صفحة 2 من 9 الأولىالأولى 1 234 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 81
الموضوع:

خلقت لأجلي! - الصفحة 2

الزوار من محركات البحث: 154 المشاهدات : 2152 الردود: 80
الموضوع حصري
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #11
    저는 여자가 황소자리예요..
    zindagi gulzar hai
    تاريخ التسجيل: July-2014
    الدولة: في اليسار..!
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 14,533 المواضيع: 155
    صوتيات: 24 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 18844
    مزاجي: لم يعتق بعد..
    المهنة: خلق الأجنحة ..
    أكلتي المفضلة: لا شيء محدد..!
    آخر نشاط: منذ 3 أسابيع
    مقالات المدونة: 5
    ..

    تلك الليلة كانت الأطول في حياة جدتي .. قضتها في البكاء والتحسب .. وأمي الأخرى اجتهدت في مواساتها وتهدئتها .
    في تلك الليلة أيضا .. تزوج أبي بأخرى ..!
    تلقت أمي خبر زواج أبي بالكثير من الصمت والصداع ، ولو أني شهدت على بكائها في غرفتها ليال كثيرة .


    ما فهمته من قصة جدتي المضطربة أن عمي وأبي باعا بيتنا الكبير في القرية ، وتقاسما المبلغ .. طبعا جدتي كانت الضحية .. جاء بها أبي إلى هنا ، وذهب إلى عروسه الجديدة على عجالة ، ولم يلتفت لحال جدتي المتعب .. بينما عمي جهز عدة السفر للخارج كما كان يحلم من قبل ..!
    وأظنه الآن.. متوجها إلى إحدى الدول الأوروبية التي كان يتصفح صورها في المجالات المتكدسة في غرفته فيما مضى .. لم تكن بيننا تلك العلاقة القريبة التي تجمع إبن الأخ مع عمه .. لذا لم أتحدث معه كثيرا .

    ولأن جدتي هي خالة أمي الوحيدة .. جعلت أمي خلافاتهما الماضية في طي النسيان ، واستبدلتها بالكثير من العطف والرحمة . بالنسبة لي .. أحببت جدتي كثيرا على الرغم من مواقفها العدائية مع أمي سابقا .. إلا أنها كانت الدرع الذي يحميني في كل مرة أقع فيها في المتاعب . آخرها كانت لما سرقنا حمار حجي علي ، وموت صديقي سعيد .. يومها ضجت القرية بشدة ، وتحول الناس في بيتنا .. إختبأت أنا في حمام غرفتي بينما علت الأصوات في حوش البيت وخارجه ..

    _ أين هو .. أين هو ..!!؟

    اختلط السؤال وعلا بين الجموع .. ف خرجت جدتي لهم .. كانت قوية بما يكفي لتسكتهم جميعا .. قالت ..
    _ إهدأوا رجاء ..
    _ كيف نهدأ يا حاجة أم سالم . وحفيدك قد قتل ولدي الوحيد ..

    قال ذلك أبو سعيد .. وأجهش بالبكاء ..

    _ حفيدي لم يقتل أحدا ، ولم يسرق شيئا .. أخرجوا جميعكم ..
    _ بلى وانت تعلمين ذلك .. كان هو السبب وراء موت ولدي وخسارة حجي علي ..
    _ كان حادثا ، وكيف تتهمون طفلا في التاسعة بالقتل .. أين عقولكم ..!؟
    _ لا تنكري حقيقة تدليلك لحفيدك حتى فسد سلوكه ..!


    حاولت جدتي إخراج الناس من البيت ، ولكن تدخل الشرطة حينها حال دون ذلك .. كان الوقت في الظهيرة ، والناس في حج عظيم .. !

    قالت جدتي بعصبية وخوف ..
    _ حفيدي لم يفعل شيئا .. ولا يعرف شيئا ..ماذا تريدون ..!؟
    _ هو الشاهد الوحيد ..
    قال ذلك قائد الشرطة ، وأمر تابعيه بالبحث عني ، وجلبي ..
    تبدلت لهجة جدتي حين رأتني بين إيديهم ..
    قالت ..
    _ حرام عليكم .. ما زال طفلا لترعبوه بهذا الشكل ..

    نظر لي قائد الشرطة نظرة ساهمة وكأنه انصدم من جسدي النحيل ، وملامح وجهي المرتعبة ..ثم قال لجدتي ..

    _ لن نأخذه لمركز الشرطة .. سأسأله بعض الأسئلة فقط ..

    وجه نظره لي مرة أخرى .. وقال ؛
    _ ماذا حدث ..!؟ لا تخف .. أخبرني بكل شيء لننهي هذه القضية .


    شعرت بشفتي ترتجفان رغما عني .. حاولت تهدئتهما دون فائدة .. تبادلت وجدتي النظرات الخائفة .. وأسرعت لي وطوقتني بذراعيها .. قلت بعد أن هدأ روعي ..
    _إإ اتفقنا أنا وسعيد أن نلعب مع الحمار ،وفي طريقنا للحاج علي وجدنا الحمار مقيدا في العامود قرب الدكان .. ولم يكن الحاج علي بالقرب .. لذا اخذناه معنا ..

    _ حسنا .. وبعد ذلك ..

    حثني قائد الشرطة على إكمال حديثي .. وأنا أحاول أن أستجمع كل الصور والأحداث بشكل سريع ..

    _ ولما وصلنا لعيون الماء .. سمعنا صوت الحاج علي من بعيد يحثنا على إرجاع الحمار .. حاولنا الهرب .. لكن الحمار إنفعل فجأة ، وركل سعيد بقوة أسقطته في عيون الماء .. ارتبكت كثيرا وأنا أرى سعيد يصارع للخروج من الماء .. صرخت بأعلى صوتي للحاج علي بضرورة الإسراع لإنقاذ سعيد .. كنت أصغر بكثير من محاولة الدخول للماء وإنقاذه .. لما وصل الحاج علي .. كان سعيد قد سكن تماما .. حاول الحاج علي إرجاعه للحياة ، فلم يستطع .

    _ حسنا .. أكمل ..

    _حينها الحاج علي .. صرخ بصوت عال يستنجد بأهل القرية .. الذين جاءوا وفودا قبل أن أهرب خائفا إلى هنا .


    صمت قائد الشرطة ثم تبادل النظرات مع تابعيه ، وتركوا يدي ، وقبل أن ينصرفوا ..قال ..
    _ القضية هذه المرة حادثا .. لكن ليست كل مرة ستكون كذلك ..

    وجه هذا الكلام لي ولجدتي ثم أردف مجددا .. موجها الحديث لي بشكل خاص ..
    _ إبتعد عن خلق المشاكل ما تزال صغيرا .. وطريق المشاكل طريق وعر ..!


    انصرف ، والجميع ، وبقينا أنا وجدتي حينها أطلقت العنان لدموعي ما كان منها إلا أن طوقتني بعطف ، ودقات قلبها كطبول في يوم حشر .

    بعد أن أخذوا أقوال الحاج علي .. أغلقت القضية .. وتم تعويض عائلة سعيد ولو أن لا شيء في الحياة يعوض عن فقد الروح .. !

    قاطعتنا عائلة سعيد شر قطيعة حتى أن والدته .. اقتحمت البيت بغية ضربي ، ومهاجمة جدتي .. وأحمد الله أنه في كل مرة يحدث فيها هجوما من قبلها يكون أبي حاضرا..

    هذه المواقف دفعت جدتي للاقتراح على أبي بضرورة الانتقال للمدينة ، وأخذي بعيدا عن القرية .. وافقها على الفور لما رآه بعينيه من شر في عيون أم سعيد .


    أم سعيد الأم الفاقدة .. وأي فاقدة كانت ..!


    دخلت أم سعيد في حالة طويلة من الحزن .. أفقدتها عقلها مع الوقت حتى وصل بها الحال أخيرا أن تهيم في الشوارع ، وتصيح بصوت عال ..
    _ سعيد .. سعيد !
    أين أنت يا ولدي ..!؟
    عد .. فقد أتعبني غيابك ..!

    أبا سعيد فقد السيطرة عليها تماما ، وأصبح هو الآخر يهرول في الشوارع والأزقة بحثا عنها ، وفي كثير من الأحيان يجرها جرا إلى البيت ، وهي تصرخ وتنتحب .. وترجوه بأن يساعدها في البحث عن سعيد .. أبنها الضائع ..!
    وهو ينهرها في كل مرة ..
    _ ماذا تقولين يا امرأة ..!؟
    أبنك مات .. مات ..!
    عودي لرشدك يا أم سعيد ، ولنرضى بقضاء الله وقدره ..!

    أم سعيد تنظر إلى زوجها بصمت وذهول ثم تدخل في نوبة بكاء شديدة .. وهي تصرخ ..
    _ أنت كاذب ..!
    سيحرقك الله بناره ، وكل الناس التي تصدقك ..!
    كلكم كاذبون ..!
    سيحرقكم الله .. جميعا ..!

    سعيد .. سعيد ..!

    ما كان من أبا سعيد إلا أن أدخلها إلى البيت بقوة ، وأحكم إغلاق الباب بعد أن شعر أنه لا فائدة من هذا الحديث الذي يتكرر بشكل يومي بذات النسق المؤلم ، وهي تصرخ ، وتضرب بكلتا يديها على الباب ..
    _ أفتح الباب .. !
    ولدي سعيد يغرق ..!

    تنهد أبا سعيد ، وأسند بظهره على جدار البيت ، وقد أنهكه التعب والأسى يقضم ملامح وجهه بشراسة .. قال وقد انهار على الأرض تماما ..

    _ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
    أفوض أمري إليك يا رب .


    بعد أيام سمعنا أن أم سعيد أحرقت نفسها ، وماتت متأثرة بحروق من الدرجة الأولى .. هذا ما أخافني كثيرا ، وجعلني أصحو كل ليلة مفزوعا وخائفا .. الكوابيس التي تحمل شبح أم سعيد جعلتني أنام ليال كثيرة مع جدتي التي ألم بها حزن شديد لما وصلت له حالتي النفسية والجسدية أيضا إذ فقدت الشهية لكل شيء حتى الطعام .. لو لم نستغفل الحاج علي ونسرق حماره ، ولو لم يكن سعيد صديقي لكان على قيد الحياة الآن .. ولما أقدمت أمه على الإنتحار حزنا عليه .. لكن قدر الله وما شاء فعل ..!


    أعادني من هول الذكريات صوت بكاء جدتي الذي ارتفع بحدة بعد أن استيقظت من النوم مفزوعة .. وهي تقول ..

    _ أماني .. ساعديني إن بيتنا يحترق ..!


    لم يكن الحلم السيء الأول بل تعاقبت سلسلة لا تنتهي من هذه الأحلام منذ أن جاءت جدتي إلى بيتنا لتعيش بقية العمر معنا ..!
    في الواقع .. كنت سعيدا جدا بهذه الإضافة .. أصبحنا عائلة من أربعة أفراد بدل ثلاثة ومن منا لا يحب العائلة الكبيرة .


    تعاقبت الأيام ، واعتادت جدتي حياتها في المدينة بل سلمت أمرها لذلك رغما عنها ، فلم يكن الخيار بيدها على أية حال.
    على الأقل أصبحت أسمع صوتها كل صباح ، وهي تصرخ بأسمائنا واحدا واحدا ..
    _ أماني .
    عزيز ..
    ريم
    أين أنتم ..!؟
    ما زلتم نيام ..!؟

    تتشاجر مع أمي حول ماذا سيكون الإفطار ..!
    وماذا على أمي أن تطبخ للغذاء ..!؟
    أين ستكون الأريكة الحمراء ، والطاولة الجانبية ..!؟
    _لماذا تأخرت يا أماني ..!؟
    _لماذا لا تجلسين معي يا أماني ..!؟
    _غيرتك المدينة يا أماني ..!!
    كنت تجيبين في الماضي على كل تذمري هذا بالسمع والطاعة ..!؟
    لماذا الآن .. تكثرين من الثرثرة ، والتذمر ..!؟

    كثيرا ما كنت أصحو على هذه السمفونية ، والحقيقة أنني عوضا عن التذمر مثلهما .. كنت أضحك ملء فمي .. أضحك بعمق ، ورضا .. أخيرا أصبح لبيتنا في المدينة .. رائحة كرائحة القرية ..!

    _ رحمك الله يا سعيد ..
    ورحمك أيتها القرية ..!

    ***********
    وانتهت العطلة ، وعدنا للمدرسة .. وهناك بدأت سلسلة جديدة من الصراعات بطلها عباس العملاق ..
    قلت أحدث نفسي حين استقبلتني نظراته من بعيد، وأنا أضع أولى خطواتي في داخل المدرسة ..

    _ سيكون عاما طويلا جدا ..!

    ولم أخطئ ، ف زاهر أيضا أكد لي قلقي ذاك بقوله ..
    يا ويلنا من عباس ..!


    عباس ذاك لم يصرف انتباهي عن تفاصيل المدرسة الجديدة .. كانت كبيرة جدا بحيث تطلق العنان لقدميك للركض كيفما شئت .. أيضا الرسومات التي تزينت بها الجدران بألوان الفرح كانت تبهج القلب رغما عن أنف .. ألف عباس ..!


    لكن .. لا أدري لم لا أشعر بالراحة !!



    كانت المواجهة الأولى بيننا .. عندما مر من أمامي ب وجهه الكبير ، وقال بصوت عال وهو يحدث الهيكلين الآدميين على جانبيه وكأنه أراد استفزازي ..

    _ أحدهم هنا .. كان شكله القلق تلك الليلة مضحكا ..!
    وأطلق ضحكة عالية جدا ثم أردف ..
    _ كالنساء .. وأنا أكره النساء ..!!


    وابتعد باهتزازات جسده الملفتة .. أما زاهر ف أمسك يدي قلقا .. في الواقع .. لم أكن أريد التصادم معه .. خصوصا هذه الأيام .. ف الأيام الأولى في المدرسة .. تبني شخصيتك التي تدوم حتى نهاية العام ، ولم أكن مستعدا لإفسادها ..!


    مر اليوم الأول على خير نسبيا .. وعدت للبيت .. وفي البيت كانت الطفلة وردة ب رفقة ريم تلعبان في الصالة .. عندما انتبهت ريم لوجودي .. صفقت فرحا وأسرعت لي بخطواتها المتعثرة .. وتبعتها وردة ..رفعتها بفرح ، ودرت بها دورة قصيرة ..

    _ إشتقت لي يا صغيرة .. ها ؟


    كانت ضحكتها الجميلة إجابة كافية جدا .. انتبهت لوردة وهي تسحب قميصي ،
    _ ماذا يا جميلة ..؟
    قالت بصوتها الخافت ..
    _ أنا أيضا .. إحملني ك ريم ..!


    ضحكت ورفعتها ك ريم كما أرادت ، وأخذت بهما جولة صغيرة في البيت .. ذهبت للمطبخ كانت أمي تجهز الغذاء .. عندما رأت منظر الطفلتين بين ذراعي ضحكت بلطف ، وقالت ..

    _ دائما وأبدا هكذا تكون ..!
    اثارت بحديثها انتباهي ، فنظرت لها متسائلا ..
    _ ماذا أكون يا أمي ..!؟
    _ بطلهما يا حبيبي .. !

    ضحكت ضحكة خفيفة .. وضحكت وردة أيضا ، وكأنها فهمت المعنى من وراء ما قالته أمي .. واقعا ..ليس من السهل أن تكون بطلا في حياة أحدهم .. لكنني أتمنى أن أكون البطل في حياة الجميع .. أمي .. جدتي .. ريم ووردة أيضا ..!

    وردة ..!


    تلك الصغيرة الجميلة ذات الشعر الأملس الأسود الكثيف .. كانت طريقة شعرها كالآسيويات .. قصة شعرها الأمامية تغطي جبينها كاملا .. بطريقة تأخذ بالقلب .. أحاديثها التي تأخذ طابع حديث الكبار تطرق عقلي في كل مرة يدور بيننا حديث قصير في لعبة ما ..
    ذكية جدا هذه المخلوقة .. !


    إعتدت رؤية وردة في البيت كل يوم بعد عودتي من المدرسة .. كانت رؤيتها في البيت تسر قلبي كثيرا جدا .. كانتا الصغيرتين تنشران البهجة في البيت كله .. بصراخهما .. ضحكهما وبكائهما أحيانا ، والحقيقة أن أذني ألفت موسيقاهما الصاخبة هذه ، وأدمنته .. ولأنني بطلهما الخاص ، فهما تصران علي اللعب معهما خصوصا أن كان اللعب يضم مكعبات بلاستيكية صغيرة .. كنت أستمتع كثيرا برفقتهما ، ولو أن زاهر نذر نفسه أن يكون مفسد الاستمتاع كل الوقت ..!


    قلت له وهو يستحثني على الخروج ..
    _ ما بك زاهر .. لم دائما تفسد لعبنا ..!؟
    _ لعبنا!؟ اي لعب هذا بالله عليك ..!!

    هيا لقد تأخرنا .. المباراة قد بدأت على أية حال ..!


    استأذنت من صغيرتي ، وأنا أعدهما بالعودة مجددا .. وانصرفت وزاهر ..!


    غابت الشمس ، وحين عدنا .. كانت ريم نائمة بينما وردة قد جمعت ألعابها في كيس صغير ،ووقفت تنتظر .. عندما رأتني قالت ..
    _ ريم أفسدت بيت المكعبات الذي صنعته أنت .. حاولت إصلاحه فلم أستطع ..!
    ابتسمت في وجهها الجميل ، وقلت ..

    _ سنصنع بيتا آخر أجمل غدا..
    أليس كذلك ..!؟

    ضحكت بفرح ، وخرجت راكضة ، وهي تقول ..
    _ حسنا ..!



    في اليوم الثاني ، وفي المدرسة تحديدا ..لم يضيع عباس أي فرصة لمضايقتي بل بدأ حقا خطواته الأولى لذلك .. بشكل خبيث وقبيح كوجهه .. كان لما دخل المدير ومساعد المدير للصف بعد ان استقرينا في مقاعدنا .. تهامسوا فيما بينهم ثم قام أحد الطلبة لا أعرف اسمه إذ لم يتسنى لأي منا ذلك ،وهو اليوم الثاني لنا في المدرسة كما تعلمون .. وبملامح كئيبة أشار لي بيده ..

    _ هذا ..!

    أشار لي المعلم أن أقف .. ووقفت جاهلا الأمر .. ثم قال مساعد المدير ..
    _ أأنت من سرق مصروف زميلك هذا ؟
    على الفور قلت ..
    _ لا .. لم أفعل ..!

    حينها أسودت الدنيا أمام عيني.. وشعرت بقلبي يخفق بسرعة قهرا وغيظا ..
    تبا لك يا عباس ..!
    هذه التمثيلية السيئة .. خلفها شخص فاشل ، والحقيقة لا أعرف فاشلا بقدره ..
    حسنا .. أنا لا أدين له بشيء ..
    ليس أحدا .. يستحق أن نظن به خيرا ..!


    أمر المدير المعلم بتفتيش كل الطلاب حينها حتى في النهاية وجدوا الضالة في حقيبتي .. كيف وصلت للحقيبة ومتى .. لست أدري ..!!؟


    وقفت مذهولا مما حدث كما سكن الجميع متوجهين بأنظارهم حيث أقف .. !
    خرج المدير ، وأشار لي مساعده بأن أتبعه ، وخرجت وتبعني سريعا زاهر .. زاهر الذي كان برفقتي طيلة اليوم .. قال وهو يضغط على كتفي ..
    _ لا تخف .. أنا معك ..!

    وفي مكتب المدير .. وقفنا جميعا المدير ومساعده ، أنا ..زاهر والطالب الذي أدعى بأني سرقت مصروفه ..
    كرر المدير سؤاله للطالب المدعي ..
    _ أأنت متأكد أن زميلك هذا من سرق مصروفك ..!؟
    ارتبك ثم قال ..
    _ نعم ..
    _ وكيف عرفت ..!؟
    بلع ريقه ثم قال ..
    _ لقد رأيته ..!
    المدير باستغراب ..
    _ رأيته ..!؟
    ارتبك مجددا ثم قال ..
    _ لا لم أره .. عباس هو من رآه ..!
    _ من عباس !؟
    قال المدير ذلك وركز بنظره على الطالب ..
    _ صديقي !!
    قال الطالب الذي بالكاد أعرف شكله ،وهو يضغط على يديه بارتباك واضح .. أمر المدير مساعده بضرورة إحضار عباس ..إلا أن الطالب بكى ثم توسل المدير بعدم إحضاره .. قال
    _ لا تحضروه أرجوك .. سيضربني بشدة
    _ اهدأ .. وأخبرني بالقصة ..
    قال المدير ذلك ، وتغيرت ملامح وجهه الهادئة إلى ملامح جادة ..
    _ عباس أخبرني أن أفعل ذلك .. أن أضع مصروفي في حقيبة زميلي هذا وأن أدعي أنه سرقني ..
    قال المدير ..
    _ لماذا ؟
    _ لا أدري ..

    قال الطالب ذلك بملامح خائفة بينما وقفنا أنا وزاهر جانبا .. بصمت والحقيقة لا شيء يمكن أن يقال تعليقا لهذه الحادثة الحمقاء .. طلب منا المدير الإنصراف بينما الطالب بقى برفقتهم .. خرجت وزاهر من الباب ، وتجاهلت تماما ما حدث في الداخل .. بينما زاهر شعر بالغضب والضيق .. سمعته يقول ..

    _ تبا لك يا عباس .. ليتني أستطيع تسديد لكمة قوية لوجهه القبيح ..!


    كانت الضربة العلنية الأولى من عباس التي لم أنو الرد عليها ولا بأي شكل من الأشكال بل عوضا عن ذلك أكتفيت بالصمت فقط ثم توالت الكثير من الضربات .. أبطالها في كل مرة الكثير من الأغبياء وحسب .. بعد هذه التمثيليات الفاشلة لم أعره انتباها جادا .. ومن كان يتخيل أنني بسبب هذا الفاشل سأكون مشهورا في المدرسة كلها ، والطالب النجيب في نظر المدير بشكل خاص .



    أكملنا اليوم ، وعدت إلى البيت .. كان البيت الملاذ الوحيد الذي يبعث على نفسي السعادة والرضا خصوصا حين تستقبلني الصغيرتين بضحكات حلوة كالعسل .. !

    لما رأتني الصغيرة وردة .. جاءت مسرعة ، وهي تقول بسعادة ..
    _ لقد صنعت لك بيتا كبيرا .. عزيز

    أخذت تجر بنطالي بيدها الصغيرة ..
    _ تعال لتراه .. سيعجبك حتما ..
    _ الله .. ما أجمله !
    _ خذه أنه لك ..!

    دفعته نحوي ، وعينيها تلمعان سعادة وفرح .. واستطردت ..
    _ حين تكبر كأبي ستصنع واحدا لك ..
    _ وتعيشين معي ..!؟

    سألتها مازحا ، وانتظرت ما يمكن أن تقول هذه الطفلة ..
    صمتت لوهلة .. ثم قالت
    _ لا
    _لم!؟
    _ لأنك لست أبي ..!!!


    الحقيقة لم أتوقع إجابة كهذه .. كنت أتخيل أنها ستجيب ب نعم ربما لاعتقاد سابق أن الأطفال لا يفكرون .. وهذا الاعتقاد تصر وردة الصغيرة في كل مرة على جعله خاطئا دائما .



    في البدء كنت متعلقا ب ريم كثيرا لأنها أختي الصغيرة والوحيدة كما تعرفون ثم بدأ تعلقي ينصرف مع الأيام للصغيرة وردة .. فلم أكن اتخيل أن أعود للبيت بعد المدرسة او اللعب ولا أجدها تلعب وتدندن أحيانا .. تزجر ب ريم ثم تعانقها أحيانا أخرى أو تقرأ علي قواعدها الخاصة بلعبة ما .. لم يكن التعلق ذاته .. كان شيئا مختلفا .. شيئا لم أعرف له معنى ..!


    هكذا مرت الأيام ، وكبرنا معا .. وأصبحت وردة فردا مهما في البيت ، وفي حياتي .. فلم أكن أتحمل تأخرها عن موعد مجيئها .. كنت أطرق باب بيتهم في كل مرة يحدث فيها ذلك ،وحثها على المجيء بحجة أن ريم تريدها .. أصبح من الصعب رؤيتها كالسابق لذلك اضفت إلى قاموسي اليومي عبارات مثل ( ريم تريدها .. ريم تنتظرها .. ليفهم الجميع بشكل واضح أن وردة فردا مهما في البيت ..!

    ****************
    أنا الآن في العشرين من عمري .. قطعت شوطا كبيرا جدا ، وأنا أحاول إكمال دراستي على أكمل وجه ، والخروج سليما من كل أفخاخ (عباس الأحمق) .. خصوصا في المرحلتين الابتدائية والإعدادية .. لأنني لم أره مجددا في المرحلة الثانوية وذلك بسبب انتقالي لمدرسة أخرى ، واختلاف تخصصاتنا .. حافظت على تفوقي والحمدلله مر كل شيء وأصبح ماض .. و لا أنسى أن صغيرتي وردة الآن في الخامسة عشر .. ما أزال أذكر أول مرة التحقت فيه للمدرسة ، وعادت بزيها المدرسي الأنيق لتخبرني عن يومها الأول ، وأسماء صديقاتها اللاتي تعرفت عليهن .. كم كان وجهها جميلا حينها ، وهي تصف يومها المدرسي بعفويتها الرائعة .. ولأن يومها فقدت أمها مولودها الذي كان من ذوي الاحتياجات الخاصة كما أخبروها المستشفى ، وزاهر ليس جيدا في التدريس كنت أنا الخيار الأمثل لدور (المدرس) الذي سيتابع معها دروسها .. وهذا ما جعلها بقربي كل الوقت .. لذا أنا أشتاق لها الآن ، وأكاد أجن من هذا الوضع الجديد ..!




    عزيز .. لدي الكثير من الواجبات .. أنا أولا ..!
    عزيز .. إنكسر قلمي .. أعرني قلمك ..!
    عزيز .. أريد أن أحفظ القصيدة اليوم .. ساعدني ..!

    كم كانت ذكية ولحوحة هذه الصغيرة ، و لا أدري لم يرفض الجميع فكرة أن تكون معي ..!؟



    ما جعل وجودها بجانبي صعبا هو قرار إلباسها للحجاب ،وما يترتب عليه من قوانين وأحكام حتى اختفت عفويتها التي تأخذ بقلبي شيئا فشيئا ،فلم تعد تركض لي وتقفز في حضني .. أو تجلس معي على سريري لتسرح لي شعري ، وتضع لي إكسسوارات خاصة بالبنات .. لم يعد يحدث ذلك لأنها أصبحت كبيرة الآن رغم أني ما ازال أراها تلك الصغيرة التي سكنت قلبي ..!

    أصبحت ضخما وطويلا بشكل لافت ، وهو ما عبر عنه زاهر في وقت سابق بقوله لي ..
    _ أصبحت مخيفا يا رجل ..!

    من كان يظن أن يتحول الجسد النحيل إلى هذه الكتلة الضخمة الفارهة في الطول .. والحقيقة أن هذا التحول دفعني للالتحاق بأحد النوادي الرياضية القريبة ..لذا لم تعد فكرة الجلوس واللعب مع ريم التي بلغت ال ١١ فكرة سديدة كذلك .. هي الأخرى انشغلت بصديقاتها ودراستها ،فلم تعد تنام معي بألعابها منذ أن التحقت بالمدرسة .. ولأنني الشخص الوحيد الذي أنهى الدراسة ،فكنت أشعر أن يومي طويلا بلا الصغيرتين اللتين كبرتا دون أن أدرك ذلك ..أما زاهر فقد انشغل منذ سنتين بالعمل مع أبيه في التجارة التي لم اعرها انتباها يوما !


    وانشغلت أنا بتضخيمي .. وهذه إحدى حسنات الفراغ ..!


    كان الحلم بأن أكون ضابطا يشغل حيزا كبيرا من تفكيري ، وعالمي المربع هذا .. إذ قفز أيضا على جدران غرفتي التي تزينت بصور ورسومات الزي العسكري .. أعلم أنني لم أخبركم عنه قبلا ذلك لأنني رجحت أن يكون ربما أمنية عابرة .. لكنها لم تكن كذلك يوما .. هذا ما جعلني أتقدم بأوراقي منذ تخرجي حتى اليوم ولأن حرف ال (و) يلعب دورا مهما في بلادي جعلني فارغا طويلا وأنتظر كالآخرين ..!


    الإنتظار صعب ، والتفكير يقتلني ببطء ..ووردة هي الأخرى تزيد الأمر سوءا بانقطاع زياراتها الحلوة .. أنا مستاء كثيرا ، وأشعر أن قرار عدم مجيئها للبيت والجلوس معي .. قرار غير عادل بحقي على الأقل ، وأنا الذي اعتدت تدليلها ومعانقتها متى ما شئت ..

    لا أعرف سببا واحدا يجعلهم يخشون وجودها معي ..!
    هي ابنتي .. لو يعلمون ..!


    خرجت بغية أن أطرد كل هذه الأفكار من رأسي دفعة واحدة .. وأروح عن نفسي قليلا .. عند خروجي .. التقيت بجدتي .. كانت في طريقها إلى المطبخ لتشرب الماء ..أمسكت بيدها ، قلت وأنا أجلسها على الكرسي ..
    _ سأحضره لك .. إستريحي هنا فقط ..





    لحظات، وكان كأس الماء في يدها .. قالت لي بعد أن ازدردت الماء عن آخره ..
    _ لا أدري أين ذهبت أماني ..!؟
    _ أظنها في بيت زاهر .. يا جدتي ..

    صمتت ثم بادرتني بالسؤال ، وهي تتفحص وجهي بقلق ..
    _ ما بك يا عزيز .. وجهك مصفر ..
    _ لا شيء يا جدتي .. ربما إرهاق ..

    قلت ذلك ، وأنا أرخي برأسي علي الكرسي .. مسحت على رأسي بعطف .. قائلة ..
    _ حفظك الله من الإرهاق والتعب .. هذا ما يخلفه السهر يا بني .. إترك هذه العادة .. أ
    أرجوك !

    _ حسنا .. جدتي


    تنهدت تنهيدة صغيرة ثم وضعت رأسي في حجرها ، وأخذت تمسح فوقه بحنو .. لم تكن المرة الأولى التي أفعل فيها ذلك ، فلقد اعتدت منذ زمن على أخذ قيلولة الظهيرة واضعا رأسي في حجرها مستمتعا بحكاياتها التي تحمل رائحة أزقة القرية ببيوتها وطينها ..!
    قالت ضاحكة ..
    _ أتذكر ..بالأمس كنت تنام في حجري .. اليوم أصبحت كبيرا جدا لن تكفيك المساحة ..!
    _ تعنين أصبحت عملاقا !
    وضحكنا معا .. قالت وهي تمسح فوق رأسي مجددا ..
    _ أعيذك بالله من عين الحاسدين


    ما لم تكن تعلمه جدتي وأنا بقربها .. رغم هدوئي الظاهر هو أن داخلي يحترق ..ولا أجد بالقرب ما يخمد ذلك الحريق ..!



    في المساء زارني زاهر .. وخرجنا نتمشى قليلا .. كنت بحاجة لهذه الجولة الصغيرة بشدة ..

    _ ما بك يا رجل لم لم نعد نراك .. !؟

    قال زاهر ذلك ، وهو ينظر لي منتظرا جوابا قانعا وصريحا ..
    _ لا أدري يا صديقي .. عقلي مشغول جدا هذه الأيام .. أنتظر القبول ..!
    قال وهو يضغط على كتفي مطمئنا إياي ..
    _ سيقبلونك يا عزيز .. لن يجدوا أفضل منك .. صدقني !
    _ إن شاء الله يا زاهر .. إن شاء الله ..
    _ سأنتظر العشاء من الآن ..
    _ تفكر في بطنك دائما ..

    فتشاركنا ضحكة عالية قطعت بحدة الهدوء المخيم في طريق العودة ..


    لو يعلم زاهر أنه أنقذني من أفكار رأسي التي لم أصدق أن تهدأ .. هدأت فقط ، ولكنها لم تنتهي بل تتفاقم كلما أغلقت على نفسي الغرفة ، وغرقت في الفراغ ..!

    أهو الفراغ فقط من يخلق هذه الأفكار .. هل أسلم بذلك ، وأقنع نفسي بأن وردة إحدى تلك الأفكار التي يجلبها الفراغ ..!؟

    لا ، لا ليس الأمر هكذا قطعا .. وردة ليست فكرة هي حقيقة أجهل فقط كيف أتعامل ، وأسيطر على أوضاعي معها .. هي الحقيقة الحلوة التي لازمت قلبي كل هذا الوقت ..!


    لم أستطع النوم ، وجعلت أتقلب على فراشي ، ورأسي يكاد ينفجر .. أشعر أنني متعب بل مريض رغم أن حرارة جسدي طبيعية جدا .. لكنني متعب وأتعرق بشدة .. ما كان مني إلا أن خرجت قاصدا غرفة جدتي .. لما اقتربت من الغرفة وجدت الضوء يتسلل من الفتحة أسفل الباب .. فألصقت رأسي بالباب أسترق السمع .. كانت جدتي تبكي ..!


    طرقت الباب دون تفكير ، وناديتها بصوت خافت ..
    _ جدتي .. !
    هدأت ثم طلبت مني الدخول ..
    _ تعال يا عزيز .. أدخل


    فتحت الباب ودخلت .. كانت تجلس وسط السرير ، وفي يديها صندوق صغير مفتوح ، وفي داخله حفنة من الذهب كانت قد ادخرتها لليوم الأسود ..!

    قالت وهي تنظر لي بعين دامعة ..
    _ هذا كل ما تبقى لي ، وأنوي بيعه لمصاريف البيت ..
    جلست بجانبها ، وقبلت يديها .. قلت محاولة مني لطمأنتها ..
    _ قريبا .. سألتحق بالعسكرية ، وأكسب الكثير من النقود ، ولن تكوني بحاجة لبيع ذهبك يا جدتي ..
    مسحت على رأسي ، وقالت بحنو أم ..
    _ ربي يوفقك يا حبيبي ..
    ثم استرسلت بحزن ..
    _ والدك قد نسينا ، فهو لا يسأل ولا يأتي
    يشبه أباه كثيرا .. لا يفكران إلا بنفسيهما .

    لم أملك أي تعليق شاف حينها ، فاكتفيت بالصمت ولا شيء آخر ..!

    *************

    بعد أسبوعين وصلتني ورقة القبول ، وكان من الطبيعي أن أطير فرحا .. لكن شيئا من هذا لم يحدث .. أعترف أنني لست على طبيعتي مؤخرا بل من فترة ليست بالقصيرة ، ومنذ ان انقطعت وردة عن مجيئها إلى غرفتي بل البيت بشكل نهائي ..!

    وردة .. وردة ..!

    لم أصبح تفكيري معلقا بهذه المخلوقة عوضا عن مستقبلي ..!!؟ كل شيء يتحدث عنها .. كل المواضيع التي تطرق رأسي لا بد وأن يتخللها اسمها ..
    القانون و .. وردة!
    الزي العسكري و .. وردة !
    رفع الأثقال و .. وردة !
    كوب الشاي و .. وردة !
    سبع بيضات مسلوقة و .. وردة !

    ترى متى أستعيدني من داء التفكير فيها ..!


    خرجت هاربا من أفكاري .. لأخبر الجميع عن القبول ، وهناك ارتفعت زغاريد أمي وجدتي حتى أن أم زاهر جاءت مسرعة ، وهي تقول بملامح مسرورة ..

    _ أفراح دائمة يا رب ..ما أمر هذه الزغاريد !؟
    قالت جدتي وهي تعانقني ..
    _ أبننا أصبح ضابطا يا أم زاهر .. زغردي ..

    زغردت هي الأخرى ، وشاركها الجميع .. قلت وأنا أضحك ..
    _ ليس بعد يا جدتي .. أمامي ستة شهور من التدريب بعد ..

    صمتت ثم قالت مستفهمة ..
    _ ستة شهور؟
    _ نعم جدتي .. ستة شهور من التدريب في المعسكر ..
    _ وستغيب عنا كل هذا الوقت؟
    قالت ذلك وهي تنظر لي بملامح قلقة ما كان مني إلا أن طوقتها بذراعي ..
    _ لا تخافي يا غالية .. ستمر بسرعة، وسأعود لكم إن شاء الله ..
    تنهدت تنهيدة قصيرة ثم قالت ..
    _ حفظك الله

    قالت أم زاهر محاولة منها بتغيير جو القلق المخيم على وجهي جدتي وأمي ..
    _ سأطبخ الكثير من المأكوت الشهية هذا المساء .. بهذه المناسبة
    _ لا تتعبي نفسك يا أم زهر .. كنت قد وعدت زاهر بعشاء في مطعم قريب ..
    _ تعبك يا ولدي راحة .. أنت بمنزلة زاهر
    سأطبخ !

    ابتسمت خجلا ، وحاولت أن أهرب بوجهي المحمر لمكان ما .. في طريقي إلى غرفتي .. التقيت ب وردة .. !


    الله

    كم كنت أنتظر هذه اللحظة منذ أيام .. أيام من الشوق والقلق ..
    ماذا تفعلين بي يا وردة ..!؟

    تغيرت ملامحها كثيرا .. في الواقع تبدلت ملامح تلك الطفلة لأخرى أكثر أنثوية .. الحجاب حجب عني تلك الخصلات الحريرية التي طالما زينت جبينها .. رغبت كثيرا بمعانقتها كما كنت أفعل في الماضي كلما جئت من الخارج ، وكانت موجودة في البيت برفقة ريم .. رغبت في ذلك بشدة .. لكني لم أفعل ..! لأنها لم تعد ببساطة تلك الطفلة اللحوحة .. حبيبتي الآن أكبر .. أنثى جميلة قد أخذت بقلبي للمرة الألف ..!
    _كيف حالك يا وردة !؟
    أردت أن أقول يا صغيرة ، ولكن الأنثى التي أمامي الآن بعثرت كل أفكاري دفعة واحدة حتى وجدتني أقول وردة فقط دون أي إضافة ..
    _ وردة الصغيرة ..!
    _ وردة الجميلة !
    _ وردة قلبي الأبدية ..!
    قلت وردة فقط ..!

    .. وهي تلقت سؤالي بصمت ، ولم ترفع برأسها لتراني ، ولو على سبيل النظر العابر .. بل أنها مرت من أمامي ، وكأنني تحولت إلى شبح فجأة حتى أنها لم تلق التحية أو تسألني عن حالي ..!؟


    لماذا يا وردة ..لماذا؟

    لما وصلت لباب الغرفة سمعتها تتحدث مع والدتها .. كانت توبخها على مجيئها هذا الوقت ..
    لماذا جئت !؟
    تعرفين أن عزيز هنا .. لا يجوز أن تترددي هنا كثيرا بوجوده ماذا سيقولون عنك ..!؟
    حسنا أمي .. تعالي بسرعة .. أبي يريدك !

    هيا ..!

    خرجتا مسرعتين ،ووقفت أنا حائرا وكل ما بي قد علق في اللحظة التي تجاوزتني فيها وردة وراحت في طريقها دون صوت ..!

    أعرف أنني أفكر بعاطفة زائدة ، ولكن لم لا يفهم الجميع أن وردة ليست إبنة الجيران فقط ..هي الطفلة التي أحببتها ، وشكلت جزء مهما في حياتي ..!


    في المساء ذهبت مع زاهر إلى المطعم كما وعدته .. لم أكن في مزاج جيد لكني حاولت بشدة أن أكون طبيعيا قدر الإمكان ..

    تحدث زاهر في الكثير من المواضيع التي لم أكن منتبها كما يجب لمعظم تفاصيلها .. لست بخير ولا أعرف كيف أخرج نفسي من هذه الحالة ..!

    أنتبه زاهر لشرودي ، فقال ..
    _ ما بك عزيز .. أحوالك هذه الأيام لا تسر عدوا ، فكيف بي وأنا صديقك الوحيد ..
    _ أفكر في الأيام القادمة يا صديقي .. لا شيء مقلق ..
    أنا بجانبك دائما متى ما أردت أن ترمي بثقل صدرك ، وأنت تعلم ذلك ..
    قال ذلك زاهر وهو يضغط على كتفي ..

    _ وخير صديق أنت ..!

    في هذه اللحظة مر بجانبنا عباس وقد فقد الكثير من وزنه .. في الواقع لم أكن لأتعرف عليه لولا صوته الناشز ..
    قال بخبث ..
    _ اووه .. يا لحظي العاثر .. هنا الفاشل الكبير وصديقه الغبي ..
    بالمناسبة .. متى أصبحت ضخما هكذا .. أظن أنك تأكل البشر عوضا عن الطعام ..!
    قهقهه بخبث ..
    فرد زاهر بغضب ..
    _ لأول مرة أرى أحدا يصف أحدا بصفاته المشهورة ..!

    كانت المرة الأولى التي أرى فيها زاهر غاضبا ، ويوجه للآخربن ومن بينهم عباس هذا الكلام .. حاولت تهدئة الأمر إلا أن عبارات عباس الخبيثة والمستفزة قد أوصلت الأمر إلى عراك تدخل فيه كل الذين شاهدوه ومن بينهم انا لفض النزاع .. !
    كنت مصدوما بزاهر .. متى أصبح عصبيا هكذا وهو الذي كان دائما يطلب مني أن أتمالك نفسي ، ويبعدني بهدوء عن أي عراك محتمل بيني وبين عباس المتغطرس هذا .. ما الذي حصل .. لتتبدل أدوارنا بهذا الشكل المحير ..!؟


    عباس الذي تلقى عدة لكمات على وجهه بقبضة زاهر .. أخذ يردد بصوت عال وهو بين أيدي مجموعة من الرجال ..

    .. سأنتقم منك .. لم ينته الأمر ..!

    أما زاهر فقد بدا مذهولا من تسارع الأحداث لتصل في النهاية إلى هذا العراك .. ومع أخبث مخلوق على وجه الأرض ..!
    عباس ..!!!


    في طريق العودة لم نتحدث .. وقبل أن نفترق .. طلب مني ألا أخبر أحدا ، فلم أفعل ..!



    كانت تلك آخر ليلة نلتقي فيها ،وأتذكرها له .. وقد مرت على خير رغم ذلك ..!


    .. في الصباح الباكر .. خرجت من غرفتي لألقي التحية على الجميع قبل أن أذهب للمعسكر .. استقبلتني أمي بالبكاء وشاركتها جدتي .. أما ريم فقد التصقت بي ، وهي تبكي ..

    _ لا تذهب .. أرجوك ..!

    لا بد لي من الذهاب يا صغيرتي .. ألا تريدين لأخيك أن يلبس زي الشرطة ..وتفتخرين به .. ها ..!؟
    التعديل الأخير تم بواسطة نورانيّة ; 22/May/2022 الساعة 6:10 pm
    اخر مواضيعيأنثى برج الثور (الثقل صنعة)!فراشةٌ في دهشةِ النورِ!قصّة!أيقونات درريّة ٨أيقونات دررية 7

  2. #12
    بعثرة روح
    Your brown eyes are my refuge
    تاريخ التسجيل: September-2014
    الدولة: مدينة السياب
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 16,014 المواضيع: 131
    صوتيات: 29 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 21272
    مزاجي: صامت
    المهنة: معلمة حاليا
    أكلتي المفضلة: السمك
    مقالات المدونة: 65
    اهلا مجدداً انا بنتظار التتمه منذ زمن طويل

  3. #13
    저는 여자가 황소자리예요..
    zindagi gulzar hai
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أشجان الروح مشاهدة المشاركة
    اهلا مجدداً انا بنتظار التتمه منذ زمن طويل
    ..
    أكملتها لخاطرك ..^^

  4. #14
    저는 여자가 황소자리예요..
    zindagi gulzar hai
    ..

    أخذت أطمأنها ، ولكنها ازدادت في البكاء .. عانقتها بشدة .. وأنا أردد ..

    _ سأعود بسرعة .. !

    وبصعوبة بالغة إستطعت أن أقنعها ، وأخرج .


    وأنا ابتعد عن البيت ب خطوات متباطئة ..كنت أنظر للجهة المقابلة .. وهي الجهة التي يكون فيها بيت زاهر .. كنت في أعماقي أتمنى لو تخرج وردة هذه الأثناء .. لو تطل برأسها من النافذة أو تناديني بأسمي على الأقل .. أي شيء من شأنه أن يكون تذكارا أحتفظ به طيلة فترة التدريب .. لكن أي شيء من هذا لم يحدث .. ومضيت في طريقي .



    ****************
    في بيت زاهر حيث لم تخترق عين عزيز داخله ولو اجتهد في التركيز .. ركضت وردة نحو الباب ، وهي تستحث أمها في الإسراع ..
    _ أمي أسرعي قبل أن يذهب عزيز ، ولا نراه ..
    _ حسنا .. حسنا .. لم كل هذه اللهفة!؟
    _ ليست لهفة .. بل نحن عائلة ، ومن حقه علينا أن نودعه ، ونتمنى له التوفيق ..
    دفعت أم زاهر الباب الذي تحاول وردة فتحه ، وعينيها تنظر بثبات لعيني وردة ..
    _ كبرت الآن يا وردة .. وتاج كل فتاة بعمرك ثقلها ورزانتها ..
    لا أريد أن ينظر لك عزيز على أنك طفلة ساذجة .. يجب أن يقتنع بأنك كبرت الآن .. وعليه أن يتصرف معك على هذا الأساس .. وأنت أيضا يجب عليك ذلك ..
    تململت وردة ، وقالت ..
    _ أنا أفهم كل هذا يا أمي .. ولكن دعينا نسرع الآن

    لما وصلتا كانت ريم ملتصقة ب أمها ، وتبكي .. عندما رأت وردة مقبلة .. إندفعت نحوها وعانقتها .. قالت في غمرة بكائها ..

    _ ذهب عزيز بعيدا يا وردة .


    وردة التي كتمت مشاعرها كل هذا الوقت .. إنهارت هي الأخرى ، وسلمت نفسها للبكاء .. فات الأوان الآن لادعاء الثقل والرزانة التي طالما رددتها أمها على رأسها كلما فكرت بالقدوم إلى بيت عزيز .. بحجة أن لا يأخذ عزيز فكرة ليست جيدة بها .. لكن عزيز ليس هنا الآن .. عزيز ذهب ، ولم تحظ بفرصة رؤيته على الأقل .

    .. وأمام أنظار الجميع .. ركضت وردة قاصدة الخارج حيث غرفتها ، وهناك غرقت في نوبة بكاء مريرة ..!

    تفهم الجميع موقف وردة ، فهم لم ينسوا أبدا أنها قضت كل سنوات طفولتها بالقرب من عزيز .. لذلك ما حدث لها متوقع .. إلا أن أم زاهر شعرت بالقلق .. لربما ظن الجميع بابنتها سوءا وهي التي اجتهدت كثيرا في تربيتها جيدا .



    بكت وردة كثيرا ذلك اليوم ، وفقدت شهية الطعام ، والمذاكرة .. كل ما كان يطرق رأسها كل الوقت .. هو عندما مرت بجانب عزيز ببرود ، ولم تلق التحية عليه على الرغم من شوقها الكبير له ..!

    _ الله يسامحك يا أمي !

    لولا إلحاحك يا أمي ما كان الأمر سيصل إلى مقاطعتي ل عزيز .. ما كنت سأحشو رأسي بالكثير من الأفكار والوساوس .. ما كنت سأسأل نفسي كل الوقت
    _ ترى هل يراني عاقلة .. تليق به ..!؟
    .. ما كنت سأتجاوزه بلا كلمة واحدة من شأنها أن ترسم إبتسامة هادئة على شفتيه .. وما كنت أعاتب نفسي الآن ..!

    _ ليتك تعلمين .. كم أحبه يا أمي .. ليتك ..!



    في المساء عاد زاهر ووالده بعد يوم طويل ومتعب .. أخذ كل واحد منهما مكانا على الأريكة في صالة البيت ..
    أقبلت أم زاهر نحوهما ب صينية الماء والشاي .. قالت وهي تضعها على الطاولة بالقرب منهما ..
    _ أعانكما الله وأمدكما بالصحة والعافية ..
    _ جزاك الله خيرا أم زاهر
    _ وأمدك بالصحة والعافية أمي ..

    اتخذت مكانا هي الأخرى ، وقالت ..
    _ اليوم ذهب عزيز للمعسكر ..
    _ لقد اتصلت به في طريق ذهابه ..
    قال ذلك زاهر وهو يرتشف رشفة صغيرة من استكان الشاي .. وأكمل حديثه ..
    _ لكن شعرت أن صوته حزينا ..
    قال أبا زاهر ..
    _ من الطبيعي أن يحزن ، فهو سيفارق عائلته أشهر عديدة ..
    _ ربما

    طالما شعر زاهر أن ما يحزن عزيز ويجعله شارد الذهن كل الوقت .. أمر آخر غير فراق أهله بضعة أشهر .. وهذا ما جعله يصر بينه ونفسه أن يعرف السبب قريبا .. و قريبا جدا ..!

    _ ولكن .. كيف ..!؟
    ما الذي يشغل عقلك يا عزيز .. وتخفيه عني ، وعن الجميع..!؟

    ***********

    وردة التي حجزت نفسها في غرفتها لأيام .. نذرت نفسها للمذاكرة والبكاء .. لم يكن من السهل عليها أن يغادر عزيز قبل أن تلقي عليه آخر نظراتها .. دعواتها له بأن يعود سالما ..
    ~ لم مرت الأيام سريعا وكبرنا .. لم ؟
    أريد أن أعود صغيرة .. مللت كوني كبيرة ..!

    عزيز ..!

    وغرقت بين أغطية الفراش .. تبكي بحسرة ..!

    ربما صوت بكائها ما جعل أمها تطرق على الباب فجأة ، وتدخل بسرعة ..
    _ ما بك يا وردة ..!؟
    _ لا شيء أمي .. لا شيء
    قالت وردة ذلك وتكورت داخل الأغطية أكثر ..
    لم تقتنع والدتها بالإجابة ، فأعادت السؤال بطريقة أخرى مجددا ..
    _ إذا .. لم تبكين .. ها؟

    لم تجب وردة ، وسكنت حركتها .. لكنها وبحركة سريعة رفعت الغطاء وقالت بملامح عابسة ..
    _ أريد أن أعود صغيرة يا أمي ..!

    ثم اندست في الأغطية مرة أخرى بينما والدتها وقفت في ذهول ..!


    كانت المرة الأولى التي تخرج فيها وردة عن صمتها المعهود .. وتعلن عن أفكارها بشكل علني أمام والدتها التي طالما قرأت على رأسها الكثير مما يمكن فعله وما لا يمكن .. مجموعة من القوانين والتعليمات التي لا تكاد حين تبدأ .. تنتهي ..!
    كانت الصرخة التي تلتها فيما بعد صرخات على شاكلتها وتطالب بحق الحب .. ما كان عزيز صديق زاهر فقط .. ويسكن البيت المجاور فقط .. كان الحب الذي غرس في قلب وردة منذ الصغر .

    _ عودي إلى رشدك يا وردة ..
    وكوني عاقلة ..!

    قالت أم زاهر ذلك قبل أن تخرج من الغرفة ، وتترك وردة التي أعلت من صوت بكائها ، وصرخت من تحت الأغطية ..
    _ لا أريد ..!


    في اليوم التالي .. مر زاهر ووالده لبيت عزيز .. يسألان النساء إن كن يحتجن لشيء ضروري .. يحضرانه الآن أو بعد عودتهما من العمل .. أجابتهما أم عزيز ..
    _ لا نحتاج لشيء يا أبا زاهر .. شكرا لكرمك وطيبك ثم لو احتجت لشيء لن أتردد أن أطلبه من أختي أم زاهر ..
    _ لا شكر على واجب أختي أم عزيز .. نحن عائلة قبل أن نكون جيرانا
    _ حماكم الله .. وسدد خطاكم .. وحفظ ولدي عزيز وأعاده إلينا سالما ..
    _ إن شاء الله
    _ إن شاء الله

    استأذنا بالانصراف ، فأغلقت أم عزيز الباب ، ودلفت للمطبخ لتعد الإفطار .. قبل موعد ذهاب ريم للمدرسة واستيقاظ الجدة .. لكن أم زاهر سبقتها في تحضير الإفطار ، وجاءت بصينية محملة بما لذ وطاب ، فعلمها بأن عزيز ليس موجودا .. جعلها تشعر بحرية أكبر ، فلن يكون صوت أحاديثهم العالية مصدر إزعاج له من اليوم فصاعدا ..

    _أختي أم عزيز .. أينك؟
    _ أنا في المطبخ ..
    _ تعالي .. لقد أحضرت الإفطار ..
    أقبلت أم عزيز ، وقالت ..
    _ لم أتعبت نفسك أختي أم زاهر ..؟
    _ ليس هناك من تعب ، ..
    الآن وبما أن عزيز ليس هنا .. ستكون عادة لنا إن شاء الله
    _ أكرمك الله أختي أم زاهر ..

    خرجت ريم من غرفتها مسرعة ..
    _ أمي .. سأذهب قبل أن أتأخر عن الحافلة ..
    _ تعالي .. خذي معك بيضة مسلوقة على الأقل ..
    _ حسنا ..

    خطفت بيضة مسلوقة من الصحن، واختفت خلف الباب الخارجي .. ومن ذات الباب أقبلت وردة .. بملامح هادئة ،وخطوات متباطئة .. عندما رأتها أم عزيز أشارت لها بأن تجلس بجانبها ، وهي تقول ..
    _ رؤيتك يا وردة .. تسر قلبي دائما ..
    ثم وجهت بنظرها لأم زاهر الجالسة في الجهة المقابلة ، وقالت ..
    _ الآن .. لا حجة لك يا أم زاهر .. عزيز سيغيب بعض الوقت .. أسأل الله أن يرده سالما ..
    تعالي مع وردة كل صباح ..
    _ حسنا يا أختي أم عزيز .. أخبرتك أن جلسة الصباح ستكون عادة في غياب عزيز ..
    _ إن شاء الله ..

    في هذه الأثناء .. جاءت الجدة .. قالت وهي مقبلة نحوهن ..
    _ ما أزكى الرائحة .. أجزم أن هذا طبخ أم زاهر

    ردت أم عزيز سريعا . .

    _ ماذا تعنين يا خالتي ..!؟
    ما أطبخه ليس جيدا ..!؟

    _ جيدا يا أماني .. جيدا !
    لكن طبخ أم زاهر له رائحة مميزة ..!

    _ صدقت يا خالتي ..!

    بدأن الأكل ، والثرثرة والضحك .. ألا أن هناك ما يشغل رأس وردة ويثقل صدرها .. يدفعها للصمت ، والعبوس .
    نهضت في منتصف أحاديثهن .. كانت رغبتها في التسلل إلى غرفة عزيز أكبر من أي رغبة أخرى ..
    للتحدث .. !
    للبكاء أو الشكوى حتى .. !
    المهم أن تصل إلى هناك دون أن يراها أحد أو يسألها ما قد تفعله في غرفة رجل عازب ..!
    ..
    خطواتها المتباطئة .. جعلتهن يلتفتن لها .. فبادرتها أمها بالسؤال ..

    _ إلى أين ..!؟
    توقفت ، والتفتت إلى حيث يجلسن .. تمنت لو إمتلكت القوة والقدرة على قول
    .. إلى غرفة عزيز ..! فقط ..

    لكنها عوضا عن ذلك .. قالت ..
    _ إلى البيت يا أمي .

    انصرفن لأحاديثهن السالفة ، وتوجهت وردة إلى الباب الخارجي ، ونظراتها تشيع باب غرفة عزيز الموصد ..!



    مر أسبوع على غياب عزيز .. وهو الأسبوع الأخير على مدرسة وردة ..

    _ إنتهت السنة الدراسية أخيرا .

    قالت وردة ذلك ، وهي ترمي بالأوراق التي كانت على مكتبها في سلة المهملات القريبة .. ودارت على نفسها في الغرفة بزهو ..
    _ الآن رأسي سيتفرغ لعزيز بالكامل .. وداعا لكآبة المذاكرة ، وهمومها ..!

    قالت بعد أن توقفت عن الدوران ..

    _ كيف حالك يا عزيز؟
    هل يا ترى أنت غاضب مني !؟
    ربما تظن الآن أنني فتاة غير مهذبة ، ولا ترد على التحايا ..!!
    ليتك تشعر بندمي الآن .. وأني آسفة ..!

    *************



    أشعر بصوتها يناديني ، وأنا أقف بين هؤلاء الرجال بثبات ، وكلنا ننظر إلى الرجل الذي وقف أمامنا بهيبة ووقار لافتان .. يتحدث إلينا بصوته الواثق ،بحكمة واضحة .. وكأنه يسرد إلينا تفاصيل بطولاته، وانتصاراته في هذه اللحظات القليلة ..!

    قال ..
    _ أنتم أبطال المستقبل ، وعلى أكتافكم مسؤولية الوطن .. أنتم السواعد السمراء التي سترفع علم بلادنا عاليا .. عاليا جدا ..

    أنتم الأمل ..!

    أخذ يتحدث بصوته الجبار .. يقيس ويهندس عباراته التي اخترقت قلوبنا قبل آذاننا .. ثم رفع بيده عاليا ، وهو يصرخ بنا ..

    _ من أنتم؟

    أجبناه جميعنا بصوت رجل واحد ..

    _ نحن حماة الوطن ..!

    ما حدث وما قلناه لم نتدرب عليه سالفا ، ولم نذاكره قبل أن نقف أمامه .. خرجت إجابتنا واحدة ، ومن منطلق أن قلوبنا على الوطن وللوطن .. وهذه الإجابة جعلت القائد ينظر لنا بعينين قريرتين .

    أشار لنا بأن ننصرف .. فأدينا جميعا أداء الانصراف ، وعدنا بخطوات عسكرية لغرفنا .. بعد يوم طويل من التدريب والإرهاق .. كان اللقاء بالقائد آخر فقرة في برنامج يومنا الحركي هذا .. جلست على سريري المخصص ، وأخرجت الصورة التي تجمعني بوردة وريم .. طبعت عليها قبلة دافئة ..
    ثم سمعت أحدهم يقول ..

    _ يا عاشق !

    دسست الصورة تحت الوسادة ، والتفت حيث مصدر الصوت ، ولا أدري لم شعرت أنه يعنيني .. !؟
    عندما التقت وجوهنا .. ضحك بصوت عال .. قال وهو يقترب أكثر ..
    _ إذا .. تخميني صحيح .. أنت عاشق ..!

    قلت بارتباك ..
    _ لا !

    كانت محاولة فاشلة للتبرير ، والواقع أنه حشرني في زاوية ضيقة بحيث لم أجد إجابة تبعد عني أصابع اتهامه ، وفضوله!


    قال مجددا ، وما زال يحتفظ بوجهه الضاحك ..

    _ وجدتك شارد الذهن ، فأحببت ممازحتك فقط ..
    بالمناسبة ..
    لديك جسد قوي !
    _ شكرا لك ..
    _ أنا عون
    _ تشرفت بك ،وأنا عزيز

    تصافحنا ، وجلس بالقرب ، وبدأ في الحديث عن مواضيع شتى . هيبة القائد ، وقوته .. جسدي اللافت وعضلاتي المفتولة ..واكتفيت بموافقته في كل ما تطرق إليه .. غير أن رأسي ضل مشغولا ب وردة ..!

    وردة .. تلك التهمة اللطيفة التي يخفق لها قلبي كل الوقت ..!

    _ترى ماذا تفعلين الآن يا لحوحة؟

    ترى ماذا تفعلين الآن يا لحوحة ..!؟

    باغتتني الرغبة أن أتصل لأمي هذه اللحظة .. أتفقد أخبارهم ،وأسألها عن وردة .. ولم أترك لنفسي لحظة التفكير المطول ، وانطلقت للهاتف الثابت في الرواق الذي يفصل بين المهجع وغرفة الحارس ..
    .. أدرت بطريقة سريعة رقم الهاتف الذي أحفظه عن ظهر قلب .. ثوان وجاء صوتها الحنون ..
    _ ألو
    _ أمي .. كيف حالكم ؟
    _ عزيز .. ولدي الحبيب .. البيت مظلم دونك .. كيف حالك أنت ؟
    _ أنا بخير جدا يا أمي ، فدعواتك تحيط بي كل الوقت .. إطمئني
    .. كيف جدتي .. ريم والجميع؟
    _ كلهم بخير يا حبيبي ، ويشتاقونك ..
    _ أنا أيضا .. أشتاقكم أمي ، وأعد الأيام لأعود لكم .

    سمعتها تبكي رغم أنها تحاول ألا تشعرني بذلك ، ولأني أعرف أمي جيدا ، فأنا أكثر شخص أعرف قلبها في هذا الوجود . .
    _ لا تبكي أمي .. أحتاج دعواتك فقط أن تمر هذه الفترة ، وأعود لك فخورا
    _ إن شاء الله
    التعديل الأخير تم بواسطة نورانيّة ; 21/May/2022 الساعة 1:08 am

  5. #15
    من أهل الدار
    ورد ياس !
    تاريخ التسجيل: December-2019
    الدولة: من ارضٍ فيها شمس الحب تعانق وجه الحريه
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 9,760 المواضيع: 2,050
    صوتيات: 7 سوالف عراقية: 4
    التقييم: 20571
    مزاجي: ^^
    أكلتي المفضلة: حبـات قـَـمـح..
    موبايلي: هسـهسـه ..
    مقالات المدونة: 1
    ستكون ملاذي اللطيف هذا الأسبوع
    سلم اليراع يا نورانية جميلة وربك

  6. #16
    저는 여자가 황소자리예요..
    zindagi gulzar hai
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آنستازيا مشاهدة المشاركة
    ستكون ملاذي اللطيف هذا الأسبوع
    سلم اليراع يا نورانية جميلة وربك
    ..

    لذا جئت بها هنا^^ .. هنيئا للقراءة أنت

  7. #17
    저는 여자가 황소자리예요..
    zindagi gulzar hai
    ..


    أسمها عالق بشفتي .. أريد أن أنطقه .. أن أسأل أمي عنها لكن شيء ما يخرسني ، ولا أقوى على السؤال ..

    كيف سأبرر سؤالي عنها .. !؟

    ماذا سأجيب أمي لو سألتني لم تسأل عنها ..!؟

    رغم أنها عاشت أيام طفولتها بقربي ، ومعي .. أنا كنت في مرحلة ما .. مدرسها .. صديقها الكبير والمربية التي ترعاها ..!

    لم أخش أن أنطق باسمها الآن !؟

    قالت ، وكأنها شعرت بي ..
    _ وردة تبلغك سلامها .. حزنت كثيرا أنك ذهبت قبل أن يتسنى لها رؤيتك .. قبل أيام .. جاءت للبيت مع والدتها ، وكم بدت حزينة وعابسة .. لم تجلس معنا كثيرا ، وغادت مسرعة ..أخبرتني أمها أنها فقدت شهيتها لأيام .. وهي خائفة على صحتها كثيرا .

    لا أعرف ما أقول الآن .. أشعر بالسعادة والراحة لكن من جهة أخرى أقلقني حزنها .. ما تفعله ليس جيدا لصحتها .. قلت بسرعة ..
    _ بلغيها سلامي يا أمي وأخبريها أن تعتني بصحتها وإلا سأغضب ..

    ضحكت أمي ، وكأنها كانت تدري أو هكذا خيل لي أنها تعرف سبب اتصالي ..

    _ إن شاء الله .. سأفعل

    ارتحت الآن .. كل شيء على ما يرام .. كل شيء ..
    _ حسنا أمي .. سأنهي المكالمة الآن .. بلغي سلامي للجميع ولا تنسي ذلك .. أحبكم ..


    مطمئن وراض .. بمقدوري أن أكمل الأشهر المرهقة القادمة بعزيمة كبيرة طالما أن قلب وردة ينبض بي ، ولو أن ما عرفته قبل قليل شحيحا جدا لأجزم بهذه الفكرة ..لكنه في الوقت الراهن يكفي للأيام الطويلة القادمة .
    استلقيت على فراشي مرتاح البال .. باسما .. ما جعل عون الفضولي يحاصرني بسؤال آخر ..

    _ ما سر ابتسامتك يا عضلات ..!؟

    شاركني اياه .. لأبتسم أنا كذلك ..!

    التفت له ، وما زلت أحتفظ بوجهي الباسم .. قلت ..
    _ لقد تحدثت مع عائلتي .. قبل قليل ، وأشعر براحة كبيرة بعد أن عرفت أخبارهم ..
    وأنهم جميعا بخير ..

    _ الحمدلله ..
    هنيئا لك ..
    لننام الآن .. غدا يوم تدريب طويل ..

    اعتدل عون بجسده للجهة الأخرى ، وأولاني ظهره .. بينما وجهت نظري للسقف .. السقف الذي عانق وجه وردة فجأة ، وهي تضحك بسعادة ، وتشير لي بأن أقترب ..
    _ تعال يا عزيز .. تعال
    لم يبق إلا القليل ، وأعود إليك يا حبيبة ..!

    حاولت أن أغمض عيني على وجهها الطيف .. وأنام .. لم تمض إلا لحظات ، وغرقت في نوم عميق ..

    في الصباح الباكر جدا .. صحوت على صوت القائد .. يصرخ بنا ..
    _ هيا يا شباب ..
    حان وقت التدريب ..!
    نهضت بثقل جسدي ، ورأسي ، وكأن طبول قد دقت بداخله ..
    _ يا الله .. ما هذا الوجع ..!
    عون ينظر لي على مقربة .. وأنا أحاول أن أخطو خطوات ثابتة .. قال ، وقد أسرع لإسنادي ..
    _ ما بك يا عزيز ..!؟
    تبدو متعبا ..!
    _ لا .. لكني نمت متأخرا قليلا ..
    سأغتسل ، وسأكون بخير .. لا تقلق ..!
    _ هل أساعدك في الوصول للحمام ..!؟
    قلت مازحا ..
    _ هل ترى الفرق بين جسدينا جيدا ..!؟
    نظر لي ثم انفجر ضاحكا .. ربما تفاجأ أن أكون من يطلق الدعابات هذه المرة ، وهو ملك الدعابات هنا .. قال
    _ تجيد إطلاق الدعابات يا عضلات

    وفي ساحة التدريب .. كان علينا الزحف تحت الحواجز الحديدية .. ذهابا وإيابا .. الأمر كان قاسيا تحت وطأة الشمس الحارقة .. ما جعل أحد الزملاء يسقط فاقدا للوعي .. ارتفع صراخ القائد ، وجاء أكثر حدة ..
    _ ماذا تفعلون ..!؟
    هل أنتم نساء ..!؟
    انهضوا ، وكونوا رجالا أبطال ..
    ماذا دهاكم ..!؟
    التعديل الأخير تم بواسطة نورانيّة ; 22/May/2022 الساعة 11:31 pm

  8. #18
    저는 여자가 황소자리예요..
    zindagi gulzar hai
    ..

    للذين يقرأون .. ناقشوني لأشعر بوجودكم ، وأكمل ..

    أكتفي بهذا القدر حتى الأسبوع القادم

  9. #19
    بعثرة روح
    Your brown eyes are my refuge
    لازلت اتابع قرات حتى اصل الى اين توقفنا اكملي عزيزتي

  10. #20
    queen
    تاريخ التسجيل: May-2022
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 5,521 المواضيع: 36
    صوتيات: 1 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 10442
    مزاجي: الحمدلله
    المهنة: طالبة جامعية
    أكلتي المفضلة: دولمة
    مقالات المدونة: 4
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورانيّة مشاهدة المشاركة
    ..

    للذين يقرأون .. ناقشوني لأشعر بوجودكم ، وأكمل ..

    أكتفي بهذا القدر حتى الأسبوع القادم
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورانيّة مشاهدة المشاركة
    ..

    للذين يقرأون .. ناقشوني لأشعر بوجودكم ، وأكمل ..

    أكتفي بهذا القدر حتى الأسبوع القادم
    نزلي عمري الرواية تخبل وكلش حزينة

صفحة 2 من 9 الأولىالأولى 1 234 ... الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال