شهدت مجرّة درب التبانة في الألفية الماضية 5 انفجارات نجمية لامعة، غير أن الانفجار الذي رصد عام 1181 كان أكثرها غموضا منذ ذلك الحين.
أنار انفجار عام 1181 سماء الصين واليابان طوال 6 أشهر (ناسا)
في عام 1181 للميلاد، أضاء جسم كوني لامع سماء الصين واليابان، وظلت هذه النقطة اللامعة جلية لعلماء الفلك ومراقبي النجوم طوال 6 أشهر. ويعتبر هذا المشهد اللامع -والذي يشبه الانفجار النجمي الساطع الذي أنتج سديم السرطان وتم رصده عام 1054 للميلاد- واحدا من الومضات القليلة الساطعة التي تم رصدها خلال التاريخ.
نقطة غريبة لامعة
وخلال الألفية الماضية (بدءا من عام 1006)، لم تشهد مجرة درب التبانة سوى 5 انفجارات نجمية لامعة (والتي تعرف أيضا باسم المستعرات العظمى). ويظل المستعر الأعظم الصيني "إس إن 1181" (SN 1181) -المعروف أيضا باسم النجم الزائر الصيني (Chinese Guest Star)- واحدا من أكثر هذه المستعرات العظمى غرابة.
إذ رصد علماء الفلك الصينيون واليابانيون هذا النجم الزائر في القرن 12، وسجل الفلكيون في ذلك الوقت موقعه التقريبي في السماء، ووصفوه بأنه ساطع مثل كوكب زحل.
المستعرات العظمى الأربعة الأخرى معروفة بشكل جيد، على النقيض من مستعر عام 1181 (ناسا)
غير أنه لم يتم تحديد أي آثار باقية من ذلك المستعر الأعظم بواسطة علماء الفلك الحديث، ليبقى ذلك المستعر العظيم المرصود عام 1181 لغزا محيرا للعلماء، وذلك على النقيض من المستعرات الأربعة الأخرى التي فسرها العلم الحديث بشكل جيد. ومنذ ذلك الحين، وعلى مدى 900 عام تقريبا، سعى علماء الفلك إلى تفسير سبب هذه الظاهرة.
سبر اللغز الكوني
حديثا، قدّمت دراسة بحثية نشرت في دورية "ذا أستروفيزيكال جورنال لترز" (The Astrophysical Journal Letters) في 15 سبتمبر/أيلول الجاري، تفسيرا لهذا اللغز. إذ أشارت الدراسة إلى أن تلك السحابة السديمية الخافتة السريعة التمدد -والتي تسمى "بي إيه 30" (Pa30)- تحيط بواحدة من أكثر النجوم سخونة في مجرة درب التبانة، والتي تعرف باسم نجمة باركر (Parker’s Star).
ووفقا للبيان الصحفي الذي نشرته جامعة مانشستر (University of Manchester) في المملكة المتحدة تعقيبا على الدراسة، فإن حسابات الموقع والعمر والشكل توافق ذلك الانفجار النجمي الهائل المرصود عام 1181.
إذ أشارت سحابة الغاز والغبار التي درسها الفريق الدولي المشارك في الدراسة أن سديم "بي إيه 30" يتمدد بسرعة قصوى تزيد على 1100 كيلومتر في الثانية (السفر بهذه السرعة يوصلك للقمر في 5 دقائق فقط).
كما أرجعوا منشأ السديم إلى نقطة مركزية ضاربة في القدم، يحتمل أنها ناتجة عن انفجار مستعر أعظم منذ ألف عام تقريبا.
حسابات الموقع والعمر والشكل توافق المستعر الأعظم المرصود عام 1181 (يوريك ألرت)
ويذكر ألبرت زيلسترا عالم الفيزياء الفلكية في جامعة مانشستر -المشارك في الدراسة- أن "السجلات التاريخية تشير إلى أن ذاك النجم الزائر تم رصده بين كوكبتين صينيتين هما تشانشو (Chuanshe) وخواجاي (Huagai)". وتقع هاتان الكوكبتان بالقرب من كوكبة ذات الكرسي "كاسيوبيا" (Cassiopeia) حاليا.
ويضيف زيلسترا أن "نجم باركر يتوافق بشكل جيد مع ذلك الموقع المُحدَّد. مما يعني أن الموقع والعمر يوافقان الحدث المرصود عام 1181".
مستعر أعظم نادر
وقد اعتقد العلماء في السابق أن سديم "بي إيه 30" ونجمة باركر قد نتجا عن اندماج اثنين من الأقزام البيضاء (نجوم ذات أحجام صغيرة وكثافة عالية جدا).
ومن المعروف أن حدثا كهذا ينتج عنه نوع نادر من المستعرات العظمى الخافتة نسبيا، والتي تعرف باسم "مستعرات وان إيه إكس" (Iax supernova).
وعن هذه المستعرات العظمى النادرة، يقول زيلسترا إن "10% فقط من المستعرات العظمى تتبع هذا النوع، وهي غير معروفة بالشكل الجيد. إذ يشير الخفوت والأفول التدريجي للمستعر الأعظم المرصود عام 1181 إلى أنه يتبع هذا النوع من المستعرات العظمى النادرة".
ومن ثم فإن "هذا هو الحدث الوحيد من نوعه الذي يمكننا فيه دراسة كل من السديم المتبقي والنجم المندمج. كما يمكننا وصف الانفجار نفسه"، يضيف زيلسترا.
المستعرات العظمى من نوع "وان إيه إكس" خافتة ونادرة الحدوث (ناسا)
ويختتم زيلسترا قائلا إن "المعلومات التي تم جمعها والخاصة بالعمر والمكان ودرجة سطوع الحدث والمدة التي ظهر خلالها والتي قدرت بـ185 يوما، تشير إلى أن نجمة باركر وسديم بي إيه 30 هما نظيران لمستعر عام 1181 الأعظم. إذ يندرج هذا المستعر ضمن المستعرات العظمى النادرة، ويعدّ بذلك هو النوع الوحيد منها الذي تمت دراسته بشكل مفصل".