يمكنك تعديل المسار بتكرار عبارات المدح على مسامع طفلك مع كل فعل (شترستوك)
من منا لم يسمع تهديدا في طفولته عندما قرر التوقف عن المذاكرة أو تمرين السباحة أو دخول مسابقة المتفوقين؟
"ستكبر وتصير مثل ذلك الرجل المشرد" كانت تلك الكلمات كافية لإثارة الرعب بداخلنا، والقيام بما يطلبه الوالدان، من دون رغبة حقيقية في القيام به، وسرعان ما تركنا ما اعتدنا عليه في سن المراهقة.
يختلف الأطفال فيما بينهم -وهو ليس بالأمر البسيط- وهذا أمر يتطلب منا الاستمرار في التعلم وإعادة تقييم أساليبنا لتشجيعهم، بدلا من الاعتماد على تجاربنا وذكرياتنا في التربية، لذا ندعوك لمراجعة بعض وسائل التشجيع الشائعة، لكنها الأشد ضررا بنمو طفلك.
التهديد بسيناريوهات سلبية
نعلم أن الإحباط شعور يومي لمن يلازم طفلا سيئ السلوك، وقد نرى في تخويف الطفل من سيناريوهات سلبية متخيلة وسيلة جيدة لحثه على السلوك الجيد، كأن تهدديه بمستقبل مظلم إذا أهمل دراسته، بأن يصير ذا مهنة متواضعة مثلا، لكن الحقيقة أن نسج الأفكار السلبية هي إحدى أساليب الأمومة السامة، ولن تولد سوى استجابات سلبية.
أفكار الوالدين السلبية عن طفلهما سبب في سلوكه السلبي؛ فقد أشارت منظمة "اليونيسيف" (UNICEF) إلى أن الأطفال قد يتمادون في السلوك السيئ لجذب انتباهك؛ لذا من المهم تدارك أفكارك السلبية، وتوقعاتك المحبطة، وتحويلها لأفكار إيجابية، لتشجيعه، وتحفيز محاولاته.
فبدلا من قول "لم تذاكر دروسك اليوم، سيعاقبك المدرس غدا، وسيعاقبك والدك لاحقا على سوء درجاتك نهاية العام"، يمكنك قول "لقد مررت بأوقات صعبة اليوم، حتى أنك لم تذاكر دروسك، هل يمكنك التحدث معي عما يمنعك من أداء واجباتك؟"
مقارنته بالآخرين
قد تعتقدين أنه بمقارنة الطفل بأخيه أو صديقه وأقاربه أنك تثيرين روحا تنافسية بداخله، حتى يقدم أفضل أداء له، ويثبت لك خطأك، لكن الحقيقة أن الأطفال يختلفون فيما بينهم، وإذا كان لديك أكثر من طفل، ستلاحظين اختلاف شخصياتهم، بل وعادات نومهم وطعامهم ودرجة انتباههم.
ويعد وضع تلك الاختلافات في الاعتبار في أثناء تربية أطفالك أمرا أساسيا.
يمكن لأسلوب المقارنة أن يؤدي إلى كسر ثقة الطفل بنفسه وعدم احترامه ذاته، ودخول حلقة من التعاسة بسبب أدائه الضعيف، والشعور بالعبء إذا ما استمررت في مقارنته بالآخرين، والإصابة برهاب المجتمع والخجل من المواقف الاجتماعية كي لا يكون محط سخرية الآخرين، ولن يكلف نفسه عناء إثارة إعجابك بتفوقه، لأنه من الواضح أنك تفضلين الطفل الآخر عليه، وقد يتجه لممارسة سلوك عدواني تجاه ذلك الطفل.
يمكنك تعديل المسار بتكرار عبارات المدح على مسامع طفلك مع كل فعل، حتى لو كان ذلك الفعل هو اللعب مع إخوته لمدة 5 دقائق، مديح غير مشروط بنتائج إيجابية، فالمدح يشجع على السلوك الجيد، ويقلل من حاجتك إلى ضبط سلوكه.
يمكن لأسلوب المقارنة أن يؤدي إلى كسر ثقة الطفل بنفسه وعدم احترامه ذاته (غيتي)
التشجيع بطريقة غير منتظمة
ترى جميع الأمهات تقريبا أن تشجيع أطفالهن من أهم مسؤولياتهن، ومع ذلك، لا يعرف سوى عدد قليل منهن كيفية غرس الأقدام بالطريقة الصحيحة.
تقوم معظم الأمهات إما بإغراق أطفالهن بمدح مفرط على الأعمال الجيدة أو يفقدن أعصابهن عند أول علامة على حدوث خطأ؛ وذلك التحول يرهب الطفل ويشعره بالضعف وعدم الثقة بنفسه وقيمته.
يقول روبرت روزنتال، الأستاذ بجامعة هارفارد، وليونور جاكوبسون، مدير مدرسة ابتدائية في سان فرانسيسكو في كتابهما "بجماليون إن ذا كلاس روم" (Pygmalion in the Classroom) إن "توقعات شخص ما لسلوك شخص آخر قد تكون بمنزلة نبوءة تحقق ذاتها".
لذلك، في حين أن وجود توقعات إيجابية يمكن أن يبني الثقة ويساعد الطفل على التحسن، فإن صدمته بتوقعاتك السلبية المفاجئة يمكن أن تثبط عزيمة الطفل، وتذكري أن الأساليب والسلوكيات والقدرات ليست بنفس أهمية المواقف وقدرات الوالدين على تبني وجهة نظر الطفل.
المهلة كعقاب
يلجأ كثير من الأهل لطلب بقاء الطفل بمفرده في غرفته إذا ما خالف توقعاتهم، ما يعرف باسم "المهلة"، وهي فرصة تهدئة يستعيد خلالها الأبوان سلامهما، ويجنبهما الصراخ أو ضرب الطفل، لكن كثيرا من الأبحاث لم تثبت فشل تلك الطريقة في تشجيع الطفل فحسب، بل أثبتت ضررها المباشر على طفلك.
وأكدت أبحاث تصوير الدماغ أن الإقصاء الاجتماعي والألم الجسدي يظهران أنماطا مماثلة من نشاط الدماغ، كما فسر أساتذة الطب النفسي السريري بكلية الطب بجامعة كاليفورنيا أن "المهلة" أو فترة عزل الطفل بغرفته للتفكير، وقول "لا تخرج قبل أن تقرر العودة لتدريب السباحة" أو "فكر بمستقبلك لو لم تكمل تدريب كرة القدم" أو "حاول أن تهدأ بمفردك"، قد يمنع الطفل من التواصل مع والديه في أوقات شدته.
طرح أساتذة تنمية الطفل بجامعة كاليفورنيا طريقة أخرى بدلا من "المهلة"؛ فعلى عكس إرسال الطفل لغرفته أو خارج فصله بالمدرسة، يمكنك جعل الطفل يجلس على كرسيه بهدوء في نفس الغرفة معك، وإخباره أنك هنا لمساعدته على استرجاع هدوئه وسؤاله عن سبب كراهيته الرياضة التي يمارسها، ثم حل المشكلة معه.
وضع الاختلافات بين الطفل وأقرانه أو أشقائه في الاعتبار في أثناء تربية أطفالك يعد أمرا أساسيا (بيكسلز)
الأمومة الصارمة
يستخدم البعض أسلوب التربية الصارم والسلطوي لتربية أطفال متفوقين دراسيا ولائقين جسديا، فيضع قواعد صارمة يلتزم بها الطفل، ويتوقع منه تطبيقها من دون أخطاء، وإلا فالصراخ والغضب فقط المسؤولان عن عدوله عما ارتكبه من أخطاء.
للأسف، أظهرت دراسة أجرتها جامعة مونتريال -بالشراكة مع باحثين من جامعة ستانفورد، في مارس/آذار الماضي- أن ممارسات الأبوة والأمومة الصارمة الشائعة والمقبولة مجتمعيا يمكن أن تضر بنمو دماغ طفلك.
وأشارت الدراسة إلى أن الإهمال والغضب المتكرر والصراخ والإمساك بالجسد بعنف والضرب يتسبب في إصابة الأطفال بالقلق والاكتئاب في وقت لاحق من حياتهم، كما أنه لدى المراهقين الذين تعرضوا لتلك الممارسات في طفولتهم قشرة جبهية أمامية ولوزة أصغر من غيرهم، وهما الجزءان المسؤولان عن تنظيم العواطف والاضطرابات النفسية.