نوع من الكائنات الدقيقة التي نجت من حريق "سوبيرانس" الضخم (يوريك ألرت– ديلان إنرايت)
هناك بعض الكائنات الحية الدقيقة التي لديها قدرة فائقة على العيش في أحلك الظروف، مثل البقاء حية في الفضاء أو في العمق تحت سطح الأرض. غير أن مجموعة من الميكروبات كشفت عنها دراسة حديثة قد تكون الأكثر إثارة بين هذه الكائنات الدقيقة.
إذ أفادت الدراسة -التي نشرت في دورية "مولكيولار إيكولوجي" (Molecular Ecology)- باكتشافها كائنات دقيقة لم تنج فقط من حريق غابات "سوبيرانس" (Soberanes megafire) الضخم -الذي حدث عام 2016 في كاليفورنيا- بل إنها ازدهرت جراء ذاك الحريق. والجدير بالذكر أن ذاك الحريق قد دمر ما يزيد على 132 ألفا من الأفدنة الخضراء.
دمر حريق "سوبيرانس" ما يزيد على 132 ألفا من الأفدنة الخضراء (يوريك ألرت– كالفاير)
تشبث بالحياة
وطبقا للبيان الصحفي الذي نشرته "جامعة كاليفورنيا ريفرسايد" (University of California, Riverside) 25 أبريل/نيسان الماضي، فقد أشارت نتائج الدراسة إلى أن الفطريات والبكتيريا التي استطاعت التشبث بالحياة ومقاومة الحرائق كانت جميعها مرتبطة وراثيا، وهو اكتشاف سيوفر المزيد من الأدلة حول الأسباب التي مكنت هذه الكائنات من النجاة من الاحتراق. وهذا الأمر من شأنه أن يساعد في جهود إعادة إحياء المناطق المتضررة من آثار حرائق الغابات المدمرة.
وعن هذه الكائنات الناجية، تقول قائدة فريق الدراسة، عالمة الفطريات سيدني غلاسمان، في التقرير الذي نشره موقع "ساينس ألرت" (Science Alert)، إنها "تتشارك بعض السمات التكيفية التي ساعدتهم على التعامل مع الحريق. ومن ثم، فإن هذا يزيد من قدرتنا على التنبؤ بالميكروبات التي سوف تستجيب سلبيا أو إيجابيا لأي من هذه الحرائق في المستقبل".
أنواع ناجية
وقد جمع الفريق عينات التربة من بعض أراضي الغابات التي حددها الباحثون في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، بغية دراسة تفشي موت أشجار البلوط المفاجئ. إذ جُمعت عينات التربة -التي استخدمها الباحثون في هذه الدراسة- أول مرة عام 2013، ثم قارنوا محتوياتها ببعض العينات التي جمعت مباشرة بعد حريق عام 2016. كما جُمِعت بعض عينات التربة من المناطق التي لم تأكلها النيران.
ازدهرت أنواع "البكتيريا الشعاوية" بعد حريق سوبيرانس الهائل (ويكيبيديا– غراهام بيردز)
وبشكل عام، انخفض تنوع الفطريات جراء ذاك الحريق الضخم بنحو وصل إلى 70%، في حين انخفضت الأنواع البكتيرية بنسبة وصلت إلى 52%. غير أن هناك أنواعا من البكتيريا قد ازدهرت بعد هذا الحريق الهائل، من بينها "البكتيريا الشعاوية" (Actinobacteria) التي تساعد على تحلل النباتات، والبكتيريا "متينات الجدار" (Firmicutes) التي تساعد على نمو النبات والتحكم في مسببات الأمراض النباتية.
وبالنسبة للفطريات، فقد أظهر نوع مقاوم للحرارة وينتمي إلى "شعبة الفطريات الدعامية" (Basidiomycete) زيادة ملحوظة في أعداده. إذ تعمل هذه الأنواع من الفطريات على تحلل مكونات الخشب المختلفة التي من بينها الليغنين، أحد البوليمرات الصلبة المكونة لجدران الخلايا النباتية التي تبقي الخلايا منظمة ومحمية. وإضافة إلى ذلك، فقد نجت فطريات البِنسيليوم من هذه الحرائق.
منفعة متبادلة
ويعكف الفريق البحثي الآن على دراسة الكيفية التي ازدهرت بها تلك الأنواع المختلفة، والتي يعتقدون أنها ربما كانت نتيجة لآليات مختلفة.
وفي هذا الصدد، تقول غلاسمان إنه "يحتمل أن فطريات البِنسيليوم قد استفادت من الطعام الناتج عن موت الأشجار. وقد تستفيد بعض الأنواع الأخرى من التغذية على الفحم".
يعتقد أن فطريات البِنسيليوم قد استفادت من الطعام الناتج عن موت الأشجار (ويكيبيديا)
ومن ثم فإن هذه الدراسة قد توفر دليلا على الكيفية التي تستعيد بها التربة حيويتها بعد الحرائق الضخمة. وهو الأمر الذي تؤكده غلاسمان قائلة إنه "من الصعب أن تتعافي النباتات بعد هذه الحرائق الضخمة من دون وجود فطريات مفيدة تزود جذور النباتات بالمغذيات، أو بكتيريا تساعد على تحول حالة التربة بعد الحريق". ومن ثم، فإن فهم الأدوار التي توفرها هذه الكائنات الدقيقة قد يساعد في إعادة إحياء هذه المناطق المتضررة.