لا تستعرض قدراتك الكلامية... فالمرأة تحبك منصتا جيدا
كتب محمـد النغيمش:
الرجال المنصتون هم أحباب النساء، وليس من يستعرضون قدراتهم الكلامية.
هذا ما أكدته الدراسة الجديدة التي نشرت الشهر الجاري عن أحد أهم المراكز العلمية في العالم MITبولاية بوسطن الأميركية، حيث أكدت أن اختراق قلوب النساء لا يكون باختيار المفردات الجميلة بل بإعطائهن آذانا صاغية.
وقام باحثو هذه الدراسة المهمة بتحليل 60 محادثة بين الرجال والنساء استغرقت أوقاتا مختلفة، فيما أعطي كل رجل وامرأة فيها دقائق قليلة ليتعرف كلاهما على الآخر، وأن يقررا ما إذا كانا يرغبان في الالتقاء مرة أخرى. وكانت النتيجة أن النساء انجذبن أكثر نحو الرجال الذين استخدموا كلمات «مشجعة لهن على الاستمرار في الحديث» مثل «صحيح» وOK وI see حيث تبين للباحثين أن بعض الرجال استعملوا هذه الكلمات خمس مرات في خلال خمس دقائق، بينما استعملها آخرون أكثر من ثلاثين مرة في الفترة الزمنية نفسها.
قبل أيام كنت في الطائرة أنتظر إقلاع رحلتي إلى بيروت، وكانت أمامي امرأة تشتكي إلى رجل بصوت مسموع عن مشكلة في العمل. لم تكن محركات الطائرة قد دارت بعد مما ساهم في جعل صوتها مسموعا للركاب المحيطين. وظلت تشتكي حتى قبيل وصول الطائرة، ولم تتوقف عن الحديث طوال الرحلة. الغريب أنني لم أسمع صوت الرجل أبدا، حتى خلت أنها تحدث الكرسي المجاور. وقبل وصول الرحلة بدقائق خفت صوتها، وبدأت أسمع ضحكاتهما تعلو شيئا فشيئا. تأملت في سبب هذا التحول المفاجئ في نفسية المرأة فلم أجد غير تلك الفضيلة الراقية التي لجأ إليها هذا الرجل الحكيم. كيف ستكون النتيجة لو اتبعنا هذا الأسلوب الرزين في كسب ود بناتنا وزوجاتنا.
لقد كان هذا الرجل بحق منصتا مثاليا، حيث لم يقاطع ولم يبد حلولا (أثناء حديث المرأة) بل تركها تفرغ كل ما في جعبتها من هموم وأحزان، حتى شعرت بالراحة وراحت تبادله الضحكات، كأن شيئا لم يكن! وكان لإنصاته وتفاعله الصادق مع المرأة أبلغ الأثر في تهدئتها. وهنا تظهر أهمية التفاعل مع المتحدث وتجنب مقاطعته، خصوصا من يشكون إلينا الحال.
النساء كالقوارير الزجاجية... تشف عما في جوفها من مشاعر. وبنظرة خاطفة إلى ملامح وجوههن تتضح لنا نفسيتهن. لذلك يجب الحذر عند اختيار الكلمات الموجهة إليهن والإنصات بجدية إلى حديثهن فهن ينزعجن كما ننزعج من تجاهل الآخرين لحديثنا. لنتخيل كيف ستكون ردة فعلنا عندما نحمل همومنا إلى صديق أو قريب، لنجده غير مكترث البتة بما نقول. ما شعورنا إن كان من نحدثه ينظر إلى النافذة أو يقلب القنوات الفضائية أو منشغلا بوظائف هاتفه المتنقل؟ وضع أنفسنا في موقع الآخرين يجعلنا أكثر إحساسا بهم.
وعدم الإنصات في المنزل قد يسبب أزمة غير متوقعة. فلو أن بنتا استأذنت والدها المنهمك في قراءة صحيفته، برغبتها في البقاء خارج المنزل حتى ساعة متأخرة من الليل، ووافق بدوره من دون تركيز على ساعة العودة و مكان الزيارة، ليفاجأ في وقت متأخر أنه لا يعرف أين ذهبت ابنته. كيف ستكون حالته إذا كان هاتفها مغلقا أو خارج منطقة التغطية. والحال ذاته ينطبق إذا فوجئ بفاتورة باهظة الثمن لملابس اشترتها ابنته أو زوجته بالفيزا، كان قد وافق على ثمنها أثناء عدم إنصات. هناك مئات القصص المشابهة التي تؤدي إلى سوء تفاهم بين أفراد المنزل بسبب عدم الإنصات الجيد. ويجب الانتباه إلى أن الإنصات في المنزل أفضل تدريب لإتقان هذا الفن الرفيع مع أصدقائنا وزملاء العمل.
البعض يظن واهما أن الزمن حلال المشاكل، وأن قدراتهم الإنصاتية ستتحسن مع مرور الوقت. قرأت دراسات عديدة في هذا الشأن، وشهدت تجارب عملية متنوعة لكبار السن، فوجدت أن الإنصات لا يتطور من دون رغبة داخلية حقيقية وتقييم ذاتي مستمر. بل اتضح أن عادة عدم الإنصات إلى الآخرين احدى أهم الصفات التي تنفر الناس منا. ولو استعرضنا أسماء من لا ننسجم معهم فسنجدهم يشتركون في صفة عدم الإنصات إلينا. فكيف ننسجم مع من لا تعي أذناه أفكارنا أو آراءنا. ممارسة هذه الفضيلة الراقية في المنزل، وتحديدا مع نسائنا وبناتنا، تبدد التوتر والشحناء والضغينة.
الإنصات يبدو صعبا، في بداية الأمر، ولكن بالتدريب المتواصل يصبح عادة يومية سهلة، وهو فضيلة مهمة نفهم بها الآخرين ونتقرب منهم.. خصوصا بنات حواء.