الزي الرجالي التقليدي للعراقيين التركمان وسبب تسميته بالزي البغدادي؟
كما نعلم أن من أهم أسباب كشف اللبس أو الزي هو ستر العورة ووقاية الجسم من عوامل مختلفة، والأزياء تتطور وتتنوع على مر العصور وتتأثر بالعوامل المناخية والتضاريس وطريقة الحياة والحوادث المختلفة من الحركات الدينية والاجتماعية وغيرهاوكذلك تتأثر بتوافر المواد الضرورية الموجودة في المنطقة.ويمكن أن نلاحظ أن الشعوب ذات المناخ الحار لها زي يختلف عن تلك التي تعيش في المناطق الباردة أو عكس ذلك. وبسبب كون العراق واقعة في منطقة حارة فأصبحت للشعب التركماني في العراق زي خاص،سواء كانت للرجال أو كانت للمرأة التركمانية.سبق أن كتبت مقالا حول زي المرأة التركمانية. وموضوع مقالتنا هناهي عن الزي الرجالي التقليدي للعراقيين التركمان.
ومن أجل تطوير الشعوب طرز ملابسهم وأزيائهم، فلابد منتأسيس دولة لهم لكي تستقر وتتطور وتنشأ لها حضارة خاصةواستخدام الأزياء في المناسبات الرسمية تدل على الأبهة والفخفخةوعلى الرقة والجمال وتدل على التطور الاقتصادي والاجتماعي والتطور الحاضري.ولأجل توضيح الزي التركمانيفلابد لنا أن نتطرق بصورة مختصرة إلى تاريخ الشعب التركماني وعن مدى تأسيسه العديد من الدول والحضارات عبر التاريخ.كما نعلم أن الأتراك أسسوا 17 إمبراطورية في عصور مختلفة منها إمبراطوريتان إسلاميتان. (هنا لا يمكن أن نتطرق إلى كافة الأزياء ولكافة العصور. وإنما نتطرق فقط إلى الأزياء التي لبسها التركمان في العراق).
أما عن تاريخ الأتراك يبدأ تاريخهم مع أحد ثلاثة أبناء النبي نوح (ع) وهو يافَث والأخران هما سام وحام، إلاّ أن الأثار القديمة عندهم قليلة بسبب كونهم أقوام أو قبائل رحّل. ولكن أكثر المعلومات المتعلقة بتاريخ الأتراك يتبين من كتابات السومريين. لذا يمكن أن نقول أن تاريخ الشعب التركماني بدأ مع ظهور الامبراطورية السومرية في جنوب العراق بتاريخ (3500 ق.م وقيل 4000 ق.م والاكتشافات الجديدة تدل أكثر من ذلك)، وأمتد تأثير الحضارة السومرية إلى العيلاميين (أو الإيلاميين) والى بلاد الأناضول واسيا الوسطى التركية.وبعد تأسيس التركمان الامبراطورية السومرية في ميزوبوتاميا في بلاد ما بين النهرين في العراق (أي عند مصب نهري الدجلة والفرات)، فأصبحت الحضارة السومرية أول حضارة تركمانية وأعرقها. والمؤرخون الأوروبيون والعرب أثبتوا أن اللغة السومرية من مجموعة اللغة (أورال التاي URAL ALTAY) التي تمثل اللغة التركية. والذين يدعون من القوميات الأخرى أنهم من قوميات أخرى، كلامهم غير منطقي وليس لهم أي دليل علمي. ونحن نقول أن الكتابات المكتوبة على الأحجار أكبر دليل لنا لأنها كتابات تركمانية أو تركية.
وفي العهد الاسلامي عند نشوء الدولة الاموية ثم العباسيةهاجر التركمان إلى بغداد وهاجر معهم قبائل تركمانية كثيرة..وبناءًا على ذلك لايمكن لأي عاقل أن يدعي أو الذي يعرف من التاريخ أن يقول أن الشعب التركماني من بقايا العثمانيين كما إدعى النظام السابق في العراق وكذلك يدعي المنافقين في هذه الأيام. بل أن التركمان هم المكون الأصيل والأساسي من مكونات الشعب العراقي ومن أحد مؤسسي الحضارة العراقية، وحتى بعد سقوط الخلافة العثمانية لهم الفضل في تكوين الدولة العراقية.
أما عن كيفية إعتناق الأتراك أو التركمان بالدين الاسلامي؟راجعكافة كُتب التاريخالقديمة تقول: أنهبعد تولي عبيد الله بن زياد الخليفة الأموي تم نقل بعضاً من أوائل الأتراك دخولاً في الإسلام وأسكنهم العراق عام 675.بالقرب من ضفاف نهر “طالاس” الموجود حالياً في قيرغيزستان، وعندما أرسل الحجاج عام 705 القائد قتيبة بن مسلم أحد أشهر القادة في ذلك العصر إلى منطقة خراسان. وبعد فترة وجيزة تمكن المسلمون من السيطرة على منطقة ما وراء النهر. تمكن الأتراك من كبح زحف الجيوش العربية. إلا أن هذه الحروب كانت سبباً في تعرف الأتراك على الإسلام من قربحارب الأتراك إلى جوار المسلمين في الحرب التي اندلعت بينهم وبين الصين.ويعد ذلك التاريخ نقطة تحول هامة في تاريخ الأتراك. وبدأ ينتشر الدين الإسلامي بشكل سريع ومكثف بعد تلك المعركة، وبمرور الوقت اختار كل الأتراك تقريباً اعتناق الإسلام وإستمرت من عام 751 إلى نهاية القرن الثامن. وبعد اعتناقهم الدين الاسلامي بداؤا يعيشون مع المسلمين وحتى أنه أخذ بعض المسلمين تأثروا بملابسهم ولبسوا ملابسهم التي كانوا يلبسونها في دوائر الدولة وملابسهم التقليدية التي كانوا يلبسونها في حياتهم اليومية.
“وقد نشر صحيفة “يني شفق” التركية تقريرا مطولا وقالت وفقاالبروفيسورلغوندوز سلطت من خلاله الضوء على تاريخ دخول الأتراك للإسلام.وذكرت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21”، أنّ تاريخ الأتراك مع الإسلام تعود جذوره إلى غزوة الخندق. وتقص بعض الروايات أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم جلس في خيمة من صنع الأتراك في تلك المعركة. وقد أكد البروفيسور توفان غوندوز هذا المعطى التاريخي. ونقلت الصحيفة عن البروفيسور غوندوز الرواية التاريخية الكاملة لدخول الأتراك للإسلام. ويُعتقد أنّ هذه الخيمة التي جلس فيها الرسول عليه الصلاة والسلام، وصلت للعرب بفضل التقاء التجار العرب مع التجار الأتراك أثناء سفرهم عبر طريق الحرير التجاري”.
إذاً بدأ تاريخ التركمان مع العرب والفرس منذ عهود طويلة، والتركمان وإن عاشوا مع الدولة الفارسية والساسانية قبل الاسلام ولكن لم يذكراسمهم في التاريخ الا قليلا بالرغم من كون التركمانأكثر من الفرس ولايزال، وذلك لأسباب سياسية.
لماذا سميالزي الرجالي التقليدي للعراقيين التركمان “بالزي البغدادي”؟
لقد كان الشعب التركماني يلبسونالزي الرجالي التقليدي للعراقيين التركمان في ولاية موصل وفي ولاية بغداد في العهد العثماني، وأن التركمان في ولاية الموصل في العهد العثماني كانوا يمثلون 75% وكانوا يعيشون مع إخوانهم الأكراد والعرب والأشوريين والكلدانيين وغيرهم من الطوائف، وكانت تشكل نسبة التركمان في مدينة كركوك بالذات التركمان 95% من مجموع سكان كركوك حتى عام 1960 . ولشعب التركماني وللشعوب الذي ذكرتهم كان لكل منهم زيهم الخاص.
وفي هذه المقالة نشرحالزي الرجالي التقليدي للعراقيين التركمان وعن تغيراته الاخيرة بعد سقوط الدولة العثمانية، لقد اشتهرت ولاية موصل وولاية بغداد بلبس الزي الرجالي التقليدي للعراقيين التركمان التي اعتادوا لبسها في العراق.
وسبب اشتهار الزي التركماني وتسيمته بالزي البغدادي، عرب جنوب العراق هم سموا الزي التركماني “بالزي البغدادي” والسبب لأنهم لميروا هذا الزي الجديد من قبل. وهم يعرفون الزي الذي يلبسه العرب وهو المعروف في كافة الدول العربية،وعندما راؤا الزي الجديد تعجبوا واطلقوا عليه بالزي البغدادي، والسبب إما أنهم لم يعرفوا أنه زي عثماني أو تركماني أو تجاهلوا ذلك لأسباب سياسية. كما هو معروف أن زي العرب عبارة عن (العقال واليشماغ “الجراوية”والدشداشة البيضاء، والجلابيةوالصاية قماشها مختلفة الملونة المزينة. وفي الشتاء يلبسون الجاكيت).أما عن كيفية مجيء هذا الزي إلى بغداد! عندما تم هجرة عشائر تركمانية أو عشائر سومرية كثيرة من جنوب العراق الى بغداد، وحتى أنهإستمرت هجرة التركمان من الأناضول عن طريق حكم الدولة السلجوقية والعثمانية فانتشرت الزي التركماني في بغداد، عدا إنتشارها في المناطق الشمالية أي في ولاية موصل وقد كانت من الأراضي العثمانية ثم سلمت الى العراق بإتفاقية لوزان. والعشائر التركمانية المهاجرة إلى بغداد كانوا يلبسون الزي التركماني في بغداد،وحتى بدأ أهالي بغداد بلبسه فسموه بالزي البغدادي كما ذكرت.وأما عن سبب تأثير أهل بغداد بلبس الزي التركماني الجديد لأن أكثر العشائر والعوائل التركمانية قد عاشوا في بغداد. ومن العشائر التركية أو التركمانية الذين جاؤا من الأناضول عن طريق شمال العراق أو من إيران وخاصة في عهد خلفاء الامويين والعباسيين لقد جلبوهم كجيوش لكي يحمون خلافتهم وجاؤا مع عوائلهم وإستقروا في أطراف بغداد وبعدها استقروا بغداد.
ومن العشائر الذين تم جلبهم وعاشوا في بغداد: المفتي، البيات، قرةغولي، الصالحي، الخالدي، الجادرجي، الشيخلي، ياغجي، باجه جي، جيبه جي، خاصكي، اورفه لي، ريزه لي، أرضوروملو، دفداردار، قلمجي، قازانجي، قايماقجي، باش أعيان، النقيب، العسكري، أجزه نه جي، صابوجي، عرضحالجي، سلاحدار، بيراقدار، الحيدري، ديوه جي، مرادلي، اوزبكلي، عرابه جي. وأن أهل بغداد الاصليين لكونهم يعيشون تحت ادارة الخلافة العثمانية كذلك تأثروا بهذا الزي وبداؤا يلبسونه كونه يلائم مناخهم وانه تمثل حضارة جديدة لهم، بالإضافة إلى الزي العثماني والتركماني أخذ أهل بغداد يتأثرون بعادات وتقاليد العثمانيين والتركمان وحتى أنهم تأثروا بمطابخ التركمان.
إذًا يجب أن نعلم بأن الزي البغدادي الذي كان تلبسه أهل بغداد ليس بزي عربي، وإنما كان زيًا تركمانيًا خالصًا،وكتب التاريخيذكر بأن أكثر القبائل التركمانية والعثمانية كانوا يلبسون هذا الزيفي بغداد. وتأثرت العشائر العربية في بغدادبالزي التركماني وأخذوا يلبسونه. وهناك سبب أخر في تسمية الزي التركماني بالزي البغدادي هوحقد الإنجليز على الأتراك والتركمان لكونهم منافسين للخلافة العثمانية،فحاربوهم بشتى الطرق وفي أكثر المجالات، فمنعوا على الحكومات العراقية من استخدامهم كلمة الترك أو التركمان ولهذا السبب منع عليهم باستخدامهم الزي التركماني فحولوها الى الزي البغدادي، وحتى أنهم كانوا سببًا في منع الشعب التركماني من أخذ حقوقهم المشروعة في الدستور العراقي ولا يزال العداء مستمرة. كما ذكرت أن للعرب زي خاص بهم،وكذلك لعرب العراقيين زيهم يشبه زي العشائر العربية، فلو كانت هذه الملابس خاصة بالبغدادين العرب لكتب المؤرخون في كتبهم. وثبت التاريخ بأن العرب في وسط وجنوب العراق كانوا يلبسونالزي العربي كما ذكرت أعلاه منها (العقال، والدشداشة البيضاء، والجراوية، والعباءة الرجالية من قماش خفيف).
ولأجل توضيح أكثر، نسأل ونقول: فهل من الممكن، عندما نرى بعض أفراد الشعب التركماني في بغداد وديالى والرشيدية وتلعفر يلبسون الزي العربي من العقال والدشداشة اليشماغ أو الجراوية، وهل يمكن لنا أن نقول أنه زي تركماني؟ طبعًا لا يمكن أن نسمي ذلك. ومثل ذلك عندما نرى بعض أفراد تركمان أربيل يلبسون الزي الكردي فهل من الممكن أن نقول أن هذا الزي هو الزيالتركماني؟ طبعًا لا يمكن ذلك. وكذلك لا يمكن أن نقول بأن الزي التركماني التي لبسه أهل بغداد وأخذوها من التركمان أنه زي بغدادي أو زي عربي.
علمًا أن للحضارة السومرية في العراق زي خاص يشبه الزي التقليدي التركماني الذي يلبسونه، وبعد أن استوطن التركمان في بغداد وسكنوا دار السلام كما ذكرت بداؤا يلبسون زيهم القومي التقليدي ويذهبون الى أعمالهم ومهنهم إلى سقوط الخلافة العثمانية. أما الأعيان وموظفي التركمان في العهد السابق كانوا يلبسون في الدوائر الرسمية ملابس خاصة بهم من القفطان (جبة السلاطين) والقلباق (قبعة من الصوف) والسروال الفضفاض المزخرف ونحو ذلك.وحسب التقدم الحضاري غيروا ملابسهم التقليدي كما غير بقية الأقوام.
أقسام الزي الرجالي التقليدي للعراقيين التركمان
يمكن تقسم الزي الرجالي التركماني إلى أربع فترات:
1ـ الزي التركماني في العهد السومري / لسنا بصدده.
2ـ الزي الرجالي التركماني القديم (زي الأناضول) / الزي العثماني الأناضولي: بسبب مناخ الشتاء عندهم بارد وشديدة البرودة والذي يطول لاكثر من ستة أشهر فأخذت ملابسهم طابع أخر، فنجد أزياء لأصحاب المهن والحرف وأزياء الأعيان والموظفين، واستعملوا بشكل عام للرأس قبعة باسم قلباق والجبة باسم قفطان، وللعنق الغدرة الملونة من الصوف، ويلك والجلباب والسروال الفضفاض من الصوف والجواريب الطويلة من الصوف، والقميص الابيض، والحزام أو رباط صوفي يستخدم مع السروال.
3ـ الزي الرجالي التركماني (كذلك سمي بالزي البغدادي).
أجزاء الزي الرجالي التركماني
يتألفالزي التركمانيمن:
1ـ قميص أبيضَ، بدون أكمام وياقة Beyaz Gömlek 2ـ رداء واسع: (بالتركماني زبون)تصنع من الأقمشة الثمينة Zubun, Uzun Yelek 3ـ سروال متسع Beyaz uzun şalvar 4ـ الجاكيت Ceket 5ـ الحزام Kemer 6ـ طاقية الرأس: باللون الأبيض Kafada Beyaz Takke 7ـ الياشماغ: (بالتركماني جماداني): اللون الأبيض والأسود Takke Üzerine “Camadanı Siyah-Beyaz Kareli 8ـ الحذاء الجلدي: (حذاء يمني) Yemeni, Çarık Ayakkabı 9ـ الجورب الصوفي Yün Çorap 10ـ الحزام الجلدي أو من القماش Bel Bağı Kayış veya kumaştan
4ـ الزي الإنجليزي (زي الأفندي)
وقدفرضالانكليز هذا الزيبعد احتلال العراقفي العهد الملكي على العراقيين وعلى الشعب التركمانيوكان يلبسه العراقيون في الدوائروهي عبارة عن: البذلة والقميص القصير والرباط والسدارة الملكية (وقيل السدارة الفيصلية) والبلوز والجاكيت والمعطف في الشتاء البارد، وفي الصيف البنطلون القصير او البنطلون الطويل مع القميص الأبيض.
كما نعلم هناك أزياء خاصة للجيش العراقي وللشرطة العراقية.وكذلكلأصحاب المهن والحرفلهم زي تقليدي خاص بهم. وكذلك هناك الملابس البيتية (البجامة)، أما عامة الناس من الفقراء في العراق فكان الرداء المستخدم عندهم هو (الدشداشة) صيفا وشتاء مع الجاكيت حسب الموسم.والأتراك في الخلافة العثمانية تركوا لبس العمائم بأمر من السلطان مراد الثانيعام 1826 وبداؤايلبسون الطربوش، وكان الأعيان والموظفين لبسواالطربوش الأحمر الملفوف بقماش أصفر أو مذهب.ويمكن أن نقول أن الدشداشة والسدارة الفيصلية والحذاء التقليدي باسم الكلاش ليست من أجزاء الملابس التركمانية، وحتى الطربوش العثماني لم يكن لبس عثماني قديم.
ختام
في نهاية الموضوع أتمنى للرجل التركماني إحياء زيهم الأصلي مثلما يتم إحياءه من قبل النساء التركمانيات والأطفال في المناسبات والأعياد، وقد يكون لبسه صعب عليهم دائمًا لأسباب كثيرة. ونتمنى أن يلبس الشعب التركماني زيّهم التقليديعلى الأقل في كافة المناسبات والأعياد الوطنية والدينية. وهكذا يكونوا قد أحيوا حضارتهم كما يحيي بقية الشّعوب وتهتم بها، والزي الرجالي التقليدي للعراقيين التركمان والزي الأناضولي التركي تمثل حضارة شعوبالاتراك والشّعب التركماني في العراق. والشّعب الذي يهمل ويبتعد عن تاريخه وحضارتهِ القديمة ولم يفتخر بها ولم يأخذ منها دروس تاريخيةسيتحول لا قدر الله الى لا شيء، و يكون السيطرة والحكم عليهم سهلة.والله من وراء القصد .
د. نظام الدين إبراهيم اوغلو
باحث أكاديمي تركماني ـ تركيا