يعتمد نوع الضرر -الذي يلحقه الإشعاع بأنسجة وأعضاء جسم الإنسان- على الجرعة الإشعاعية التي يتعرض لها وعلى نوع الإشعاع ودرجة حساسية الأنسجة المختلفة.


يحدث الإشعاع بشكل طبيعي في كل مكان حولنا ويصل إلى أجسامنا بعدة طرق (غيتي)

البعض منا يعتقد أن الإشعاع أمر نادر وخطير يحول الناس إما إلى أبطال خارقين أو وحوش مشوهة، وفي الواقع، فإن الإشعاع موجود في كل مكان حولنا، طوال الوقت، حتى داخل أجسادنا.
ويناقش تقرير منشور على موقع "لايف ساينس" (Live Science) تعريف الإشعاع، وتواجد المواد المشعة في الطبيعة، والآثار التي يسببها تعرض البشر للإشعاع.


في كل مرة نأكل فيها طعاما أو نشرب الماء، نتناول كميات صغيرة من النظائر المشعة (بيكسابي)


ما هو الإشعاع؟

الإشعاع طاقة تطلق في شكل موجات أو جسيمات صغيرة من مادة ما، وله أشكال عديدة مثل أشعة الشمس وأشعة الضوء والأشعة السينية وأشعة "غاما" (Gamma) علاوة على ذلك، تحتوي جميع العناصر الموجودة في الجدول الدوري على نظائر؛ بعضها مستقر، لكن البعض الآخر غير مستقر، مما يعني أنها مشعة وتطلق موجات أو جزيئات عالية الطاقة.
لكن عندما يشير الكثير منا إلى "الإشعاع"، فإننا نشير إلى موجات عالية الطاقة بشكل خاص، مثل أشعة غاما، والجسيمات عالية الطاقة المنبعثة من الذرات المشعة مثل ذرات اليورانيوم.

وهناك نوع آخر من الإشعاع يسمى إشعاع الجسيمات، مثل جسيمات "ألفا" (Alpha) وجسيمات "بيتا" (Beta)، وهناك الإشعاع القادم من أعماق الكون مثل الأشعة الشمسية، والأشعة الكونية، وعندما تكون طاقة الأشعة عالية -بحيث تستطيع أن تؤين الوسط الذي تمر فيه، فهذه تسمى إشعاع "مؤين"، وتحمل طاقة عالية، مثل الأشعة السينية وأشعة غاما.


الإشعاع في الطبيعة

تتواجد العديد من النظائر والعناصر المشعة بشكل طبيعي في البيئة، وتتميز بعض المناطق الجيولوجية بإصدارها للإشعاع، وهي ناشئة عن وجود بعض المواد المشعة في صخور تلك الأراضي.
وتوجد النظائر والعناصر المشعة في التربة والمياه، وتتراكم في غذاء الإنسان؛ لذلك، في كل مرة يأكل فيها الشخص طعاما أو يشرب الماء، قد يتناول كميات صغيرة من النظائر المشعة. وتشكل الموجات والجسيمات عالية الطاقة خطرا على جميع الكائنات الحية ويمكن أن تلحق الضرر بالخلايا المعرضة لها.
قال مايك شورت -الأستاذ المشارك في العلوم والهندسة النووية في معهد "ماساتشوستس" (Massachusetts) للتكنولوجيا- لموقع "لايف ساينس" إن "أكبر مصادر الإشعاع في أجسامنا هي كميات ضئيلة من الكربون 14 والبوتاسيوم 40". وعلى الرغم من أن هذه النظائر تشكل معظم إشعاع أجسامنا، فإننا لا نتناول سوى حوالي 0.39 مليغرام من البوتاسيوم 40 و1.8 نانوغرام من الكربون 14 يوميا.

وأضاف شورت أن كمية النشاط الإشعاعي التي تسببها النظائر داخل جسم الإنسان يمكن مقارنتها بنسبة 1% من جرعة الإشعاع التي سيحصل عليها الأشخاص في رحلة طيران من بوسطن إلى طوكيو. وأوضح أن معظم هذه النظائر المشعة تشق "طريقها إلى أجسامنا من خلال الطعام الذي نأكله والماء الذي نشربه والهواء الذي نتنفسه".
وتحتوي بعض الأطعمة على تركيزات أعلى من النظائر المشعة مثل الموز الذي يحتوي على كمية صغيرة من البوتاسيوم 40 والجوز البرازيلي الذي يحتوي على الراديوم. وبطبيعة الحال، فإن كميات هذه الأطعمة التي يستهلكها الشخص العادي لا تزيد بشكل كبير من المخاطر الصحية المتعلقة بالإشعاع، وفقا لوكالة حماية البيئة الأميركية.
وقال شورت "يحتوي كل البوتاسيوم على 0.011% بوتاسيوم 40 بشكل طبيعي، لذا فهو موجود في كل مكان حولنا ولا يمكن تجنبه". "لقد تطورنا في بيئة مشعة، بما في ذلك البوتاسيوم 40 الموجود في كل مكان منذ بدء إنشاء النظام الشمسي".



بعض النظائر المشعة التي يتناولها الناس موجودة في البيئة نتيجة للأنشطة البشرية (بيكسابي)


خطر خفي

يمكن أن تؤدي العوامل البيئية الأخرى إلى جعل جسم الإنسان أكثر نشاطا إشعاعيا. يقول شورت "على سبيل المثال، الأشخاص الذين يعيشون في أقبية غير مهواة بكميات كبيرة من الغرانيت، ويحملون الكثير من الراديوم، يمتصون الكثير من الرادون والنظائر المرتبطة به".

وقد تكون بعض النظائر التي يمتصها الناس في البيئة بسبب الأنشطة البشرية ومنها الأشعة النووية التي لا تُرى وليس لها طعم أو رائحة. وتدخل الأشعة إلى الجسم عبر التنفس أو البشرة، وقد تصيب الإنسان بأمراض خطيرة، وإذا تعرض الجسم إلى كميات كبيرة من هذه الأشعة فقد يموت الإنسان خلال ساعات أو أيام قليلة.
ويوضح شورت هذا الأمر بقوله "أنتجت اختبارات الغلاف الجوي للأسلحة النووية في الخمسينيات والستينيات كميات صغيرة من السترونشيوم 90، وأطلقت فوكوشيما وتشرنوبيل بعض السيزيوم 137 والسيزيوم 134، على الرغم من أن معظم الأخير قد تلاشى بالفعل".
خلاصة القول، إن العديد من النظائر المشعة توجد بشكل طبيعي في البيئة المحيطة بنا في كل مكان حولنا، ويمكن أن تصل إلى أجسامنا بعدة طرق وأشهرها الماء والغذاء والهواء.
وبحسب منظمة الصحة العالمية يعتمد نوع الضرر الذي يلحقه الإشعاع بأنسجة وأعضاء جسم الإنسان على الجرعة الإشعاعية التي يتعرض لها، أو على الجرعة الممتصة والتي تقاس بوحدة تسمى "غراي" (Gray) ويعتمد نوع الضرر على نوع الإشعاع وعلى درجة حساسية الأنسجة أو الأعضاء المختلفة.