استطاعت هذه الدراسة التفرقة بين حاصل ما يتعلمه الإنسان خلال مرحلتي التعلم الكامن والصريح، وهي إحدى الدراسات القليلة التي أظهرت أدلة على وجود التعلم الكامن.


يعدّ التعلم الكامن عملية لا إرادية يميز بها الإنسان الأشياء المختلفة دون وعي منه أو نية (غيتي)
تُكسبنا عملية التعلم خبرات مختلفة عبر تخزين العقل مجموعة من المعلومات واسترجاعها لاحقا، مع ذلك لا يحتاج الطفل -مثلا- إلى حضور حصص مدرسية بغرض التمييز بين الكلاب والقطط، فهو يستطيع تصنيفها بوصفها كائنات مختلفة عن بعضها بعضا بمجرد ملاحظتها في حياته اليومية.
يُطلق العلماء على ذلك النوع من التعلم "التعلم الكامن" أو "التعلم غير الواعي"، وطبقا لموقع "سيمبل سيكولوجي" (Simple psychology) يُعدّ التعلم الكامن عملية لا إرادية يميز بها الإنسان الأشياء المختلفة دون وعي منه أو نية، وهو تعلُم لا تعززه السلوكيات، أي أن الفرد لا يتعلم امتثالا لأوامر الآخرين، مثلما هي الحال في حث الأطفال على استذكار دروسهم.
ويرجع فضل دراسة نظرية التعلم الكامن وتطويرها إلى عالم النفس الأميركي إدوارد تولمان.
وفي محاولة لتأكيد تلك النظرية، أجرى البروفيسور فلاديمير سلوتسكي أستاذ علم النفس بجامعة أوهايو الأميركية، والباحثة بالجامعة نفسها ومؤلفة الدراسة الرئيسية ليلى أونجر بحثا بهدف تقديم أدلة علمية تجريبية تثبت قدرة العقل على تمييز الأشياء عبر التعرض العَرَضي لها دون وجود رغبة في فهم طبيعة تلك الأشياء.

ونُشرت نتائج الدراسة في دورية "سيكولوجيكال ساينس" (Psychological science) يوم 26 مايو/أيار الماضي.



نكتسب الخبرات أثناء ممارستنا الأنشطة اليومية المعتادة، وتضيف عقولنا يوميا المزيد من التصنيفات (غيتي)


يتعلم الإنسان الكثير يوميا دون قصد منه

أوضح الباحثون في بداية دراستهم احتواء خبراتنا الحياتية على العديد من التصنيفات، فنحن -مثلًا- نصنف الكلاب كلابا بناء على بعض المعايير، ونعتبرها متشابهة إلى حد كبير بغض النظر عن الاختلافات الدقيقة بين أنواع الكلاب فيما يتعلق بألوانها وأحجامها، فإذا عرفنا أن أحد أنواع الكلاب يَملك قلبًا ذا 4 غرف، فإننا نستنتج ضمنيا امتلاك الأنواع الأخرى القلب نفسه.
معرفتنا تلك المعلومات لا تستدعي وجود رغبة في تعلمها، بل إننا اكتسبنا تلك الخبرات أثناء ممارستنا الأنشطة اليومية المعتادة، وتضيف عقولنا يوميا المزيد من التصنيفات، وتضم شرائح جديدة داخل التصنيف الواحد تلقائيًا.
ويستعرض البروفيسور سلوتسكي نتيجة الدراسة قائلا "نحن نلاحظ أشياء جديدة من حولنا دون أن نرغب في التعرف على ماهيتها، وقد اكتشفنا أن هذا التعرض يترك انطباعا في أدمغتنا يجعلنا مستعدين لمعرفة المزيد عن تلك الأشياء في وقت لاحق".



شملت الدراسة إجراء 5 تجارب على 438 شخصا بهدف تحديد تأثير التعلم الكامن (شترستوك)


تأثير التعرض العرضي للأشياء على التعلم

شملت الدراسة إجراء 5 تجارب على 438 شخصا بهدف تحديد تأثير التعلم الكامن في قدرات التعلم لدينا، وانقسمت كل تجربة منها إلى مرحلتين، الأولى يطلق عليها "مرحلة التعرض"، خلالها تفاعل الخاضعون للتجربة مع لعبة حاسوب بسيطة تتضمن مشاهدة صور ملونة ومخلوقات غير معروفة، دون تقديم أي معلومات عن تلك المخلوقات.

وقسّم الباحثون المخلوقات إلى فئتين (أ) و(ب)، وامتلكت تلك المخلوقات صفات مختلفة، كأن تختلف ألوان أيديها وذيولها. وعُرِضت المخلوقات من الفئتين على المشاركين باستثناء مجموعة المقارنة (Control group) التي شاهد أعضاؤها مجموعة أخرى من المخلوقات غير الموجودة في الفئتين (أ) و(ب).
وخلال المرحلة التالية في التجربة المسماة "التعلم الصريح"، تعرف المشاركون على المزيد من المعلومات عن تلك المخلوقات، مثل اسمي الفئتين، وكيفية تحديد المخلوقات التابعة لكل منهما. أما الخطوة الأخيرة فهي قياس مدى سرعة تعلم المشاركين التمييز بين مخلوقات الفئتين.
وتوضح أونجر نتيجة التجربة السابقة قائلة "وجدنا أن تَعلُم الأفراد ممن تعرضوا لصور المخلوقات مسبقا كان أسرع مقارنة بأفراد مجموعة المقارنة، فقد تمكّن المشاركون خلال مرحلة التعرض من الإلمام بالخصائص المختلفة لكل فئة من الفئتين (أ) و(ب)، كأن يتوقعوا أن المخلوقات ذات الذيول الزرقاء تميل إلى امتلاك أياد بنية. وخلال مرحلة التعلم الصريح، صار من السهل عليهم تصنيف المخلوقات إلى شرائح".



تمكن المشاركون الذين شاهدوا صور المخلوقات مسبقا من تعلم كيفية تمييز الاختلافات (غيتي)


تجربة جديدة لدعم النتائج

وفي محاولة لتأكيد النتائج، لجأ الباحثون إلى تجربة مشابهة للتجربة الأولى عرضوا خلالها صورا للمخلوقات نفسها مع بث صوت معين عند عرض كل صورة، وطُلِب من المشاركين الضغط على زر عند سماع الصوت نفسه مرتين متتاليتين.

ويقول سلوتسكي "لقد ربطنا بين الصور والأصوات عشوائيا، وهو ما لم يساعد المشاركين على تمييز تلك الأصوات. وفي الحقيقة كان بإمكان المشاركين إهمال الصور تماما، ومع ذلك لم يتأثر أداؤهم سلبا".
وكحال التجربة الأولى، تمكن المشاركون الذين شاهدوا صور المخلوقات مسبقا من تعلم كيفية تمييز الاختلافات بين الفئتين وتصنيف المخلوقات أثناء مرحلة التعلم الصريح، وخلال وقت أقصر مقارنة بأداء أعضاء مجموعة التجربة.
وقد أثارت النتائج السابقة تساؤلا هاما: هل من المحتمل أن يكون المشاركون قد استطاعوا تعلم الاختلافات بين فئتي المخلوقات خلال التعرض الأولي لصورها دون الحاجة إلى الخوض في مرحلة التعلم الصريح؟ وقد أجابت أونجر بالنفي.



استطاعت هذه الدراسة التفرقة بين حاصل ما يتعلمه الإنسان خلال مرحلتي التعلم الكامن والصريح (شترستوك)


التعلم الكامن لا يغني عن التعلم الصريح

لدعم تلك الإجابة، عرضت لعبة الحاسوب خلال بعض التجارب واحدا من المخلوقات في منتصف الشاشة على أن يقفز يمينا أو يسارا، وطُلِب من المشاركين الضغط على زر معين إذا قفز المخلوق إلى اليمين، والضغط على زر آخر في حال قفزه إلى اليسار.

لم يعرف المشاركون في التجربة حقيقة هامة: مخلوقات الفئة الأولى دوما ما تقفز يمينا، وتقفز مخلوقات الفئة الثانية دوما إلى اليسار. وإذا أدرك المشاركون تلك الحقيقة، فستكون استجاباتهم عبر الضغط على الزر الصحيح أسرع.
وبعكس التجربتين السابقتين، أشارت النتائج إلى عدم زيادة سرعة استجابة المشاركين في التجربة، أي أنهم لم يستطيعوا تَعلُم أو تمييز الاختلافات بين صفات مخلوقات كل من الفئتين خلال مرحلة التعرض.
ويعلل سلوتسكي تلك النتيجة موضحا "لقد تركت مرحلة التعرض انطباعا عن المخلوقات لدى المشاركين، إلا أنه ليس أمرا كافيا لتمييز الاختلافات بين المخلوقات وتصنيفها، مع ذلك ساهم ذلك التعرض المُبكر في تسهيل التعلم لاحقا".

ويضيف "استطاعت هذه الدراسة التفرقة بين حاصل ما يتعلمه الإنسان خلال مرحلتي التعلم الكامن والتعلم الصريح، وهي إحدى الدراسات القليلة التي أظهرت أدلة على وجود التعلم الكامن".