الثيوقراطية نمط حكم تدعي فيه السلطة القائمة أنها تستمد شرعيتها من الله ويدعي الحاكم أنه يحكم باسم الله، وبالتالي يُلغى إشكال الشرعية السياسية بحجة الاستجابة للإرادة الإلهية، ويكون الناس مجبرون على الطاعة العمياء لهذه السلطة من منطلق الحق الإلهي.
أصل التسمية
تتكون كلمة ثيوقراطي من كلمتين، "ثيو" وتعني إله، و"قراط" وتعني الحكم، والكلمة مشتقة من المفردة اليونانية Theokratia، وتعني حكم الله.
التاريخ
يوضح الخبراء أن الثيوقرطية نشأت أولا لدى اليهود إذ كان نظام الحكم لديهم يختلف عن أنظمة الحكم السائدة لدى اليونانيين، فقد كانت نصوص التوراة المصدر الوحيد للتشريع ولتنظيم شؤون الناس، وهو ما بدا غريبا لليونانيين الذين لم يعرفوا هذا النوع من الخلط بين الديني والمدني، وكانت شؤون الحكم عندهم في منأى تماما عن الدين.
ويرجح أن اليهود تأثروا في خيارهم هذا بمواريث مصر الفرعونية حيث كان الفراعنة يُعتبرون أربابا يعيشون بين الناس ويحكمونهم باسم الحق الإلهي.
وعرفت الإمبراطورية الرومانية الحكم الثيوقراطي في القرن 11 الميلادي إثر الإصلاح الغريغوري (نسبة إلى البابا غيرغوري السابع) الذي كان هدفه إحكام سيطرة الكنيسة على المجتمع وترسيخ التقاليد المسيحية بالقوة، وهو ما سينتج تحالف الكنيسة والنبلاء الذي ساد أوروبا في القرون الوسطى وانتهى بقيام الثورة الفرنسية.
السمات
النظام الثيوقراطي بطبعه نظام وثوقي (دوغمائي) يحكم زورا باسم الله ويرى أن لا مجال لمعارضته ولا لمساءلته لأنه يتصرف من منطلقات غيبية ليس للإنسان أن يُدركها. ويتميز النظام الثيوقراطي بالنفوذ الواسع لرجال الدين.
ويميز المختصون بين أصناف من الثيوقراطية، منها ما يقدم نفسه على أنه "آلهة" تعيش بين الناس حيث يحظى الحاكم بهالة من التقديس والتعظيم، وقد ساد هذا النموذج قديما في مصر والصين وفارس.
ومنها من يحكم انطلاقا من أن "الإله" اختاره من بين البشر للحكم، وعلى البقية السمع والطاعة، وأن أي عصيان للأوامر هو عصيان لـ"الإرادة الإلهية". وبالتالي فهو حكم بموجب الحق الإلهي.
والواقع أن النظام الثيوقراطي الكلاسيكي (أي الحكم باسم الإله وحكم الكهنة) طرأت عليه تغييرات كبرى حتى لا نكاد نجد له ذكرا في عالم اليوم وإن كانت بعض النماذج ما زالت تمثله.
فـالثيوقراطية في الحقبة المعاصرة أصبحت تلبس لبوس الدولة المدنية وتُخفي تحته خصائص الثيوقراطية القديمة، فمثلا لا تزال الكنيسة تحظى بنفوذ واسع في عدد من دول أميركا اللاتينية رغم أن هذه الدول دول مدنية وتنهج الديمقراطية التعددية (تشيلي، بوليفيا على سبيل المثال).
وفي إسرائيل ما زالت للحاخامات كلمة مسموعة، كما أن دولة إسرائيل تتبع بعض المعتقدات التوراتية والأساطير الناشئة عنها.
وتُمثل حاضرة الفاتيكان أوضح تجليات الدولة الثيوقراطية، فالبابا يعتبر نفسه ممثل الله في الأرض، إلا أن مختصين لا يعتبرون الفاتيكان ثيوقراطية بحكم أنَّ حكومته لا تحكم شعبا تتحقق فيه شروط الشعب المميز للدولة الحديثة مع الحوزة الترابية والسيادة.
الإسلام والثيوقراطية
يُطرح إشكال الثيوقراطية دائما بالنسبة للإسلام والمسلمين خاصة من طرف الباحثين الغربيين المتأثرين بالمسار التاريخي للمسيحية وارتباطاته بالتطور الاجتماعي التاريخي للقارة الأوروبية.
ويؤكد المختصون أن الثيوقراطية لا مجال لها في الإسلام، فلا وجود لكهنة ولا رهبان في الإسلام حتى يدعوا الحكم باسمه، كما أن الفقيه أو العالم المسلم ليس وسيطا بين العبد وربه كما هو الحال في التقاليد المسيحية، وفضلا عن كل ذلك لا وجود للكنيسة ولا شبيهَ لها في الإسلام.
كما أن الأساس النظري لقيام الثيوقراطية ليس موجودا في الإسلام. ومع ذلك فقد قامت ثيوقراطيات في التاريخ الإسلامي، فبعض الخلفاء كانوا يعتبرون أنفسهم خلفاء الله في أرضه وتحالفوا مع بعض العلماء لتثبيت حكمهم، واستفادوا من فتاوى في هذا الاتجاه.
لكن الأمر لم يبلغ مستوى الثيوقراطية المؤسسية المنظمة، ولا حد اعتبار الخليفة أو السلطان أو الأمير معصوما.
كما أنَّ الإسلام يعتبر تولي أمور الناس أمرا دنيويا ويجب أن يخضع لذلك الاعتبار، والخليفة ليست له صلاحيات مطلقة وهو معرض للمساءلة وللنصح، ومن أمثلة ذلك قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع الرجل الذي نصحه فنهره الناس فقال عمر: "لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها".
المصدر