بالقطيفي القديم: عطز باز – بقلم عبد الرسول الغريافي*
هل هو عطز باز أم أنه طبع باز؟
ما هو معنى كلمة عطز باز أو طبع باز؟
ما هو أصل التسمية؟ ومن أي لغة جاءت؟
ولما جاء الإختلاف أو التغير؟
وهل جاء التغير خلال فترة وجيزة أم انه جاء بعد زمن بعيد؟ وما أسبابه؟
هذه العبارة المستعارة التي جاءت من لغة أخرى وقد جاءت من موطنها مصاحبة ذلك المستورد الذي حملها لتكون مسمى خاص به فاستقبل المستهلك المحلي هذا المسمى ليطلقه على ما سيستعمله، وبدوري سوف أستعرض على ضوء هذا المصطلح طرحا موجزاً ومختصراً من عالم الصوتيات وعلوم الصوت وعلوم اللغة الخاصين بطبيعة استعارات المصطلحات الأجنبية وتحليل مراحل تحويرها وإبدالها وإعلالها وتكييفها لتتلاءم مع طبيعة اللغة المحلية ولهجاتها، تلك المصطلحات التي تأتي مغلفة مع بعض الإختراعات والأدوات والمستوردات المستهلكة وكيفية تذويبها في اللهجات المحلية بحيث تصبح جزءا من بناء تلك اللهجات.
منذ خمسينيات قرن العشرين الماضي تقريبا وكلمة عطز باز تسمع مدوية في أرجاء القطيف تماما كما يدوي انفجار العطز باز نفسه والذي يكثر انتشار استعماله للعب به بشكل أخص في ليالي شهر رمضان المبارك وكذلك لإستعماله في الإحتفالات تعبيرا عن فرحة قدوم ليالي وأيام العيد أيضاً ! فأهالي القطيف استخدموا المصطلح المستعار (loanwords) مع التحريف أو التعريب (corruption)، بينما استعمل أهالي بعض دول الخليج ومناطقها مسمى آخر لهذا المنتج مشتق من الصوت الناتج من دوي انفجاره وهو إسم (الچراق أو الچراقي/الچراغ الچراغي) كما هو في الأحساء والكويت وبعض مناطق العراق وبالمناسبة مسمى الچراقي يطلق أيضا على الدراجة النارية (الموتورسيكل) في العراق.
والتسمية الأخيرة هذه يُعَرِّفها علماء اللغة بمسمى (onomatopoeia) وهي تسمية الأشياء أو الأفعال بحكاية أصواتها أو استعمال كلمات يوحي لفظها بمعناها، وهذا المصطلح من أصل أغريقي مركب مكون من كلمتين ترجمتها في الإنجليزية (echo-mimetic) بمعنى تقليد الصدى أو اختراع الأسماء، ومن أكثر نماذج الأسماء التي تحاكي الأصوت هي أسماء أصوات الحيوانات كمواء القط وزئير الأسد وخوار البقر والخراف وزقزقة العصافير وصهيل الخيل ونعيق الغراب وغيرها وأيضا أسماء الأصوات التي تصدرها الطبيعة كخرير الماء وتدكدك الجبال وهبوب الرياح وطشاش المطر وهدير الموج وأزيز الرعد.
وهناك مسميات خاصة بما تصدرها الآلات أو الأشياء من الأصوات نتيجة تحركها أو احتكاكاتها كجعجعة المطاحن وصرير الأبواب وصليل السيوف وقرع النواقيس وأزيز الرصاص وخشخشة الحلي والسلاح والقماش.
؛؛إن البعض من مسميات هذه الأصوات التي تحاكي أصوات الأشياء تلتقي في أكثر من لغة أحيانا وهذا دليل على تأثر أفراد البشر بالأصوات التي تصدر من حولهم؛؛
ودليل على تخاطر البشر أيضاً في تسمياتها كما هو في الزئير في العربية و (roaring) في الإنجليزية وكذلك صرير الباب و (door squeak) أو (door creaking) وكذلك الساعة المنبهة فهي بالهندي (tik-tik) وبالإيطالي (tic-tac) وبالياباني (cachi-cach).
إذن نستطيع القول بأن أهالي القطيف والبعض من أهالي البحرين عندما استوردوا هذا النوع من الألعاب النارية فقد استوردوا معه أسمه ثم القيام بتعريبه (عطز باز) بشكل جاهز وهذه العملية يُعرِّفها علماء اللغة بالألفاظ المستعارة (loanwords). وأما البعض الآخر من مناطق ودول الخليج فقد عمدوا إلى إنشاء مسمى له مشتقا من صوته ومحاكيا له وهذا مايسميه كلا من علماء الصوت وعلماء اللغة: (onomatopoeia).
والعطز باز هو نوع من انواع الألعاب النارية (fireworks) البسيطة وهو يشبه أصابع الداينمايت حيث تشعل فتيلته بأعواد الثقاب كما تشعل أصابع الداينمايت وكان في الماضي يجلب اللاعبون علبة معدنية بعد أن تفرغ من الطعام أو المشروب الذي بداخلها فيثقب احد سطحيها وأما السطح الثاني فيزال كلياً وتخرج فتيلة أصبع العطز باز من خلال ذلك الثقب على أن يبقى جسم العطز باز داخل العلبة فتشعل الفتيلة ويبتعد الاولاد عنها بعد سد الأذنين بالاصابع وبعد أن تصل النار لنهاية الفتيلة ينفجر العطز باز فيطير بالعلبة الفارغة تماما كما يقلع الصاروخ متجها بها إلى الأعلى بمسافات عالية وبصوت مدوي.
أما الآن فقد تغيرت طريقة استعماله ولعلها أصبحت أكثر خطورة وبمجازفة أكبر حيث تشعل الفتيلة وأصبع العطز باز في قبضة يد اللاعب فيرمي به في الهواء او يرمي به تجاه اي مكان او بالقرب من بعض الأشخاص.
أما بالنسبة لما طرأ من تغيرات في تسمية هذا المنتج من الألعاب النارية فسبحان مغير الأحوال حيث إنك لو دخلت محل لبيع هذا النوع من المفرقعات في ستينات أو سبعينات قرن العشرين الماضي وطلبته بمسمى (طبع باز) لضحك عليك الجميع لكونك تقلب أو (تحرف) مواقع بعض الحروف عن مواضعها وكأنك طفل لاتجيد الكلام وليس من المستبعد أن يسألونك بكل سخرية: هل أنت طفل حتى تقلب الكلام ولاتجيد كلمة (عطز باز)؟
أما لو افترضنا أن أحد محلات بيع المفرقعات القديمة نفسه لازال موجودا حتى أيامنا هذه بعد أن توارثه الأبناء وربما الأحفاد وحدث أن دخلت فيه ومعك طفلك وأردت أن تشتري (العطز باز) وطلبته بهذا المسمى لضحك عليك أصحاب المكان وضحك عليك الطفل الذي معك أيضا وصححوا عبارتك بقولهم: تقصد (الطبع باز)؟
فأيهما الأصح؟ ولما؟
يقسم علماء اللغة بعض الكلمات الطويلة إلى عدة مقاطع يعرف كل مقطع بال (syllable) أي (المقطع اللفظي)، وإن بعض حروف مقاطع بعض الكلمات تتداخل وتتبادل مع حروف المقاطع المتجاورة ككلمة (چندل) و (دنچل)، وكذلك (چندود) و (كندوج) بل وإن هذه الظاهرة ليست مقتصرة على لغة واحدة دون الأخرى ففي بعض اللهجات الإنجليزية كما هي في جنوب انجلترا وكذلك في الميدلاند -مثلا- يقال: (aks) بدلا من كلمة (ask) فنسمع مثلا السؤال:
.(!?Can I aks you)
هناك العديد من تكرار مثل هذه الظاهرة وهي الظاهرة التي يحدث خلالها تداخل بعض الأصوات المتغايرة (interchanged) أو المتداخلة والتي تعرف علميا في علم الصوت بال (metathesis) أي الإبدال أو الإقلاب في الكلمة وهي كثيرة في بعض اللهجات الامريكية والانجليزية أمثال: (desk) والتي تقلب إلى (deks) وكذلك (flask) والتي تصبح (flaks) أما كلمة (wasp) فهي تنزلق إلى (waps) وهكذا بالنسبة لكلمة (pesky) التي تقلب إلى (peksy). إن أكثر مايلاحظه علماء الصوت في حالة إلإنزلاق من صوت إلى آخر أو الإقلاب في أغلب الكلمات يتمحور بين الصوتين (s) و (k) وكذلك الصوتين (s) مع (p).
فيّعرف اختصاصي الصوتيات مصطلح (metathesis) (الإبدال أو الإقلاب) بأنه (transposition of sound) أي تبديل مواضع الأصوات، كما ويصيغونها في معادلة تختصر الشرح لتقريب مفهوم ال (metathesis) كالآتي:
.(AB+CD = AD+CB)
أود هنا أن أنبه بعدم الخلط بين مايعرف بالإبدال أو الإقلاب (metathesis) وبين ما يعرف بال (jumble words) أو مايعرف بال (scramble words) حيث أن الأخيرين يستخدما إما لغرض الأحجيات والألغاز أو كتمارين لغوية من أجل البحث عن حلها لتدريب المتعلم لغويا من أجل اكتساب اللغة حيث تعرض بعض الكلمات كتمارين يطلب فيها المعلمون من الطلاب ترتيبها، مثالا على ذلك:
hower لترتب وتصبح (where)
وكذلك:
nehew لتصبح (when)
oodg = good
hten = then
وهكذا فهناك ما لا يحصى عددها، فكل هذه مجرد تمارين للتدريت على تعلم الكلمات لا أكثر ، على عكس ما يعرف بالإبدال أو الإقلاب (metathesis) فهي إقلاب اصوات كلمة او خلط مقاطعها أو تداخلها (interchanged) بشكل عفوي فهي تحدث نتيجة تقارب مصادر نطقها داخل أجهزة النطق عند الإنسان ويحدث هذا مبدئيا عند سرعة التحدث وخصوصا عند الأطفال وربما استساغها البعض وكررها بحلتها الجديدة حتى انتشرت بين أفراد المجتمع لتبقى متداولة محليا بشكل عرفي بينهم حتى تنسجم تماما في اللهجة كإحدى مفرداتها، وأما أسباب حدوثها -فكما أشرت- أنها انزلاقية من صوت لآخر بشكل انسيابي ثم بعد ذلك تُعتَمد إجتماعيا في تداولها، فتلك نظريات في علم اللغة الإجتماعية (Sociolinguistics) والتي يقوم بتعليلها وتحليلها العلمي علم الصوت (phonology).
عوداً إلى أصل عبارتنا (عطز باز) أو (طبع باز) ومن أين جاءت فإني أجزم على القول أنه إذا عرفنا أصل مصدرها وقارنا تعريبها فسوف نستطيع الحكم حينها أي من التعريبين أقرب إلى الأصل أي أيهما الأصح إن كان عطز باز أو طبع باز؟
أن هذا المركب جاء من أصل فارسي وهي عبارة مكونة من كلمتين، وحيث أن اللغة الفارسية تصنف أحيانا على أنها احدى اللغات الإندو يوروبيان (Indo- European language) ، فالصفات فيها عادة تسبق الموصوف كما هي -مثلاً- في مركب (گل آب) بمعنى (ماء الورد) فإسم الورد الذي وصف نوع الماء تقدم على موصوفه الماء.
“إن عبارة عطز باز او طبع باز معربة من أصل فارسي وهي (آتش بازي) والتي يعادلها في اللغة العربية (الألعاب النارية) وفي الإنجليزية (fireworks) حيث أن كلمة آتش الفارسية تعني النار وأما كلمة بازي والتي اختصرت لباز فهي تعني اللعب أو الألعاب”.
لاحظ الكلمة (آتش) وهي إسم قد سبق كلمة (باز) ووصفته تماما كما يفعل في الإنجليزية (fireworks) التي سبقت فيها كلمة (fire) لتوصف كلمة (works) أيضا، وهما على عكس العربية التي تتقدم فيها كلمة الألعاب على كلمة النار (الألعاب النارية).
والآن بعد أن عرفت الأصل فأي الكلمتين أقرب في نظرك إلى الصحة؟ هل نقول عطز ام طبع؟
إن سمحت لي أن أوضح لك بعض النقاط لكي تساعدك على تقريب الفكرة مع توضيح الأسباب فلعلي أحتاج أن أقحمك معي في الولوج في منعطف أحد دهاليز عالم الصوتيات وعلومه المتفرعة:
حين نضع كلمتي (آتش) الفارسية و (عطز) القطيفية المعربة في كفتي ميزان علم الصوت على أن تكون كل كلمة في كفة فإننا سنلاحظ تعادل كلتا الكفتين تماما، فمن ناحية نلاحظ أنه لكل كلمة منهما ثلاثة اصوات، وثانياً لكل صوت من هذه الأصوات الثلاثة مايعادله في الكلمة الأخرى وبنفس مواقع الترتيب تقريباً وذلك من حيث التشابه في نفس المخارج الصوتية.
فلنتاول الصوتين الأوليين من الكلمتين
آتش الفارسية وعطز القطيفية وهما (آ) و (ع):
حيث يصف علما الصوت أن الصوت (آ) هو صوت مد متحرك (علة) (long vowel) وهو صوت حلقي المخرج حيث يلفظ حلقيا (gutturalized). إن الأصوات الحلقية في اللغة العربية تنقسم إلى قسمين: متحركة (علة) (vowel) وهي المتمثلة في صوت المد “الألف” فقط، وأما القسم الثاني فهو ساكن (consonant) ويتمثل في الحاء والخاء والعين، ودائما مانلاحظ أن هناك علاقة وطيدة بين العين والألف لدرجة أن الأجانب من غير العرب والذين يصعب عليهم نطق صوت العين فإنهم يحولونه تلقائيا إلى صوت الألف الممدودة عندما يقولون -مثلاً- أربي بدلا من عربي و ألي بدلا من علي و أرف بدلا من عرف وأميق بدلا من عميق وهكذا …. ، وذلك لتقارب الصوتين حيث يتم خروجهما من مصدر حلقي واحد.
ونلاحظ العكس تماما في بعض لهجات الخليج حيث يقلب البعض منهم الألف أو الهاء إذا كانت في نهاية الكلمة الى عين: كما هو الحال في كلمة (بَرَهْ) التي تحول إلى (بَرَّعْ) بإعتبار الهاء هي بمقام الألف. أما البعض كأهالي القطيف والبحرين والأحساء والكويت فنجدهم قد غيروا الحرف الأول في كلمة أناناس حيث ينطقونها عرنص وعراناص أي قلب الألف عين (بالإضافة إلى تفخيم السين بقلبها إلى صاد). إذن نقول إن صوتي العين والألف متناوبان في الإستعمال في بعض الحالات عند أهالي الخليج لتقاربهما صوتياً حيث اشتراكهما في منبع واحد لمخرج الصوتين.
أما الصوت الثاني من كلمة آتش فهو التاء ولربما كان أصل الكلمة مكونه من صوتين فقط وهما الألف الممدودة وصوت آخر مكون من صوتين مدمجين أو مدغمين في بعضهما ليمثلان صوت واحد والذي يعرف بال (digraph)، وهذا الصوت هو (چ) (ch) والذي يمكن تحليله عن طريق تفكيكه إلى: ت+ش=تش، وعندما يكتب بالعربية فإنه ينطق بصوتين هما (تش)، عندها تصبح الكلمة (آتش).
إن كل من التاء والطاء في عالم الصوتيات ينهجان نفس المسار وينبعان من نفس المصدر حيث أن مخرج كلاهما نابع من طرف اللسان (the tip of the tongue) ، وذلك حين يلامس أصول (منابت) الأسنان العليا (alveolar ridge) (الحافة السنخية) وهي منابت الثنايا، والثنايا هما السِّنان الواقعان في مقدمة الفم.
علينا أن لاننسى أن هناك صوت ثالث يشترك معهما في نفس الصفات وبالتالي فإنه يضاف إليهما ليكوِّنوا مجموعة واحدة ويحمل نفس الميزات (وهذا الصوت هو الدال). ولا شك أن هناك صفة لكل صوت من هذه الأصوات الثلاثة ينفرد بها دون غيره مايجعلها ثلاثة حروف تمثل ثلاثة أصوات مختلفة رغم انها من مجموعة واحدة. إن ما يهمنا هنا هو عرض التاء والطاء لنتعرف أولا على العلاقة بينهما ومن ثم مراحل تحول (إبدال) صوت التاء إلى الطاء مع شرح الأسباب ثانيا.
إن تميز صوت الطاء هو نتيجة اختلافه عن كل من التاء والدال من حيث موضع تفخيمه أثناء نطقه حيث تتم عملية نطقه بإغلاق مقدمة الفم بطرف اللسان عند أصول الثنايا العليا فيحدث الإختلاف في تمدد اللسان في اقصاه من الجانبين فيقال أن مخرج صوت الطاء من طرف اللسان العريض.
ومن صفات هذه الأصوات الثلاثة أنها مهموسة وتعرف أيضاً بالأصوات (النطعية) ولكن مهلاً! فحين نصفها بالنطعية فإننا نضطر إلى إضافة صوت رابع يشترك مع هذه المجموعة وهو الثاء، ولذلك يسهل تبديل تاء (افتعل) إلى طاء بمجرد تفخيمها في الفعل الثلاثي، إذن الإفتعال هو شرط التحول التلقائي لتفخيم التاء أي تحويلها (إبدالها) إلى طاء، وأما الصفة الإنفجارية فهي مشتركة بين (التاء والطاء).
في كثير من الظروف تؤثر أصوات الصاد والضاد والظاء والطاء في صوت التاء المرقق فتكسبه صفة التفخيم لتتلاءم معه وبالتالي يحدث كما سبق القول في إقلاب تاء افتعل إلى طاء، فلاحظ مثلاً تأثير الصاد على التاء في كلمة اصتبر (في الأصل العربي) فهي تتحول بشكل تلقائي إلى اصطبر وكذلك كلمة مستكة إلى مصطكه أو العكس وهو مايعرف بالإبدال وهو إحلال صوت (حرف) بدلا من صوت آخر.
وهناك الكثير من حالات الإبدال في لهجاتنا المحلية من التاء إلى الطاء من أجل التخفيف والتسريع حيث تبدل -مثلا- كلمة غترة إلى غطرة وكذلك كلمة (تب) والتي يعرفها اهل العوامية وصفوى أكثر والمتحولة إلى (طب) وأيضا تحويل التاء الى طاء في الأرقام مابعد العشرة ارباطعش وخمسطعش بدلا من ثلاثة عشر واربعة عشر.
وعودا على المسميات الأجنبية مثل كلمة ماطور بدلا من (motor) وأيضا كلمة نوط من أصل (note) و اصطاب (النور الاحمر في السيارة) بدلا من (stop) فجميع هذه الإبدالات قد تم فيها إحلال الطاء بدلا من التاء وهذا يحدث لغرض التخفيف والتسريع. هذا الإبدال التحويلي عند علماء الصوت واللغة القدامى يعرف بالتبديل (الإبدال) والتقليب أما المحدثون فيطلقون على هذه الظاهرة مسمى (المماثلة) (similarity)، حيث يعلل علماء الصوت ظاهرة المماثلة بأنها ظاهرة صوتية تنجم عن مقاربة صوت لصوت آخر.
لايفوتني أيضاً أن أذكر حالات نادرة في لهجات بعض مناطق وقرى القطيف ولكنها في مجال ضيق حيث يحولون التاء إلى طاء في بعض الأحوال كما هو في الجش وام الحمام والملاحة وعنك ففي أغلب مناطق القطيف مثلا ينطقون كلمة (تشه) أي شيء قليل جدا بينما في المناطق السالفة الذكر ينطقونها (طشه).
وأما في بعض المناطق والدول العربية يكون الإقلاب (الإبدال) معكوسا كما يظهر في بعض الألفاظ عندهم حين يحولون الطاء إلى تاء بقصد التخفيف والتأنق وخصوصا عند النساء كما هو في مصر في قولهم عتشان بدلا من عطشان وعتيات بدلا من عطيات.
بقيت الحالة الأخيرة -أعني الصوت الأخير- وهي تحول الصوت الثالث بين كلمتي (آتش) و (عطز) أي تحول صوت (تش) إلى (ز)، فبعد هذا التحليق لابد لنا من أن نهبط في محطة عطزباز القطيفية القديمة مرة أخرى ونتساءل عن سبب تحويل الشين إلى الزاء أو الزاي، لا أريد أن احلق بكم مرة أخرى إلى عالم التشريح الصوتي والنطقي (vocal anatomy) لكي لايطول بنا المقام هنا ولكني سأكتفي بطبيعة الإنزلاق الصوتي من أصوات الهسهسة (hissing sounds) أو ماشابهها الى الأصوات القريبة منها والمشتركة معها في النطق ، فأتساءل:
ما الذي جعلنا نحول مثل هذه الأصوات إلى أصوات أخرى قد تكون لها علاقة بها؟
هناك رابط يميل إليه الإنسان في التغيير بسبب مايسميه علماء النفس العام بتداعي المعاني (recall) أو بالأحرى تداعي تشابه الأصوات في بعض الكلمات والمعروفة ب (minimal pairs) وهو الحد الأدنى في التقابل بين لفظين أو كلمتين وهو تشابههما في جميع الأصوات ماعدا صوت واحد قد يكون في البداية أو في النهاية أو ما بينهما، كما هو في كثير من اللغات وخصوصا في الصوت الأخير من كل كلمة من كلمتين متشابهتين مثل: شرق وشرف، بيض وبيت، رمل ورمح وكذلك فتل وقتل، دمع ودفع وهكذا.
فتارة يصنف علماء الصوت واللغة هذا العنصر الصوتي المختلف بال (phoneme) المعربة بالفونيمة وهي إحدى وحدات الاصوات الكلامية الصغرى المساعدة على تميز كلمة عن كلمة، وتارة يصنف بال (toneme) وهي وحدة النبرة أو النغمة الصوتية الصغرى المساعدة على تميز كلمة عن كلمة، أو أنها تصنف بال (chronometer) وهو أصغر نبرة صوتية تحدث تغييراً أو اختلافاً بين كلمتين.
ويشبه علماء اللغة النفسيين (psycholinguists) ظاهرة التحول (الإبدال) من صوت إلى صوت آخر في كلمتين متشابهتين باختلاف ادنى يربط بينهما (minimal pairs) يشبهونه بالإنزلاق الصوتي (sonic glide) ويعللون ذلك بسبب انسيابية وسهولة التحويل:
فمن الأسهل أن نحول كلمة (آتش) إلى (عطز) طالما أن البعض يربط تشابه السين بالشين رغم اختلاف مخارج نطقهما ولكن يتخذونها جسرا ليوصلهم إلى تحويل صوت السين الى صوت الزاي فهما متشابهان من حيث المخارج، فالعلاقة في تحويلهما هنا في اللغة الانجليزية مثلا هو ماتفرضه النظرية الصوتية القائلة بأن ال (s) يتحول إلى (z) إذا وقع في نهاية الكلمة وقد سبقه أحد الأصوات الآتية: (b,d,g,v,y,th,v,r,m,n,w,l) كما هو في الكلمات الانجليزية الآتية: [cows, cars , means, years, days, rooms, bugs]. وكذلك اذا سبق ال (s) في نهاية الكلمة أحد هذه المجموعة الأخرى من الأصوات: (s, sh, j, ch, z) كما هو في الكلمات الانجليزية ايضا: [classes, watches, wishes, oranges, breezes] أو حين تنتهي بعض الكلمات الانجليزية ايضا بحرفي (sy) فهي تنطق غالبا (zi) كما هو في كلمة (busy) و (easy) و (noisy).
من نافلة القول أن الكثير من الكلمات المستخدمة كمسميات للمخترعات والأدوات والمستهلكات سواء كانت على صعيد الكلمة المفردة أو كمصطلح لغوي مركب من عدة كلمات مشتركة في تكوين معنى واحد وسواء كانت هذه المصطلحات فعلية أو اسمية فجميعها تأتي نتيجة ولادة هذا المنتج وقد جاءت لتناسب شرح معنى هذه المنتجات أو أنها جاءت في بعض المناسبات أو الأحداث أو أطلقت على بعض المخترعات المحلية أو الألعاب الشعبية أو جاءت لتصف بعض الأعمال وخصوصا في عالم الحرف والمهن أوالتقنيات الحديثة أو أن بعض هذه التسميات تأتي مستوردة مع استيراد بعض البضائع الأجنبية التي تصل إلينا ومعها مسمياتها جاهزة وبلغة القطر الذي انتجها وصدرها لنا…
؛؛ولكن أحيانا بعد مرور حقبة من الزمن تطرأ بعض التغيرات أو التعديلات أو التطويرات على تلك المسميات لأسباب متعددة منها التغيير في هذا الإختراع أو المنتج نفسه أو تطويره فيصاحب هذا التطوير تغيرات في إسمه أو لأسباب اجتماعية أو اقتصادية أو انثروبولوجية أو متعلقة بالعادات والتقاليد أو حتى بالأمور العقائدية أو غيرها؛؛
فينسى الناس المسمى الأصلي أو القديم وينسون أيضا سبب تلك التسمية أو مصدر أصلها حيث يصبح الإسم غريبا وبعيدا عن المسمى ودون أن تربط بينهما أي علاقة فحينها تبدو الأسماء مغمورة بالغموض لأنها تصبح بعد تلك التغيرات المتعددة غير متوافقة مع هذا المسمى المتغير الجديد بل ومنقطعة الصلة به أيضا بسبب تلك التغيرات التدريجية المتعددة التي طرأت وخصوصا إن طرأت تلك التغيرات بشكل متكرر ولعدة مرات بسبب تعرضها لظروف متعددة ومتنوعة، عندها تبرز الأسئلة عن سبب تلك المسميات الغريبة الغامضة التي لم يعد لها أي علاقة بالمسمى عند الأجيال الجديدة فلا يتضح المعنى إلا حين يبرز مصدر للتوضيح مع سرد تاريخه.
هذه الظاهرة يعتمد عليها علماء اللغات العالميين كمصدر لأحد أسباب التغيرات التي تطرأ على الكثير من اللهجات المحلية للغة ما وتطوراتها التلقائية بل وحتى سببا لنشأة اللهجات وكذلك اللغات الحديثة التي تتولد نتيجة التغيرات السريعة عبر الزمن.
وقبل الختام، أود هنا أن أسدي بنصيحة لمن تجاوزت أعمارهم سن الأربعينات فما فوق حين يبحثون عن (الآتش باز) من أحد محلات الألعاب لتقديمها -مثلا- كهدية لأولادهم أو لأحفادهم أو لأي غرض آخر فإني أنصح وأرجو بأن لايشترونه بأنفسهم من نفس المحل الذي تعودوا الشراء منه أيام صباهم، هذا إن كانوا مُصرِّين على تسميته القديمة (عطزباز) وإلا فهناك حل آخر وهو أن (يحط كل واحد منهم على قلبه طينة وعجينة) ويطلبه بإسم (طبع باز) وليس (عطز باز) ولو على سبيل المجاملة ولك الحرية في ذلك -ياعزيزي- قبل أن يوجه لك البائع الإنتقاد الساخر بقوله: (تقصد طبع باز) ولكي لا (يوجع قلبك) لأن البائع الموجود في مثل هذه المحلات حاليا هو أحد أحفاد أو على الأقل أحد أولاد البائعين الذين طالما تعودت في أيام صباك أن تشتري منهم ذلك العطز باز.
*الأستاذ عبد الرسول الغريافي باحث في التراث ومؤرخ.