إجابة هذا السؤال هي أحد الألغاز التي حيرت العلماء لسنوات طويلة وحتى الآن لا توجد نظرية صحيحة 100% تُفسر سبب حدوث ذلك، ما يجزم أننا ما زلنا لا نعرف إلا جزءًا صغيرًأ جدًا عما هو هناك خارج هذه الكرة الزرقاء الفريدة! فما الذي جعل كوكبي الزهرة وأورانوس اللذين تفصلهما مليارات الكيلومترات أن ينفردا وحدهما بدورانهما حول محوريهما في اتجاه عكس باقي الكواكب وسط كون يمشي وفق قوانين محددة لا يحيد عنها!
هناك نوعان من الحركات الدورانية التي تصدر عن أي كوكب، الأولى هو دورانه حول النجم الأم وفي هذه الحالة هو الشمس، وهنا تدور جميع الكواكب دون استثناء في نفس الاتجاه حول الشمس وهو عكس اتجاه عقارب الساعة أي من الغرب للشرق.
أما النوع الثاني فهو دوران الكوكب حول نفسه أو محوره وهذا ما نتحدث عنه اليوم، فجميع الكواكب تدور حول محاورها بعكس اتجاه عقارب الساعة بينما يدور أورانوس والزهرة عكس ذلك الاتجاه، أي في اتجاه عقارب الساعة، فإن كنت تعيش على أي منهما ستجد في الصباح أن الشمس تسطع من الغرب وليس الشرق!
وتزداد الأمور غموضًا
ما يزيد الأمر حيرةً أن كوكبي الزهرة وأورانوس بعيدان كل البعد عن بعضهما من حيث صفات كلٍ منهما، فالزهرة قريب جدًا من الشمس فترتيبه الثاني من حيث البعد عن الشمس بينما أورانوس هو السابع، وبناءً على ذلك فالزهرة كوكب أرضي جاف بينما أورانوس كوكب ثلجي، أضف على ذلك أن أورانوس كوكب ضخم نسبةً إلى الزهرة فهو أكبر منه بأربعة مرات تقريبًا، فما السر الذي جمع هذين الشتيتين ليكونا هما الاستثناء بين باقي الكواكب!
مقارنة بين اتجاه دوران كل من أورانوس والزهرة والشمس (من اليمين إلى اليسار)
عندما يدور كوكب ما حول محوره في اتجاهٍ عكس دوران النجم الأم وعكس باقي الكواكب -نعم الشمس هي أيضًا تدور حول محورها- يطلق على تلك الحركة الدوران الرجعي وهناك عدة نظريات حاولت تفسير حدوثه.
تصادم كارثي قد يكون هو سبب الدوران الرجعي
كان من المفترض أن تدور كل كواكب المجموعة الشمسية في نفس الاتجاه فجميعها تكون تحت نفس الظروف من سحابة غاز عملاقة تدور في الفضاء الشاسع، واحدة من النظريات الأكثر شيوعًا على مدار السنوات ترجح أن الكوكبين في الأصل كان كل منهما يدور في الاتجاه الطبيعي عكس عقارب الساعة مثل باقي الكواكب لكن حدث وأن اصطدم بكلٍ منهما جسم ضخم بحجم الأرض تقريبًا، ربما يكون واحدًا من الكواكب الأخرى، وكان التصادم ضخمًا لدرجة أن أثّر على اتجاه دوران الكوكبين وعكسه.
على مر السنوات ومع تقدم وسائل رصد الكواكب والأجرام السماوية أصبح العلماء يتابعون كل كوكب منهما على حدة لمحاولة التوصل للسبب الحقيقي وراء تلك الظاهرة وبدأوا بالزهرة فهو الجار الأقرب لنا.
لماذا يدور الزهرة حول محوره في اتجاه عقارب الساعة ؟
موقع الزهرة القريب منا نسبيًا جعل من السهل دراسة ظروفه بشكل أفضل من أورانوس فالزهرة يبعد عنا 175 مليون كيلو متر فقط بينما يبعد عنا أورانوس بأكثر من 3 مليارات كيلومتر.
يرى العلماء أن الزهرة ربما بدأ قديمًا في الدوران حول محوره في عكس اتجاه عقارب الساعة كباقي الكواكب ثم حدث شيء ما جعله يبدأ يُبطئ من سرعته تدريجيًا حتى أصبح شبه ساكن ثم بعدها عكس اتجاه دورانه كما هو الآن.
وقد يفسر هذا بالفعل سرعته القليلة جدًا حاليًا في الدوران، فحتى يصنع الزهرة دورة كاملة حول محوره يأخذ 243 يومًا أرضيًا بينما يأخذ 225 يومًا أرضيًا فقط حتى يدور دورة كاملة حول الشمس وبذلك يُصبح اليوم عليه أطول من العام وتلك هي إحدى العجائب الغريبة في كوكب الزهرة!
الغلاف الكثيف لكوكب الزهرة
يرى العلماء أن الغلاف الجوي الكثيف لكوكب الزهرة قد يكون له يد في هذا الأمر، فهو مشبع بغاز ثاني أكسيد الكربون الذي تصل نسبته إلى 96% بالإضافة إلى السحب المحملة بحمض الكبريتيك الحارق، ما يجعل كثافة الغلاف الجوي عالية جدًا لدرجة كافية لكي تؤثر على اتجاه الدوران.
وهذا لأن ذلك الغلاف الكثيف يخضع لقوى الجذب القوية للشمس وكذلك لقوى الجذب من الكواكب الأخرى كالأرض وهذا يؤدي لحدوث موجات المد والجزر المشابهة لما يحدث هنا للأسطح المائية بسبب قوة جذب القمر، حاصل تلك القوى مع بعضها وتفاعلها مع الطبقات الكثيفة للغلاف الجوي في رأي بعض العلماء أجبر الكوكب بشكل أو بآخر ليدور عكس الاتجاه.
قد يكون الزهرة يدور في الاتجاه الطبيعي لكنه مقلوب رأسًا على عقب!
حسنًا هذه إحدى أغرب النظريات التي يؤيدها فريق كبير أيضًا، فهي تُرجع تفسير تغير اتجاه الدوران للغلاف الجوي الكثيف أيضًا ولكن هذه المرة بسبب احتكاكه الشديد مع طبقات الكوكب من نواة ووشاح أثناء الدوران والذي بدوره تسبب تدريجيًا في توليد العزم الكافي لقلب الكوكب بزاوية 180 درجة تقريبًا! وبالتالي أصبح يدور في اتجاه معاكس لما قبل.
وبالفعل ستجد أن بعض المصادر المؤيدة لتلك النظرية تشير إلى أن زاوية ميل كوكب الزهرة هي 177 درجة بينما البعض الآخر يؤكد أن الكوكب يميل بزاوية 3 درجات فقط.
لماذا يدور أورانوس مع اتجاه عقارب الساعة ؟
بالنسبة لأورانوس فليس فقط الغريب لديه أنه يدور حول محوره في اتجاه عقارب الساعة بل أنه أيضًا يدور وهو مائل بزاوية 98 درجة! أي القطبين الشمالي والجنوبي له تقريبًا في مستوى خط الاستواء بالنسبة للكواكب الأخرى وذلك ما يزيد من غموض الأمر، وإن كنت تريد تخيل ميله أكثر فقارنه بدرجة ميل محور الأرض وهي 23.5 درجة تقريبًا أو كوكب آخر كالمريخ فهو يميل بزاوية 25 درجة فقط.
نظرًا لبعده الكبير عنا فنحن ما زلنا لا نملك بعد دلائل كافية تفسر أسباب تلك الظواهر فالمركبة الفضائية الوحيدة التي مرت بكوكب أورانوس هي فويجر 2 في عام 1986، لكن بعض المحاكاة التي تم إجراؤها عام 2011 ترجح أن مجموعة من التصادمات الصغيرة المتتالية حدثت للكوكب وليس تصادمًا واحدًا ضخمًا، وتلك التصادمات أدت لجعله يميل بتلك الزاوية ويدور عكس الاتجاه الطبيعي.
نظرية التصادمات الصغيرة قد تكون أقرب للحقيقة وذلك لأن 18 من أصل 27 قمرًا من أقمار أورانوس يدورون حوله بالفعل بنفس الزاوية والباقي يدور بشكل غير منتظم وذلك في الأغلب لم يكن ليحدث لو أن تصادمًا واحدًا كبيرًا هو ما حدث آنذاك.
يدعو العلماء حاليًا وكالة ناسا لكي تبدأ في التخطيط لإرسال مسبار إلى هناك لكشف تلك الأسرار ومن المحتمل أن يتم إطلاقه في أوائل 2030 إذا بدأوا بالفعل بالتخطيط الآن، ولكن إن حدث وتم الإطلاق في هذا الوقت فلا تتعجل الإجابة حيث سيتعين علينا الانتظار طويلًا قبل أن نعرف أي شيء، فالرحلة إلى هناك تستغرق 15 عامًا!
ضحى نبيل - أراجيك
المصادر:
1,
2,
3,
4,
5