النهج المطور المستخدم بهذه الدراسة مؤهل لبناء إستراتيجية شاملة لنقل وتخزين الكائنات الحية الدقيقة من البيئة المعقدة في المحيط الجذري للنباتات.
التقاط الكائنات الحية الدقيقة المتنوعة من النباتات السليمة أو المقاومة للإجهاد يؤدي لتحسين حالة النباتات المنزرعة
قد يكون التقاط الكائنات الحية الدقيقة المتنوعة من النباتات السليمة أو المقاومة للإجهاد أداة هامة لتحسين حالة النباتات المنزرعة، وقد يؤدي نقلها من مكان لآخر إلي تحسين صفات بعض أنواع التربة المتدهورة، ويقدم النجاح بهذا الأمر العديد من الفوائد مثل تحسين الممارسات الزراعية، والاستدامة البيئية.
وقد تمكن فريق من العلماء المصريين والألمان من استخدام رقائق وحبيبات الطين الأسواني (الصلصال الذي يصنع منه الفخار) لالتقاط الميكروبات النافعة المحيطة بجذور نباتات الشعير والحفاظ على السلالات الميكروبية الهامة الموجودة في المحيط الجذري للنباتات التي تتمتع بصحة جيدة، واستخدمها في علاج بعض المشكلات الزراعية.
نشرت نتائج الدراسة بدورية "إف إي إم إس ميكروبيولوجي إيكولوجي" (FEMS Microbiology Ecology) في 31 مايو/أيار الماضي، وتفتح هذه التكنولوجيا المستوحاة من الطبيعة آفاقا جديدة في مجال نقل الميكروبيوم البيئي لإعادة تأهيل التربة المتضررة.
نقل وتوظيف الميكروبيوم المرغوب فيه يتطلبان التسليم المناسب لتجمعات الميكروبات الحية
هندسة الميكروبيوم
تلعب الكائنات الحية الدقيقة دورا أساسيا في العديد من وظائف النظام البيئي، مثل تعزيز الاستقرار، مرونة ورفاهية مضيفيهم. كما يمكن أن توفر الإدارة الناجحة لهذه الكائنات الحية الدقيقة فرصة لتحسين قدرة النبات على مقاومة الضغوط الحيوية وغير الحيوية، من خلال تقنيات مثل المجتمع الميكروبي الاصطناعي وهندسة الميكروبيوم.
على سبيل المثال، عند زرع السلالات الميكروبية الهامة الموجودة بالمحيط الجذري (الميكروبيوم) لجذور نباتات الطماطم من صنف مقاوم لمسببات الأمراض ونقلها إلى صنف حساس، تتمكن النباتات الحساسة من قمع المسببات المرضية.
مع ذلك، يتطلب نقل وتوظيف الميكروبيوم المرغوب فيه التسليم المناسب لتجمعات الميكروبات الحية، ويجب أن تكون هذه الأنظمة الناقلة غير قادرة فقط على التقاط الجراثيم المتنوعة ولكن أيضا الحفاظ عليها أثناء نقلها إلى النظم البيئية الجديدة المستهدفة.
الباحثون قاموا بدمج رقائق الصلصال في بيئة نمو نباتات الشعير
تطوير إستراتيجيات فعالة
على الرغم من أهمية هذه الطريقة في علاج العديد من المشكلات الزراعية المزمنة، فإنه لا يوجد سوى عدد محدود من الدراسات المتاحة التي تركز على تطوير إستراتيجيات فعالة لإيصال الكائنات الحية الدقيقة من مكان لآخر بشكل سليم.
وقد قام الباحثون -من خلال الدراسة- بدمج رقائق الصلصال في بيئة نمو نباتات الشعير، وتم تطويرها في ظل ظروف خاصة لالتقاط واستضافة الكائنات الحية الدقيقة. وبعد ذلك، تم اختبار الصلصال الأسواني الناقل للميكروبات من خلال تقنيات حديثة اعتمدت على المعلوماتية الحيوية لرصد جميع الأنواع الميكروبية.
وكشفت الدراسة عن أن حبيبات خرز من الصلصال استطاعت الحفاظ على العزلات النموذجية للأحياء الدقيقة في المحيط الجذري للنبات على المدى الطويل بشكل نقي وقابل للحياة، حتى 11 شهرا في درجات حرارة متنوعة، ومنها درجة حرارة الغرفة.
يقول محمد رمضان عبد الفضيل الباحث الرئيس للدراسة، من كلية علوم الحياة بجامعة هومبولت (Humboldt University) في ألمانيا، وقسم الأحياء الدقيقة بكلية الزراعة جامعة القاهرة، في تصريح للجزيرة نت عبر وسائل التواصل الاجتماعي "استهدفت الدراسة إيجاد طريقة حفظ غير مكلفة تكون متاحة للاستخدام في معظم معامل الميكروبيولوجي، وقد ناقش معي الأستاذ الدكتور نبيل إبراهيم حجازي أستاذ المكروبيولوجي بجامعة القاهرة، والمؤلف المشارك بالدراسة بالحضارة الفرعونية، استخدام الفخار المتشكل من الطين الأسواني المستخدم منذ القدم في صناعة الأواني الفخارية والخزف في حفظ الميكروبات".
الدراسة استهدفت إيجاد طريقة حفظ غير مكلفة تكون متاحة للاستخدام في معظم معامل الميكروبيولوجي
وعن أبرز النتائج التي توصل إليها الباحثون، يقول عبد الفضيل "وجدنا أن حبيبات الفخار المتشكلة من الطين الأسواني باعتباره مادة متاحة وغير مكلفة وطبيعية قادرة على حفظ بعض السلالات الميكروبية المختلفة تحت درجات حرارة متنوعة مثل درجة حرارة الغرفة لمدة سنة".
دور المعلوماتية الحيوية
يقول الباحث الرئيس بهذه الدراسة "استخدمنا أكثر من نهج لإثبات قدرة رقائق الطمي على التقاط الميكروبات المحيطة بجذور النبات، واستعنا بالدكتور محمد الحديدي وهو واحد من أفضل الباحثين المميزين في هذا المجال، لمقارنة وتحليل معلومات المادة الوراثية الخاصة بالميكروبات على جذور النباتات وعلى رقائق الطين".
أما الدكتور الحديدي الأستاذ المساعد للمعلوماتية الحيوية بجامعة النيل المصرية، والمؤلف المشارك بالدراسة، فيقول في تصريح للجزيرة نت عبر وسائل التواصل "استخدمنا تقنيات الترميز الشريطي لتسلسل الحمض النووي لتعريف الميكروبات حيث يوجد هذا التسلسل في معظم البكتريا، ومن ثم استخدمناه لمقارنة الميكروبات الموجودة على جذور النباتات وعلى رقائق الطين".
وأضاف "هذا النهج المطور المستخدم في هذه الدراسة مؤهل لبناء إستراتيجية شاملة لنقل وتخزين الكائنات الحية الدقيقة البيئية المعقدة في المحيط الجذري للنبات".
هذه التقنية يسهل استخدامها كناقل للميكروبات وإعادة التأهيل البيئي للمواقع المتدهورة بيئيا
وعن أهمية هذه الدراسة في مجال تحسين الممارسات الزراعية، يقول عبد الفضيل "استخدام هذه التقنية قد يسهل استخدامها كناقل للميكروبات وإعادة التأهيل البيئي للمواقع المتدهورة بيئيا نتيجة للتلوث أو الظروف البيئية الصعبة لإعادتها لحالتها الطبيعية من التوازن البيئي".
ويؤكد الحديدي أهمية هذه النتائج في مجال الاستدامة البيئية، وتحسين الممارسات الزراعية بقوله "يمكن تطبيق هذه التكنولوجيا الحيوية في الإنتاج النباتي المستدام وإعادة التأهيل البيئي للتربة المتدهورة والمساهمة في تقديم ميكروبيوم صحي للنباتات المستزرعة".
وفي النهاية، يقترح الباحثون أنه إذا تم تطوير هذه التقنية للحفاظ على التجمعات الميكروبية، على المدى الطويل، فسيكون ممكنا أيضا أن تشهد المجتمعات الميكروبية المعقدة نجاحا كبيرا في الدراسات المستقبلية.