جامع السليمانية الكبير أو مسجد الشيخ أحمد أسس عام 1784م، ويعد أقدم مسجد في المدينة
"منذ عامين أتردّد على الجامع لأخذ الطعام لأطفالي الثلاثة بعد وفاة والدهم بسبب مرض عضال، وأنا عاجزة عن تأمين مصاريف الطعام لهم، فدخلي الشهري من تنظيف المنازل يكفي لدفع الإيجار فقط"، هذا ما قالته أم أحمد النازحة من محافظة نينوى (شمالي العراق) بينما تقف في طابور طويل يمتد لعدّة أمتار مع الكثير من النساء لاستلام حصتها مثل الأيام الأخرى في شهر رمضان من الطعام في جامع السليمانية الكبير وسط مدينة السليمانية في كردستان العراق.
صلاة المغرب في إحدى ليالي رمضان بساحة الجامع
مساحة المسجد وتاريخه
تمّ تشييد جامع السليمانية الكبير أو مسجد الشيخ أحمد الذي تبلغ مساحته 6 آلاف متر مربع، والذي يتسع لأكثر من ألفي شخص من قبل الأمير إبراهيم باشا بابان عام 1784م، وهو أوّل مسجد أُسس في المدينة ويقع في مركزها وهو من مساجد العراق الأثرية، وفيه مرقد الشيخ أحمد، كما يضم مرقد الشيخ محمود الحفيد (1878 – 1956) وهو زعيم كردي واجه الاحتلال الإنجليزي.
تحوّل الجامع بعد سنوات من تأسيسه إلى بيت للفقراء والمُتعفّفين واللاجئين وعابري السبيل بتقديم وجبة طعام مكونة من الأرز والدجاج والمرق، وزاد ذلك عام 1820، حيث كان يشرف عليه حينها رجل الدين الكردي المعروف باسم الشيخ أحمد عندما ضربت أزمة اقتصادية المدينة وطلب على إثرها من تجار السليمانية فيها مساعدة الفقراء والمحتاجين، فأسس مطعما وألحقه بالجامع وصار يُقدم الطعام باستمرار.
الاستعداد لتوزيع الطعام على الناس قبل الإفطار في شهر رمضان
آلاف الوجبات يوميا
يُقدّم الجامع خلال شهر رمضان المبارك وجبات إفطار لنحو 4 آلاف شخص من الفقراء والمحتاجين والمتعففين والنازحين وعابري السبيل واللاجئين بغض النظر عن الانتماء الديني أو المذهبي أو العرقي.وفي الأيام العادية خارج شهر رمضان يُحضر طعام الغداء لنحو 1500 شخص ويتم توزيعه على المستحقين، وفقا للمشرف العام على الجامع محمد شيخ سالار- وهو الحفيد السادس للشيخ أحمد.
ويؤمّن الجامع ميزانيته الشهرية لشراء احتياجات المطعم من المواد الغذائية من تبرعات الناس والميسورين والأغنياء، وفق حديث محمد للجزيرة نت الذي يؤكد أن إطعام المحتاجين بهذه الطريقة جعل الجامع رمزا ومَعلما حضاريا وإنسانيا على مستوى الإقليم والعراق.
تناول طعام الإفطار في مطعم الجامع من قبل مجموعة من المتعففين
أرز ودجاج وخضار
يعمل 4 أشخاص بشكل دائم في مطعم الجامع منهم حجي إقبال لطيف المشرف على إعداد وطبخ الطعام والذي يعمل فيه منذ 8 أعوام، بالإضافة إلى العديد من الأشخاص الذين يعملون بشكل طوعي.
يبدأ لطيف عمله يوميا في ساعات الصباح الأولى وتحديدا من 6:30 صباحا ويستمر حتى العاشرة مساء خلال أيام رمضان، ويطبخ يوميا نحو 110 كيلوغرامات من الأرز و 35 كيلوغراما من الفاصوليا ولأكثر من 280 كيلوغراما من الدجاج لإعداد الطعام وتوزيعه على المحتاجين.ورغم أن العمل طوال هذه الساعات في مطعم الجامع يعدّ شاقا ومُتعبا بالنسبة لحجي إقبال؛ فإن أكثر ما يُخفّف عنه تعبه كما يقول للجزيرة نت هو رؤيته كيف تحوّل الجامع إلى بيت للفقراء والمتعفّفين وعابري السبيل ومن مختلف الأديان والطوائف، وهذا ما جعل الجامع ثاني أكبر جامع في العراق يقدّم الطعام بهذه الكمية بعد جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني في العاصمة بغداد.
ومثل الآخرين، اعتاد سعد حسين (14 عاما) -وهو نازح من محافظة صلاح الدين ويعيش مع عائلته في السليمانية- أن يأكل مع أصدقائه في هذا المطعم لعُسر الحال.
جانب من صلاة التراويح في إحدى ليالي رمضان في جامع السليمانية
القضاء على الفقر
يقول الناشط أنور أحمد إن السليمانية عُرف عن أهلها وناسها منذ نشأتها الكرمُ والجود، لا سيما مع اللاجئين والنازحين فيها، ومن تلك السمات ما يحدث في جامع السليمانية الكبير الذي لم ينقطع عنه تقديم الطعام للفقراء والنازحين وخاصة خلال فترة الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية عندما امتلأت المدينة بالنازحين من مناطق وسط وغرب البلاد، فكان المئات منهم يأكلون الطعام وبشكل يومي في الجامع.
روح الإنسانية التي بثها الجامع تدعو أنور أثناء حديثه للجزيرة نت باقتراح فكرة توسيع تجربة الجامع الكبير في جوامع أخرى سواء في مدينة السليمانية أو المدن الأخرى من أجل نشر روح التعاون والتماسك الاجتماعي ومن أجل القضاء على ظاهرة الفقر الآخذة في التمدد خلال العقد الأخير.