الفوهات القمرية المظللة قد لا تكون باردة مثل سحابة "أورت" إلا أن المقارنة تعتمد على ما إذا كنا نعدّ سحابة أورت جزءا من النظام الشمسي أو لا.
درجة الحرارة ليست ثابتة في جميع أنحاء النظام الشمسي (غيتي)
الفضاء بارد جدا جدا، إذ تبلغ درجة حرارة الفضاء الخارجي 270.45 درجة مئوية تحت الصفر، أي إنه بالكاد في درجة أعلى من الصفر المطلق، وهي النقطة التي تتوقف عندها الحركة الجزيئية.
يذكر تقرير نشرته "لايف ساينس" (Live Science) في السادس عشر من أبريل/نيسان الماضي أن درجة الحرارة هذه ليست ثابتة في جميع أنحاء النظام الشمسي، فما يسمى بالفضاء "الفارغ" -على الرغم من أنه ليس فارغًا في الواقع- أبرد بكثير من الكواكب أو الأقمار أو الكويكبات على سبيل المثال، لأنه لا يوجد (عمليا) ما يمتص الطاقة القادمة من الشمس.
لكن، ما أبرد مكان في النظام الشمسي؟ وكيف يمكن مقارنته بدرجات الحرارة على الأرض؟
الفضاء أبرد بكثير من الكواكب أو الأقمار أو الكويكبات (بيكسابي)
كيفية قياس درجة حرارة الكون
أولًا، دعنا نتوقف لحظة لنفكر بالضبط عند كيفية قياس درجات الحرارة الكون. يقول إيان كروفورد، أستاذ علم الكواكب وعلم الأحياء الفلكي في كلية "بيركبيك" (Birkbeck) بجامعة لندن (University of London) في المملكة المتحدة، في رسالة بالبريد الإلكتروني للايف ساينس، "يمكن قياس درجات الحرارة من خلال مراقبة كثافة الأشعة تحت الحمراء والميكروويف المنبعثة من الأسطح، وعند عدم وجود مثل هذه القياسات يمكن تقدير درجات الحرارة على أساس كمية ضوء الشمس التي تتلقاها الأسطح".
ومع ذلك، فإن أخذ القياسات الكونية ليس بالأمر السهل، وفقًا لدون بولاكو أستاذ علم الفلك بجامعة "واريك" (University of Warwick) في المملكة المتحدة، "فلا يوجد شيء مباشر (مؤكد) في علم الفلك، ويرجع ذلك أساسا إلى أنك تراقب دائما بدلا من أن تتفاعل".
لذلك، وعلى الرغم من وجود طرق دقيقة لقياس درجات الحرارة في الفضاء، سيكون هناك دائما مجال للتنقيح، يقول بولاكو إن "درجات الحرارة تقديرية، ويعتمد تقدير الأرقام على مدى قوة افتراضاتك وعلى النموذج المستخدم".
إذن، مع وضع هذه النقاط في الاعتبار، ما أبرد مكان في النظام الشمسي، على الأقل وفقا للبيانات الحالية؟ هل هو بلوتو، بالنظر إلى بعده عن الشمس؟ في الواقع، قد يكون المكان الأكثر برودة أقرب بكثير إلى الأرض.
فوهات القمر "الأكثر تظليلا" يمكن أن تكون بالفعل "أبرد الأماكن في النظام الشمسي" (شترستوك)
فوهات القمر والتظليل المزدوج
في عام 2009 قدمت المركبة الفضائية (Lunar Reconnaissance Orbiter) -مركبة فضائية روبوتية تابعة لوكالة ناسا مصممة لمساعدة العلماء على فهم الظروف على القمر فهما أفضل- بيانات تشير إلى أن "الفوهات المُظَللة" في القطب الجنوبي للقمر يمكن أن تكون أبرد مكان في النظام الشمسي.
وعزّز هذه النظرية لاحقا طالب الدراسات العليا باتريك أوبراين والمُشْرف عليه شين بيرن الباحثيْن في علم الكواكب في جامعة أريزونا (University of Arizona)، فخلال حديث في مؤتمر علم الكواكب والقمر في عام 2022 اقترح أوبراين وبيرن أن فوهات القمر "الأكثر تظليلا" يمكن أن تكون بالفعل "أبرد الأماكن في النظام الشمسي".
ووفقًا لأوبراين وبيرن، يمكن اعتبار الفوهة أنها الأكثر تظليلا إذا كانت "محجوبة ليس فقط عن الإضاءة الشمسية المباشرة ولكن أيضا عن مصادر التسخين الثانوية، مثل الإشعاع الشمسي المنعكس عن الأجسام المضيئة القريبة بالإضافة إلى الإشعاع الحراري المنبعث من تلك الأسطح الدافئة".
متوسط درجة حرارة سطح بلوتو 232.75 درجة مئوية تحت الصفر
وأضاف بولاكو أن الفوهات "المظللة" لها حواف عالية بما يكفي بحيث لا يصل ضوء الشمس إلى أرضية الفوهة، وهذا هو سبب برودة تلك الفوهات.
وتشير أبحاث أوبراين وبيرن إلى أنه نظرا لأن هذه "المناطق المظللة بشكل دائم" كانت "محمية" من الإضاءة الشمسية على مدى مليارات السنين فيمكن أن تحتوي فوهاتها على "نقاط صغيرة باردة" لا تحتوي على "جليد مائي فحسب، بل تحتوي أيضا على مزيد من المركبات والعناصر المتطايرة" مثل ثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون والنيتروجين والأرجون. ووفقا لأوبراين وبايرن، تقدر درجات حرارة هذه الفوهات بنحو 248.15 درجة مئوية تحت الصفر، لكنها قد تكون أكثر برودة.
سحابة أورت
كروفورد واثق من صحة البحث، ويقول "أنا متأكد من أن هذه هي أبرد درجات الحرارة في النظام الشمسي الداخلي (من عطارد إلى المريخ) وأيضا أكثر برودة من متوسط درجة حرارة سطح بلوتو"، وللعلم فإن متوسط درجة حرارة سطح بلوتو 232.75 درجة مئوية تحت الصفر، وفقا لوكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا).
رسم توضيحي لحزام كويبر وسحابة أورت وعلاقتهما بنظامنا الشمسي (ناسا)
مع ذلك، فإن هذه الفوهات القمرية المظللة قد لا تكون باردة مثل سحابة أورت، وهي غلاف من الحطام الفضائي الجليدي يقع بعيدا عن مدار نبتون، على حد قول كروفورد الذي أشار إلى أن المقارنة تعتمد على ما إذا كنا نعدّ سحابة أورت جزءا من النظام الشمسي أو لا.
ووفقا لجامعة "نورث وسترن" (Northwestern University) في إلينوي، يمكن أن تكون درجات الحرارة في سحابة أورت 268.15 درجة مئوية تحت الصفر، وستكون أكثر برودة بكثير من أي درجة حرارة موجودة على القمر، إلا أننا إذا لم نقم بتضمين سحابة أورت كجزء من نظامنا الشمسي فمن المحتمل جدا أن يقع أبرد مكان في النظام الشمسي في أقرب جار سماوي لنا.
مقارنات مع الأرض
على الأرض، حتى أكثر درجات حرارة انخفاضا في القطب الجنوبي وأكثرها قسوة هي أكثر دفئا من فوهات القمر أو سحابة أورت، فقد كانت أبرد درجة حرارة أرضية سُجّلت على الإطلاق في 21 يوليو/تموز 1983 في محطة أبحاث "فوستوك" الروسية في القارة القطبية الجنوبية أقل من 89.2 درجة مئوية تحت الصفر، وفقا لأرشيف المناخ العالمي والدرجات القصوى التابع للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
أبرد درجة حرارة أرضية سُجّلت كانت 89.2 درجة مئوية تحت الصفر (جامعة كا فوسكاري)
ومع ذلك، فقد أنشأ العلماء درجات حرارة اصطناعية أقل من تلك التي تحدث بشكل طبيعي على الأرض، أو في فوهات القمر أو حتى في سحابة أورت، ففي العام الماضي حطم فريق من الباحثين الألمان الرقم القياسي لأبرد درجة حرارة تم الوصول إليها في المختبر: وهو 273.15 درجة مئوية تحت الصفر.
ولكن عندما يتعلق الأمر بدرجات الحرارة التي تحدث على نحو طبيعي، فإن الفوهات المظللة لقمرنا هي أدنى درجة حرارة في نظامنا الشمسي، وذلك اعتمادا، بالطبع، على تبعية سحابة أورت.