تبلغ كتلة النجم النيوتروني النموذجي نحو 1.4 مرة كتلة شمسنا (جامعة سوينبرن)
النجوم النيوترونية هي واحدة من بين أكثر الأشياء غرابة وتطرفا وعنفا في الكون، وهي نوى ذرية عملاقة يبلغ قطرها بضعة كيلومترات فقط، ولكنها ثقيلة مثل النجوم، وقد ظهرت إلى الوجود نتيجة لموت نجم مهيب، وفقا لموقع "ساينس أليرت" (ScienceAlert).
النجوم النيوترونية هي أحد النهايات المحتملة للنجوم الضخمة فائقة الكتلة، حينما تنفجر تلك النجوم في شكل مستعر أعظم مخلفة وراءها جسما صغيرا فائق الكثافة، يتم ضغط كل كتلته -التي تصل إلى ضعف كتلة شمسنا- في نجم يبلغ عرضه حوالي 15 كلم، أو بحجم مدينة على كوكب الأرض.
والنجوم النيوترونية كثيفة جدا، بحيث يمكن أن تزن ملعقة شاي من مادة النجم النيوتروني أكثر من مليار طن على الأرض، وهذا أكبر من وزن جبل إيفرست، أعلى جبل على وجه الأرض.
وتبلغ كتلة النجم النيوتروني النموذجي حوالي 1.4 مرة كتلة شمسنا، مع الأخذ في الاعتبار أن قُطر شمسنا يبلغ حوالي مئة ضعف قطر الأرض.
كيف تتشكّل النجوم النيوترونية؟
تعيش النجوم طوال حياتها محافظة على توازن دقيق للغاية بين الجاذبية التي تضغط للداخل وبين الطاقة الناتجة عن الاندماج النووي في قلب النجم والتي تندفع إلى الخارج. وهذا "الاحتراق" الاندماجي هو العملية التي تتألق خلالها النجوم.
وتحاول الجاذبية سحب كتلة ملايين المليارات من تريليونات أطنان البلازما إلى الداخل، فتضغط المواد بقوة هائلة لدرجة تنصهر معها النوى، فيندمج الهيدروجين ليتحول إلى هيليوم، وهذا بدوره يطلق طاقة تندفع للخارج محاولة الهرب بعكس الجاذبية. وطالما أن هذا التوازن موجود، فإن النجوم مستقرة إلى حد ما.
وفي انفجار سوبرنوفا، في النجوم التي تبلغ كتلتها أضعاف كتلة شمسنا، حينما ينفد الهيدروجين ينقلب الميزان وتفوز الجاذبية التي تضغط على النجم بقوة أشد من ذي قبل.
وتتضاعف سرعة اختراق النواة ودرجة حرارتها في وقت تتضخم فيه الطبقات الخارجية للنجم مئات المرات وتنصهر لتشكّل عناصر أثقل بكثير، فيحترق الكربون ليتحول إلى النيون، ويتحول النيون إلى أكسجين، والأكسجين إلى سيليكون، والسليكون إلى حديد، وهنا يموت النجم.
والحديد هو رماد نووي ليس لديه طاقة ليطلقها ولا يمكن صهره لتشكيل عناصر أخرى. وهنا يتوقف الانصهار فجأة وينتهي التوازن. ومن دون الضغط للخارج الناتج عن الانصهار تنسحق النواة تحت الثقل الهائل للنجم فوقها.
لأن النجوم النيوترونية كثيفة جدا، فلديها مجالات جاذبية ومغناطيسية شديدة (جامعة سنترال فلوريدا)
كيف حصل النجم النيوتروني على اسمه؟
ما يحدث بعد ذلك مخيف إلى حد كبير، فضغط النجم المنهار هائل جدا لدرجة أن الإلكترونات والبروتونات تندمج متحولة إلى نيوترونات، وهكذا يحصل النجم النيوتروني على اسمه من تركيبته، وهنا أيضا تنضغط كرة حديدية بحجم الأرض لتصبح كرة قوامها مادة نووية بحتة بحجم مدينة.
لكن الانهيار لا يقتصر فقط على النواة، فالنجم ينهار بأكمله، حيث تسحب الجاذبية الطبقات الخارجية باتجاه الداخل بسرعة تعادل ربع سرعة الضوء، ويرتد هذا الانهيار عن النواة الحديدية فتنتج عنه صدمة تنفجر باتجاه الخارج وتقذف ما تبقى من النجم في الفضاء.
وهذا ما يطلق عليه انفجار سوبرنوفا، الذي يطغى بريقه على بريق مجرات بأكملها.
وما تبقى من النجم الآن هو نجم نيوتروني، وتبلغ كتلته حوالي مليون مرة كتلة الأرض لكنه مضغوط ليصبح جسما بعرض حوالي 25 كيلومترا، وهو كثيف لدرجة أن جميع البشر الذين يعيشون على الأرض يمكن وضعهم في سنتيمتر واحد من مادة النجم النيوتروني.
نجم نيوتروني أم ثقب أسود؟
إذا كان لب النجم، بعد مرحلة السوبرنوفا المستعر الأعظم، كتلة كبيرة وكافية، سيستمر الانهيار التثاقلي فيتشكل ثقب أسود بدلا من نجم نيوتروني.
ووفقا لعلماء الفيزياء الفلكية، فإن الخط الفاصل فيما يتعلق بالكتلة بين النجوم النيوترونية والثقوب السوداء هو أن الكتلة القصوى النظرية لنجم نيوتروني تحدث بين حوالي كتلتين شمسيتين، في حين أن الحد الأدنى النظري للكتلة للثقب الأسود هو خُمس كتل شمسية.
ما المعكرونة النووية؟
من الخارج، فإن النجم النيوتروني متطرف بشكل لا يمكن تصوره، فجاذبيته هي الأقوى في الكون باستثناء جاذبية الثقوب السود، وينحني الضوء حوله، وهذا يعني أنه يمكنك رؤية الجزء الأمامي وأجزاء من الخلف.
وتصل درجة الحرارة على سطحه إلى مليون درجة مئوية مقارنة بستة آلاف درجة مئوية لشمسنا المتواضعة.
وداخل النجم النيوتروني، وعلى الرغم من أن هذه النوى الذرية العملاقة هي نجوم، فإنها تشبه الكواكب في نواح كثيرة لوجود طبقة قشرة صلبة فوق النواة السائلة.
عند عمق أكبر داخل النجم النيوتروني تضغط الجاذبية على النواة بشكل أقوى، فتقل البروتونات حيث تندمج معظمها إلى نيوترونات حتى نصل إلى قاعدة القشرة.
هنا يتم ضغط الأنوية معا بشدة لدرجة أنها تبدأ في التلامس فيعاد ترتيب البروتونات والنيوترونات لتصنع أسطوانات طويلة وألواحا، نوى هائلة بها ملايين البروتونات والنيوترونات على شكل معكرونة ولازانيا، والتي يطلق عليها العلماء المعكرونة النووية.
والمعكرونة النووية كثيفة لدرجة أنها قد تكون أقوى مادة في الكون غير قابلة للكسر من الأساس.
ولا يولّد النجم النيوتروني أي ضوء أو حرارة خاصة به بعد تكوينه. وعلى مدى ملايين السنين، ستبرد حرارته الكامنة تدريجيا من 1 مليون درجة فهرنهايت، لتنتهي في النهاية حياتها كبقايا باردة وميتة لنجم كان مجيدا في يوم من الأيام.
النجوم النابضة
عندما تنهار النجوم النيوترونية في البداية تبدأ في الدوران بسرعة كبيرة جدا، وهذا يخلق نبضات لأن مجالها المغناطيسي يخلق حزمة من موجات الراديو أثناء دورانها بسرعة.
وإذا تم توجيه نجم نابض نحو كوكبنا، فإننا نرى هذه الحزم تكتسح الأرض مثل الضوء الذي يأتي من المنارة على فترات منتظمة ودقيقة للغاية.
وفي الواقع، فإن النجوم النيوترونية هي حراس الوقت السماوي في الكون، ودقتها تضاهي دقة الساعات الذرية.
هذه النجوم النابضة بالراديو هي أشهر نوع من النجوم النيوترونية. ومعروف منها ألفي نجم في درب التبانة وحدها.
ويعتقد العلماء أن معظم النجوم النيوترونية إما أن تكون حاليا وإما كانت في وقت من الأوقات نجوما نابضة.
وعلى الرغم من أن النجوم النيوترونية كانت متوقعة منذ فترة طويلة في نظرية الفيزياء الفلكية، فإنه لم يتم اكتشاف أولها إلا عام 1967 بواسطة السيدة جوسلين بيل بورنيل.
ومنذ ذلك الحين، تم اكتشاف مئات أخرى من تلك النجوم، بما في ذلك النجم النابض الشهير في قلب سديم السرطان، وهو بقايا مستعر أعظم رأى الصينيون أنه ينفجر في عام 1054.
معظم النجوم النيوترونية إما أن تكون حاليا وإما كانت في وقت من الأوقات نجوما نابضة (جامعة أمستردام)
النجوم المغناطيسية
ولأن النجوم النيوترونية كثيفة جدا، فلديها مجالات جاذبية ومغناطيسية شديدة، ويُعرف النجم النيوتروني الذي يحتوي على مجال مغناطيسي قوي بشكل غير طبيعي باسم النجم المغناطيسي، وهو قادر على سحب المفاتيح من جيبك بعيدا مثل القمر.
وهذه الحقول المغناطيسية هي الأقوى، وتقدر بألف مليار ضعف مقارنة بالأرض بعد ولادتها. وهكذا يكون سطح النجم النيوتروني أملس للغاية، فالجاذبية لا تسمح بوجود أي شيء طويل القامة.
المكان الذي يصنع فيه الذهب
أفضل أنواع النجوم النيوترونية على الإطلاق هي النجوم النيوترونية التي يمكن أن تصطدم وتقتل بعضها في انفجار كيلونوفا الذي يتسبب في خروج الكثير من محتوياتها.
ويُعتقد كذلك أن تصادمات النجوم النيوترونية العنيفة التي لا يمكن تصورها هذه -والتي تم اكتشاف أحدها في عام 2017 بواسطة مراصد موجات الجاذبية "ليجو" (LIGO) والمسمى "جي دبليو170817" (GW170817)- هي المكان الذي يتم فيه تكوين العناصر الثقيلة مثل الذهب والبلاتين، حيث لا يُعتقد أن المستعرات الأعظمية العادية تولد الضغوط ودرجات الحرارة المطلوبة لذلك.
ولخلق هذه العناصر ليس على النجوم أن تموت مرة واحدة ولكن عليها أن تموت مرتين.
ويقدر العلماء وجود أكثر من مئة مليون نجم نيوتروني في مجرتنا درب التبانة. مع أن الكثير منها سيكون قديما وباردا، وبالتالي يصعب اكتشافه.