:::: الادراك ::::
جميع المخلوقات تحيا في عالم فريد الى حد ما ان افراد الانواع المختلفة التي تشترك في نفس الظروف يمكن ان تعيش في واقع مختلف جوهرياً .
تأمل حالة الحلزون في حوض زجاجي فأنه لضعف حدته البصرية ( اي قدرته على تمييز التفاصيل ) لاتهتم ليد تتحرك امام الحوض بينما تستطيع السمكة رؤية وتمييز كل اصبع ان قدرة عين الصقر على الرؤية على البعد تفوق مرتين ونصف تقريباً العين الادمية فيمكن للصقر ان يحدد موقع حشرة لغذائه على الارض اثناء طيرانه على ارتفاع 60 قدماً كذلك فإن لدى معظم الكلاب القدرة على استخدام انوفها لتحديد اشخاص مدفونة تحت الانقاض واكتشاف تسرب الغازات والمخدرات بأنواعها المختلفة على الرغم من ان العالم يبدو لبعضها غير واضح المعالم
اذا تساوت جميع المخلوقات في مدى استجاباتها لنفس المثيرات فإننا سنتنافس على نفس موارد الغذاء والمأوى الا ان اختلاف حساسياتنا يسمح لنا بأقتسام البيئة الطبيعية في سلام .
وحتى اعضاء النوع الواحد يختلفون في ادراكاتهم فالناس يختلفون بصورة ما في رؤيتهم اللون وتمييز الاصوات وفيما يشمون ويتذوقون . كما تؤثر الخبرات والتوقعات والدوافع والانفعالات في الادراك ..
نستمع الان الى قصة رجل اعمى اعيد له بصره بواسطة عملية جراحية ..
رجل في الثانية والخمسين من عمره كان وهو فاقد البصر رجل ذكي ونشيط وكان يمكنه القيام بجولة في الدراجة مع صديق يمسك بكتفه ليقوده وغالباً ماكان يعتمد على العصا البيضاء العادية واحياناً يسير بين موقف للسيارات او عربات للنقل وكانت تقع له اصابات نتيجة لذلك وكان يحب صنع الاشياء بأدوات صغيرة في كوخ بحديقته وطوال حياته كان يحاول تصور عالم الرؤية.
وبعد واحد وخمسون عاماً من الحرمان اعيد له بصره واصبح مبصراً وحينما رفعت الضمادات من فوق عينيه لاول مرة لم يعد مكفوفاً سمع صوت الجراح والتفت الى مصدر الصوت ولكنه لم ير شيئاً الا ضباباًوتأكد ان هذا لابد ان يكون وجهاً بسبب الصوت . ولكنه لم يتمكن من رؤيته ولم يرى عالم الاشياء فجأة كما نراها نحن عندما نفتح اعيننا .
لكن بعد بضعة ايام تمكن من استعمال عينيه بصورة افضل فتمكن من السير في طرقات المستشفى دون اللجوء الى اللمس وتمكن ان يحدد الوقت من ساعة حائط كبيرة بعد ان كان طوال حياته يحمل ساعة جيب دون زجاج حتى يتمكن من تحسس الوقت بيديه وكان يستيقظ مع الفجر ويراقب من خلال نافذته السيارات المارة امامه وكان سعيد بهذا التقدم الذي كان يسير بسرعة فائقة ..
حاول علماء النفس اكتشاف كيف كان عالم الرؤية لديه وذلك بتوجيه الاسئلة اليه او اجراء بعض الاختبارات الادراكية المتنوعة البسيطة . فأثناء وجوده بالمستشفى وقبل شعوره باليأس كان حريصاً جداً في احكامه واجاباته .
وجدوا ان تقديره للمسافات كان غريباً وكان يحكم على المسافات والاحجام بدقة عن طريق التعرف اليها باللمس .
لم يتعلم القراءة بالبصر ( كان يقرأ بطريقة برايل التي تعلمها في مدرسة للعميان ) لكن علماء النفس وجدوا انه تعرف على الحروف والارقام بالنظر دون اي تدريب وهذا ادهشهم كثيراً.
وهذا كشف انه يستطيع قراءة الحروف بالرؤية فوراً وهذا يوضح ان له القدرة على استخدام قدرة اللمس السابقة لخدمة اكتشافه عن طريق البصر .
ولم يطور ثقته ببصره فشعر بالخوف عند اختراقه الطريق وتدريجياً بدأ يشعر باليأس الشديد حيث وجد العالم كئيباً مضطرباً من شرائح الالوان التي تغطي الاشياء .
كان يحب الالوان الفاتحة ويحزن عندما يخفت الضوء .. وتدريجياً استسلم للحياة النشطة الى ان توفي بعد ثلاث سنوات..
الخلاصة : ان الانسان البالغ عندما يرى البيئة المحيطة به لاول مرة بعد فترة طويلة من العمى لايراها بنفس الاشخاص العاديين لانه يمكنه ان يتعرف على الخصائص المميزة كاللون والحجم والشكل الا انه يجهل الموضوع ككل ان حواسنا تعتبر منافذنا على العالم .. تبارك الله احسن الخالقين ونحمده على كل نعمة.
منقول