رسم تخيلي لمصدر انفجارات أشعة غاما المكتشفة (وكالة الفضاء الأوروبية)
توصل فريق من علماء الفيزياء الفلكية باستخدام تلسكوب هابل الفضائي التابع لناسا إلى التحقق من وقوع أعنف انفجار كوني على الإطلاق جرى رصده حتى اليوم من فئة انفجارات أشعة غاما عالية الطاقة، وقد اعتبر العلماء هذا الاكتشاف علامة فارقة في تاريخ الفيزياء الفلكية.
قدر العلماء أن انفجار أشعة غاما المكتشف في مركز مجرة تبعد حوالي 5 مليارات عام تفوق طاقته تريليون مرة طاقة الضوء المرئي وأكبر من تلك التي تنتجها الشمس خلال 10 مليارات عام.
وكانت مجموعة من التلسكوبات قد رصدت في يناير/كانون الثاني 2019 الماضي وميضا شديدا لأشعة غاما في السماء، مما دفع علماء الفيزياء إلى إجراء أبحاث باستخدام تلسكوب هابل لدراسة البيئة المحيطة بهذا الانفجار ومعرفة كيفية حدوثه.
تصادم فانفجار
انفجارات أشعة غاما هي انفجارات كونية قصيرة وقوية للغاية تطلق خلالها فوتونات عالية الطاقة، تظهر فجأة في السماء، بمعدل مرة واحدة تقريبا في اليوم، يعتقد العلماء أنها ناتجة عن انهيار النجوم الضخمة أو اندماج النجوم النيوترونية في المجرات البعيدة.
وهي تبدأ بوميض أولي ساطع للغاية، يطلق عليه الانبعاثات الفورية، وتتراوح مدتها بين جزء من ثانية إلى مئات الثواني. ويرافق الانبعاث الفوري ما يسمى الشفق، وهو انبعاث أقل إشراقا ولكنه يدوم طويلا على مدى واسع من أطوال الموجات التي تتلاشى مع الوقت.
تكشف ملاحظات هابل التكميلية أن انفجار أشعة غاما المكتشف الذي أطلق عليه اسم "GRB 190114C"، قد حدث داخل المنطقة الوسطى لمجرة ضخمة في حالة تصادم مع مجرة أخرى. ويقول الباحثون في الدراسة العلمية المنشورة في دورية "نيتشر" العلمية في العشرين من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، إن هذه البيئة شديدة الكثافة قد تكون أمرا حاسما في توليد الإشعاع عالي الطاقة للغاية الذي لاحظه العلماء.
تلسكوب هابل استخدم في دراسة انفجارات أشعة غاما (ناسا)
وأوضح أندرو ليفان من جامعة رادبود في هولندا وأحد مؤلفي الدراسة "تشير ملاحظات هابل إلى أن هذا الانفجار بالتحديد حدث في بيئة كثيفة للغاية، في مركز مجرة مشرقة على بعد 5 مليارات سنة ضوئية. هذا أمر غير عادي حقا، ويشير إلى أن هذا الموقع المركب قد يكون السبب في إنتاج هذا الضوء القوي بشكل استثنائي ".
يقول الباحثون إن العلماء يحاولون رصد هذه الانبعاثات العالية للغاية من الطاقة الناتجة عن انفجارات أشعة غاما لفترة طويلة، لذلك يعتبر هذا الكشف علامة فارقة في الفيزياء الفلكية العالية الطاقة.
مادة بسرعة الضوء؟
كشفت الملاحظات السابقة أنه لتحقيق هذه الطاقة، يجب أن تنبعث المواد من النجم المنهار بنسبة 99.999% من سرعة الضوء قبل دفع هذه المادة عبر الغاز المحيط بالنجم، مما تسبب في صدمة تطلق أشعة غاما نفسها.
رغم أن انبعاث الفوتونات العالية الطاقة من انفجارات أشعة غاما قد تنبأت به بعض الدراسات النظرية، فإنه ظل ينجح في الإفلات من أعين المراصد لفترة طويلة، رغم عمليات البحث العديدة التي أجريت على مدار العقود الماضية باستخدام العديد من الأدوات.
أوضح المؤلف الرئيسي للدراسة أنطونيو دي أوغارتي بوستيغو من معهد الفيزياء الفلكية في الأندلس في إسبانيا أن "العلماء يحاولون رصد انبعاثات عالية الطاقة من رشقات أشعة غاما لفترة طويلة. ويعد هذا الاكتشاف الجديد خطوة حيوية إلى الأمام في فهمنا لانفجارات هذه الأشعة ومحيطها المباشر، وكيف تتصرف المادة عندما تتحرك بسرعة تقارب سرعة الضوء".
يوفر هذا الإنجاز الرائد رؤية جديدة مهمة لفهم العمليات الفيزيائية التي تحدث عند وقوع انفجارات أشعة غاما، والتي ما زال يكتنفها الغموض، إذ يعتقد العلماء أنها نشأت من عملية غير معروفة لحد الآن ومختلفة عن العملية الفيزيائية المعروفة بأنها مسؤولة عن انبعاث أشعة غاما ذات الطاقة المنخفضة.