المريخ لا يكاد يحتوي على أكسجين فنسبته تمثل فقط عُشر واحد بالمائة من الهواء وهي غير كافية تقريبا لبقاء البشر على قيد الحياة (شترستوك)
لنفترض أنك رائد فضاء هبط الآن على كوكب المريخ، إلام تحتاج للبقاء على قيد الحياة؟
وفقا لتقرير منشور على موقع "ذا كونفرسيشن" (The conversation)، فيمكن اختصار القائمة بالطبع إلى الماء والغذاء والمأوى، ولكن ما سنركز عليه هنا هو الحاجة إلى الأكسجين، فهل يمكن العثور على أكسجين في هواء المريخ أو بيئته بحيث يسهل مهمة رواد الفضاء في المستقبل؟ تعمل وكالة ناسا في الوقت الحالي على التقنيات الجديدة اللازمة لإرسال البشر إلى المريخ.
الهواء على المريخ أقل بنسبة 99% منه على الأرض (شترستوك)
الهواء على سطح المريخ
الأكسجين موجود في الهواء الذي نتنفسه هنا على الأرض، تنتجه لنا النباتات وبعض أنواع البكتيريا، لكن الأكسجين ليس الغاز الوحيد في الغلاف الجوي للأرض، إنه ليس حتى الغاز الأكثر وفرة، إذ يتكون هواؤنا من 21% فقط من الأكسجين وكل الباقي تقريبا عبارة عن نيتروجين (نحو 78%).
ربما قد تتساءل إذا كان هناك مزيد من النيتروجين في الهواء، فلماذا نتنفس الأكسجين؟ من الناحية الفنية عندما تتنفس فإنك تأخذ كل ما هو موجود في الغلاف الجوي، لكن جسمك يستخدم الأكسجين فقط ويتخلص من الباقي عند الزفير.
الغلاف الجوي للمريخ رقيق فحجمه لا يمثل سوى 1% من الغلاف الجوي للأرض، أي إن الهواء على المريخ أقل بنسبة 99% منه على الأرض، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن حجم المريخ يقارب نصف حجم الأرض، ومن ثم فإن جاذبيته ليست قوية بما يكفي لمنع غازات الغلاف الجوي من الهروب إلى الفضاء.
أكثر الغازات وفرة في هذا الهواء الرقيق على سطح المريخ هو ثاني أكسيد الكربون الذي تعدّ التركيزات العالية منه سامة لنا على الأرض، ولكن من حسن الحظ فإن ثاني أكسيد الكربون الذي يشكل 96% من الهواء على سطح المريخ لا يمثل سوى نسبة أقل بكثير من 1% من غلافنا الجوي على الأرض.
وفي الوقت نفسه فإن المريخ لا يكاد يحتوي على أكسجين، فنسبته تمثل فقط عُشر واحد بالمائة من الهواء، وهي غير كافية تقريبا لبقاء البشر على قيد الحياة. وإذا حاولت التنفس على سطح المريخ من دون ارتداء بدلة فضاء تزوّدك بالأكسجين فسوف تموت في لحظة؛ سوف تختنق ويغلي دمك بسبب الضغط الجوي المنخفض.
الباحثون لم يعثروا على أي دليل على وجود حياة على المريخ نظرا لبيئته القاسية جدا (شترستوك)
الحياة من دون أكسجين
وحتى الآن لم يعثر الباحثون على أي دليل على وجود حياة على المريخ نظرا لبيئته القاسية جدا، ولا يقتصر الأمر على الهواء فقط، إذ يوجد قليل جدا من الماء السائل على سطح المريخ كذلك، كما أن درجات الحرارة باردة إلى درجة لا تصدق، فقد تبلغ في الليل (-73) درجة مئوية.
وعلى الرغم من البيئة القاسية للمريخ فيمكننا القول إن كثيرا من الكائنات الحية على الأرض تعيش في بيئات قاسية أيضا، فقد عُثر على حياة في جليد القطب الجنوبي، وفي قاع المحيط وعلى بعد أميال تحت سطح الأرض، والعديد من هذه الأماكن تعاني من درجات حرارة شديدة البرودة أو شديدة الحرارة، ومن غياب الماء تقريبا ومن شحّ الأكسجين أو انعدامه.
ويشك العلماء في أنه حتى لو لم تعد الحياة موجودة على كوكب المريخ فربما كانت موجودة من قبل منذ مليارات السنين، عندما كان الغلاف الجوي أكثر سمكا وعندما توفر مزيد من الأكسجين ووجدت كميات كبيرة من الماء السائل على السطح وكانت درجات الحرارة أكثر دفئا.
ويعدّ البحث عن علامات على الحياة القديمة على سطح المريخ أحد أهداف مهمة المركبة الجوالة "بيرسيفيرنس" (Mars Perseverance) التابعة لوكالة ناسا، التي حطّت في يوليو/تموز من عام 2020 على سطح المريخ، وهذا هو السبب في أن "بيرسيفيرنس" تبحث داخل صخور المريخ عن أحافير الكائنات الحية التي عاشت يوما ما، على الأرجح، حياة بدائية مثل ميكروبات المريخ.
إعادة 4 رواد فضاء إلى الوطن من المريخ تحتاج إلى نحو 25 طن من الأكسجين (شترستوك)
إنتاج الأكسجين على المريخ
من بين الأدوات السبع الموجودة على متن مركبة "بيرسيفيرنس" جهاز "إم أو إكس آي إي" (MOXIE)، وهو جهاز مذهل يأخذ ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي للمريخ ويحوّله إلى أكسجين.
وإذا عمل جهاز "إم أو إكس آي إي" بالطريقة التي يأملها العلماء، فلن يقوم رواد الفضاء في المستقبل بصنع الأكسجين الخاص بهم فقط بل يمكنهم استخدامه في وقود الصواريخ الذي سيحتاجون إليه للعودة إلى الأرض، إذ يعدّ الأكسجين عنصرا مهما في معظم أنواع وقود الصواريخ.
وتقدّر ناسا أن إعادة 4 رواد فضاء إلى الوطن من المريخ تحتاج إلى نحو 25 طن من الأكسجين، وحيث إن حمل أي شيء من الأرض إلى المريخ أمر مكلف جدا، والصواريخ ذات سعة محدودة، لذا فإن كل غرام مهم.
ويعدّ "إم أو إكس آي إي" خطوة نحو حل هاتين المشكلتين من خلال إنتاج الأكسجين على المريخ؛ فهو يمتص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي للمريخ ويسخنه إلى درجات حرارة تقارب 800 درجة مئوية، وذلك يسمح له بنزع ذرات الأكسجين من ثاني أكسيد الكربون ثم تنفيس أول أكسيد الكربون.
مستقبل واعد
وقد أنتج الاختبار الأول للتجربة، الذي أجري في 20 أبريل/نيسان من عام 2021، نحو 5 غرامات من الأكسجين، وهو ما يعادل نحو 10 دقائق من الهواء القابل للتنفس لرائد فضاء.
يقول جيم رويتر من ناسا في بيان نشر في أبريل/نيسان 2021 إن لدى "إم أو إكس آي إي" مزيدا من العمل الذي يتعين القيام به، "لكن نتائج هذه التقنية واعدة في حين نتحرك نحو هدفنا المتمثل في رؤية البشر في يوم من الأيام على المريخ".
ويستطيع جهاز "إم أو إكس آي إي" إنتاج نحو 10 غرامات من الأكسجين فقط في الساعة، لكن مولدات الأكسجين المستقبلية يمكن أن تكون أكبر بكثير وتزيل ذرات الأكسجين من ثاني أكسيد الكربون بسرعة أسرع بكثير.
وكلما زادت كمية الأكسجين التي يستطيع الناس إنتاجها على سطح المريخ قلّ ما يحتاجون إليه لجلبه من الأرض، وأصبح من الأسهل على رواد الفضاء الذهاب إلى هناك، ولكن حتى مع وجود الأكسجين "المنتج محليا" سيظل رواد الفضاء بحاجة إلى بدلة فضاء.