قصر أنشئ في تسعينيات القرن الماضي على تلة اصطناعية بمدينة بابل الأثرية يطل على نهر الفرات (مواقع التواصل)
تكتسب مدينة بابل الأثرية وسط العراق أهمية سياحية خاصة كونها تضم مجموعة من أهم المعالم التاريخية، كما تشتهر المدينة باحتضانها أطلال الحدائق المعلقة إحدى عجائب الدنيا السبع.
ورغم اندثار الجنائن المعلقة القديمة، فإن العراق قرر في ثلاثينيات القرن الماضي تشييد حدائق في أعلى مرتفع مطل على مدينة الحلة مركز محافظة بابل، وذلك تخليدا لذكرى الحدائق المعلقة ومتنفسا للمدينة.
واعتاد الأهالي منذ عشرات السنين على التنزه في حدائق بابل خاصة في الأعياد والمناسبات، لكن ظروف جائحة كورونا خلال العامين الماضيين جعلت الحدائق تفقد زوارها، قبل أن تزدهر مجددا هذا العام بالتزامن مع انحسار وباء كوفيد-19.
المسرح البابلي من أبرز معالم المدينة (مواقع التواصل)
أجواء العيد تغيرت
يقول الإعلامي أحمد الركابي إن حدائق بابل لها أهمية تاريخية كبيرة لسكان المحافظة، باعتبارها من عجائب الدنيا، بينما يعتبرها البعض مجرد خرافة.ويؤكد للجزيرة نت أن جائحة كورونا أثرت على عدد زوار الحدائق في بابل بسبب القيود الصحية، وكذلك تردي الحالة الاقتصادية بتأثير الجائحة وغيرها.
ويشير الركابي إلى أن الكثير من العائلات العراقية تفضل زيارة هذه الحدائق في الأعياد، لكن أجواء العيد أصبحت مختلفة تماما عن السنوات السابقة بسبب الأوضاع الصحية والاقتصادية.
ويوضح أن الحديقة تعيش وضعا مزريا بسبب الإهمال وباتت لا تصلح للتنزه، لكن العائلات تزور هذا المكان لغرض التسلية نوعا ما والخروج من الضغوط اليومية، مشددا على ضرورة الاهتمام الحكومي بهذه الحدائق لتناسب اسمها التاريخي العريق.
ويبيّن الركابي أن الحدائق تشهد فعاليات بسيطة في أيام العيد، مثل الرقص أو الغناء أو إلقاء الشعر أو تزيين الأطفال والرسومات للأطفال بالساحات الخضراء.كما تسهم هذه الحدائق في انتعاش مبيعات الباعة المتجولين المنتشرين في جوانبها، وتنتشر قربها أسواق بيع الخضروات والملابس والمواد المنزلية والغذائية، وترى بشكل واضح جدا انتعاش المبيعات خصوصا بهذه الفترة رغم قلة حركة الناس بشكل عام.
حدائق تتعلق بها القلوب
الحدائق المعلقة تتعلق بها قلوب روادها، حيث تعد من الأماكن السياحية التي يرتادها الكثير من السياح العرب والأجانب بعد زيارتهم لمدينة بابل الأثرية، بحسب رئيس وكالة الأهم للصحافة والإعلام الصحفي حيدر الأمير.
ويستدرك في حديثه للجزيرة نت بأن السياح توقفوا عن زيارتها بعد جائحة كورونا، حالها حال أي معلم سياحي في العراق، لكن بعد أن بدأت الحياة تعود من جديد في كل بلدان العالم، عادت أيضا إلى الأماكن السياحية، ومنها هذه الحدائق التي تعتبر "كملح الطعام" كما يسميها بعض السياح.ويفيد الأمير بأن آثار بابل وحدائقها بهذا التاريخ وهذا الجمال ستحتضن زوارها مرحبة بهم من كل جانب ومن كل بلاد.
حيدر الأمير: الحدائق المعلقة تتعلق بها قلوب روادها من السياح العرب والأجانب
صرح معماري فريد
يبين رئيس منقبي آثار بابل محمد طاهر الخفاجي أن رحيل أزمة كورونا عالميا أسهم في عودة النشاط السياحي في العراق، وخاصة في مدينة بابل الأثرية التي وصفها الرحالة اليوناني الشهير "هيرودوت" الملقب بأبي التاريخ بأنها "المدينة التي فاقت كل مدن العالم القديم بعظمتها".
وفي حديثه للجزيرة نت يؤكد أنه مع انحسار الجائحة قررت الحكومة العراقية فتح المتحف العراقي والمعالم السياحية أمام السائحين من العراق وجنسيات مختلفة، كما شجعت وزارة الثقافة والسياحة والآثار على السياحة وتقديم الخدمات للسياح في بابل وعموم العراق.
ويرى الخفاجي أن أهمية الحدائق تتمثل بكونها صرحا معماريا فريدا من نوعه، رغم اندثار معظم آثارها من سالف الزمان نتيجة الحروب وهجرة البابليين للمدينة، ونهب الآجر (مادة تستخدم في البناء) وعوامل التعرية وغير ذلك.ويضيف أن الأهمية الأخرى لحدائق بابل هو تأثيرها في نفوس العراقيين والسياح الأجانب لزيارة المدينة والتعرف عليها، كونها كانت من عجائب الدنيا في بابل، إضافة إلى أسوار المدينة المنيعة.
ويفيد الخفاجي بأن مدينة بابل الأثرية بكل مواقعها، بما فيها الحدائق المعلقة والممرات المؤدية إليها في القصر الجنوبي يشكلان معا جانبا من المتعة والفضول لزيارة المكان والتعرف على أطلاله.
أسد بابل من المعالم البارزة في المدنية التاريخية
حدائق أسطورية
يذكر أستاذ التاريخ الدكتور أحمد حسين الجميلي أن حدائق بابل تعد أسطورية في وقتها، لأنها زينت عاصمة الإمبراطورية البابلية الحديثة التي بناها أعظم ملوكها نبوخذ نصر الثاني.
ويضيف للجزيرة نت أن الروايات تذكر أنه بناها لزوجته المنحدرة من بلاد ميديا الفارسية، وهي منطقة جبلية، لذلك بنى الحدائق المعلقة إرضاء لزوجته حتى لا تشعر بالغربة والحنين إلى المناطق الجبلية، وسميت بالمعلقة لأنها كانت على شكل مساطب أو مدرجات.وشدد الجميلي على ضرورة اهتمام الدولة بإعادة بناء بابل الأثرية وترميمها، وإنشاء متحف يضم آثار بابل ويكون قرب المدينة الأثرية، إضافة إلى تشييد الفنادق ومحطات استراحة بالقرب منها، من أجل استقبال الزوار الذين يأتون من كل دول العالم لمشاهدة هذه المنطقة التي ذكرتها الكتب السماوية.
ولفت إلى أنه بعد الغزو واتخاذ القوات الغازية الأميركية بهذه المنطقة مقرا لها، ونتيجة الآليات العسكرية تم تخريب الكثير من معالمها.
بابل الأثرية تكتسب أهمية سياحية خاصة كونها تضم مجموعة من أهم المعالم التاريخية (مواقع التواصل)
سحق حدائق بابل
ذكر تقرير صادر عن المتحف البريطاني ونشره موقع الجزيرة نت عام 2005، أن العربات العسكرية الأميركية والبولندية سحقت أرصفة بمدينة بابل الأثرية تعود إلى ما قبل الميلاد.
وقال جون كورتيس المسؤول عن دائرة الشرق الأوسط القديم في المتحف البريطاني في تقرير نشر بصحيفة غارديان، إن الموقع استخدم كمخزن عسكري من قبل هذه القوات، معربا عن أسفه من إنشاء قاعدة في منطقة تعتبر واحدة من أهم المواقع الأثرية مما يعد -بحسب قوله- ضربة جديدة للميراث الثقافي للعراق.
الشمري اعتبر أن الخدمات المقدمة لزائري بابل لا ترتقي إلى أهمية المدينة وشهرتها العالمية
يشوبها الغموض
من جانبه، يرى الأكاديمي والباحث في الآثار الدكتور إبراهيم سرحان الشمري، أن موضوع الحدائق المعلقة في مدينة بابل التاريخية يشوبه الإبهام والغموض. فرغم شهرة الحدائق في الأوساط التاريخية والثقافية حتى عدوها من عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، فإنها في الجانب الآثاري لم تكشف التنقيبات الأثرية العلمية الأجنبية والوطنية إلى اليوم عن آثار حقيقية لتلك الحدائق.وفي حديثه للجزيرة نت، يؤكد الشمري أن من يزور بابل اليوم لا يجد ما تصوره المرويات في كتب التاريخ التي وصفت تلك الحدائق بشكل خيالي، ولا يوجد سوى القصر الذي شيّده الرئيس الراحل صدام حسين ليطل على المدينة الأثرية وحوله حدائق غناء يرتادها الناس اليوم للترفيه.
ويتحدث الشمري عن المدينة الأثرية وما فيها من الصروح المعمارية المهيبة من قصور عظيمة، ناهيك عن شارع الموكب المزدانة جدرانه بالمنحوتات الجدارية للتنين الأسطوري والأسود والثيران، وكلها رموز للآلهة المعبودة في المدينة وعلى رأسها رئيس مجلس الآلهة وإله المدينة الكبير مردوخ الذي يمثله رمزيا التنين الأسطوري على بوابات المدينة وشارع الموكب، وهناك حارات للمعابد والبيوت السكنية، ويرتاد هذه المدينة الوفود والزائرون من مختلف بلدان العالم.
ويلفت إلى أن الخدمات المقدمة للزائرين لا ترتقي إلى أهمية المدينة وشهرتها العالمية، لا سيما وهي من المواقع المسجلة على لائحة التراث العالمي فهي تفتقر إلى أبسط الخدمات من نظافة وشوارع أو ممرات معبدة وحدائق للتنزه والراحة، وليس فيها منشآت خدمية مثل الفنادق والمطاعم.