، وجعلتهم يتساءلون عن الأسباب التي تجعل الحيوانات ذوات الدم البارد أطول عمرا. وحديثا، قامت دراسة ضمّت 114 عالما بالبحث عن أسباب هذه الظاهرة في 107 من مجموعات الكائنات البرية، تمثل 77 نوعا مختلفا، وقد نُشرت الدراسة في دورية "ساينس" (Science) في 23 يونيو/حزيران الجاري.
وتعدّ هذه أول دراسة تركز على فهم ظاهرة طول العمر والشيخوخة بهذا التفصيل، وقد اعتمدت الدراسة على تجميع وتحليل البيانات المقدر عمرها بعقود من الزمن، وتتعلق بكيفية تنظيم جسم الحيوان لدرجة الحرارة، وبيانات درجة حرارة البيئة، والخصائص المميزة للكائنات ووتيرة الحياة.
الزواحف والبرمائيات تعتمد على مصادر الحرارة البيئية بدلا من حرارتها الداخلية القليلة (بيكسابي)
ومن بين 30 نوعا من الفقاريات المعروفة بقدرتها على البقاء على قيد الحياة أكثر من 100 عام، كان 26 منها فقط "خارجي الحرارة" (Ectotherms)، أي إن هذه الكائنات -مثل الزواحف والبرمائيات- تعتمد على مصادر الحرارة البيئية لأن مصادرها الفيسيولوجية الداخلية للحرارة قليلة نسبيا، ولذا فقد اهتم العلماء بمعرفة الكيفية التي تتجنب بها هذه الكائنات على وجه الخصوص الموت لفترات طويلة.
شيخوخة بطيئة
وقد كشفت النتائج عن ارتباط عدد من العوامل ببطء الشيخوخة مثل السمات الفيزيائية أو الكيميائية التي تحمي الأنواع، كالدروع الصلبة أو العمود الفقري أو الأصداف أو اللدغات السامة.
وطبقا للتقرير الذي نشره موقع "ساينس ألرت" (Science Alert)، تقول بيث رينك، عالمة الأحياء التطورية في جامعة "نورث إيسترن إلينوي" (Northeastern Illinois University) والباحثة الأولى في الدراسة، إن "آليات الحماية المختلفة تلك تقلل من معدل وفيات الحيوان، ومن ثم تستطيع هذه الحيوانات العيش مدة أطول، وقد يُنتَقى هذا الأمر عبر الأجيال المتعاقبة من الحيوانات مما يؤدى إلى تطور نمط ظاهري يمتاز بالشيخوخة البطيئة".
آليات الحماية المختلفة كالدروع الصلبة تقلل من معدلات وفيات الحيوان (بيكسابي)
وتضيف رينك قائلة إن "من المثير القول إن بعض الأنواع لا تتقدم في العمر على الإطلاق، غير أن احتمال موتها يبقى قائما مع تقدمها في العمر".
ولتبسيط الأمر، فلو أن احتمال موت الحيوان كان واحدا لكل 100 فرد وهو في سن العاشرة، وظلت هذه النسبة قائمة وهو في سن الـ90، فإن هذه شيخوخة لا تذكر. ولمقارنة الأمر بالإنسان، فإن احتمال وفاة الإناث في الولايات المتحدة تكون بنسبة واحدة لكل 2500 وهن في سن الـ20، وتصبح هذه النسبة واحدة لكل 24 وهن في عمر الـ80 عاما.
وقد لاحظ العلماء وجود هذه الشيخوخة البطيئة في نوع واحد على الأقل من كل مجموعة من مجموعات الكائنات الخارجية الحرارة، بما في ذلك الضفادع والسمندل والسحالي والتماسيح والسلاحف.
تعارض مع الفرضيات السابقة
وعلى الرغم من ذلك، فلم تؤيد الدراسة الفرضية الأخرى التي تعزو السبب في طول العمر إلى تبنّي هذه الحيوانات عمليات تمثيل غذائي أقل واعتمادها على مصادر خارجية للحرارة من أجل تنظيم درجة حرارة الجسم الداخلية (كما تفعل الحيوانات ذوات الدم البارد).
كما وجدت الدراسة أن الحيوانات الخارجية الحرارة قد تعيش عمرا أطول أو أقصر بكثير من نظيراتها من الكائنات المماثلة لها في الحجم من ذوات الدم الحار، ومن ثم فإن هذا التباين في معدلات الشيخوخة وطول العمر يعدّ أكبر بكثير مما هو عليه في الطيور والثدييات. ولذا، فإن الدراسات السابقة قد اقتصرت على السلاحف البرية التي تشيخ ببطء ويرتبط فيها انخفاض معدل التمثيل الغذائي بطول العمر.
الدراسات السابقة اقتصرت على السلاحف البرية التي تشيخ ببطء وينخفض فيها معدل التمثيل الغذائي (بيكسابي)
كما تذكر آن برونيكوفسكي، عالمة الأحياء التطورية في "جامعة ولاية ميشيغان" (Michigan State University) والمشاركة في الدراسة، أن النمط الظاهري المُعَدَّل من أصداف صلبة "من المحتمل أن يوفر حماية للحيوانات تسهم في تطور نمط حياتها، وقد يكون أدى إلى ظهور هذه الشيخوخة البطيئة وطول العمر الاستثنائي".
ومن ثم، فإن هذه الدراسة تشير إلى أن خصائص الحيوان الشكلية والفيزيائية والكيميائية تعدّ لاعبا رئيسا في تحديد طول العمر وبطء الشيخوخة، وذلك على النقيض مما طال افتراضه بأن انخفاض معدل التمثيل الغذائي والاعتماد على الحرارة من خارج الجسم هما السبب في ذلك. وهذه النتيجة ستساعد على فهم آليات الشيخوخة لدى البشر في المستقبل.