جاء في كتاب الكافي للكليني :
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عاصم بن حميد، عن محمد قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل شهد عليه رجلان بأنه سرق فقطع يده حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا: هذا السارق و ليس الذي قطعت يده إنما شبهنا ذلك بهذا فقضى عليهما أن غرمهما نصف الدية ولم يجز شهادتهما على الآخر .
جواب الشبهة :-
على فرض صحة تلك الرواية فأنّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قد عمل وفق تكليفه الشرعي بعد ما قامت لديه البينة الشرعية التي توجب عليه قطع يد ذلك الشخص . فقيام الشاهدان (العادلان طبعاً لأنّه لا يمكن أن يُصدّق الأمير علي (عليه السلام) شهادة الظالم أو الخاطئ أبداً) بالشهادة على الرجل أنّه قد سرق وجب العمل وفق البيّنة الظاهرية . وهذه قاعدة مسلّمة عند العرف ، فإنّهم يرون الشاهد هو السبب في إحقاق الحق أو إضاعته ، والحاكم والمباشر للأمر على أثر حكمه معذوران عندهم . فعن كتاب الموافقات للشاطبي الأصولي النحوي - الجزء (2) - الصفحة (458) :- «وَقَدْ جَاءَ فِي "الصَّحِيحِ": "إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْكُمُ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ" الْحَدِيثَ، فَقَيَّدَ الْحُكْمَ بِمُقْتَضَى مَا يَسْمَعُ وَتَرَكَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي تُجْرَى عَلَى يَدَيْهِ يُطلع عَلَى أَصْلِهَا وَمَا فِيهَا مِنْ حُقٍّ وَبَاطِلٍ، وَلَكِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَحْكُمْ إِلَّا عَلَى وَفْقِ مَا سَمِعَ، لَا عَلَى وَفْقِ مَا عَلِمَ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي مَنْعِ الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ. وَقَدْ ذَهَبَ مَالِكٌ فِي الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا شَهِدَتْ عِنْدَهُ الْعُدُولُ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ خِلَافَهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمْ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْهُمْ تَعَمُّدَ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَحْكُمْ بِشَهَادَتِهِمْ كَانَ حَاكِمًا بِعِلْمِهِ، هَذَا مَعَ كَوْنِ عِلْمِ الْحَاكِمِ مُسْتَفَادًا مِنَ الْعَادَاتِ الَّتِي لَا رِيبَةَ فِيهَا، لَا مِنَ الْخَوَارِقِ الَّتِي تُدَاخِلُهَا الْأُمُورُ، وَالْقَائِلُ٤ بِصِحَّةِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِعِلْمِهِ، فذلك بالنسبة إلى العلم .
فَإِنَّ أَصْلَ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ مَقْطُوعٌ بِهِ فِي الْأَحْكَامِ خُصُوصًا، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاعْتِقَادِ فِي الْغَيْرِ عُمُومًا أَيْضًا، فَإِنَّ سَيِّدَ الْبَشَرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ إِعْلَامِهِ بِالْوَحْيِ يُجْرِي الْأُمُورَ عَلَى ظَوَاهِرِهَا فِي الْمُنَافِقِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ عَلِمَ بَوَاطِنَ أَحْوَالِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِمُخْرِجِهِ عَنْ جَرَيَانِ الظَّوَاهِرِ عَلَى مَا جَرَتْ عَلَيْهِ. وَلَا يُقَالُ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ مَا قَالَ: "خَوْفًا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ"، فَالْعِلَّةُ أَمْرٌ آخَرُ لَا مَا زُعِمَتْ، فَإِذَا عُدِمَ مَا عُلِّلَ به، فلا حرج . لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا مِنْ أَدَلِّ الدَّلِيلِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ؛ لِأَنَّ فَتْحَ هَذَا الْبَابِ يُؤَدِّي إلى أن يُحْفَظَ تَرْتِيبُ الظَّوَاهِرِ، فَإِنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ، فَالْعُذْرُ فِيهِ [ظَاهِرٌ] وَاضِحٌ، وَمَنْ طَلَبَ قَتْلَهُ بِغَيْرِ سَبَبٍ ظَاهِرٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ أَمْرٍ غَيْبِيٍّ رُبَّمَا شَوَّشَ الْخَوَاطِرَ، وَرَانَ عَلَى الظَّوَاهِرِ، وَقَدْ فُهِمَ مِنَ الشَّرْعِ سَدُّ هَذَا الْبَابِ جُمْلَةً، أَلَا تَرَى إِلَى بَابِ الدَّعَاوَى الْمُسْتَنِدِ إِلَى أَنَّ "الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ"، وَلَمْ يُسْتَثْنَ مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ، حَتَّى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتاج إلى البينة فِي بَعْضِ مَا أَنْكَرَ فِيهِ مِمَّا كَانَ اشْتَرَاهُ، فَقَالَ: "مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ "، حَتَّى شَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ، فَجَعَلَهَا اللَّهُ شَهَادَتَيْنِ، فَمَا ظَنُّكَ بِآحَادِ الْأُمَّةِ؟ فَلَوِ ادَّعَى أَكْفَرُ النَّاسِ عَلَى أَصْلَحِ النَّاسِ لَكَانَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَهَذَا مِنْ ذَلِكَ، وَالنَّمَطُ وَاحِدٌ، فَالِاعْتِبَارَاتُ الْغَيْبِيَّةُ مُهْمَلَةٌ بِحَسَبِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي الشَّرْعِيَّةِ» .
لذلك لا توجد مشكلة في حكم الإمام (عليه السلام) بذلك الأمر ؛ لأنّه أخذ بشهادة الرجلين العادلين على الرجل السارق ، ومما يدل على عدالة الرجلين الشاهدين هو إنّهما قد رجعا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بعدما تبين لهم أنّهم قد اشتبها في الرجل السارق ، وبدوره قام الإمام علي (عليه السلام) بتغريمهما نصف الدية ، أي أنّه غرّم كلّ واحد منهما نصف دية الأصابع التي قطعها بشهادتهما . ورسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يحكم على الظاهر ويحاسب عليه دون البناء والحكم - على علمه بالنوايا والبواطن وما يخفيه الصحابة والناس جميعاً - ، ولذلك كان (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يردد ويحذر كثيرا بقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في صحيح البخاري - الجزء (3) - الصفحة (180) - الحلقة (٢٦٨٠) :- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، بِقَوْلِهِ: فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا» .
أمّا بالنسبة إلى البينة الباطنية وعلم الإمام (عليه السلام) الغيبي فتحتاج إلى لوازم يجب الأعتقاد بها ، وهي أنّ الإمام علي (عليه السلام) عنده ولاية تكوينية وله القدرة على تعديل واصدار قوانين العالم الأرضيّة والسماويّة كتعديل القوانين الفيزياويّة والكيمياويّة والبيولوجيّة وغيرها ، أو حتى يكفي أنّ يحبّه السارق المفترض ويطيعه ويأتم بإمامته . ولكن بما أنّ أكثر الناس جاحدون لحقّه وناكرون لعلمه وتاركين لولايته فبدوره يتركهم الإمام (عليه السلام) ! أمّا من آمن بولايته (عليه السلام) فسيكرّمه ويحبوه في الدنيا والآخرة ؛ فَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ : «لَا يَمُوتُ عَبْدٌ يُحِبُّنِي إِلَّا رَآنِي حَيْثُ يُحِبُّ ، وَلَا يَمُوتُ عَبْدٌ يُبْغِضُنِي إِلَّا رَآنِي حَيْثُ يَكْرَهُ» . ولكان قد ردّ (عليه السلام) يد السارق حتى لو قطعها فعلاً في حال إيمانه بولايته (عليه السلام) ! كما فعل (عليه السلام) ذلك بالعبد الأسود الواردة قصته في مناقب آل أبي طالب للحافظ إبن شهر آشوب - الجزء (2) - الصفحة (335) :- عن الْحَاتِمِي بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ : «دَخَلَ أَسْوَدٌ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ، فَسَأَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ طَهِّرْنِي، فَإِنِّي سَرَقْتُ! فَأَمَرَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِقَطْعِ يَدِهِ، فَاسْتَقْبَلَهُ ابْنُ الْكَوَّاءِ ، فَقَالَ: مَنْ قَطَعَ يَدَكَ؟! فَقَالَ: لَيْثُ الْحِجَازِ، وَ كَبْشُ الْعِرَاقِ، وَ مُصَادِمُ الْأَبْطَالِ، الْمُنْتَقِمُ مِنَ الْجُهَّالِ، كَرِيمُ الْأَصْلِ، شَرِيفُ الْفَضْلِ، مُحِلُّ الْحَرَمَيْنِ، وَارِثُ الْمَشْعَرَيْنِ، أَبُو السِّبْطَيْنِ، أَوَّلُ السَّابِقِينَ، وَ آخِرُ الْوَصِيِّينَ مِنْ آلِ يَاسِينَ، الْمُؤَيَّدُ بِجَبْرَائِيلَ، الْمَنْصُورُ بِمِيكَائِيلَ، الْحَبْلُ الْمَتِينُ، الْمَحْفُوظُ بِجُنْدِ السَّمَاءِ أَجْمَعِينَ، ذَلِكَ وَ اللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى رَغْمِ الرَّاغِمِينَ. فِي كَلَامٍ لَهُ، قَالَ ابْنُ كَوَّاءَ: قَطَعَ يَدَكَ وَ تُثْنِي عَلَيْهِ؟! قَالَ: لَوْ قَطَّعَنِي إِرْباً إِرْباً مَا ازْدَدْتُ لَهُ إِلَّا حُبّاً، فَدَخَلَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَ أَخْبَرَهُ بِقِصَّةِ الْأَسْوَدِ. فَقَالَ: "يَا ابْنَ كَوَّاءَ، إِنَّ مُحِبِّينَا لَوْ قَطَّعْنَاهُمْ إِرْباً إِرْباً مَا ازْدَادُوا لَنَا إِلَّا حُبّاً، وَ إِنَّ فِي أَعْدَائِنَا مَنْ لَوْ أَلْعَقْنَاهُمُ السَّمْنَ وَ الْعَسَلَ مَا ازْدَادُوا مِنَّا إِلَّا بُغْضاً". وَ قَالَ لِلْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): "عَلَيْكَ بِعَمِّكَ الْأَسْوَدِ". فَأَحْضَرَ الْحَسَنُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الْأَسْوَدَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَأَخَذَ يَدَهُ وَ نَصَبَهَا فِي مَوْضِعِهَا وَ تَغَطَّى بِرِدَائِهِ وَ تَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ يُخْفِيهَا فَاسْتَوَتْ يَدُهُ، وَ صَارَ يُقَاتِلُ بَيْنَ يَدَيْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِلَى أَنِ اسْتُشْهِدَ بِالنَّهْرَوَانِ. وَ يُقَالُ: كَانَ اسْمُ هَذَا الْأَسْوَدِ» .
فحبّ أمير المؤنين علي (عليه الصلاة والسلام) يصنع المعجزات ، كما أنّه سيأتي في آخر الزمان من يحاسب الناس على ما في صدورهم من دون الحاجة إلى شهودٍ أو بيّنة ظاهرية ، ألا وهو قائم آل محمد وولي الأمر خليفة الله الحجّة بن الحسن مُحمّد المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) الذي أحصى الله فيه كل شيء ، والذي بشّر به النبي المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسمّاه مُحمّداً وكنّاه بأبي القاسمِ وقال عنه : «مَنْ أَنْكَرَ الْقَائِمَ مِنْ وُلْدِي فَقَدْ أَنْكَرَنِي» . أشبه الناس خَلْقاً وخُلُقاً برسول الله مُحمّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، شابٌ موفقٌ وليس كهلاً عجوزاً ، ممتلئ الجسم ، حسن الهيئة والمنظر ، وجهه كالكوكب الدري ، قوي البنية ، أجلى الجبين ، عريض المنكبين ، أسمر اللون ، أزج الحاجبين ، أقنى الأنف ، منبدح البطن ، أحمش الساقين ، ذو الوجه الأقمر والجبين الأزهر وصاحب العلامة والشامة . وارث العترة المطهرّة وصاحب علم الكتاب كُله كما كان لآصف ابن برخيا بعض العلم من الكتاب والعالِم بالدّين والدُنيا ، الذي ينبت العلم في قلبه كما ينبت الزرع عن أحسن نباته والذي عنده اسم الله الأعظم . تنام عيناه ولا ينام قلبه ، ولا يتثاءب ولا يتمطى ويرى من خلفه كما يرى من أمامه ، لا يُجنب ونجوه كرائحة المسك والأرض موكلة بستره وابتلاعه ، وإذا لبس درع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت عليه وفقاً وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبراً ، وله القدرة على التحدث بجميع لغات العرب والعجم وكذا الجن والإنس والملائكة خُدّامه وجنوده وهو محدَّثٌ إلى أن تنقضي أيامه . ويحكم بين الناس كما كان يحكم داوود (عليه السلام) إذ لا يطلب البينة كما دلّت على ذلك الروايات الشريفة أنّ القائم من آل محمد (عجّل الله فرجه) عند بسط سيطرته على أرجاء المعمورة وإقامة دولته التي يملأ الأرض فيها قسطاً وعدلاً سيحذو حذو داود (عليه السلام) ولا يسأل الناس بينة . ومعه رفيق دربه الخضر (عليه السلام) الذي سبق له الحكم على الأمور بباطنها كما ورد ذكره في كتاب الله تعالى : ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ . وكان قد آتى الله الخضر العلم وهو علم المنايا والبلايا والآجال والحوادث ، وكان يعلم علماً قطعيّاً بأنّ أمام السفينة ملكٌ يأخذ كل سفينة غصباً وأنّ السفينة لو أصبحت معيبةً لا يُطمع بها فيتركها الملك . كما كان يعلم بأنّ الولَدَ لو بَلغَ أشدَّه لهجر الوالدين إلى الكفر والطغيان ، وأنّه لو قَتَلهُ لعوَّض عنه ولداً باراً بوالديه . كما أنّه وقف على أنّ تحت الجدار مالاً مذخوراً وأنّه لو وقَعَ الجدارُ ظهر ذلك المال واستولى عليه الناس ، وأنّه لو أقام الجدار يبقى مدة يبلغ فيها الغلامان أشدهما ويستخرجان كنزهما . خصوصاً أنّ ما قام به صاحب موسى من الأعمال الخارقة البديعة تعرب عن كونه ذا قدرة متصرّفة في عالم التكوين على وجه لا يراه من صاحبه وجاوره ، فها هو قد خرق السفينة أمام أعين صاحبها وركّابها ولم يره أحد ! فقد تصرّف في العيون والأبصار على وجه لم يقفوا معه على فِعلِه ليحولوا بينه وبين ما يريد . كما أنّه قَتلَ غلاماً في الطريق وبنى الجدار ولم يعرف بفعله أحدٌ ! وما هذا إلاّ دليل بارز على تمتّعه بالولاية التكوينية .