ومن أبرز ما تحتويه مدينة نينوى الأثرية، وفق المنقب الأثري كرار الروازق، قصر سنحاريب والجنائن المعلقة ومكتبة آشور بانيبال آخر ملوك الإمبراطورية الآشورية العظماء، وهي مكتبة ضخمة عثر فيها على أكثر من 30 ألف لوح طيني.
مدينة نينوى الأثرية تعرضت إلى تدمير نتيجة الإهمال والعمليات العسكرية (الصحافة العراقية)
يواصل العراق استعداداته الحثيثة لافتتاح مدينة نينوى الأثرية، والتي تعد من أهم المواقع التاريخية في البلاد، وكشفت مديرية الآثار والتراث بمحافظة نينوى في مايو/أيار الماضي، عن إجراء 3 دول عمليات تنقيب بالمدينة الأثرية.
وتوقعت المديرية أن يتم افتتاح مدينة نينوى الأثرية العام المقبل لاستقبال الزوار، بينما ستستمر عمليات التنقيب عدة سنوات أخرى، وتبلغ مساحة المدينة الأثرية نحو 6 كيلومترات مربعة، وتضم بعض القصور الآشورية والبوابات والعديد من البيوت والأسواق الأثرية.
تحفة أثرية
وتعتبر مدينة نينوى الأثرية الواقعة شمال العراق على ضفة نهر دجلة اليمنى، من أقدم المدن وأعظمها في العصور القديمة، حيث كانت عاصمة الإمبراطورية الآشورية، ومن أكبر مدن العالم القديم، واستوطنت المنطقة التي تقع فيها نينوى منذ عام 6000 ق.م، وبحلول عام 3000 ق.م أصبحت مركزا دينيا مهما لعبادة الإلهة عشتار، وفق المنقب الآثاري كرار الروازق.
مدينة نينوى الأثرية تضم قصورا آشورية وبوابات وبيوتا وأسواقا أثرية (مواقع التواصل الاجتماعي)
ويبين الروازق في حديثه للجزيرة نت أن نينوى الأثرية تعرضت للغزو والتدمير عبر العصور، وبعد نشأة الإمبراطورية الآشورية الحديثة استفادت المدينة من نهضة كبيرة، كونها أصبحت عاصمة للمملكة العظيمة في عهد الملك سنحاريب، وامتدت تلك الإمبراطورية من غرب إيران حتى وصلت إلى البحر المتوسط.
وعمل الملك سنحاريب على إعمار الريف المحيط بالعاصمة نينوى وشيد المباني والقصور فيها، وقد نقشت بطولات الملك والحملات العسكرية التي قام بها على جدران القصور والمعابد، وقد وسّع الملك مساحة المدينة لتصل إلى 750 هكتارا، وتم تشييد الجدران الحصينة التي بنى من خلالها 15 بابا، إضافة إلى قيامه بتوسيع الطرقات وإنشاء طريق ملكي.
ومن أبرز ما تحتويه مدينة نينوى الأثرية، وفق الروازق، قصر سنحاريب الذي ليس له مثيل من حيث الفخامة، وكذلك الجنائن (الحدائق) المعلقة، ومكتبة آشور بانيبال آخر ملوك الإمبراطورية الآشورية العظماء، وهي مكتبة ضخمة عثر فيها على أكثر من 30 ألف لوح طيني، تغطي نحو 1200 موضوع، منها ملحمة جلجامش من الشعر البابلي، وقصة الخلق البابلية، وأسطورة أدبا والرجل الفقير من نيبور وغيرها.
العراق يواصل استعداداته لافتتاح مدينة نينوى الأثرية أحد أهم المواقع التاريخية في البلاد (مواقع التواصل الاجتماعي)
افتتاح مرتقب
وفي حديث خاص للجزيرة نت يقول مفتش آثار وتراث نينوى خير الدين أحمد ناصر، إنه لا يوجد في الوقت الحاضر سقف زمني لافتتاح مدينة نينوى الأثرية أمام السياح، لكن أعمال التنقيب والتأهيل السياحي مستمرة.
ويؤكد ناصر أن التنقيبات داخل مدينة نينوى الأثرية متواصلة، وهنالك أعمال مصاحبة تتعلق بتأهيل المدينة، لتكون مدينة سياحية تستقبل الزائرين من كافة أنحاء العالم.
ويكشف مفتش الآثار عن أن هذه المدينة يحيط بها سور بطول أكثر من 12 كيلومترا، وهو عبارة عن سور من الطين، ويتقدمه سور دفاعي حجري، ويضم هذا السور أكثر من 18 بوابة معروفة حاليا، ومن المتوقع ازدياد هذا العدد، حيث نجحت أعمال التنقيب في استعادة بوابة "أدد" بعد أن تم تجريفها من قبل مسلحي تنظيم الدولة.
وينوه ناصر إلى أنه بعد الاستقرار الأمني الواضح في محافظة نينوى، أصبح من الممكن استقبال السياح في المحافظة، فور الانتهاء من تهيئة البنى التحتية لغرض استقبال الزائرين داخل هذا الموقع، وسيتم الإعلان عن افتتاحه من قبل الهيئة العامة للآثار والتراث في بغداد.
أعمال التنقيب في مدينة نينوى الأثرية مستمرة من قبل بعثات أجنبية عديدة وكوادر عراقية (مواقع التواصل الاجتماعي)
ترتيبات ضرورية
من جانبه، يرى الكاتب والباحث أحمد الملاح، أن مدينة نينوى تعتبر من أعظم مدن العالم القديم خلال عصر ازدهار الحضارة الآشورية، لكن ما تم استخراجه منها محدود جدا وغير صالح للعرض بشكله الحالي، وإنما هو بحاجة لترميم وتنظيم ليكون مناسبا لاستقبال الزوار.
ويبين الملاح للجزيرة نت أن قرار استقبال الزوار داخل المدينة غير مكتملة التنقيب سيكون بحاجة للعديد من الترتيبات، منها وضع مسارات محددة لدخول المدينة وإخضاع الزيارات لجولات خاصة يرافق الزوار فيها موظفون من مفتشية الآثار لمنع حدوث أي عبث أو تخريب، وكذلك منع إدخال المركبات إلى داخل المنطقة الأثرية لمنع حدوث أضرار للآثار المدفونة تحت التربة.
ويشدد على أن قرار افتتاح المدينة يجب أن يدرس من جميع الجوانب، لأن افتتاح مدينة أثرية عظيمة مثل نينوى لا ينبغي أن يكون بطريقة بسيطة وجزئية، بل بمشروع ضخم يحوّل المدينة الأثرية وما حولها لمنطقة جذب سياحي حقيقية تشمل استخراج المدينة الأثرية، وافتتاح متحف الموصل وتوسعته، وتأهيل المناطق المحاذية للمدينة الأثرية بالفنادق والمرافق السياحية والترفيهية، علاوة على إعادة إعمار وافتتاح محطة القطار ومطار الموصل.
ويعرب الملاح عن اعتقاده بأن "فكرة افتتاح مدينة نينوى الأثرية المهمة بهذه الطريقة الهزيلة والمستفزة غير مقبول، ويجب الانتباه لخطورة حرق هذه الورقة دون الاستفادة منها بمشروع ضخم حقيقي".
الملاح يرى أن افتتاح مدينة أثرية عظيمة مثل نينوى لا ينبغي أن يكون بطريقة بسيطة وجزئية
أهمية سياحية
وأصبحت السياحة في محافظة نينوى وما تستند إليه من إرث تاريخي وحضاري في عالم اليوم اللاعب الأساس في التنمية السياحية المحلية، وتشير الدلائل الإحصائية والمؤشرات الاقتصادية والاستقراء التاريخي، إلى أن السياحة ستكون أحد أهم الركائز الأساسية لاقتصاد محافظة نينوى، بحسب نقيب السياحيين في العراق الدكتور محمد عودة حسين العبيدي.
ويضيف للجزيرة نت، أن المواقع السياحية في نينوى تعد بمثابة "جنات عدن" لما تحتويه هذه المحافظة من مقومات طبيعية وعلاجية وترفيهية وثقافية وأثرية ودينية، لذا يمكن اعتبارها من أهم المحافظات التي تمتلك مقومات سياحية، وتحتوي على مشاتٍ ومصايف عالمية لما تحتويه من عيون معدنية ومناظر ساحرة وجميلة وخلابة.
العبيدي يعتقد أن السياحة ستكون أحد أهم الركائز الأساسية لاقتصاد محافظة نينوى
ويرجح العبيدي بحسب ما هو متداول ضمن المواقع الرسمية، بأن تتوفر خدمات تتسم بالجودة العالية والتميز، بالإضافة إلى إنشاء مرافق سياحية متعددة تتلاءم مع طبيعة المنطقة السياحية المتنوعة من حيث عناصر الجذب السياحي المتمثلة بالجانب التاريخي والأثري والديني.
ويستبعد العبيدي وجود توجه للاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال، وقال إن المسؤولين اكتفوا بإعداد خطة لتطوير موقع "نينوى الأثري" باعتباره أحد أهم المواقع الأثرية في العالم، والذي وضع على قائمة التراث المعرض للخطر؛ بسبب تعرضه للتخريب.
وحول العقبات التي تعيق الاستثمار في هذا القطاع، يذكر العبيدي العديد من المعوقات والتي تتعلق بالقوانين والتعليمات السابقة، وما يتعلق منها بتخصيص الأراضي لإقامة المشاريع الاستثمارية المهمة وما له صلة بملكية الأراضي.
بالإضافة إلى الروتين والبيروقراطية القاتلة، وتقاعس معظم الدوائر الحكومية عن تسهيل عمل المستثمرين، وانتشار ظاهرة الفساد المالي والإداري بشكل كبير، وضعف ثقافة الاستثمار عند المواطنين، إضافة إلى الخلل في الأنظمة المصرفية الحكومية وعدم تعاونها في دعم قطاع الاستثمار والمستثمرين، مع هيمنة القطاع العام على معظم الاستثمارات الكبيرة في البلد وغير ذلك، بحسب العبيدي.
مخاطر عديدة
ومع التفكير بفتح الموقع الأثري أمام الزوار تظهر هناك العديد من المخاطر، أولها تأثر الآثار الموجودة في هذه المنطقة، وخاصة إذا كانت المنطقة غير مؤمنة من خلال التسييج أو الحراسة وغيرها، بحسب الناشط المهتم بإحياء التراث الموصلي أيوب ذنون.
وفي حديثه للجزيرة نت يعتقد ذنون أن افتتاح المدينة الأثرية يؤثر على عمليات التنقيب، لأن المنطقة غير مؤهلة لاستقبال السياح، ولا بد من خطوات كبيرة وجادة قبل افتتاحها، الذي طال انتظاره كونها من أهم المناطق الموجودة في محافظة نينوى.
وشدد ذنون على ضرورة تأمين هذه المنطقة بعمل سياج كبير حولها، أو إذا كان من الممكن إعادة سور نينوى الأثري لتأمين المكان، مع الحراسة المشددة للمنطقة بشكل كامل.
ويختم بالقول "توجد فرق كبيرة، ومنها فريق تراث الموصل الذي أعمل فيه لتوعية الأهالي بأهمية هذه المواقع وكيفية التعامل معها، وزيادة الوعي لدى الأطفال والشباب بالعمق التاريخي لهذه المدينة، والتعمد الذي كان في طمس ذاكرة تاريخية لها خلال سيطرة تنظيم الدولة عليها وخلال الحرب".