ظاهرة الطلاق في لبنان والمجتمعات العربيّة تتفاقم منذ سنوات، بعدما بلغت مرحلة مقلقة جداً، ووسط ارتفاع عدد حالات الطلاق بشكل لا مثيل له، وفي لغة الأرقام، تبلغ نسبة الطلاق حالياً في لبنان حوالى 30%، وما يميّز حالات الطلاق في لبنان، هو وجود نسبة كبيرة من جيل الشباب تطلب الطلاق بعد الزّواج بقليل، أو قبله في فترة التعارف والخطوبة..
وبحسب بعض المختصّين الاجتماعيين، فإن في لبنان 400 حالة طلاق مقابل 1500 عقد زواج، أي أن كل 3 حالات زواج تقابلها حالة طلاق واحدة...
ونظراً إلى حساسية هذا الموضوع وأهميته، لجهة ما يخلّفه من نتائج وآثار على بنية المجتمع، أردنا تسليط الضوء عليه أكثر، فتوجّهنا بمجموعة من الأسئلة لطرحها على مدير مكتب القضاء الشرعي التّابع لمؤسسة العلاّمة المرجع السيد فضل الله(رض)، فكان هذا الحوار مع سماحة الشيخ علي مرعي:
الطَّلاق من النّاحية الشّرعيَّة
س: الطلاق كتشريع سماويّ، ما حقيقته الشرعيّة؟!
ج: هو نوعٌ من الإيقاعات وليس من العقود، بمعنى أنّه يصحّ إيقاعه من طرف واحد من طرفي العلاقة القائمة بين شخصين، ولو لم تكن هناك موافقة ورضى من الطرف الآخر، وذلك بخلاف العقود الّتي تتوقّف صحتها على رضى الطرفين، والذي يتحقق بالإيجاب من أحد الطرفين والقبول من الطرف الآخر. وهذا الإيقاع الحاصل من الزوج عادةً، هو إلغاء للعلاقة الزوجيّة التي تحقّقت بين رجل وامرأة نتيجة عقد الزّواج الّذي أوقعاه، وهو هدم للميثاق الّذي حصل بين الزّوجين نتيجة العقد الّذي اعتبره الله تعالى ميثاقاً غليظاً وقع بينهما، وذلك قوله تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً}[النساء: 21].
وما هو موجود في الطّلاق الخلعي، من بذل المرأة لحقوقها من أجل حصولها على الطّلاق، لا يكون من نوع القبول للمرأة لإيقاع الرّجل الطّلاق، إنما هو شيء تبذله المرأة أو تتنازل عنه من أجل حصولها على الطلاق من الرّجل. ولذلك، نجد أنّه لا يشترط قبول المرأة للطلاق بعد إيقاعه من قبل الرّجل.
وعندما نقول إنّ الطلاق إيقاع ويتحقّق من طرف واحد، ولا حاجة إلى قبول الطرف الآخر، فإنّ صاحب الحقّ في ذلك هو الرّجل وليس المرأة، وإن كان من الممكن ثبوت هذا الحقّ للمرأة فيما إذا أخذت وكالةً من زوجها ضمن العقد أو بعده، ولكن حتّى في مثل هذه الحالة، تكون وكيلةً عن الزّوج في إيقاع الطّلاق، ولا تكون قد أصبحت صاحبة حقّ مستقلّ عن الزّوج، ويكون إيقاعها للطّلاق نيابةً عن الزّوج، كما يفعل أيّ وكيل عن الموكّل مما يحق للموكل فعله في الطّلاق أو غيره، ويكون فعل الوكيل هو فعل الأصيل.
وهذا التوكيل لا يكون ملغياً لحق الزوج في الطلاق. وهذا بخلاف طلاق الحاكم، والذي نعني به طلاق المجتهد العادل للزوجة دون إذن الزوج ودون رضاه، وذلك في حال امتناع الزوج عن الطلاق وعن الإنفاق مع وجوب الإنفاق لعدم نشوز الزّوجة، أو في حال إضرار الزوج بالزوجة أو اختفائه وعدم معرفة مصيره فإنه في مثل هذه الحالات، يصبح الحاكم الشرعي مسلّطاً على الطلاق، ويستطيع أن يطلق حتى مع عدم رضى الزّوج بذلك. إنّ الشّريعة لم تشجّع على الطّلاق، إنّما على الصّلح بين الزّوجين مهما أمكن ذلك...

أسباب الطّلاق وتأثيره
س: ما هي أسباب الطّلاق، وهل هناك أسباب خارجة عن المألوف تصل إليكم؟ وما تأثيره في التّرابط الأسريّ اليوم؟
ج: لم تجعل الشّريعة سبباً محدّداً للطّلاق، فإنّه يحقّ للزّوج أن يطلّق الزّوجة دون أيّ سبب، إلا إذا كان هناك ظلم للزّوجة في هذا الطّلاق، ولكن الزّوج يكون مأثوماً في هذه الحالة، بسبب الظلم الذي وقع منه تجاه الزوجة.. ولذلك نلاحظ أنّ الشّريعة لم تشجّع على الطّلاق، إنما على الصّلح بين الطرفين مهما أمكن ذلك، حيث يقول تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}[النّساء: 128]، ولذلك نرى أنّه حتى لو نشزت المرأة وخرجت عن طاعة زوجها، فان الشريعة تطرح حلولاً للأمر، ولا تعرض الطلاق كحلّ، حيث يقول تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}[النّساء: 34]، حتّى في حال وصلت المرأة بالمعصية إلى حدّ الوقوع في الزّنا، فإنه يحقّ للرّجل أن يطلّق ولا يكون ملزماً بالطلاق، إنما بحبس المرأة في البيت ويمنعها من الخروج ومقابلة الرّجال، وإن كان الحقّ ثابتاً للزوج بالطّلاق في هذه الحالة.
فليس هناك في الشّرع أسباب تلزم الزّوج بالطّلاق إلا إذا وصلت الزّوجة إلى كره الزّوج كرهاً شديداً، وكان هذا الكره غير ناتج من سوء خلق الزوج أو تصرفاته، إنما كرهته لذاته ودون سبب، ووصلت بكرهها له إلى حدّ أنّها لا تأمن على نفسها من الوقوع في معصية الله تعالى، ولو بعدم إعطائها لزوجها حقّه في الفراش، فإنّه في هذه الحالة، إذا طلبت الزّوجة الطّلاق من زوجها، وثبت كرهها له وخوفها من الوقوع في المعصية، يصبح الطلاق واجباً على الزّوج، وإذا رفض الزّوج الطّلاق في هذه الحالة، فإنّه يحقّ للمرأة أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشّرعيّ الّذي يقوم بدوره بإلزام الزّوج بالطّلاق، وإذا رفض وأصرّ على رفضه، فإنّه بحسب رأي سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(قده)، يحقّ للحاكم أن يطلّقها غيابيّاً ودون إذن الزّوج. ليس هناك في الشّرع أسباب تلزم الزّوج بالطّلاق، إلا إذا وصلت الزّوجة إلى كره الزّوج كرهاً شديداً...

وفي غير ذلك، لا وجوب في الطّلاق، إنما يحقّ للزّوج ذلك، ولا سيّما إذا كانت المرأة سيئة الخلق، أو كانت لا تعطيه حقّه، مع عدم وجود أيّ مانع عندها من ذلك، أو نشزت دون مسوّغ شرعي، أو فعلت الفاحشة من زنا أو سحاق، والأفضل أن لا يطلّق دون سبب وجيه، بل لو كان هناك سبب، لا يطلّق إلا بعد العجز عن الإصلاح بنفسه أو بمعونة من يتمكّن من الإصلاح.
هذا بحسب رأي الشّرع، أمّا ما يتحقّق في الخارج من طلب النّساء للطلاق، أو رغبة الرّجال في الطلاق، فإنّ الأسباب الّتي تطالب النّساء من أجلها بالطّلاق، هي تدور غالباً بين أمرين أساسيّين:
1 ـ ضيق الوضع المادّيّ، والذي يؤدّي إلى عدم قدرة الزوج على الإنفاق على الزوجة والأولاد بشكل كافٍ، أو عدم إنفاق الزّوج مع قدرته على ذلك.
2 ـ سوء أخلاق الزّوج ومعاملته لزوجته، والّتي تصل في كثير من الأحيان إلى الضّرب المؤذي والمبرح، وغالباً ما تقتصر على الإهانات والسّباب للزّوجة أو لأهلها، وقد تكون هناك أسباب أخرى يطالب أحد الزّوجين من أجلها بالطّلاق، كتدخّل الأهل في حياتهما بشكل مزعج، أو خيانة أحد الزّوجين للآخر بإنشاء علاقة مع شخص آخر، ولو كان بطريقة حلال، كما لو تزوّج الزوج من امرأة أخرى زواجاً دائماً أو منقطعاً، فإنّ أكثر النّساء تعتبر ذلك سبباً كافياً لطلب الطّلاق، لأنّها تعتبر هذا الزّواج نوعاً من الخيانة الزوجيّة.
أمّا الأسباب الغريبة والخارجة عن المألوف فهي قليلة، ومن أمثلة ذلك، ما حصل مع امرأة حضرت إلى المكتب تطالب بالطّلاق لأنّ زوجها يكثر من الصّلاة في الفترة الأخيرة، رغم أنّه غير مقصّر في نفقتها لكونه ميسور الحال، وهو متقدّم في السّنّ نوعاً ما، وعليه الكثير من القضاء، ويريد أن يعجّل بقضاء ما عليه، ولكنّ كثرة صلاته لم تعجب زوجته، فجاءت تطالب بالطّلاق. وحادثة أخرى غير مألوفة، وفيها جانب من الطّرافة، وهي أنّ رجلاً تجاوز الثّمانين من العمر، وزوجته تبلغ السّابعة والسّبعين، وهو يريد طلاقها لأنّه يتّهمها بمعاشرة رجل آخر.
أمّا تأثير الطّلاق في التّرابط الأسريّ، فهو واضح جدّاً، لأنّ أكثر من 99 % من حالات الطّلاق لا تتمّ بالتّوافق، أو ما يسمّيه البعض بالطّريقة الحضاريّة، إنما يتمّ بالنزاع والخلافات الشّديدة، بل قد يصل أحياناً إلى حدّ العداوة بين الطرفين إن لم يصل إلى العداوة بين العائلتين، هذا إضافةً إلى تأثيره الواضح في تربية الأولاد ونفسيّتهم وتشتّتهم بين الزّوجين.
انتشار ظاهرة الطّلاق
س: إلى أي حدّ تعتبر ظاهرة انتشار الطلاق موجودة في مجتمعنا، وهل هناك من إحصاءات في هذا المضمار تبيّن حقيقة الموضوع؟
ج: إنّ انتشار ظاهرة الطلاق واضحة جداً في مجتمعاتنا، وقد وصلت إلى حدّ مخيف، إن كان في لبنان أو في غيره من الدّول العربيّة والإسلاميّة، وقد تكون هذه الظّاهرة واضحةً عند أبناء الطائفة الشيعيّة الكريمة أكثر من انتشارها عند أبناء الطوائف الأخرى الإسلاميّة أو غيرها، ولا يمكننا القول بوجود إحصاءات دقيقة حول هذا الموضوع، أوّلاً لأنّ بعض حالات الطّلاق لا يتمّ تسجيلها في المحاكم الشرعيّة المختصّة بذلك، إنما يقع الطلاق عند أحد العلماء خارج المحكمة، ولا يراجع الطرفان المحكمة في ذلك، وثانياً لأنّ هناك الكثير من حالات الزواج لا يتمّ تسجيلها بشكل رسميّ في المحاكم الشرعية، ويقع الطلاق فلا تسجل في المحاكم. ولذلك لا يمكن إعطاء إحصاء دقيق في ذلك، ولكن لا شكّ في أنّ أكثر من ثلث الزّيجات تنتهي بالطّلاق، إمّا قبل الانتقال إلى البيت الزوجيّ، أي في فترة ما يسمّى بالخطوبة، أو بعد الانتقال إلى البيت الزّوجيّ، بل وإنجاب الأولاد في بعض الحالات. إنّ انتشار ظاهرة الطلاق واضحة جداً في مجتمعاتنا، وقد وصلت إلى حدّ مخيف، إن كان في لبنان أو في غيره من الدّول العربيّة والإسلاميّة...

آليّة ضبط حالات الطّلاق
س: كمشرّعين دينيّين، هل تعملون بآليّة محدّدة لضبط حالات الطّلاق الآخذة بالتّكاثر، بمعنى هل من تدابير وقائيّة من أجل ذلك؟ وهل تنبّهون الأزواج إلى مستقبل أسرهم وأطفالهم؟
ج: إنّنا كمشرّعين دينيّين تختلف أساليبنا في مجال التّعامل مع المتقدّمين إلينا بطلب الطلاق، فهناك البعض يطلّقون مباشرةً دون محاولة الإصلاح بين الزوجين، بل قد يطلّقون دون حضور الزّوجة ومعرفة صحّة ما يدّعيه الزّوج من إشكالات، أمّا في مكتبنا، فإنّنا أولاً لا يمكن أن نطلّق غيابيّاً دون استدعاء الزّوجة، هذا إذا كان الزّوج هو الّذي جاء يطلب الطلاق، بل في مورد لو جاء الزّوجان وقالا إنّهما متّفقان على الطلاق، فإنّنا لا نطلّق إلا بعد أن نسمع من الطّرفين ما هي المشكلة الّتي أدّت بهما إلى طلب الطّلاق، ونحاول جاهدين إرشادهما إلى حلّ المشكلة بما يراه الشّرع، فإذا رفضا، نحاول الطلب منهما أخذ فرصة للتّفكير جيّداً في الأمر قبل حسمه نهائيّاً، هذا فضلاً عمّا لو كانا غير متّفقين على الطلاق، إنما أحدهما يطلب الطّلاق ويريده والآخر لا يريده.
وفي حال وجود أولاد عندهما، فإنّنا نحاول التأكيد عليهما على خطورة الطّلاق وأضراره على نفسيّة الأولاد، ونؤكّد عليهما ضرورة التّضحية ببعض خصوصيّاتهما من أجل المحافظة على الأولاد وتربيتهم السّليمة.
وهناك مسألة نسعى إليها، وهي إقامة دورات تثقيفيّة للّذين يريدون الإقدام على الزّواج، بل حتّى للمتزوّجين، من أجل أن يعرف كلّ واحد واجباته وحقوقه، والأخلاقيّات الّتي شرّعها الإسلام للتّعامل بين الزّوجين، وأن يتعرّف كلّ واحد طبيعة الحياة الزوجية التي لا يزال الكثيرون يفهمونها بطريقة غير صحيحة، إمّا تأثراً بالنظرة القديمة للحياة الزوجيّة التي لا دور فيها للزّوجة على الإطلاق، وإمّا بالمفهوم الحديث الّذي يدعو إلى تحرر المرأة كلياً من جميع الالتزامات الشرعيّة أو الأخلاقيّة الموجودة في الحياة الزوجية، الّتي تعني حياة المشاركة بين الزّوجين، والّتي لم يفهمها حتى الآن الكثير من الرّجال ومن النّساء، إنما قد يفهمون الحياة الزوجيّة بأنّها تملّك أحد الطرفين وتسلّطه على الآخر.
زواج القاصرات
س: مقارنةً ببعض المجتمعات العربيّة، هل يوجد في مجتمعنا انتشار لظاهرة الزّواج المبكر "زواج القاصرات"، وهل هذه الظّاهرة في نظركم إيجابية أم سلبية؟
ج: إنّ ظاهرة الزّواج المبكر أو زواج القاصرات قد تراجعت كثيراً في مجتمعنا اللّبنانيّ عند المسلمين وغيرهم، سوى ما يمكن أن يكون لا يزال موجوداً في بعض القرى النّائية أو المنعزلة، أمّا في غيرها من القرى القريبة من المدن أو في المدن نفسها، فإنّ هذا الزواج أصبح نادراً جداً.
ومسألة الزّواج المبكر في هذه الأيّام، الّتي تغيّرت فيها قناعات النّاس وطبيعة الحياة ومتطلّباتها، تعتبر أمراً سلبيّاً، لأنّ الفتاة في هذه السّنّ، لا تكون قد عرفت شيئاً عن الحياة الزوجيّة حتى ما كان متعارفاً في السابق، إضافةً إلى أنّ مداركها وعواطفها لا تكون قد استقرّت ونمت بالمقدار اللازم، ما يؤدّي في كثير من الحالات إلى تفتّح هذه المدارك والعواطف بعد الزّواج، بحيث تجد المرأة أنّ هذه الحياة ليست هي الحياة الّتي تريدها أو تطمح إليها، ويبدأ الصّراع إمّا بأن تطلب الطّلاق، أو بأن تستمرّ في حياة لا تريدها ولا تطيقها، هذا إذا كان الزّوج حسن المعاملة أو إنساناً عاديّاً عنده إيجابيّات وسلبيّات في المعاملة. أمّا إذا كان إنساناً سيّئاً، فهناك تقع المشكلة الكبرى عند المرأة، وفي كثير من الأحيان، يصل الأمر إلى الطّلاق وما لا تحمد عقباه. مسألة الزّواج المبكر في هذه الأيّام، الّتي تغيَّرت فيها قناعات النّاس وطبيعة الحياة ومتطلّباتها، تعتبر أمراً سلبيّاً...

قدرة الإسلام على حلّ المشاكل
س: لقد تطوّر العلم ومنجزاته، ومنها الإنجازات الأساسيّة الاجتماعيّة والنفسيّة، ألا يمكن للفقهاء ورجال الدّين الاستفادة من هذه الدراسات، أو توصية الزّوجين في بعض الحالات بالرّجوع إلى معالجين اجتماعيّين ونفسيين، قبل اتخاذ القرار من النّاحية الشرعيّة؟
ج: رغم تطوّر العلم وتقدّمه، فإنّنا نعتقد أنّ الإسلام لم يكن في يوم من الأيام متأخراً في المجالات الاجتماعية أو مجالات التربية النفسية لأبنائه وأتباعه، والمشكلة غالباً ما تكون في عدم فهم الأزواج للإسلام وأحكامه، خصوصاً فيما يتعلّق بالحياة الزّوجيّة، وما يرتبط بها من حياة اجتماعيّة.. ولذلك، فإنّ العلماء قادرون على توجيه الزّوجين إلى الإصلاح دون الحاجة إلى الرّجوع إلى معالجين اجتماعيّين أو نفسيّين، إلا في حال وجود مرض عضويّ أو جسديّ له تأثير في الوضع النّفسيّ، أو بالتّعبير العلميّ، أن يكون هناك مرض (فيزيولوجي) يؤثّر في الوضع (السيكولوجي)، عندها، من الممكن تقديم نصيحة لهذا المريض بالتوجّه إلى أهل الاختصاص في هذا المجال.
الطّلاق الإلكترونيّ
س: تشهد بعض المجتمعات العربيّة ظاهرة انتشار الطّلاق الإلكترونيّ، بمعنى أن يبعث الرّجل لفظ الطّلاق أو صيغته عبر الوسائط الإلكترونيّة، كالرسائل النصيّة (sms)، أو الإنترنت، ما أثار جدلاً في الأوساط الشّرعيّة والاجتماعيّة. ما تعليقكم على ذلك؟!
ج: إنّ إرسال الزوج للطلاق عبر الإنترنت أو غيرها من الوسائل الّتي تعتمد الكتابة، لا يكون كافياً لتحقّق الطّلاق، لأنّ فقهاءنا في الإجمال يشترطون في الطّلاق اللّفظ، ولا تكفي الكتابة. هذا فيما إذا كان الزّوج في وارد إيقاع الطّلاق، أمَّا إذا كان قد أوقع الطّلاق وهو يخبر زوجته بذلك، فلا إشكال في الأمر، بل إنَّ بعض الفقهاء يشترطون وجود الزّوجة في مجلس الطّلاق، ولا يكتفون بأن يوقع الزّوج الطّلاق وهو غائب أو هي غائبة، ولو كان ذلك عير الهاتف.
ونحن عندما نؤكّد ضرورة محاولة الإصلاح بين الزّوجين قبل إيقاع الطّلاق، فإنّنا نؤكد ضرورة عدم استعمال الكتابة والمراسلة في الطّلاق، هذا إضافةً إلى أنّ رأي علمائنا قاطبةً، أنّه يشترط في صحّة الطّلاق وجود شاهدين عادلين على الطّلاق، فلا يكفي إيقاع الزّوج للطلاق خطياً أو شفويّاً دون وجود الشّاهدين العادلين.
ونحن نلاحظ أنَّ الشَّارع المقدَّس قد اشترط عدَّة شروط في مسألة الطّلاق، ككون المرأة في طهرٍ من الحيض لم يواقعها زوجها في هذا الطّهر، وضرورة وجود الشّاهدين، إضافةً إلى أمور أخرى، وهو ما نفهم منه أنّ الشّارع أوجد هذه التّعقيدات ـ إن صحّت تسميتها تعقيدات ـ حتّى لا يكون هناك تسرّع في الطّلاق، فإذا فشت ظاهرة الطّلاق الإلكترونيّ أو المكتوب، فهذا سيؤدّي إلى ما لا تحمد عقباه من التّسرّع في إجراء الطّلاق، وعدم التمهّل ودراسة الأمور بشكلٍ جدّيّ، وأخذ الفرص للإصلاح، ففي كلّ مورد يغضب الزّوج من زوجته يطلّقها مباشرةً عبر الرّسائل النصيّة أو الإلكترونيّة، مع عدم إهمال ما ذكرناه أعلاه من الشّروط المختلفة، وعدم صحّة الطلاق بغير إيقاعه لفظياً.

منقول