عَنْ الْإِمَامِ عَلِيٍّ السَّجَادِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
وَأَمَّا حَنِينُ الْعُودِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) كَانَ يَخْطُبُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى جِذْعِ‏ نَخْلَةٍ فِي صَحْنِ مَسْجِدِهَا ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَهْلهِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ كَثُرُوا وَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ النَّظَرَ إِلَيْكَ إِذَا خَطَبْتَ ، فَلَوْ أَذِنْتَ أَنْ نَعْمَلَ لَكَ مِنْبَراً لَهُ مَرَاقِي‏ تَرْقَاهَا فَيَرَاكَ النَّاسُ إِذَا خَطَبْتَ ، فَأَذِنَ فِي ذَلِكَ . فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مَرَّ بِالْجِذْعِ فَتَجَاوَزَهُ إِلَى الْمِنْبَرِ فَصَعِدَهُ ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَيْهِ حَنَّ ذَلِكَ الْجِذْعُ حَنِيْنَ الثَّكْلَى وَأَنَّ أَنِينَ الْحُبْلَى‏ ! فَارْتَفَعَ بُكَاءُ النَّاسِ وَحَنِينُهُمْ وَأَنِينُهُمْ وَارْتَفَعَ حَنِينُ الْجِذْعِ وَأَنِينُهُ فِي حَنِينِ النَّاسِ وَأَنِينِهِمْ ارْتِفَاعاً بَيِّناً ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ذَلِكَ نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ وَأَتَى الْجِذْعَ فَاحْتَضَنَهُ وَمَسَحَ عَلَيْهِ يَدَهُ وَقَالَ : اسْكُنْ فَمَا تَجَاوَزَكَ رَسُولُ اللَّهِ تَهَاوُناً بِكَ وَلَا اسْتِخْفَافاً بِحُرْمَتِكَ ؛ وَلَكِنْ لِيَتِمَّ لِعِبَادِ اللَّهِ مَصْلَحَتُهُمْ وَلَكَ جَلَالُكَ وَفَضْلُكَ إِذْ كُنْتَ مُسْتَنَدَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ . فَهَدَأَ حَنِينُهُ وَأَنِينُهُ وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) إِلَى مِنْبَرِهِ ثُمَّ قَالَ : مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ ، هَذَا الْجِذْعُ يَحِنُّ إِلَى رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَيَحْزَنُ لِبُعْدِهِ عَنْهُ ! وَفِي‏ عِبَادِ اللَّهِ الظَّالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ مَنْ لَا يُبَالِي قَرُبَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ أَو بَعُدَ ! لَوْ لَا أَنِّي احْتَضَنْتُ هَذَا الْجِذْعَ وَمَسَحْتُ يَدِي‏ عَلَيْهِ مَا هَدَأَ حَنِينُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَإِمَائِهِ لَمَنْ يَحِنُّ إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ وَإِلَى عَلِيٍّ وَلِيِّ اللَّهِ كَحَنِينِ هَذَا الْجِذْعِ وَحَسْبُ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ عَلَى مُوَالاةِ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَآلِهِمَا الطَّيِّبِينَ مُنْطَوِياً ، أَرَأَيْتُمْ شِدَّةَ حَنِينِ هَذَا الْجِذْعِ إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ وَكَيْفَ هَدَأَ لَمَّا احْتَضَنَهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَمَسَحَ يَدَهُ‏ عَلَيْهِ ؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيّاً إِنَّ حَنِينَ خُزَّانِ جِنَانٍ وَحُورِ عِينِهَا وَسَائِرِ قُصُورِهَا وَمَنَازِلِهَا إِلَى مَنْ يُوَالِي‏ مُحَمَّداً وَعَلِيّاً وَآلَهُمَا الطَّيِّبِينَ وَيَبْرَأُ مِنْ أَعْدَائِهِمَا لَأَشَدُّ مِنْ حَنِينِ هَذَا الْجِذْعِ الَّذِي رَأَيْتُمُوهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَإِنَّ الَّذِي يُسَكِّنُ حَنِينَهُمْ وَأَنِينَهُمْ مَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ مَعَاشِرَ شِيعَتِنَا عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ أَوْ صَلَاةِ نَافِلَةٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَإِنَّ مِنْ عَظِيمِ مَا يُسَكِّنُ حَنِينَهُمْ إِلَى شِيعَةِ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ مَا يَتَّصِلُ بِهِمْ مِنْ إِحْسَانِهِمْ إِلَى إِخْوَانِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ وَمَعُونَتِهِمْ لَهُمْ عَلَى دَهْرِهِمْ يَقُولُ أَهْلُ الْجِنَانِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لَا تَسْتَعْجِلُوا صَاحِبَكُمْ فَمَا يُبْطِئُ عَنْكُمْ إِلَّا لِلزِّيَادَةِ فِي الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَاتِ فِي هَذِهِ الْجِنَانِ بِإِسْدَاءِ الْمَعْرُوفِ إِلَى إِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يُسَكِّنُ حَنِيْنَ سُكَّانِ الْجِنَانِ وَحُورِهَا إِلَى شِيعَتِنَا مَا يُعَرِّفُهُمُ اللَّهُ مِنْ صَبْرِ شِيعَتِنَا عَلَى التَّقِيَّةِ وَاسْتِعْمَالِهِمُ التَّوْرِيَةَ لِيَسْلَمُوا بِهَا مِنْ كَفَرَةِ عِبَادِ اللَّهِ وَفَسَقَتِهِمْ فَحِينَئِذٍ تَقُولُ خُزَّانُ الْجِنَانِ وَحُورُهَا لَنَصْبِرَنَّ عَلَى شَوْقِنَا وَحَنِيننَا إِلَيْهِمْ‏ كَمَا يَصْبِرُونَ عَلَى سَمَاعِ الْمَكْرُوهِ فِي سَادَاتِهِمْ وَأَئِمَّتِهِمْ وَكَمَا يَتَجَرَّعُونَ الْغَيْظَ وَيَسْكُتُونَ عَنْ إِظْهَارِ الْحَقِّ لِمَا يُشَاهِدُونَ مِنْ ظُلْمِ مَنْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِ مَضَرَّتِهِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يُنَادِيهِمْ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَا سُكَّانَ جَنَّاتِي وَيَا خُزَّانَ رَحْمَتِي مَا لِبُخْلٍ أَخَّرْتُ عَنْكُمْ أَزْوَاجَكُمْ وَسَادَاتِكُمْ وَلَكِنْ لِيَسْتَكْمِلُوا نَصِيبَهُمْ مِنْ كَرَامَتِي بِمُوَاسَاتِهِمْ إِخْوَانَهُمُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْأَخْذِ بِأَيْدِي الْمَلْهُوفِينَ وَالتَّنْفِيسِ عَنِ الْمَكْرُوبِينَ وَبِالصَّبْرِ عَلَى التَّقِيَّةِ مِنَ الْفَاسِقِينَ الْكَافِرِينَ حَتَّى إِذَا اسْتَكْمَلُوا أَجْزَلَ كَرَامَاتِي نَقَلْتُهُمْ إِلَيْكُمْ عَلَى أَسَرِّ الْأَحْوَالِ وَأَغْيَظِهَا فَأَبْشِرُوا فَعِنْدَ ذَلِكَ يَسْكُنُ حَنِينُهُمْ وَأَنِينُهُمْ .
وَأَمَّا قَلْبُ اللَّهِ السَّمَّ عَلَى الْيَهُودِ الَّذِينَ قَصَدُوهُ بِهِ وَإِهْلَاكهُمْ بِهِ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لَمَّا ظَهَرَ بِالْمَدِينَةِ اشْتَدَّ حَسَدُ ابْنِ أُبَيٍّ لَهُ ، فَدَبَّرَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْفِرَ لَهُ حَفِيرَةً فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ دَارِهِ وَيَبْسُطَ فَوْقَهَا بِسَاطاً وَيَنْصِبَ فِي أَسْفَلِ الْحَفِيرَةِ أَسِنَّةَ رِمَاحٍ وَنَصَبَ‏ سَكَاكِينَ مَسْمُومَةً وَشَدَّ أَحَدَ جَوَانِبِ الْبِسَاطِ وَالْفِرَاشِ إِلَى الْحَائِطِ ؛ لِيَدْخُلَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَخَوَاصُّهُ مَعَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، فَإِذَا وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) رِجْلَهُ عَلَى الْبِسَاطِ وَقَعَ فِي الْحَفِيرَةِ ! وَكَانَ قَدْ نَصَبَ فِي دَارِهِ وَخَبَأَ رِجَالًا بِسُيُوفٍ مَشْهُورَةٍ يَخْرُجُونَ عَلَى عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَمَنْ مَعَهُ عِنْدَ وُقُوعِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فِي الْحَفِيرَةِ فَيَقْتُلُونَهُمْ بِهَا . وَدَبَّرَ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَنْشَطْ لِلْقُعُودِ عَلَى ذَلِكَ‏ الْبِسَاطِ أَنْ يُطْعِمُوهُ مِنْ طَعَامِهِمُ الْمَسْمُومِ لِيَمُوتَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مَعَهُ جَمِيعاً ، فَجَاءَهُ جَبْرَئِيلُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَأَخْبَرَهُ‏ بِذَلِكَ وَقَالَ لَهُ : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْعُدَ حَيْثُ يُقْعِدُكَ وَتَأْكُلَ مِمَّا يُطْعِمُكَ ، فَإِنَّهُ مُظْهِرٌ عَلَيْكَ آيَاتِهِ وَمُهْلِكٌ أَكْثَرَ مَنْ تَوَاطَأَ عَلَى ذَلِكَ فِيكَ . فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَقَعَدَ عَلَى الْبِسَاطِ وَقَعَدُوا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَحَوَالَيْهِ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْحَفِيرَةِ ، فَتَعَجَّبَ ابْنُ أُبَيٍّ وَنَظَرَ وَإِذَا قَدْ صَارَ مَا تَحْتَ الْبِسَاطِ أَرْضاً مُلْتَئِمَةً ! فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَعَلِيّاً (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَصَحْبَهُمَا بِالطَّعَامِ الْمَسْمُومِ ، فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَضْعَ يَدِهِ فِي الطَّعَامِ قَالَ : يَا عَلِيُّ ، ارْقِ‏ هَذَا الطَّعَامَ بِالرُّقْيَةِ النَّافِعَةِ . فَقَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : بِسْمِ اللَّهِ الشَّافِي ، بِسْمِ اللَّهِ الْكَافِي ، بِسْمِ اللَّهِ الْمُعَافِي ، بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْ‏ءٌ [وَلَا دَاءٌ] فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏ . ثُمَّ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَعَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَمَنْ مَعَهُمَا حَتَّى شَبِعُوا ، ثُمَّ جَاءَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَخَوَاصُّهُ فَأَكَلُوا فَضَلَاتِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَصَحْبِهِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ‏ قَدْ غَلِطَ وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهِ سُمُوماً لَمَّا رَأَوْا مُحَمَّداً وَصَحْبَهُ لَمْ يُصِبْهُمْ مَكْرُوهٌ ، وَجَاءَتْ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ إِلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ الْمَحْفُورِ تَحْتَهُ الْمَنْصُوبِ فِيهِ‏ مَا نُصِبَ ، وَهِيَ كَانَتْ دَبَّرَتْ ذَلِكَ وَنَظَرَتْ فَإِذَا مَا تَحْتَ الْبِسَاطِ أَرْضٌ مُلْتَئِمَةٌ فَجَلَسَتْ عَلَى الْبِسَاطِ وَاثِقَةً ، فَأَعَادَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَفِيرَةَ بِمَا فِيهَا فَسَقَطَتْ فِيهَا وَهَلَكَتْ فَوَقَعَتِ الصَّيْحَةُ [مِنْهَا] . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ : إِيَّاكُمْ وَأَنْ تَقُولُوا إِنَّهَا سَقَطَتْ فِي الْحَفِيرَةِ ! فَيَعْلَمَ مُحَمَّدٌ مَا كُنَّا قَدْ دَبَّرْنَا عَلَيْهِ ! فَبَكَوْا وَقَالُوا مَاتَتِ الْعَرُوسُ وَبِعِلَّةِ عُرْسِهَا كَانُوا دَعَوْا رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ! وَمَاتَ الْقَوْمُ الَّذِينَ أَكَلُوا فَضْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ! فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) عَنْ سَبَبِ مَوْتِ الِابْنَةِ وَالْقَوْمِ ، فَقَالَ ابْنُ أُبَيٍّ : سَقَطَتْ مِنَ السَّطْحِ وَلَحِقَ الْقَوْمَ‏ تُخَمَةٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَاذَا مَاتُوا وَتَغَافَلَ عَنْهُمْ .
وَأَمَّا تَكْثِيرُ اللَّهِ الْقَلِيلَ مِنَ الطَّعَامِ لِمُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) كَانَ يَوْماً‏ جَالِساً هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ مِنْ خِيَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، إِذْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِنَّ شِدْقِي يَتَحَلَّبُ وَأَجِدُنِي أَشْتَهِي حَرِيرَةً مَدُوسَةً مُلَبَّقَةً بِسَمْنٍ وَعَسَلٍ . فَقَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : وَأَنَا أَشْتَهِي مَا يَشْتَهِيهِ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) لِأَبِي الْفَصِيلِ : مَاذَا تَشْتَهِي أَنْتَ فَقَالَ خَاصِرَةَ حَمَلٍ مَشْوِيٍّ . وَقَالَ لِأَبِي الشُّرُورِ وَأَبِي الدَّوَاهِي : مَاذَا تَشْتَهِيَانِ أَنْتُمَا ؟ قَالا : صَدْرَ حَمَلٍ مَشْوِيٍّ . فَقَالَ‏ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : أَيُّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يُضِيفُ الْيَوْمَ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَصَحْبَهُ وَيُطْعِمُهُمْ شَهَوَاتِهِمْ ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍ [فِي نَفْسِهِ‏] : هَذَا وَاللَّهِ الْيَوْمُ الَّذِي نَكِيدُ فِيهِ مُحَمَّداً وَصَحْبَهُ وَنَقْتُلُهُ وَنُخَلِّصُ الْعِبَادَ مِنْهُ ، وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أُضِيفُكُمْ عِنْدِي شَيْ‏ءٌ مِنْ بُرٍّ وَسَمْنٍ وَعَسَلٍ وَعِنْدِي حَمَلٌ أَشْوِيهِ‏ لَكُمْ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : فَافْعَلْ ! فَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَأَكْثَرَ السَّمَّ فِي ذَلِكَ الْبُرِّ الْمُلَبَّقِ بِالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ فِي ذَلِكَ الْحَمَلِ الْمَشْوِيِّ ، ثُمَّ عَادَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَقَالَ : هَلُمُّوا إِلَى مَا اشْتَهَيْتُمْ . فَقَالَ‏ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : مَعَ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ : أَنْتَ وَعَلِيٌّ وَسَلْمَانُ وَالْمِقْدَادُ وَأَبُو ذَرٍّ وَعَمَّارٌ . فَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) إِلَى أَبِي الشُّرُورِ وَأَبِي الدَّوَاهِي وَأَبِي الْمَلَاهِي وَأَبِي النَّكْثِ ، وَقَالَ : يَا ابْنَ أُبَيٍّ ، دُونَ هَؤُلَاءِ . فَقَالَ ابْنُ أُبَيٍّ : نَعَمْ دُونَ هَؤُلَاءِ . وَكَرِهَ أَنْ يَكُونُوا مَعَهُ‏ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُوَاطِئِينَ لِابْنِ أُبَيٍّ عَلَى النِّفَاقِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : لَا حَاجَةَ لِي فِي شَيْ‏ءٍ أَسْتَبِدُّ بِهِ دُونَ هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرِينَ‏ وَالْأَنْصَارِ الْحَاضِرِينَ لِي . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ الشَّيْ‏ءَ قَلِيلٌ‏ لَا يَسَعُ‏ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ إِلَى خَمْسَةٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مَائِدَةً عَلَى عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَبَارَكَ لَهُ فِي أَرْغِفَةٍ وَسُمَيْكَاتٍ حَتَّى أَكَلَ وَشَبِعَ مِنْهَا أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَسَبْعُمِائَةٍ ! فَقَالَ شَأْنَكَ ثُمَّ نَادَى رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَا مَعَاشِرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ هَلُمُّوا إِلَى مَأْدَبَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ . فَجَاءُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ وَهُمْ سِتَةُ آلَافٍ وَثَمَانُمِائَةٍ . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَصْحَابٍ لَهُ : كَيْفَ نَصْنَعُ هَذَا مُحَمَّدٌ وَصَحْبُهُ ؟! وَإِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ نَقْتُلَ مُحَمَّداً وَنَفَراً مِنْ صَحْبِهِ وَلَكِنْ إِذَا مَاتَ مُحَمَّدٌ وَقَعَ بَأْسُ هَؤُلَاءِ بَيْنَهُمْ فَلَا يَلْتَقِي اثْنَانِ مِنْهُمْ فِي طَرِيقٍ .
وَبَعَثَ ابْنُ أُبَيٍّ إِلَى أَصْحَابِهِ وَالْمُتَعَصِّبِينَ لَهُ لِيَتَسَلَّحُوا وَيَتَجَمَّعُوا وَقَالَ : مَا هُوَ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ مُحَمَّدٌ حَتَّى يَلْقَانَا أَصْحَابُهُ‏ وَيَتَهَالَكُوا ، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) دَارَهُ أَوْمَأَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى بَيْتٍ لَهُ صَغِيرٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْتَ وَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ يَعْنِي عَلِيّاً وَسَلْمَانَ وَالْمِقْدَادَ وَعَمَّاراً فِي هَذَا الْبَيْتِ وَالْبَاقُونَ فِي الدَّارِ وَالْحُجْرَةِ وَالْبُسْتَانِ ، وَيَقِفُ مِنْهُمْ قَوْمٌ عَلَى الْبَابِ حَتَّى يَفْرُغَ أَقْوَامٌ وَيَخْرُجُونَ ثُمَّ يَدْخُلَ بَعْدَهُمْ أَقْوَامٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِنَّ الَّذِي يُبَارِكُ فِي هَذَا الطَّعَامِ الْقَلِيلِ لَيُبَارِكُ فِي هَذَا الْبَيْتِ الصَّغِيرِ الضَّيِّقِ . ادْخُلْ يَا عَلِيُّ وَيَا سَلْمَانُ‏ وَيَا بَا ذَرٍّ وَيَا مِقْدَادُ وَيَا عَمَّارُ ، وَادْخُلُوا مَعَاشِرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ . فَدَخَلُوا أَجْمَعِينَ وَقَعَدُوا حَلْقَةً وَاحِدَةً كَمَا يَسْتَدِيرُونَ حَوْلَ تَرَابِيعِ الْكَعْبَةِ ، وَإِذَا الْبَيْتُ قَدْ وَسِعَهُمْ أَجْمَعِينَ حَتَّى إِنَّ بَيْنَ كُلِّ رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ مَوْضِعَ رَجُلٍ ! فَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَرَأَى عَجَباً عَجِيباً مِنْ سَعَةِ الْبَيْتِ الَّذِي كَانَ ضَيِّقاً . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : ايتِنَا بِمَا عَمِلْتَهُ . فَجَاءَهُ بِالْحَرِيرَةِ الْمُلَبَّقَةِ بِالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَبِالْحَمَلِ الْمَشْوِيِّ ، فَقَالَ ابْنُ أُبَيٍّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كُلْ أَنْتَ أَوَّلًا قَبْلَهُمْ ثُمَّ لْيَأْكُلْ صَحْبُكَ هَؤُلَاءِ عَلِيٌّ وَمَنْ مَعَهُ ثُمَّ يَطْعَمُ هَؤُلَاءِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : كَذَلِكَ أَفْعَلُ . فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَدَهُ عَلَى الطَّعَامِ وَوَضَعَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَدَهُ مَعَهُ . فَقَالَ ابْنُ أُبَيٍّ : أَلَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ عَلِيٌّ مَعَ أَصْحَابِكَ‏ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، إِنَّ عَلِيّاً أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مِنْكَ ، إِنَّ اللَّهَ مَا فَرَّقَ فِيمَا مَضَى بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَبَيْنَ عَلِيٍّ وَلَا يُفَرِّقُ فِيمَا يَأْتِي أَيْضاً بَيْنَهُمَا ، إِنَّ عَلِيّاً كَانَ وَأَنَا مَعَهُ نُوراً وَاحِداً عَرَضَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَهْلِ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ وَسَائِرِ حُجُبِهِ وَجِنَانِهِ وَهَوَائِهِ ،‏ وَأَخَذَ لَنَا عَلَيْهِمُ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ لِيَكُونَنَّ لَنَا وَلِأَوْلِيَائِنَا مُوَالِينَ وَلِأَعْدَائِنَا مُعَانِدِينَ وَلِمَنْ نُحِبُّهُ مُحِبِّينَ وَلِمَنْ نُبْغِضُهُ مُبْغِضِينَ‏ ، مَا زَالَتْ إِرَادَتُنَا وَاحِدَةً وَلَا تَزَالُ ، لَا أُرِيدُ إِلَّا مَا يُرِيدُ وَلَا يُرِيدُ إِلَّا مَا أُرِيدُ ، يَسُرُّنِي مَا يَسُرُّهُ وَيُؤْلِمُنِي مَا يُؤْلِمُهُ . فَدَعْ يَا ابْنَ أُبَيٍّ عَلِيّاً ؛ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ وَبِي مِنْكَ . قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَأَفْضَلُ مِنِّي . وَأَشَارَ ابْن أُبَيٍّ إِلَى جَدٍّ وَمُعَتِّبٍ‏ فَقَالَ : أَرَدْنَا وَاحِداً فَصَارَا اثْنَيْنِ الْآنَ يَمُوتَانِ جَمِيعاً وَنُكْفَاهُمَا جَمِيعاً وَهَذَا بَخْتُنَا وَسَعَادَتُنَا ، فَلَوْ بَقِيَ عَلِيٌّ بَعْدَهُ لَعَلَّهُ كَانَ يُجَالِدُ أَصْحَابَنَا هَؤُلَاءِ . وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ قَدْ جَمَعَ أَصْحَابَهُ وَمُتَعَصِّبِيهِ حَوْلَ دَارِهِ لِيَقَعُوا عَلَى‏ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) إِذَا مَاتَ بِالسَّمِّ ، ثُمَّ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَعَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَدَهُمَا فِي الْحَرِيرَةِ الْمُلَبَّقَةِ بِالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ فَأَكَلَا حَتَّى شَبِعَا ، ثُمَّ وَضَعَ مَنِ اشْتَهَى خَاصِرَةَ الْحَمَلِ وَمَنِ اشْتَهَى صَدْرَهُ مِنْهُمْ فَأَكَلَا حَتَّى شَبِعَا ، وَعَبْدُ اللَّهِ يَنْظُرُ وَيَظُنُّ أَنْ لَا يُلْبِثُهُمُ‏ السَّمُّ ، فَإِذَا هُمْ لَا يَزْدَادُونَ إِلَّا نَشَاطاً .
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) هَاتِ الْحَمَلَ ! فَلَمَّا أَتَى بِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : يَا أَبَا الْحَسَنِ ، ضَعِ الْحَمَلَ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ . فَوَضَعَهُ . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ تَنَالُهُ أَيْدِيهِمْ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِنَّ الَّذِي وَسَّعَ هَذَا الْبَيْتَ وَعَظَّمَهُ حَتَّى وَسِعَ جَمَاعَتَهُمْ وَفَضَلَ عَنْهُمْ هُوَ الَّذِي يُطِيلُ أَيْدِيَهُمْ حَتَّى تَنَالَ هَذَا الْحَمَلَ . فَأَطَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَيْدِيَهُمْ حَتَّى نَالَتْ ذَلِكَ ، فَتَنَاوَلُوا مِنْهُ وَبَارَكَ‏ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْحَمَلِ حَتَّى وَسِعَهُمْ وَأَشْبَعَهُمْ وَكَفَاهُمْ ، فَإِذَا هُوَ بَعْدَ أَكْلِهِمْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا عِظَامُهُ ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْهُ طَرَحَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) مِنْدِيلًا لَهُ ثُمَّ قَالَ : يَا عَلِيُّ ، اطْرَحْ مِنْدِيلَكَ عَلَى الْحَرِيرَةِ الْمُلَبَّقَةَ بِالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ . فَفَعَلَ . فَأَكَلُوا مِنْهُ حَتَّى شَبِعُوا كُلُّهُمْ وَأَنْفَدُوهُ ثُمَّ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَحْتَاجُ إِلَى لَبَنٍ أَوْ شَرَابٍ نَشْرَبُهُ عَلَيْهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِنَّ صَاحِبَكُمْ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَحْيَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْمَوْتَى وَسَيَفْعَلُ ذَلِكَ لِمُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) . ثُمَّ بَسَطَ مِنْدِيلَهُ وَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ كَمَا بَارَكْتَ فِيهَا فَأَطْعَمْتَنَا مِنْ لَحْمِهَا فَبَارِكْ فِيهَا وَاسْقِنَا مِنْ لَبَنِهَا . فَتَحَرَّكَتْ وَبَرَكَتْ وَقَامَتْ وَامْتَلَأَ ضَرْعُهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : ايتُونِي بِأَزْقَاقٍ وَظُرُوفٍ وَأَوْعِيَةٍ وَمَزَادَاتٍ . فَجَاءُوه بِهَا فَمَلَأَهَا فَسَقَاهُمْ حَتَّى شَبِعُوا وَرَوُوا . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : لَوْ لَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ يُفْتَتَنَ بِهَا أُمَّتِي كَمَا افْتُتِنَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالْعِجْلِ فَاتَّخَذُوهُ رَبّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ لَتَرَكْتُهَا تَسْعَى فِي أَرْضِ اللَّهِ وَتَأْكُلُ مِنْ حَشَائِشِهَا ، وَلَكِنَّ اللَّهُمَّ أَعِدْهَا عِظَاماً كَمَا أَنْشَأْتَهَا . فَعَادَتْ عِظَاماً مَأْكُولًا مَا عَلَيْهَا مِنَ اللَّحْمِ شَيْ‏ءٌ وَهُمْ يَنْظُرُونَ .
فَجَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَتَذَاكَرُونَ بَعْدَ ذَلِكَ تَوْسِعَةَ اللَّهِ الْبَيْتَ وَتَكْثِيرَهُ الطَّعَامَ وَدَفْعَهُ غَائِلَةَ السَّمِّ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : إِنِّي إِذَا تَذَكَّرْتُ ذَلِكَ الْبَيْتَ كَيْفَ وَسَّعَهُ اللَّهُ بَعْدَ ضِيقِهِ وَفِي تَكْثِيرِ ذَلِكَ الطَّعَامِ بَعْدَ قِلَّتِهِ ، وَفِي ذَلِكَ السَّمِّ كَيْفَ أَزَالَ اللَّهُ تَعَالَى غَائِلَتَهُ عَنْ‏ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَعَنْ دُونِهِ ، وَكَيْفَ وَسَّعَهُ وَكَثَّرَهُ أَذْكُرُ مَا يَزِيدُهُ‏ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَنَازِلِ شِيعَتِنَا وَخَيْرَاتِهِمْ فِي جَنَّاتِ‏ عَدْنٍ وَفِي الْفِرْدَوْسِ . إِنَّ فِي شِيعَتِنَا لَمَنْ يَهَبُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي الْجِنَانِ مِنَ الدَّرَجَاتِ وَالْمَنَازِلِ وَالْخَيْرَاتِ مَا لَا يَكُونُ الدُّنْيَا وَخَيْرَاتُهَا فِي جَنْبِهَا إِلَّا كَالرَّمْلَةِ فِي الْبَادِيَةِ الْفَضْفَاضَةِ ! فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ يَرَى أَخاً لَهُ مُؤْمِناً فَقِيراً فَيَتَوَاضَعَ لَهُ وَيُكْرِمَهُ وَيُعِينَهُ وَيَمُونَهُ وَيَصُونَهُ عَنْ بَذْلِ وَجْهِهِ لَهُ حَتَّى يَرَى الْمَلَائِكَةَ الْمُوَكَّلِينَ بِتِلْكَ الْمَنَازِلِ وَالْقُصُورِ وَقَدْ تَضَاعَفَتْ حَتَّى صَارَتْ فِي الزِّيَادَةِ ، كَمَا كَانَ هَذَا الزَّائِدُ فِي هَذَا الْبَيْتِ الصَّغِيرِ الَّذِي رَأَيْتُمُوهُ فِيمَا صَارَ إِلَيْهِ مِنْ كِبَرِهِ وَعِظَمِهِ وَسَعَتِهِ ! فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ : يَا رَبَّنَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِالْخِدْمَةِ فِي هَذِهِ الْمَنَازِلِ فَامْدُدْنَا بِأَمْلَاكٍ يُعَاوِنُونَنَا ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : مَا كُنْتُ لِأَحْمِلَكُمْ مَا لَا تُطِيقُونَ فَكَمْ تُرِيدُونَ مَدَداً ؟ فَيَقُولُونَ أَلْفَ ضِعْفِنَا . وَفِيهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ تَقُولُ أَمْلَاكُهُ : نَسْتَزِيدُ مَدَداً أَلْفَ أَلْفِ ضِعْفهَا وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ قُوَّةِ إِيمَانِ صَاحِبِهِمْ وَزِيَادَةِ إِحْسَانِهِ إِلَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ ، فَيُمِدُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِتِلْكَ الْأَمْلَاكِ ، وَكُلَّمَا لَقِيَ هَذَا الْمُؤْمِنُ أَخَاهُ فَبَرَّهُ زَادَ اللَّهُ فِي مَمَالِكِهِ وَفِي خَدَمِهِ فِي الْجَنَّةِ كَذَلِكَ . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : وَإِذَا تَفَكَّرْتُ فِي الطَّعَامِ المَسْمُومِ الَّذِي صَبَرْنَا عَلَيْهِ كَيْفَ أَزَالَ اللَّهُ عَنَّا غَائِلَتَهُ وَكَثَّرَهُ وَوَسَّعَهُ ذَكَرْتُ صَبْرَ شِيعَتِنَا عَلَى التَّقِيَّةِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يُؤَدِّيهِمُ اللَّهُ بِذَلِكَ الصَّبْرِ إِلَى أَشْرَفِ الْعَاقِبَةِ وَأَكْمَلِ السَّعَادَةِ طَالَمَا يَغْتَبِطُونَ فِي تِلْكَ الْجِنَانِ بِتِلْكَ الطَّيِّبَاتِ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : كُلُوا هَنِيئاً بِتَقِيَّتِكُمْ‏ لِأَعْدَائِكُمْ وَصَبْرِكُمْ عَلَى أَذَاهُمْ‏ .
المصدر : (التفسير المنسوب إلى الامام العسكريّ (عليه السلام) : ص59-79، عنه البحار : ج17، ص321.)