نوبل الكيمياء عام 1903.. ماذا يحدث حين يذوب الملح في الماء؟
Full Transcript
قبلَ ملايينِ السنوات؛ ارتطمَ نيزكٌ ضخمٌ بكوكبِ المريخِ ليُحدثَ فجوةً مهولةً يبلغُ قطرُها مئةً وتسعةً وعشرينَ كيلومترًا. وفي عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثلاثةٍ وسبعين؛ اتفقَ العلماءُ على تسميةِ تلكَ الفجوةِ باسمِ "أرهينيوس". ذلكَ الرجلُ الذي وهبَ جزءًا منْ وقتِه لدراسةِ علومِ الفلكِ والكونيات؛ وعُرفَ بمقترحِه الخاصِّ بتأليفِ لغةٍ عالميةٍ موحدة؛ واشتهرَ بكونِه أولَ مَنْ قالَ إنَّ انبعاثاتِ الوقودِ الأحفوريِّ ستتسببُ في زيادةِ درجةِ حرارةِ كوكبِ الأرض. وهوَ الرجلُ نفسُه الذي حازَ جائزةَ نوبل الكيمياء عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثلاثةٍ تقديرًا لخدماتِه الاستثنائيةِ التي قدمَها لتقدمِ الكيمياءِ منْ خلالِ نظريتِه في الموصليةِ الكهربيةِ الناشئةِ عنْ التفككِ الأيونيِّ للإلكتروليتات.
هذا الرجلُ هوَ السويديُّ "سفانت أرهينيوس" الذي يُعدُّ أولَ سويديٍّ يحصلُ على جائزةِ نوبل.
بالتأكيدِ؛ نعرفُ جميعًا أنَّ الملحَ يذوبُ في الماء. تلكَ العمليةُ تعني أنَّ ذلكَ المركَّبَ ينفصلُ إلى مكوناتِه الأكثرِ بساطةً ويُعادُ تشكيلُه تحتَ ظروفٍ مختلفة. وحينَ تتفككُ المادة؛ تُنتجُ ما يُعرفُ باسمِ الأيونات؛ تلكَ الأيوناتُ لها شحنةٌ كهربائيةٌ يُمكنُ أنْ تولدَ تيارًا داخلَ المحلول.. أوْ تُوصلَ الكهرباء.
لمْ يكنْ ذلكَ الأمرُ معروفًا بدقةٍ حتى عامِ ألفٍ وثَمانِمئةٍ وأربعةٍ وثمانينَ؛ حينَ قدَّمَ "أرهينيوس" ورقةً علميةً ضخمةً مكونةً منْ مئةٍ وخمسينَ صفحةً يشرحُ فيها نظريتَه حولَ التفككِ الأيوني. كانتْ تلكَ الورقةُ هيَ في الواقعِ رسالةَ دكتوراه؛ إلا أنَّها لمْ تحظَ بالقَبولِ في المجتمعِ العلمي؛ وسخِرَ منها الجميع.
قبلَ أكثرَ منْ مِئَتَي عام؛ صنعَ "فولتا" أولَ بطاريةٍ كهربائيةٍ كيميائية. تكونتْ تلكَ البطاريةُ منْ قطبينِ -أحدُهما زنك والآخرُ نحاس- وبينهما سائلٌ منْ حمضِ الكبريتيك أوْ محلولٌ ملحي. وبعدَ أعوامٍ منِ ابتكارِه تلكَ البطارية؛ انتشرتْ مجموعةٌ منَ النظرياتِ لتفسيرِ توليدِ الكهرباءِ في تلكَ البطارية.
وفي عامِ ألفٍ وثَمانِمئةٍ وثمانين، وصلَ "أرهينيوس" الذي كانَ يدرسُ للحصولِ على الدكتوراة في العلوم. ومنْ خلالِ أبحاثِه في حركةِ التيارِ الكهربائيِّ منْ خلالِ المحلولِ الموجودِ داخلَ البطاريات، تمكَّنَ منْ شرحٍ جديدٍ لأسبابِ الظواهرِ الكيميائية، كانتِ الفكرةُ الأكثرُ أهميةً في رسالتِه العلميةِ هيَ تفسيرُه أنَّه لا الأملاحُ النقيةُ ولا الماءُ النقيُّ موصلٌ جيدٌ للكهرباءِ ولكنَّ محاليلَ الأملاحِ في الماءِ كذلك.
فقدْ تمكَّنَ العالِمُ السويديُّ منْ إثباتِ أنَّ ذوبانَ الأملاحِ في السوائلِ يُنتجُ محاليلَ تحوي جزيئاتٍ مشحونةً هي الأيونات. وأنَّ تلكَ الأيوناتِ توجدُ في المحاليلِ حتى في حالةِ عدمِ وجودِ تيارٍ كهربائي. وهيَ فكرةٌ لمْ يقبلْها المجتمعُ العلميُّ في ذلكَ الوقتِ ولمْ يثبتْ صحتَها فقطْ في المستقبل؛ لكنْ بسببِها حصلَ "أرهينيوس" على جائزةِ نوبل الكيمياء.
وُلدَ "أرهينيوس" في السويد عامَ ألفٍ وثَمانِمئةٍ وتسعةٍ وخمسينَ لعائلةٍ ميسورةِ الحالِ تمتلكُ أراضيَ شاسعة. كانَ عمُّه باحثًا في علومِ النباتاتِ ومديرًا لمدرسةِ الزراعةِ وعضوًا في الأكاديميةِ السويديةِ للعلوم.
في أثناءِ دراستِه الأساسية؛ تفوقَ "أرهينيوس" في الفيزياءِ والرياضيات. وهوَ ما دفعَه إلى الالتحاقِ بجامعةِ "أوبسالا" لدراسةِ العلوم. وفي عامِ ألفٍ وثَمانِمئةٍ وواحدٍ وثمانينَ؛ انتقلَ إلى ستوكهولم للعملِ على بحثِه الرائدِ الخاصِّ بالموصليةِ الكهربيةِ لمحاليلِ الأملاح.
بعدَ إتمامِ ذلكَ البحث؛ انتقلَ لدراسةِ الفلكِ وعلومِ الكون؛ كانَ "أرهينيوس" يعتقدُ بوجودِ الحياةِ على كواكبَ أخرى؛ ويقولُ إنَّ الحياةَ في تلكَ الكواكبِ انتشرتْ عنْ طريقِ الأبواغ؛ وهيَ خلايا تكاثريةٌ قادرةٌ على النموِّ لتكونَ فردًا جديدًا دونَ الحاجةِ إلى الاندماجِ معَ خليةٍ تكاثريةٍ أخرى، إذْ قالَ إنَّ ضغطَ الإشعاعِ (radiation pressure) ربما يسمحُ بانتشارِ بعضِ الكائناتِ الدقيقةِ أوِ الجراثيمِ عبرَ الكون. وهوَ الأمرُ الذي لمْ يَثبُتْ بطبيعةِ الحالِ حتى الآن.
اهتمَّ "أرهينيوس" بفروعٍ فيزيائيةٍ متعددة، كما يتضحُ منْ نظريتِه عنْ أهميةِ ثاني أكسيدِ الكربونِ في الغلافِ الجويِّ بالنسبةِ للمناخ، بالإضافةِ إلى إسهاماتِه المتنوعةِ التي أدتْ إلى شرحِ الظواهرِ المتصلةِ بالشفقِ القطبيِّ الشمالي.
وفي عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ شاركَ "أرهينيوس" في إنشاءِ معهدِ نوبل، وظلَّ عضوًا في لجنةِ نوبل للفيزياءِ وعضوًا في لجنةِ نوبل للكيمياءِ طيلةَ حياته