البابا يصوم عن روما

سندريلا الشدياق سلهب



اعتبارا من 28 شباط 2013 يصبح البابا بنديكتوس السادس عشر مستقيلا, فببعض الكلمات اللاتينية أعلن قداسته الإستقالة لاسباب صحية.
وقال: "لم أدعوكم اليوم لإعلان تقديس ثلاثة أشخاص فحسب، بل أيضا لإبلاغكم بقرار هام للغاية يتعلق بحياة الكنيسة الكاثوليكية. بعد التفكير في قراري أمام الرب عدة مرات، خرجت بنتيجة أن قدراتي بسبب عمري الكبير لم تعد كافية لخدمة القديس بطرس بصورة ملائمة".
هذه الإستقالة الأولى منذ 6 قرون شكلت سابقة في تاريخ الكنيسة وشكلت أيضا صدمة للكاثوليك في شتى أنحاء العالم.
لماذا تخلى البابا عن منصبه؟
هذه الإستقالة التي كان أعلن البابا عنها منذ عام 2010 جاءت اليوم تزامنا مع الفضائح المالية في الفاتيكان, وربما مع تزايد الخطر على مسيحي الشرق نظرا للربيع العربي الذي تتخبط به سوريا منذ أكثر من سنتين ناهيك عن هجرة عدد هائل من مسيحيي العراق فضلا عن الضياع والصراع الذي تعيشه المسيحية. ومن أجل مواجهة ذلك لا يكفي إصلاح الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة المسيحية بشكل عام. فلابد من أن يأتي بابا جديد ديناميكي ومعاصر بوسعه التعامل مع الشباب وتلبية تحديات القرن الحادي والعشرين بحسب بعض المحللين.
8 سنوات أمضاها البابا متربعا على عرش الكرسي الرسولي زار في خلالها العديد من البلدان حاملا معه رسالة محبة وسلام ومن هذه البلدان لبنان حيث وقع على سينودس الشرق الأوسط في خلال زيارة استغرقت 3 ايام.
استقالة الباب هذه تأتي في وقت عصيب جدا, في وقت تكثر في الإضطهادات, وتتعالى فيه أصوات التخوين, وكذلك الحملة المغرضة التي تتعرض لها المسيحية عبر العالم, من خلال الرسوم أو برامج التلفزة أو حتى من خلال الكتابة.
ربما لو كان الظرف هادىء نسبيا لكانت الإستقالة وضعت في اطارها الصحيح, أما اليوم ومع كل ما يحث علامات استفهام عديدة تكلل هذه الاستقالة. وبالتأكيد لن يتم الحصول على جواب شاف لهذه الأسئلة سوى ما خرج عن لسان البابا "لاسباب صحية", ولكن التكهنات تبقى واردة خاصة وأن البابا بنديكتوس السادس عشر منذ توليه مفاتيح الكنيسة الكاثوليكية شهدت حبريته جدالات عدة. اولها في 2006 عندما اثار موجة استنكار في العالم الاسلامي بعد تنديده بالعنف باسم الدين، في تلميح غير مباشر الى الاسلام.
والجدل الثاني اندلع في اواخر كانون الثاني 2009 بعد قراره رفع الحرم الكنسي عن اربعة اساقفة اصوليين متشددين بينهم ريتشارد وليامسون الذي انكر المحرقة اليهودية..
وبالرجوع الى تاريخ أبعد نرصد آخر حالة لاستقالة أحد الباباوات ترجع لخمسة قرون، وهي للبابا غريغوري الثاني عشر الذي قدم استقالته في الفترة بين اعوام 1406 الى 1415، اذ فعل ذلك لوضع حد لما اطلق عليه بالانشقاق الغربي.
وهناك مثال آخر لتقديم استقالة باباوية يعود إلى تاريخ ابعد من ذلك، إلى عام 1294، حيث اصدر البابا سيليستين الخامس، بعد خمسة اشهر فقط من انتخابه، مرسوما رسميا يعلن من خلاله السماح للبابا بان يقدم استقالته، وقد فعلها بعد ذلك.
وعاش بعدها لعامين حياة الناسك، ثم أعلنته الكنيسة قديسا، اذ قطع المرسوم الذي اصدره أي شك خالج المحامين الكنسيين بشأن صحة الاستقالة الباباوية.
كما شملت أغرب حالات الاستقالة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، استقالة البابا بنديكت التاسع من منصبه العام 1045، بعد اتفاق مع خليفته غريغوري السادس على تسوية، لكن البابا غريغوري سرعان ما استقال بدوره على خلفية ذات الاتفاق، وخلفه البابا كليمنت الثاني، الذي سرعان ما توفي في العام 1047، ليخلفه بنديكت التاسع بنفسه مرة أخرى.
إذن من سيتولى عرش بابا روما؟ هذا السؤال جوابه سيكون قبل نهاية شهر آذار المقبل حيث من المتوقع ان ينتخب البابا الجديد.
فالإستقالة تمت ولكن من البديهي التفكير أن وضع المسييحيين ليس على ما يرام وأن التهديد كبير للكنيسة وللمسيحية فكل من يقرأ ويتابع يلاحظ يجزم أن ما من دخان دون نار.