الجديد هنا هو ملاحظة أن الحشرات تُصلح الأضرار التي لحقت بأصدقائها من الأشجار إذا كان هذا المأوى مهددا.
تعيش أشجار سيكروبيا في علاقة تكافلية مع نمل الأزتيك الشرس (ساينس ألرت)
بعد ظهر أحد الأيام، وخلال الأيام الأولى لانتشار وباء "كوفيد-19" (COVID-19) في بنما، أطلق مراهق يشعر بالملل الكرات الطينية من مقلاعه ليحدث عن طريق الخطأ فتحات دخول وخروج "جروح" في جذع شجرة "سيكروبيا" (Cecropia) المعروفة أيضا باسم أشجار "نبات النمل"، والتي تشتهر بالتعاون مع نمل الأزتيك الشرس. وتوفر الأشجار المأوى والطعام للنمل، وفي المقابل يدافع النمل عن أوراقها ضد الحيوانات العاشبة.
عندما أطلق "أليكس ويسسلو" تلميذ المدرسة الثانوية كرة طينية بطول 9 مليمترا بواسطة مقلاعه تاركا جروحا في الشجرة؛ لم يكن يتوقع ما حدث، فقد ركض النمل إلى منطقة الجرح وبدأ في ترقيعها. وكما جاء في تقرير لموقع "ساينس ألرت" (Science Alert) فإنه في غضون ساعتين ونصف تم تقليل حجم الحفرة بشكل كبير.
وأدى ضرب المقلاع العرضي على شجرة سيكروبيا في بنما -والمعروفة باسم جَرُوْمَة أو صُقْرَاب- إلى اكتشاف مفاجئ، وهو استعداد "نمل الأزتيك" (Azteca alfari) الذي يعيش داخل هذه الأشجار لإصلاح الأضرار التي تلحق بمنازلهم في أقل من 24 ساعة؛ وذلك وفقا لورقة بحثية منشورة في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي في دورية "جورنال أوف هايمنوبترا ريسيرش" (Journal of Hymenoptera Research).
اكتشف 5 طلاب بالصدفة كيف يستجيب نمل الأزتيك للأضرار التي لحقت بأشجار سيكروبيا (يوريك ألرت)
حماسة طلاب الثانوية أدت لاكتشاف مهم
ما حدث من إصلاحات سريعة للجروح المتروكة في جذع الشجرة أثار حماسة ويسسلو؛ ما جعله يقوم بمزيد من التجارب مع 5 من أصدقائه الطلاب، فحفر ثقوبا في أشجار أخرى لمعرفة كيف سيتم إصلاحها.
أصلح النمل الساكن داخل تلك الأشجار الدمار الذي حدث مرارا وتكرارا. ومن ثم تم تسجيل وكتابة هذه التجارب ونشرها في ورقة بحثية، كجزء من برنامج المتطوعين في "معهد سميثسونيان لأبحاث المناطق المدارية" (Smithsonian Tropical Research Institute"
يقول ويليام ويسسلو -وهو عالم الأخلاق في المعهد- "لقد فوجئت تماما بالنتائج، وقد تأثرت بالطريقة التي طور بها الطلاب طريقة بسيطة لاختبار فكرة أن النمل يصلح الأضرار التي لحقت بمنازله".
لقد تم بالفعل إثبات العلاقة التكافلية أو ذات المنفعة المتبادلة بين نمل الأزتيك والأشجار التي تستضيفه، حيث يبذل النمل قصارى جهده للدفاع عن الأشجار ضد الحيوانات العاشبة، ويتلقى في المقابل إفرازات زيتية مغذية من الأوراق ليأكلها ويؤويها داخل سيقان مجوفة.
يبدو أن التئام الجروح يحدث غالبا عندما تكون الحضنة (البيض واليرقات والعذارى) الخاصة بالنمل في خطر (غيتي)
الجديد هنا هو ملاحظة أن الحشرات تقوم أيضا بإصلاح الأضرار التي لحقت بأصدقائها من الأشجار إذا كان هذا المأوى مهددا. وبناء على البحث الجديد، يبدو أن هذا يحدث غالبا عندما تكون "الحضنة" (the brood) (البيض واليرقات والعذارى) في مستعمرة بخطر.
ويتم إجراء الإصلاحات في هذه الأشجار من خلال استخدام المواد الموجودة داخل جذع النبات نفسه، ولكن هذا لم يحدث في كل الحالات التي تم فيها عمل ثقوب بالشجرة، فقد تم إصلاح 14 حفرة فقط من أصل 22 حفرة أخرى تم حفرها في الشجرة. وبالتالي قد يكون فهم سبب هذا هو موضوع جديد للبحث.
لماذا يصلح النمل إصابات الأشجار؟
كتب الباحثون في ورقتهم المنشورة أن السبب وراء سلوك النمل الخاص بإصلاح الثقوب بالأشجار "قد يكون أن ثقبا في الجدار يعرض مراحل النمل غير الناضجة الضعيفة لمسببات الأمراض الخارجية، أو الحيوانات المفترسة، أو التغيرات في المعايير البيئية الأخرى".
فبعد اختراق أشجار سيكروبيا، سيغلق نمل الأزتيك بعض نقاط الإصابة وليس كلها، مما يعطي مصداقية لفكرة أن الإصلاحات التي تتم في جذع الشجرة تتعلق أكثر بتحقيق رفاهية النمل نفسه أكثر من أي فائدة تحصل عليها الشجرة نفسها.
لا يستطيع الفريق استبعاد احتمال أن الشجرة تتلقى بعض الفوائد من سلوك النمل هذا (غيتي)
هذا مدعوم بالملاحظات التي تم إجراؤها أثناء التجارب، وهي أن النمل سوف يخلي الحضنة قبل البدء في مهمة الترقيع. من المحتمل أنه عندما لا يتم تنفيذ الإصلاحات من قبل النمل، فذلك لأن الأعضاء الضعفاء في المستعمرة ليسوا تحت التهديد المباشر. ومع ذلك، لا يستطيع الفريق استبعاد احتمال أن الشجرة تتلقى بعض الفوائد من سلوك النمل هذا، مثل إفرازات مضادات الميكروبات حول إصابتها.
وعلى الرغم من أن الكريات التي يتم ضربها بالمقلاع لا تمثل عادة مشكلة لأشجار سيكروبيا، إلا أن الثقوب التي تتركها أظافر الكسلان وآكلات النمل غالبا ما تكون مشكلة، وهذا قد يكون سبب تطور النمل الذي يستضيفونه ليتصرف بهذه الطريقة.
يقول أليكس ويسسلو الذي يدرس في المدرسة الدولية في بنما "أحيانا يكون العبث بالمقلاع نتيجة جيدة". فقد "سمح لنا هذا المشروع بتجربة جميع التعقيدات الكامنة وراء الدراسة العلمية بشكل مباشر. وبشكل عام، كانت تجربة تعليمية رائعة، لا سيما بالنظر إلى الصعوبات المرتبطة بتحقيق ذلك بسبب كوفيد-19".