يقال ان كل شيء مرتبط بشكل او بآخر بالسياسة. فمستوى الصحة والتعليم وارتفاع سعر رغيف الخبز الى الرياضة وسلامة الفرد العقلية والجسمية وسعادته مع نفسه، كلها امور تتأثر بصورة مباشرة او غير مباشرة بالنظام السياسي والقوانين التي تحكم بلدا ما.
لكن في نظام الجمهورية الاسلامية الذي تحكمه قوانين صارمة قد تأخذ هذه الامور منحى متطرفا. فمثلا منذ قيام الجمهورية الاسلامية واغلاق محلات بيع الخمور ارتفع معدل انتاج المشروبات الكحولية المصنعة محليا داخل البيوت الى ارقام قياسية وتسبب بكثير من الوفيات. كما زاد رواج الافلام الجنسية المحظورة التي يسهل الحصول عليها في السوق السوداء في مجتمع لا يسمح فيه للرجال ارتداء القمصان ذات الاكمام القصيرة.
ومن بين الظواهر التي لاقت رواجا كبيرا في ايران خلال العقدين الاخرين والتي يربطها الكثيرون بالكبت الاجتماعي ومحاولة السلطات تطبيق قوانين اسلامية صارمة وفرض "الحجاب الاسلامي" بالقوة ظاهرة العمليات التجميلية للوجه.
وتفيد تقارير بان محاولات الجمهورية الاسلامية منذ الثورة قبل اكثر من ثلاثين عاما لفرض قوانين اجتماعية واخلاقية متشددة والترويج لـ "الفضيلة والعمل البر" وبان الجمال الحقيقي هو الجمال الباطني والروحي والعرفاني قد فشلت واعطت نتائج عكسية داخل المجتمع الايراني.
يقول تقرير اعدته صحيفة "ذي غارديان" البريطانية من طهران ان النساء والفتيات الايرانيات – بعضهن لا تزيد اعمارهن عن 14 عاما - بدلا من التمسك بـ "القيم الروحية" يلجأن الى تحسين مظهرهن وجمالهن متشبهنّ بنجمات هوليوود وما يرينه على شاشات الفضائيات الغربية للحصول على وجه شبيه بـ "باربي".
وتفيد احصاءات نشرتها صحيفة "اعتماد" الايرانية ان ايران هي الاولى في العالم من حيث عدد عمليات تجميل الانف، اذ تجري فيها نحو 200 الف عملية سنويا. غالبية هؤلاء النساء يرغبن في تصغير حجم انوفهن ورفع اطرافها قليلا والحصول على انف شبيه بانف بريجيت باردو في ذروة شهرتها وجمالها او انف الممثلة الشهيرة نيكول كيدمان.للكثير من هؤلاء، تضيف "ذي غارديان"، ان اللجوء الى عمليات التجميل هو بسبب الكبت وردة فعل على فرض الحجاب وعدم السماح للمرأة باظهار سوى وجهها.
تقول مرجان من طهران: "انهم لا يسمحون لنا اظهار جمالنا. انها طبيعة الانسان .. طبيعة المراة ان تريد جلب الانتباه بقوام جميل وشعر جميل وبشرة جميلة .. لكن الحجاب لا يسمح لك القيام بذلك. لذا علينا ارضاء رغباتنا وغرائزنا هذه عن طريق عرض "فنّنا" وجمالنا عبر وجوهنا".
اما بعضهن الاخر فيرين ببساطة ان التقدم العلمي والتكنولوجي في مجال الطب التجميلي وفر لهن فرصة لتحسين مظهرهن. وتقول احدى الطهرانيات: "الجميع يسعى لان يكون جميلا، فلماذا لا نسعى نحن ان نكون كذلك؟".
عمليات تجميل الانف ليست العمليات الوحيدة. فهناك اقبال كبير ايضا على عمليات شفط الدهون من ناحية البطن وازالة تجاعيد الوجه وتكبير النهدين ورفع الحاجبين والجبهة.
تلجأ النساء الايرانيات، وحتى الرجال، الى العمليات التجميلية مهما كلف الثمن على الرغم من الغلاء وارتفاع معدلات التصخم في البلاد. ويلجأ الكثير من هؤلاء الى البنوك للحصول على قروض بفوائد عالية لدفع تكاليف العملية.
اجرت الجمعية الايرانية لبحوث عمليات تجميل الانف دراسة بالتعاون مع جامعة جون هوبكينز الاميركية أظهرت ان معدل عمليات تجميل الانف للفرد في ايران هي سبعة اضعاف تلك التي تجري في الولايات المتحدة.
ان ظاهرة اللجوء الى العمليات التجميلية، كما تقول "ذي غارديان"، لا تقتصر على المواطنين العاديين بل تشمل ايضا زوجات وبنات رجال المؤسسة المحافظة الحاكمة وبعض اتباع الرئيس الايراني. وبحسب صحيفة "اطلاعات" ومواقع ايرانية على الانترنت فان زوجة على اكبر ولايتي مستشار المرشد الاعلى خامئني فارقت الحياة قبل سنوات بسبب تعقيدات حصلت لها اثر عملية شفط دهون (لايبوساكشين Lyposuction) في منطقة البطن.
كما افادت وكالة فارس الايرانية للانباء في وقت سابق ان اسفنديار رحيم مشائي من المقربين للرئيس الايراني احمدي نجاد خضع لاجراء عملية تجميلية لشد الاجفان.
قد لا تسهم العمليات التجميلية في ايران كثيرا في حل مشاكل البلاد السياسية والاجتماعية لكنها بالتأكيد تعتبر للكثيرين من الرجال والنساء في ايران متنفسا "للتعبير عن جمالهم" وحسن مظهرهم خاصة وانها غير محرمة دينيا او سياسيا.
ليس الجميع محظوظاً في هذا المجال. عاطفة ذات الـ 29 ربيعا تسير في شوارع العاصمة طهران بثقة عالية وانفها الصغير مرفوع بكبرياء الى السماء. لكنها تقول شاكية: "اجريت عملية تجميلية لانفي قبل خمس سنوات .. والسبب كان في الحقيقة هو ان أجد رجل احلامي، لكني للاسف ما زلت حتى الان معروضة في السوق