نظرا لمكوناتها فمن المنطقي ألا تكون الألعاب النارية جيدة بالنسبة للبيئة، حيث يؤدي انفجارها إلى إطلاق المعادن الثقيلة وملوثات الهواء الأخرى في الغلاف الجوي، وهو ما له آثار صحية خطيرة
في وقت ما من التاريخ أصبحت الألعاب النارية جزءا لا يتجزأ من الاحتفالات الثقافية الصينية (الفرنسية)
يعتقد معظم المؤرخين أن الألعاب النارية تم اختراعها في الصين على الرغم من أن البعض يجادل بأن مكان الميلاد الأصلي كان في الشرق الأوسط أو الهند.
وحسب مقال منشور على موقع "لايف ساينس" (Live Science) العلمي، نعلم أنه في مكان ما حوالي 800 عام بعد الميلاد قام الصينيون عن طريق الخطأ بخلط الملح الصخري (أو نترات البوتاسيوم) مع الكبريت والفحم واكتشفوا عن غير قصد وصفة كيميائية بدائية للبارود.
اكتشاف البارود بالصدفة
وذكر موقع "سميثسونيان ماغازين" (Smithsonian Magazine) أن الصينيين في وقت مبكر جدا حوالي 200 عام قبل الميلاد كانوا يكتبون على سيقان الخيزران الخضراء ويسخنونها على الفحم حتى تجف، وكان ذلك بمثابة وسيلة لتسجيل المعاملات والقصص قبل أن يتم ابتكار الورق في القرن الثاني بعد الميلاد، وفي بعض الأحيان حينما تترك سيقان الخيزران فوق النار لفترة طويلة فإن الخشب يتمدد، بل وينفجر محدثا ضجة عالية.
ووفقا لمجلة "ساينتيفيك أميركان" (Scientific American)، لاحظ الصينيون أن الضوضاء تخيف فعليا رجال شان شان الجبليين الذين يبلغ ارتفاع مساكنهم 3 أمتار تقريبا بشكل غير طبيعي، وفي وقت لاحق قام الصينيون بإضافة البارود إلى سيقان الخيزران هذه، وهكذا ولدت الألعاب النارية.
ووفقا لمؤسسة السلامة والتعليم الأميركية (The American Pyrotechnics Safety and Education Foundation)، لم يكن هذا ما كانوا يهدفون إليه، فقد كانوا في الواقع يبحثون عن وصفة للحياة الأبدية، لكن ما حصلوا عليه غيّر العالم على أي حال، فبمجرد أن أدرك الصينيون ما فعلوه أصبحوا يعتقدون أن هذه الانفجارات ستبعد الأرواح الشريرة، وأصبح "عقار النار" هذا أو "هوا ياو" (huo yao) جزءا لا يتجزأ من الاحتفالات الثقافية الصينية.
الألعاب والأسلحة النارية
لم يمض وقت طويل قبل أن يستخدم المهندسون العسكريون المادة الكيميائية المتفجرة لصالحهم، فقد اكتشفوا أنهم يستطيعون صنع قنابل بالبارود، ولذلك قاموا بربط مفرقعات نارية بالسهام التي يطلقونها على الأعداء، ويعود أول استخدام مسجل لأسلحة البارود في الصين إلى عام 1046.
أخذ الصينيون عيدان الخيزران التقليدية وربطوها بالسهام ليمطروها على أعدائهم، وفي رواية أكثر قتامة فقد تم ربط الألعاب النارية بالفئران لاستخدامها في حرب القرون الوسطى.
في عام 1295 أحضر ماركو بولو الألعاب النارية من آسيا إلى أوروبا (شترستوك)
وفي غضون 200 عام تالية تم شحن الألعاب النارية في صواريخ يمكن إطلاقها على الأعداء دون الحاجة إلى السهم، ولا تزال هذه التكنولوجيا تستخدم حتى اليوم في عروض الألعاب النارية.
وفي عام 1295 أحضر ماركو بولو الألعاب النارية إلى أوروبا من آسيا، وقالت مؤسسة سميثسونيان (Smithsonian Institution) الأميركية إنه من المحتمل أن الأوروبيين تعرفوا على أسلحة البارود خلال الحروب الصليبية.
وبالنظر إلى أن العرب استخدموا أنواعا مختلفة من الأسلحة الشبيهة بالبارود خلال الحروب الصليبية فمن المحتمل أن البارود وصل إلى الشرق الأوسط على طول طريق الحرير.
وخلال عصر النهضة ظهرت مدارس الألعاب النارية في جميع أنحاء أوروبا، حيث قامت بتعليم الطلاب كيفية صنع انفجارات متقنة، وبعد ذلك طور الغرب هذه التكنولوجيا إلى أسلحة أكثر قوة نعرفها اليوم باسم المدافع والبنادق.
وفي القرن التاسع الميلادي بدأت الصين بمحاولة السيطرة على تدفق البارود إلى جيرانها، على أمل الاحتفاظ بفوائد التكنولوجيا لنفسها في حالة الصراع أو الحرب، ولا تزال بكين تعمل في مجال الألعاب النارية وتنتج وتصدر ألعابا نارية أكثر من أي دولة أخرى في العالم.
كيف تعمل الألعاب النارية؟
تتطلب الألعاب النارية 3 مكونات رئيسية هي عامل مؤكسد ووقود ومزيج كيميائي لإنتاج اللون، يكسر المؤكسد الروابط الكيميائية في الوقود ويطلق كل الطاقة المخزنة في تلك الروابط، ولإشعال هذا التفاعل الكيميائي كل ما تحتاجه هو القليل من النار على شكل فتيل أو لهب مباشر.
وفي حالة الألعاب النارية المبكرة كان الملح الصخري هو العامل المؤكسد الذي أدى إلى التفاعل، أما في الوقت الحالي فتتكون كل لعبة نارية حديثة من قذيفة جوية، وهو أنبوب يحتوي على بارود وعشرات من القرون الصغيرة، كل من القرون تسمى "نجمة"، ووفقا للجمعية الكيميائية الأميركية "إيه سي إيه" (ACA) يبلغ قطر هذه النجوم حوالي 3 إلى 4 سنتيمترات، وتحتفظ بالوقود وعامل مؤكسد وأملاح معدنية أو أكاسيد معدنية من أجل اللون.
وتحتوي الألعاب النارية أيضا على فتيل لإشعال البارود، ويصنع كل نجم نقطة واحدة في انفجار الألعاب النارية، وعندما يتم تسخين الملونات تمتص ذراتها الطاقة ثم تنتج الضوء لأنها تفقد الطاقة الزائدة، وتنتج المواد الكيميائية المختلفة كميات مختلفة من الطاقة، مما يخلق ألوانا مختلفة.
من أين تأتي الألوان المختلفة؟
تتكون ألوان الألعاب النارية من عناصر معدنية مختلفة، وعندما يحترق عنصر ما تطلق إلكتروناته طاقة على شكل ضوء، وتحترق مواد كيميائية مختلفة عند أطوال موجية مختلفة من الضوء.
ووفقا للجمعية الكيميائية الأميركية، تنتج مركبات السترونشيوم والليثيوم درجات حمراء عميقة، فيما ينتج النحاس اللون الأزرق، أما التيتانيوم والمغنيسيوم فينتجان اللون الفضي أو الأبيض، فيما الكالسيوم يحترق إلى اللون البرتقالي، وينتج الصوديوم الألعاب النارية الصفراء.
وأخيرا، فإن الباريوم يحترق إلى اللون الأخضر، فيما تنتج عن الجمع بين الكلور والباريوم أو النحاس ألسنة اللهب الخضراء والفيروزية على التوالي، مع العلم أن اللون الأزرق هو الأصعب في الإنتاج، أما بالنسبة للشكل الذي تنتجه الألعاب النارية فهو نتاج التشريح الداخلي للقذيفة الهوائية أو الصاروخ.
تطورات أخرى وأخطار
ربما تكون الصين قد اخترعت الألعاب النارية، لكن إيطاليا اخترعت القذيفة الجوية التي تدفع تلك الألعاب إلى السماء، كما أنها هي التي جعلت الألعاب النارية ملونة كذلك، فقد تم تطوير القذائف التي تستخدم في عروض هذه الألعاب في ثلاثينيات القرن الـ19 بواسطة خبراء إيطاليين، كما ينسب الفضل أيضا إليهم في اكتشاف إمكانية استخدام المساحيق المعدنية لإنشاء ألوان محددة.
ونظرا لمكوناتها فمن المنطقي ألا تكون الألعاب النارية جيدة بالنسبة للبيئة، حيث يؤدي انفجارها إلى إطلاق المعادن الثقيلة والديوكسينات والبيركلورات وملوثات الهواء الأخرى في الغلاف الجوي، وهذه الملوثات لها آثار صحية خطيرة عند التعرض لجرعات عالية منها.
كما يمكن أن تسبب نترات الباريوم مشاكل في الرئة، فيما تم ربط بيركلورات البوتاسيوم المؤكسد بمشاكل الغدة الدرقية والعيوب الخلقية، لذا يعمل الكيميائيون على تطوير المزيد من وصفات الألعاب النارية الصديقة للبيئة.
ونظرا لمكوناتها فإن الألعاب النارية لا يمكنك إعادة تدويرها كذلك قبل رميها في سلة المهملات، ويعد نقع النفايات المرتجعة في الماء فكرة جيدة دائما.