تعتبر "الكبة" بجميع أصنافها من أشهر الأطباق العراقية، لا سيما "كبة حلب"، وهو اسم خاص بالعراقيين يطلقونه على الكبة المصنوعة من الأرز، كان يأخذها التجار العراقيون في طريق سفرهم من بغداد إلى حلب، لأن الأرز بطبيعته لا يتلف بسرعة، وبذلك فإنهم يوفرون مؤونة وغذاءً لسفرهم لا يفسد سريعا.
ويرجع بعض الباحثين أصل مفردة "الكبة" إلى أنها معرّبة من الفارسية لـ"کوبیدن" أو "کوبه آي" وتعني بالفارسية أي شيء يُضرب، أو شيء مضروب. وبحسب آراء أخرى، فإن أصل الكلمة يعود إلى الأكدية الواردة في النصوص المسمارية بهيئة كِبت (Kippatu) التي تُطلق على كل شيء مُدوّر.
كما أن وصفة لصناعة الكبة تضمّنها كتاب خاص بالوصفات من المطبخ العباسي وما قبله وكان تحت عنوان "الطَبيخ"، وهو من تأليف محمد بن الحسن بن محمد الكاتب البغدادي عام ٦٢٣هـ/١٢٢٦م، وكان قد طبعه الدكتور داود الجلبي الموصلي وأصبح نادرا، ثم أعاد نشره فخري البارودي بطبعة أولى صدرت عام ١٩٦٤، وفيه باب خاص بأنواع "الكبة" وطرق إعدادها تحت باب "في ذكر القلايا والنواشف وأجناسها".
كبة الحلب تتكون من الأرز المهروس وتحشى باللحم المفروم والزبيب والبصل(مواقع التواصل)
طريقة إعدادها
تقول أم عبد الله (معلمة متقاعدة وربة منزل) إن "كبة حلب" تصنع من الأرز المهروس جيدا مع البطاطا المسلوقة، بالإضافة إلى الكركم. أما الحشوة فتتكون من اللحم المفروم والبصل والكرفس والكشمش، حسب الرغبة حيث من الممكن إضافة الصنوبر واللوز ونومي البصرة (الليمون الأسود أو المجفف).
وتضيف أم عبد الله أن "العجينة للكبة" الواحدة إما أن تكون بشكل دائري، وإما أنها -وهذا هو الغالب- تتخذ شكلا مغزليا خاصا بكبة حلب، وذلك بعد إضافة الحشوة بداخلها ثم قليها بالزيت وتقديمها".
وتختتم أم عبد الله "سكنت الشام لسنوات عدة وعلمت أن السوريين لا يعرفون عن هذه الكبة سوى أنها أكلة عراقية باسم سوري، وقد أحبها جيراني عندما تذوقوها لأول مرة".
الموصلي قال إن البيئة الجغرافية والمناخية كانت عاملا حاسما في ابتكار هذه الأكلات
أصل التسمية
وعن الكبة وأصل تسميتها، يقول الباحث والمؤرخ عمر محمد الموصلي "لا تنتشر كبة حلب في العراق وحسب، بل هي تقريبا معروفة في كل مناطق ما يعرف بالمشرق وخاصة مناطق ديار ربيعة وديار بكر وديار مضر قديما، وهي المنطقة الممتدة من ماردين شمالا إلى الموصل شرقا وحلب غرباً".
ويضيف أنها "جزء من ثقافة منطقة بإنتاج أطعمة تدوم وقتا طويلا وبقيمة غذائية أكبر، أساس المسألة أن الحنطة تحتاج إلى خزن وتجفيف ويمكن تحويلها إلى جريش وبرغل أو طحين، وهذه الكبة كانت من أهم الابتكارات الغذائية لتسهيل حفظ منتجات القمح واللحم".
ويشير إلى أن البيئة الجغرافية والمناخية كانت عاملا حاسماً في ابتكار هذه الأكلات التي تعكس ثقافة الحرص وإعادة تشكيل المواد الغذائية بطريقة مشابهة لما يمكن تسميته "القابلية لإعادة الاستخدام والتدوير".