العراق جاء بالمرتبة الثانية في هدر الطعام بمنطقة آسيا الوسطى
يعد الطبخ المستدام أحد الأساليب الحديثة لإعداد الطعام بطريقة لا تتسبب في الإفراط باستهلاك الموارد الطبيعية، ويمكن أن تستمر في المستقبل من دون الإضرار بالبيئة أو الصحة. ومع انطلاق فعاليات اليوم العالمي لفن الطبخ المستدام والذي خصصته الأمم المتحدة في 18 يونيو/حزيران من كل عام، لتشجيع فكرة الاستدامة، نسلط الضوء على معاناة العراق من مشكلة هدر الطعام والإسراف فيه بينما يعيش الملايين تحت خط الفقر.
وتقدر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) أن ثلث الأغذية المنتجة كل عام لا تصل إلى الطاولة، وهذا يرقى إلى الهدر الكبير وعدم الكفاءة، ويعتبر الحد من هدر الغذاء أحد أهم المجالات الخمسة المثيرة للقلق في الانتقال إلى أنماط حياة أكثر استدامة.
وتوصي المنظمة الدولية، جميع الأفراد، بالمساهمة في مكافحة هدر الطعام عن طريق الطهي بشكل أقل، ومشاركة الطعام مع الجيران، وزيادة الوعي بين مجتمعاتنا، فضلا عن ضرورة التغييرات المنهجية عبر الصناعات الرئيسية لمعالجة هدر الغذاء.
زينة اعتبرت أن تغير المناخ يعد أحد أكبر التهديدات للأمن الغذائي في العراق
العراق والهدر
وبحسب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فقد جاء العراق بالمرتبة الثانية في هدر الطعام بعد البحرين بمنطقة آسيا الوسطى، حيث يهدر الفرد العراقي من الطعام سنويا ما يبلغ 120 كيلوغراما، في حين يبلغ الهدر العام سنويا نحو 5 ملايين طن من الطعام.
وتبيّن الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق زينة علي أحمد، أن الطبخ المستدام يختص بإنتاج الطعام وطهيه واستهلاكه بطريقة لها تأثير ضئيل على البيئة.
وتضيف للجزيرة نت أن النظم الغذائية المستدامة تهدف إلى تجنب إتلاف الموارد الطبيعية أو إهدارها، ويمكن أن تساعد في مكافحة آثار تغير المناخ، لأنها تركز على شراء المنتجات المحلية.
مبادرة حفظ النعمة توزع الأطعمة على العائلات المتعففة
وحول مستقبل الغذاء في العراق، تفيد زينة، بأن تغير المناخ يعد أحد أكبر التهديدات للأمن الغذائي في العراق أو العالم بشكل عام، كما أن العراق هو من بين البلدان الخمسة الأولى الأكثر عرضة لتغير المناخ، فإن تزايد تكرار الكوارث والظواهر الجوية مثل ارتفاع الحرارة، وقلة الأمطار، وارتفاع الملوحة، وتكرار العواصف الترابية، كل ذلك له تأثير مدمر على الأمن الغذائي وسبل العيش.
وتضيف أن شح المياه يعد أيضا قضية وتهديدا كبيرين للإنتاج الزراعي، لافتة بالقول، "نحن نعمل مع حكومة العراق على إيجاد حلول للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه".
وتؤكد زينة أن الغذاء يلعب دورا مهما في دعم السلام والتماسك الاجتماعي، فالضيافة والكرم هما من العناصر الحيوية المهمة في الثقافة العراقية، كما أن الطعام يوحدنا في جميع أنحاء العالم، مما يسمح لنا بالتحدث بلغة مشتركة وفهم بعضنا بعضا بشكل أفضل من خلال التعرف على التقاليد الفريدة لبعضنا بعضا.
وتشير الممثلة الأممية إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق من خلال كتاب الغذاء، الذي يتعمق في تاريخ وثقافة الطعام في العراق، كما يركز على تقاليد كل محافظة عراقية على حدة.
البدراني أسلوب الطبخ المستدام يهدف لتقليل الهدر والحفاظ على الموارد
تعبير ثقافي
ويقول مدير مكتب "جمعية الاتحاد الدولي ماستر شيف العرب" في العراق عمر البدراني، إن الطبخ المستدام هو تعبير ثقافي يتعلق بالتنوع الطبيعي والثقافي في العالم، وله دور كبير في تعزيز التنمية الزراعية، فالأهمية الرئيسية للطبخ المستدام هي تقليل الهدر والحفاظ على الموارد.
ويضيف البدراني للجزيرة نت أن الأمم المتحدة خصصت هذا اليوم، لأن تناول الطعام المحلي المستدام يحدث فرقا كبيرا في البيئة والاقتصادات، وتتوقع الأمم المتحدة أنه في عام 2050 يجب إطعام 9 مليارات إنسان، وفي وقتنا الحالي 32% من الطعام في العالم يهدر إما في عملية الإنتاج أو بسبب الاكتفاء.
بدوره، أكد الشيف محمد قاسم، أهمية الطبخ المستدام ودوره الحيوي في الحفاظ على موارد العراق وبيئته.
ويضيف للجزيرة نت أن مشاكل الأمن الغذائي في العراق جاءت بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والنمو السكاني وزيادة البطالة وتحويل المساحات الزراعية إلى سكنية؛ مما أثر بشكل رئيس على توفير المواد الغذائية.
ويشير قاسم إلى أن غياب دعم المنتج الوطني وإهمال المزارع والمزارعين وشح المياه أدى إلى قلة المنتوج وتغير أجواء العراق المناخية.
الكعبي أعرب عن أسفه لافتقار العراق إلى الفعاليات الخاصة بيوم الطبخ المستدام
الطبخ المستدام
ويعد المطبخ العراقي من أقدم المطابخ في العالم، ويتميز بعدة أكلات فريدة من نوعها، وهناك منظمات متخصصة تفتح دورات لتعليم الطبخ المستدام والاستهلاك الغذائي والتوعية بذلك، وفق عضو جمعية طهاة العراق الشيف علي الكعبي.
وفي حديثه للجزيرة نت يعرب الكعبي عن أسفه لافتقار العراق إلى الفعاليات الخاصة بيوم الطبخ المستدام، مع قلة الفعاليات المتعلقة بالطهي بصورة عامة.
ويبيّن الكعبي أن المطبخ العراقي يفضل الاعتماد على المنتجات المحلية من اللحوم والدواجن والأسماك والمزروعات، ويحاول المحافظة على أصالته مع مواكبة التطور.
ويشير إلى أن الكثير من الأكلات العراقية لها ما يشبهها في دول العالم، مذاقها ونكهتها المميزة تدفع العراقيين للتمسك بمطبخهم الشعبي، خاصة أكلات المسموطة الجنوبية والكبة الموصلية والدولمة والسمك المسكوف، فضلا عن الأطباق الأخرى، معتبرا المطبخ العراقي غنيا جدا.
ويؤكد الكعبي أهمية العلاقة بين المطبخ والطبيعة، حيث إن تقليل الهدر يوفر أشياء مفيدة للبيئة، أما هدر الطعام بصورة خاطئة يحوله إلى نفايات تضر طبيعة العراق وبيئته.
ودعا الكعبي العراقيين إلى الاهتمام بالطبخ المستدام والحفاظ على الطعام، نظرا للظروف التي تمر بها البلاد من كل النواحي، وخاصة الضرر الكبير بالبيئة والتصحر الذي نشهده.
المشهداني يرى أن الإسراف في الولائم أصبح جزءا من الثقافة يتوارثها الكثير من العراقيين
هدر الطعام
ويعتقد الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن المشهداني، أن العراق يأتي في مقدمة الدول من ناحية الإسراف وهدر الطعام بسبب النمط الغذائي الفريد الذي يميّز العراقي عن غيره في دول المنطقة.
ويضيف للجزيرة نت أنه لما يأتي ضيف في أي منزل عراقي، سواء كان لشخص فقير أو أرملة أو شيخ عشيرة، تجده يقدّم أفخم الطعام، لكي يظهر بأحسن صورة، من أجل التباهي بالدرجة الأساس وإكرام الضيف.
ويكشف المشهداني عن وجود هدر كبير للطعام في المطاعم والبيوت وحتى المناسبات الدينية والزيارات والتي يجري فيها طبخ كميات كبيرة من الطعام، وقد تستمر الولائم الجماعية لأيام عديدة.
صبي يجمع الطعام من بين أكوام القمامة في جنوب الموصل (الفرنسية)
وينوه الخبير الاقتصادي إلى أن الإسراف في الولائم أصبح جزءا من الثقافة يتوارثها الأبناء من الآباء ويعتبرونها نوعا من الكرم، لكنها بالحقيقة هدر للموارد.
ويلفت إلى وجود نحو 4.5 ملايين عراقي تحت خط الفقر، ويهددهم الجوع، فيما نجد أن نصف سكان العراق على الأقل يهدرون الطعام، لذا فالطعام المهدور يكفي لإطعام جياع العراق ويزيد.
ويدعو المشهداني للاستفادة من التجربة التركية في الاتفاق مع أصحاب المطاعم بأخذ الطعام الفائض وإعداده بشكل جيد من أجل توزيعه على العائلات الفقيرة، بعد إعداد قاعدة بيانات عن الفقراء والمحتاجين في كل منطقة.
ويشير إلى أنه ورغم وجود التكافل الاجتماعي الذي تقوم به بعض الجمعيات والمؤسسات الدينية بالعراق في محاولة للحد من الجوع لكنه دور محدود، وبحاجة إلى تفعيل أكبر.
الحاتمي: مبادرة حفظ النعمة في الفلوجة توفر الطعام لأكثر من 300 عائلة يوميا
حفظ النعمة
وشهد العراق العديد من المبادرات لجمع الطعام الفائض عن الحاجة وتوزيعه على المحتاجين، أو وضعه في براد بمكان عام ليأخذ منه مَن يريد.
وحول هذه المبادرات يقول مدير مطبخ الصدقة الجارية في مدينة الفلوجة (غربي العراق) ياسين الحاتمي، إنهم أطلقوا مبادرة "حفظ النعمة" عام 2017 بالاتفاق مع مطاعم المدينة، وأصحاب المناسبات والولائم الكبيرة سواء كانت مآتم أو أعراسا، حيث يقوم فريقهم بجمع هذا الطعام وترتيبه، ومن ثم توزيعه على العائلات المتعففة والأيتام.
ويؤكد للجزيرة نت، أن مبادرتهم ذاتية وتطوعية بعيدة عن الأحزاب، وليس لديهم أي دعم أو ارتباط حكومي، ودعا إلى تعميم المبادرة في عموم العراق لتقليل الهدر الحاصل في الطعام.
واقترح الحاتمي وضع حاويات مخصصة لبقايا الطعام في كل حي، حتى يبادر الجميع، وأن تكون هناك حملات عبر المساجد ومواقع التواصل الاجتماعي لتوعية الناس بأهمية الطبخ المستدام والحفاظ على النعمة.
وعن مبادرتهم يوضح الحاتمي أنهم استطاعوا توفير الطعام لأكثر من 300 عائلة يوميا وخلال فترة وجيزة، بالتعاون مع الكثير من مطاعم المدينة، كل حسب إمكانياته.