يجمع فيلم
"The Outfit الزي" نجما الأوسكار؛ كل من الروائي وكاتب السيناريو الأمريكي "غراهام مور" الذي نالَ الجائزة عن كتابته للفيلم المقتبس "The Imitation Game"، ويخوض غمار الإخراج لأول مرة في فيلمنا هذا “The Outfit”، والممثل والكاتب والمخرج المسرحي البريطاني "مارك رايلانس" الحاصل على جائزة الأوسكار عن شخصيته في فيلم "Bridge of Spies".
يقدم الثنائي عملًا مميزًا، ويعد تحديًا لكليهما، كونه ينتمي إلى نوع أفلام المكان الواحد، التي تحتاج لجهود واضحة في كيفية امتلاك الجمهور أثناء العرض، بسبب تضييق فضاء الأحداث واقتصارها على مكانٍ واحد، لنقل الصراع الدرامي بين الشخصيات، والمكان عنصر ضروري في السينما لا غنى عنه، يضمن التوظيف الصحيح لعناصر ومكونات العمل الفني الأخرى.
ثلاث عناصر رئيسية تتطلبها أفلام "المكان الواحد" لإخبار حكاية جذابة ومشوقة
(الحوار، التمثيل، الكاميرا). الفيلم الجيد مهما اختلف نوعه ونمطه، بحاجة إلى تلك العناصر، ولكن في الأفلام التي تدور في فلك مكاني واحد، أي خلل في أحدها يؤثر على الجودة الفنية للعمل، وبالتالي تزداد احتمالية تشتت المشاهد عن أحداث الفيلم.
قصة فيلم The Outfit.. ذعر وخيانة وشك
يحمل عنوان فيلم الزي معنىً مزدوجًا، هو البدلة في ترجمته الحرفية، وأحداثه تجري ضمن متجرٍ لتصميم أزياء الرجال، ويشير إلى اسم العصابة في الفيلم والتي أيضًا يرتدي أفرادها البدلات الفخمة.
يحملنا “غراهام مور” في حكايته إلى مدينة شيكاغو خلال خمسينيات القرن الماضي، إلى متجر السيد ليونارد بيرلينج “مارك رايلانس” الذي يتقن حرفة التصميم لدراسته الأكاديمية لها لسنواتٍ مضت، لا لحبه بالفن والخلق، على الرغم من أنه فنانٌ في مهنته. يسرد كل من الكاتبين “غراهام مور” و“جوناثان ماكلين” لغزهما من خلال عيون وآذان هذا المصمم البريطاني، المسن ليونارد، الذي انتقل من لندن إلى شيكاغو بعد أن عمل في أشهر متاجر الأزياء في “سافيل رو” التي كانت معقلًا لأهم تجار الملابس الرجالية لأكثر من 170 عامًا، لسببٍ غير واضح حيث يتلاعب بنا عند ذكره.
يجذب الرجل الذائع الصيت ببراعته، والمنظم بشكلٍ دقيق، أثرياء المدينة ورجال العصابات، فمحله التجاري يستخدم كملاذٍ آمنٍ لتبادل الرسائل، وكذا التخطيط لجرائم إحدى العائلات الإجرامية الخطيرة، روي بويل “سيمون راسل بيل” وابنه ريتشي “ديلان أوبرين”، فيجد نفسه عالقًا في دائرة صراع الأب وابنه حول هدفهم بالوصول إلى سلطة عصابة الزي، هي حربٌ تتمحور حول النفوذ، والجدير بالذكر أن روي يتمتع بذوق رفيع في اقتناء بدلاته المنفذة على يد ليونارد، ونجاحه هناك بفضل دعم الأول للأخير، هم وأمثالهم فقط من بمقدورهم تحمل تكاليف بدلاته الباهظة.
ليلة واحدة طويلة ملأى بروائح الذعر والدم والبارود والخيانة والشك، استهلت عندما اقتحم ريتشي وصديقه فرانسيس “جوني فلين” المتجر وهو ملطخ بدماءه نتيجة إصابته بعيار ناري، فيطلب فرانسيس (الرجل الذي تتلمذ على يد روي والد ريتش) من ليونارد القيام بمساعدة ريتشي ومعالجة الجرح.
تزداد الأمور سوءًا عندما يكتشف فرانسيس بواسطة شريط يحمل تسجيلًا تم وضعه في صندوق ضمن الغرفة الخلفية للمتجر، أن هناك واشيًا بينهم، يعمل لصالح مكتب التحقيقات الفيدرالي، وعليه معرفته.
فيلم The Outfit: سترة وسروال و128 خطوة!
تبتدئ حكاية "The Outfit الزي" وتنتهي عند جودة الأداء والنص. فالنص أجاد التمهيد والاستهلال حتى الوصول للحبكة المصنوعة بإتقان دون البعث على الملل في أثناء المشاهدة، وفي ذات الوقت يحتوي على الكثير من الازدواجية والتضليل، ما يدفعك لطرح المزيد من علامات الاستفهام حول الشخوص وما يجري، لكن القصة تتكشف رويدًا رويدًا من خلال الحوار الذي يزداد ثخانةً بمرور الوقت، بفعل الحبكة المحكمة، والتي تضاعف من أجواء التوتر بين الشخصيات. لكن الحماس يتلاشى قليلًا مع الربع الأخير من الوقت، بسبب الانعطافات الكثيرة في النص.
إلا أن النص بطلٌ هنا، لا يمكن إغفال بعض الجمل الرنانة أو حتى الحوارات اللافتة، كالمونولوج الذي يتلفظ به ليونارد:
تتكون البدلة من جزأين: سترة وسروال.. لكن هاتين القطعتين مصنوعتان من أربعة أقمشة مختلفة: الموهير والقطن والحرير والصوف، ويتم تقطيع هذه الأنواع الأربعة من المنسوجات بدورها إلى 38 قطعة مختلفة، تتطلب العملية لتركيبها وترتيبها 128 خطوة.
رؤية سينمائية إبداعية
بالنسبة لأداء الممثلين، هم جيدون بأغلبهم، لكن لا أحد يحمل العمل مثلما يفعل “مارك ريلانس” في شخصية مفصّل الملابس، هو رجل هادئ ورصين وأنيق يناسب تمامًا مهنته التي تتطلب الكثير من الذوق والرتابة والدقة، كما عيونه الدائمة الملاحظة، وذهنه الحاضر القادر على إنقاذ كل موقف، وإحداث انعطافات في عملية سير الحكاية لصالحه، ولاحقًا ستعرف أكثر من ذلك.
يمتعك لبرهة من الوقت، بمونولوج عن الأخلاق والدوافع، وعن المهنة، رجل يجيد الصنعة، ويتقن اللعب على الكلام، وفي العقول. يجول وكأنه في فضاءٍ مسرحي يدرك آلية التحرك والتحكم فيه، كما هو الحال مع بدلاته المنفذة بعناية فائقة، ومقصاته وخيطانه وأزراره التي يتعامل معها بحب.
أما العنصر الثالث الذي تحدثنا عنه في المقدمة بالنسبة لأفلام المكان الواحد، بعد النص والتمثيل، هو الكاميرا التي بدورها ترصد حركة الممثلين وانفعالاتهم المتعددة، ومن خلالها يضبط المخرج زواياه الإبداعية حسب نظرته ورؤيته للرواية السينمائية. بالإضافة إلى الإضاءة والديكورات والملابس والموسيقى التصويرية، تفاصيل مهمة تم الاعتناء بها على أكمل وجه، لتحاكي خمسينيات القرن العشرين.
مع توفر العناصر الثلاث التي تحدثنا عنها، استطاع العمل تقديم مادة فنية جيدة أثارت اهتمام المشاهد وحفزته على إكمال متابعة ما بدأه، لأنه يعلم ما يريد تقديمه.
فيلم The Outfit.. حرفة سينمائية جديدة
حاز فيلم The Outfit على 7.1/10 من أصوات النقاد على موقع IMDb، وفي موقع Rotten Tomatoes / الطماطم الفاسدة مجموع 85% من آراء النقاد.
تقول الصحافية “كلاريس لوغري” في معرض حديثها عن الفيلم ضمن موقع اندبندينت:
عمل الزي حرفة سينمائية بشكل أساسي، وليس فنًا، وهذا لا يعد أمرًا مهينًا للفيلم، نظرًا لوجود الكثير من المتعة في بنائه الفني.
أما الصحافي “بريان فينر” من “ديلي ميل” فقد رأى أن العنوان الذي يكتنفه الغموض هو أقل الأشياء صعوبة في الفيلم الذي يبدأ بشكل رائع ولكنه ينكشف تباعًا مثل بدلة رخيصة الثمن.
علي عمار - أراجيك