جولة في شارع السراي وقشلـة بغــداد
كان المؤرخ الراحل سالم الالوسي قد اودع ملحقنا بعض ما كتب.. ومن ذلك المقال الذي بين يديك عن سراي بغداد وشارعها المحاذي لشارع المتنبي اليوم.
مرقد كنج عثمان:
يقع هذا المرقد قرب سراي بغداد، دفن فيه المقاتل (كنج عثمان) وكان جنديا شجاعا تروى عنه الكثير من القصص والاساطير ايام الحروب القائمة بين العثمانيين والايرانيين، توفي شهيدا سنة 1040 هـ ونقل نعشه الى بغداد ودفن في شارع السراي وعرف بـ (كنج عثمان) اي الشاب عثمان.
وقد بنى فوق قبره قبة واقيم ايوان للصلاة، وفي سنة 1133 هـ جدد المكان حسن باشا والي بغداد وكتب على الواح القاشاني في شباك المرقد الاتي: ("ألا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"، رئيس الشهداء كنج عثمان، قد عمر هذا المكان صاحب الخيرات حسن باشا سنة 1133 هـ") وفي المرقد سقاية، وقد حدث حريق عام 1324 هـ اتى على المرقد فعمرته مديرية الاوقاف في سنة 1324 هـ، وفي عام 1333 هـ امر والي بغداد خليل باشا بهدم رباط الجندرمة ومرقد كنج عثمان المجاور له لتوسيع الطريق وابقى على القبر، وفي سنة 1917 قامت قوات الاحتلال الانكليزي بازالة القبر وسوي بالارض واصبح ضمن قارعة الطريق امام مدخل السراي.
قشلة الضبطية:
تجاور النادي العسكري من الجنوب وسراي الحكومة من الشمال وموقعها اليوم بناية مديرية الشرطة العامة القديمة.
سراي الحكومة:
تقع بناية السراي الى شمالي بناية قشلة البيادة (اي المشاة) ويدخل اليه من باب كبيرة رصينة البناء تعلوها قبة، وما تزال على واجهة هذا الباب الطغراء العثمانية، وفي ساحة السراي كانت تقام مراسيم تعيين الولاة وقراءة الغرامين بهذا التعيين ومنحهم الصلاحيات. وكان هناك جدار يفصل بين بناية القشلة وسراي الحكومة، وقد هدم هذا الجدار الفاصل عند تأسيس المملكة العراقية وشيدت مكانه بناية حديثة الطراز اتخذت مقرا لرئاسة الوزراء، ويقع بيت الوالي في الجزء الشمالي من السراي وقد اتخذ هذا البيت مكانا لوزارة المعارف في العهد الملكي.
وزارة الداخلية: (حبس الاوردي)
كان مكانها (حبس السراي) ويقع مقابل جامع السراي، وقد هدمت بناية الحبس وشيدت مكانه بناية جديدة لوزارة الداخلية وماتزال آثارها باقية التي اتخذت فيما بعد متصرفية بغداد، كان مدخلها من شارع السراي (ونقلت متصرفية لواء بغداد بعد ذلك الى بنايتها الجديدة مكان المدرسة الرشدية الملكية، في شارع لسراي ايضا).
بناية القشلة:
شيدت بناية القشلة وكانت تسمى (بياده قشلة سي) اي ثكنة المشاة، في زمن والي بغداد للمدة الثانية محمد نامق باشا في سنة 1278 هـ (1861م) ولم يكملها، واكملها من بعده والي بغداد مدحة باشا واقام في ساحتها من جهة النهر ساعة دقاقة لايقاظ الجنود ولضبط اوقات التدريب وذلك في سنة 1285 هـ (1868م). شيدت القشلة على الضفة اليسرى من دجلة، وكانت ارضها قديما موقع المدرسة الموفقية في العصر العباسي، (دليل خارطة العراق ص138). وفي العقد العثماني عرفت المحلة بمحلة جديد حسن باشا، التي حلت محل المحلة القديمة المعروفة بـ (محلة شاه قولي) (معالم بغداد، ص 19). شيدت القشلة على هيئة مستطيلة من الشمال الى الجنوب بطول 182 متراً وعرض 60 متراً، والدخول اليها من بابين، الباب الرئيس الكبير من الضلع الشرقية للبناية، والثاني من الضلع الجنوبية.
وقد حفلت بناية القشلة بحوادث تاريخية منها ان الجيش البريطاني بعد دخوله بغداد سنة 1917 رفع العلم البريطاني فوق ساعة القشلة، وفي ساحة القشلة جرى تنصيب الامير فيصل بن الحسين ملكا على العراق، وعند تأسيس المملكة العراقية اتخذت البناية مقرا لعدد من الوزارات والادارات مثل وزارة المالية ووزارة العدلية ومديرية الطابو العامة والمتحف العراقي عام 1922 التي شغل غرفة في اقصى الضلع الشرقي من الطابق الارضي الى عام 1926 فانتقل الى البناية التي كانت مدرسة الحقوق في شارع المأمون.
رباط النظام (هو قشلة الضبطية)
من المعالم المهمة في بناية السراي ويقع إلى يمين الداخل إلى بناية القشلة من الباب الشمالي الشرقي، وهي بناية إدارية شيدت على عهد السلطان العثماني عبد المجيد خان، في زمن والي بغداد عبد الكريم نادر باشا سنة 1265 هـ (1848 م)، أما المؤرخ الأستاذ عباس العزاوي فيعين موقعه في قلعة بغداد(بناية وزارة الدفاع(
وقد أرخ البناء الشاعر الموصلي عبد االباقي العمري قائلاً:
بــــارك الله تعالـــــــى
في عــلا ظـــل الأنــام
كهفنا عبـد المجيـــد خــــــــان
الهمــــام بـن الهمـام
باشــر العـــدل علينـــا
نشـــر جلبــاب العمــام
بفيوضـــات أيـــــــــادٍ
غمرت خاصاً وعـــــام
عمــــت الأقطــار حتى
خصصـت دار الســلام
ســنّه تنظيمات خيــــر
أعطت الدنيا نظـــــــام
بمشيرين عظيميــــــن
رفيعيَّــن المقـــام
شمروا ساعد جــــــــدٍ
واجتهـــادٍ واهتمـــــــام
قـام كــلٌ منهــمُ فـــــي
أمــره حــق القيـــــــام
وبنـــوا أعــلا ربــــاط
بمزيـــد الإحتكـــــــــام
فزهت بغــــــــداد أرخ
بربـــــاط للنظــــــــام
جامع السراي (جامع الملك)
يقع هذا المسجد الجامع مقابل باب السراي، وهو من المعالم التاريخية في رصافة بغداد وقد اطلقت عليه عدة اسماء، كان اقدمها اسم (الجامع السليماني) نسبة الى السلطان سليمان القانوني عند احتلاله بغداد في سنة 941 هـ (1534 م) حين وجده مسجداً صغيراً فعمره، وبعد مدة قام والي بغداد حسن باشا (1116 – 1135 هـ) بتجديده وتوسيعه فسمى بـ (جامع جديد حسن باشا) للتفريق بينه وبين جامع الوزير حسن باشا والى بغداد الذي كان قبله، ولذلك سميت المحلة باسم باني الجامع (محلة جديد حسن باشا). يحتوي الجامع على مصلى شتوي وبجانبه مصلى صيفي، وفيه مدرسة لتدريس العلوم الفقهية، كما يضم قاعة تضم اجهزة فكلية كالاسطرلاب والربع المجيب لتعيين وضبط التوقيت الشرعي كانت بادارة الفلكي الشهير الشيخ عبد الحليم الحافاتي رحمه الله.
الاكمكخانة الحكومية (المطبخ الحكومي)
كان مخصصا لاعداد الاطعمة لجنود قشلة البيادة، ويقع هذا المطبع جنوبي جامع السراي، وبعد احتلال الانكليز بغداد سنة 1917 اتخذ المكان دائرة للاطفاء، ومرآباً لسيارة الاطفاء، وفي اواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات هدمت الابنية وحولت الى مركز ثقافي اطلق عليه مجمع الادباء والى سوق يحتوي عدداً من الحوانيت للوراقين والمكتبات.
البلدية الاولى (امانة العاصمة)
من المنشآت الادارية التي اسسها والي بغداد مدحة باشا في سنة 1286 هـ - 1870م وبقيت تمارس واجباتها الى حين ابدال الاسم الى امانة العاصمة، وبعد تشييد بناية جديدة لامانة العاصمة (امانة بغداد فيما بعد)، اشغلت البناية من قبل المركز الاقليمي لصيانة الممتلكات الثقافية المربوط اداريا بالهيئة العامة للاثار والتراث تقع البناية في شارع السراي مقابل الباب الرئيس لبناية القشلة.
المدرسة الرشدية الملكية:
كان موقعها مكتب القراءات خانة، ولما تولى مدحة باشا ايالة بغداد اسس هذه المدرسة سنة 1286 هـ (1870م) وبقيت هذه المدرسة قائمة الى حين اعلان المشروطية (اي الدستور) في سنة 1324 هـ (1908م)، واقتضت الحاجة الى تحويل المدرسة الى مكتب (مدرسة) الحقوق، وفي عام 1923 نقلت الى بناية المتحف العراقي القديم في شارع المأمون وقد نقضت البناية وحلت محلها بناية حديثة المتصرفية بغداد، وبعد متصرفية بغداد اتخذتها دائرة النفوس العامة مكانا لادارتها، ومما يجدر ذكره ان المؤرخ العراقي الكبير الاستاذ عباس العزاوي تخرج في مدرسة الحقوق هذه في سنة 1321 هـ (1903م) والموقع الان خربة.
المدرسة الرشدية (الاعدادية) العسكرية:
تقع الى جنوبي بناية قشلة البيادة (المشاة) شيدت على الضفة اليسرى من دجلة سنة 1296 هـ (1879 م) في زمن والي بغداد للمرة الثانية عبد الرحمن باشا. ومن الناحية التاريخية كانت في هذا الموقع في العصر العباسي مدرسة عرفت بمدرسة الامير سعادة (دليل خارطة بغداد، ص165)
وكانت الرشدية (الاعدادية) العسكرية تستقبل خريجي المدرسة الرشدية وبعد اكمال الدراسة يتم ارسالهم الى الكلية العسكرية في اسطنبول.
وقد بقيت هذه المدرسة قائمة حتى احتلال الانكليز بغداد سنة 1917، وبعد تأسيس المملكة العراقية سنة 1921 اتخذت البناية مقرا للمحاكم المدنية والجزائية، وكانت الهيئة العامة للاثار قد اجريت عليها اعمال ترميم وصيانة في التسعينيات من القرن العشرين الماضي، واخيرا الحقت البناية بمحافظة بغداد التي تقوم بتعميرها وصيانتها وجعلتها مؤسسة ثقافية بعنوان "المركز الثقافي البغدادي".