تُوفي زوجها بعد أشهر قليلة من الزواج إثر حادث أليم تعرضوا له فقدت على اثره زوجها وجنينها ، فكانت صدمة وما أقساها من صدمة شديدة على عروس جديد ، وما هدأ قلبها وآثرت الوحدة والانعزال عن الجميع لفرط الحزن والوجع في قلبها ، ورغم مُحاولات الأهل والأصدقاء في دفع تلك الأحزان عنها ومحاولة العودة لحياتها والاندماج معهم في الحياة خشية أن تصاب بمكروه إثر حزنها الشديد والاكتئاب الذي بدأ يتخللها إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل .
تقدم لها بعد شهور عدتها أكثر من عريس وحاول أهلها كثيرًا معها أن توافق على تلك الفرص المثالية لشباب يعرفونهم ويعرفون أخلاقهم ومستوياتهم إلا أنها قابلت كل ذلك بالرفض .
ذات يوم بعد شهورٍ من ذلك الحدث زارتهم جارتهم تسأل عن حال الفتاة فلما علمت أمرها طلبت الدخول إليها والحديث معها ، قالت :
-لابُد وأن نتخطى أحزاننا فلازالت الحياة أمامنا .
بكت حتى اعتصر قلبها :
-كان نِعم الزوج فكيف لا أبكيه وكيف أنساه ، وفقدت ابني وقرة عيني ؟
ربتت الجارة على يدها :
-لا أحد ينسى وعليكِ المقاومة والتخطي وصنع حياة جديدة .
توقفت للحظة :
-حياة جديدة !
-نعم ، لازالتِ صغيرة ولا يجب أن تتوقف بكِ الحياة هنا .
آثرت الصمت على الحديث لكن بداخلها يشتعل اشتعالًا لما لمسته في كلام المرأة وفهمت ما بعده ، أردفت المرأة :
-ابني لا زال يتمناكِ زوجة له وأم لتوأمه .
من جديد تطلبها المرأة عروس لابنها فقد طلبتها قبل زواجها لما تُوفيت زوجة ابنها ، لكن لم يوافق أهلها أبدًا لأن ابنتهم لازالت في ريعان شبابها فلمّ تتحمل مسؤولية أطفال ليسوا من صلبها ، وجدتها المرأة وقد جلست على سريرها تبكي وتتنهد فخجلت من تصرفها وسرعان ماعتذرت منها وهمّت بالمغادرة ، فاستوقفتها الفتاة قائلة :
-موافقة .
لم تُصدق المرأة ماسمعت وكانت تتخيل الرفض منذ الكلمة الأولى لكن ابنها من دفعها لذلك وما رأى سوى تلك الفتاة زوجة له لرقة قلبها وما يقال عن خلقها الجميل ، قالت وقد عادت لمجلسها أمام الفتاة :
-تقبلين الزواج منه ؟
قالت ولا زالت الدموع في عينها :
-أقبل لفرط حنيني لتربية الصغار علّ الله يُعوض قلبي عن الحزن وعلّني أستطيع تخطي ماحدث ، فلا بُد ويأتي يومًا ويرغمني أهلي عن الزواج كما يعرضون عليّ دائمًا .
دخلت الأم تضع العصير أمام الجارة فوجدت ابنتها في حضنها والمرأة تُملي عليها عبارات الصبر ، قالت الجارة :
-هل كان يُصدق أحد أن ترفض الجميع وتقبل ابني ، الحمد لله .
انتفضت الأم وقد غضبت وقالت دون أن تنتبه لكلامها:
-كيف ذلك ؟ تقبلين من له أولاد وترفضين شباب لم يسبق لهم الزواج ومنهم من تزوج وطلق دون أبناء !
لم تُظهر المرأة ضيقها من حديث الأم لكن الفتاة قالت :
-ربما يكون الأطفال العوض لروحي .
رحلت الجارة سعيدة بقرار الفتاة ونضجها ، ورغم محاولات الأم والأب في عُدول ابنتهم عن قرارها الذي سيجعلها تتحمل مسؤولية كبيرة إلا أنها قررت الزواج من الرجل الذي يطلبها للمرة الثانية ويرى فيها الخير لبيته وأولاده .
تزوجته ورغم نفور الأولاد منها في البداية إلى أن نقاء قلبها ونيتها السليمة طغت على مشاعرها فوصلت لقلوبهم سريعًا وصارت لهم نعم الأم فعوضتهم عن ليالي الحرمان من أم تبث الحنان بقلوبهم وعوضوها عما فقدته ، أما زوجها فكان نعم الزوج ونِعم المُقدر لكن رفضت الكثيرين وقبلت به هو وكانت نعم الأم لأولاده ولم تكن قد مارست الأمومة من قبل ، وماذهبت لبيت أهلها مرة واحدة إلا وكانوا معها ، وما مرت أشهر بسيطة إلا واكتشفت حملها فكانت سعادتها وزوجها كبيرة وسعادة أهلها لا توصف ، قالت أمها :
-ستقضين شهور الحمل معنا كي نُريحك ويكتمل الحمل على خير .
قالت :
-ولمن أترك أبنائي ؟
تعجبت الأم قولها :
-سيكون الأمر شاقًا .
-بإذن الله لن يشق عليّ شيء ماداموا سعداء وما دُمت شديدة السعادة بينهم ، والله يا أمي ماعدت أطيق فراقهم وسبحان من صبّ حبهم في قلبي .
قالت الأم :
-جزاكِ الله خيرًا يا ابنتي على قلبك وصدق حُبك لهم .
كان ابن زوجها لا يشتري بمصروفه شيء إلا وقاسمها إياه ، وكانت ابنة زوجها لو قال لها أحدهم كيف حال خالتك تبكي وتُردد:
-هي أمي ولا أناديها سوى أمي .
اكتمل الحمل وجاء الصبي الصغير ليكون لها ابنًا ثالثًا وينهل من حنان أمه الذي يُغرق اخوته ، فهنأت في حياتها بالحب والود مع زوجها وأولادها كما لم تهنأ ولم تتخيل في حياتها .
صدق النية والرحمة في التعامل مع الأطفال الذين فقدوا أحد أبويهم لا يعود على المرء إلا بكل الخير والسعادة في قلبه وفي حياته كلها ، فقد أهدتهم الرحمة فأهداها الله كل ماتحب من زوجٍ مُحب وعائلة ودودة وأطفال لا يطيقون الحياة دونها ، عوضتهم الفقدان فعوضوها عن كل الأحزان .