خِتامُ المَرءِ في الدنيَا رَحيلُ
وَغايَةُ عَيْشِهِ فيها مَقيلُ
إذا ضَحِكَتْ لهُ الدنيا تَمَطَّى
وجَرَّ الذّيلَ مُختالاً يَجولُ
أما يَدْري الغَفُولُ بأنَّ دُنيا
بِضَاعَةُ أحمَقٍ فيها يصُولُ
فَيَجمَعُ من مَحاسِنِها غُرُوراً
وهذا الفَجرُ يَرقُبُهُ الأصيلُ
وَخَيرُ الناسِ فيهَا مَنْ تَسَامَى
عَنِ الأَهْواءِ يُقْنِعُهُ القَليلُ
فَقَبلَكَ قَد مَضَى جيلٌ وَأَلفٌ
وَيَمْضي بَعْدَنَا ألفٌ وجيلُ
ترابُ الأرضِ يَضمَنُ كَلَّ حّيٍّ
وَصَوتٌ هادِرٌ فيها يَقولُ
رَأَيتُ الناسَ في شُغُلٍ وَكَدٍّ
ففي هَذا الثَّرَى طُمِرَتْ عُقولُ
نَسِيتُمْ أَنَّنَا فيها ضَحَايا
تَقَاذَفُنَا البَلايَا إذْ تَطُولُ
نَصيبُ الَمرءِ في الدُّنيا نَقِيرٌ
غُرورٌ كُلُّها غَمٌّ ثَقيلُ
نُسَابِقُ بَعضَنا فيهَا لِغُنْمٍ
وَنَطْمَعُ مِنْ مَهَانَتِهَا نَكيلُ
وُجُوهٌ في نُضَارَتِها تَوَلَّتْ
وجِسمٌ في صَلَابَتِهِ هَزيلُ
بَكِيتُ لِأَهْلِنَا حينَ التَقَينَا
بَقايَا أهْلِنَا جَدَثٌ مَهيلُ
سَأَلتُ اللَّيلَ أَن يَمضي حَثيثاً
وفي ذا الليلِ يُؤنِسُني خَليلُ
يُسَائِلُ دَائباً في كُلِّ أمْرٍ
وَمَا في جَعْبَتِي شَيءٌ بَدِيلُ
نُجُومُ سَمَائِهِ تَطوي قُرُوناً
يُرَاقِبُ سَيرَنَا قَمَرٌ دَليلُ
فَيَضحَكُ حِينَ يَغْمُرُنَا سُرُورٌ
وَيَبكِي حينَ يَصدَعُنا عَويلُ
أيا قمَرَ السَّماءِ شَهِدتَ دَهراً
بما فعلَ الأنَامُ فَمَا تقولُ؟
أَ دَأْبُ الَمرءِ في الدُّنْيا هَنَاءٌ
وَظِلٌ في حَدائِقِها ظَليلُ؟
وماءٌ دائمُ الَمجْرَى زُلالٌ
هَوَاءٌ مِن نَسَائِمِهَا عَليلُ
ووجهٌ يَرسِمُ البُشْرَى كَصُبْحٍ
وعَزْفٌ مِن حَمائِمِها هَديلُ