ألف مجموعة من الخيوط الغامضة المعلقة بشكل غير مفهوم بالفضاء (تلسكوب ميركات الراديوي)
التقط فريق من الباحثين من جامعة نورث ويسترن Northwestern University الأميركية صورا جديدة باستخدام التلسكوب الراديوي فائق الحساسية "ميركات" MeerKAT في المرصد الفلكي الراديوي بجنوب أفريقيا (ساراو SARAO)، وتميط هذه الصور اللثام عن أشكال غامضة في قلب مجرتنا (درب التبانة).
رؤية الصورة الكاملة
وبحسب البيان الصحفي للجامعة الصادر في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، تظهر هذه الصور نحو ألف مجموعة من الخيوط الغامضة المعلقة بشكل غير مفهوم في الفضاء بوضوح غير مسبوق. وتوجد هذه الخيوط، التي تغطي ما يصل إلى 150 سنة ضوئية، في مجموعات منظمة، بعضها يتكون من خيطين فقط وبعضها يضم عدة خيوط تفصل بينها مسافات متساوية، كما لو كانت أوتارا في آلة الهارب.
كانت هذه الخيوط المغناطيسية المنظمة تمثل سرا غامضا منذ الثمانينات من القرن الماضي، حين اكتشفها للمرة الأولى عالم الفيزياء الفلكية فرهاد يوسف زاده من هذه الجامعة. ولاحظ أن هذه الخيوط تتضمن إلكترونات الأشعة الكونية وتدور في المجال المغناطيسي بسرعات تقترب من سرعة الضوء.
لكن الصورة الجديدة التي التقطت باستخدام تلسكوب "ميركات" تظهر 10 أضعاف الخيوط التي رصدها يوسف زاده بالدراسة السابقة. وربما تساعده هذه المعلومات في كشف غموض هذا اللغز الذي حير العلماء لعقود.
صور أكثر وضوحا لمركز درب التبانة (مرصد جنوب أفريقيا الراديوي)
وعن الاكتشاف الأخير، يقول يوسف زاده، وهو رئيس فريق الباحثين بالدراسة الأخيرة، في البيان الصحفي للجامعة "لقد تمكنا أخيرا من رؤية الصورة الكاملة، التي كانت منظرا بانوراميا مليئا بالخيوط. ومن الصعب التوصل إلى استنتاجات حقيقية عن ماهية هذه الخيوط وكنهها ومصدرها بمجرد فحص بضعة خيوط فقط".
ويشير تقرير منشور على موقع "ساينس ألرت" Science Alert، إلى أن مركز درب التبانة، حيث توجد الأشكال الغامضة، تلفه غيوم كثيفة من الغازات التي تحجب بعض الأطوال الموجية للضوء، بما في ذلك الطيف المرئي، ولذلك تتعذر الرؤية خلاله.
ويعد تلسكوب "ميركات"، في المرصد الفلكي الراديوي بجنوب أفريقيا، واحدا من أكثر التلسكوبات الراديوية تطورا في العالم. وقد أتاح لنا منذ تشغيله رؤية مشاهد لم نرها من قبل في مركز مجرتنا.
بقايا مستعر أعظم وأشياء أخرى
ولتركيب هذه الصورة الجديدة بوضوح غير مسبوق، أمضى علماء الفلك 3 سنوات يسبرون أغوار الفضاء ويحللون البيانات في المرصد الفلكي الراديوي بجنوب أفريقيا. وجمع الباحثون صورا خلال 200 ساعة من الملاحظة عبر تلسكوب ميركات لمقاطع مختلفة من السماء بالقرب من مركز المجرة الذي يبعد 25 ألف سنة ضوئية عن الأرض. ثم استخدم يوسف زاده وفريقه تقنية إخفاء الخلفية من الصور لإبراز الخيوط المغناطيسية المتناثرة في مركز المجرة.
وتكشف البيانات الجديدة عن بقايا مستعر أعظم لم يكتشف من قبل، لكن الإشعاعات المنبعثة من الخيوط تختلف تماما عن تلك المنبعثة من المستعر الأعظم. وهذا يدل على أن لكل من الظاهرتين مصدرا مختلفا. وأغلب الظن أن هذه الخيوط لها علاقة بنشاط سابق للثقب الأسود العملاق بمركز المجرة، أو ربما بالفقاعات الضخمة التي تنبعث منها الموجات الراديوية التي اكتشفها يوسف زاده في قلب مجرة درب التبانة عام 2019.
تلسكوب ميركات اللاسلكي أظهر مشاهد لم تسبق رؤيتها من قبل لمجرة درب التبانة (مرصد جنوب أفريقيا الراديوي)
ويقول عالم الفيزياء الفلكية "هذه هي المرة الأولى التي تمكنا فيها من دراسة السمات الإحصائية لهذه الخيوط، وهذا سيتيح لنا الفرصة للتعرف أكثر على خصائص مصادرها غير المعهودة".
وقد أظهرت الصورة الجديدة أن هذه الخيوط موزعة في صورة عناقيد أو مجموعات، وتفصل بينها مسافات متساوية، تعادل المسافة بين الأرض والشمس.
ولا يعرف يوسف زاده وفريقه ما إذا كانت هذه الخيوط تتحرك أو تتغير مع مرور الوقت، أو ما الذي يسبب تسارع الإلكترونات بهذه السرعات الهائلة داخل هذه الخيوط المغناطيسية. فمن الممكن أن يكون لها علاقة بالخيوط المغناطيسية العجيبة التي اكتشفت العام الماضي.
ويختم عالم الفيزياء الفلكية بقوله "لقد اقتربنا بالتأكيد خطوة من فهم هذه الخيوط، لكن الاكتشافات العلمية هي مجموعة من الإنجازات على مستويات مختلفة".