ألم ترَ للنوائبِ كيف تسمو
إلى أهل النوافل والفضولِ
وَكَيفَ تَرومُ ذا الفَضلِ المُرَجّى
وَتَخطو صاحِبَ القَدرِ الضَئيلِ
وَما تَنفَكُّ أَحداثُ اللَيالي
تَميلُ عَلى النَباهَةِ لِلخُمولِ
فَلَو أَنَّ الحَوادِثَ طاوَعَتني
وَأَعطَتني صُروفُ الدَهرِ سولي
وَقَت نَفسَ الجَوادِ مِنَ المَنايا
وَمَحظوراتِها نَفسُ البَخيلِ
كَفاكَ اللَهُ ما تَخشى وَغَطّى
عَلَيكَ بِظِلِّ نِعمَتِهِ الظَليلِ
فَلَم أَرَ مِثلَ عِلَّتِكَ اِستَفاضَت
بِإِعلانِ الصَبابَةِ وَالعَويلِ
وَكَم بَدَأَت وَثَنَّت مِن مَبيتٍ
عَلى مَضَضٍ وَجافَت مِن مَقيلِ
وَقَد كانَ الصَحيحُ أَشَدُّ شَكوى
غَداتَئِذٍ مِنَ الدَنَفِ العَليلِ
مُحاذَرَةً عَلى الفَضلِ المُرَجّى
وَإِشفاقاً عَلى المَجدِ الأَثيلِ
وَعِلماً أَنَّهُم يَرِدونَ بَحراً
بِجودِكَ غَيرَ مَوجودِ البَديلِ
وَلَو كانَ الَّذي رَهِبوا وَخافوا
إِذاً ذَهَبَ النَوالُ مِنَ المُنيلِ
إِذاً لَغَدا السَماحُ بِلا حَليفٍ
لَهُ وَجَرى الغَمامُ بِلا رَسيلِ
دِفاعُ اللَهِ عَنكَ أَقَرَّ مِنّا
قُلوباً جِدَّ طائِشَةِ العُقولِ
وَصُنعُ اللَهِ فيكَ أَزالَ عَنّا
تَرَجُّحَ ذَلِكَ الحَدَثِ الجَليلِ
وَقاكَ لِغَيبِكَ المَأمونِ سِرّاً
وَظاهِرِ فِعلِكَ الحَسَنِ الجَميلِ
وَما تَكفيهِ مِن خَطبٍ عَظيمٍ
وَما توليهِ مِن نَيلٍ جَزيلِ
فَرُحتَ كَأَنَّكَ القِدحُ المُعَلّى
تَلَقّاهُ الرَقيبُ مِنَ المُجيلِ
لِيَهنِ المُسلِمينَ بِكُلِّ ثَغرٍ
سَلامَةُ رَأيِكَ الثَبتِ الأَصيلِ
وَصِحَّتُكَ الَّتي قامَت لَدَيهِم
مَقامَ الفَوزِ بِالعُمرِ الطَويلِ
أَيادي اللَهِ ما عوفيتَ وافٍ
سَنا الأَوضاحِ مِنها وَالحُجولِ
تُعافى في الكَثيرِ وَأَنتَ باقٍ
لَنا أَبَداً وَتوعَظُ بِالقَليلِ
البحتري