الروائي العراقي نجم والي نال مؤخرا جائزة الأوطان الألمانية
قحطان جاسم جواد ...
منذ وصوله إلى ألمانيا بداية الثمانينيات، قرر الروائي العراقي نجم والي ألا يكون رقما عاديا، فتمكن من نيل العديد من الجوائز، مما يبهج الوطن والرواية العراقية والألمانية عموما، لأنه يكتب باللغتين.
أبرز جائزة حصل عليها والي سابقا كانت جائزة برونو كرايسكي العالمية للأدب، عن روايته الشهيرة "بغداد مارلبورو". وكرايسكي هو سياسي نمساوي من قادة الحزب الاشتراكي النمساوي، شغل منصب وزير الخارجية بين عامي 1959 و1966، ثم مستشار النمسا بين عامي 1970 و1983، ويعد أشهر قادة النمسا الاشتراكيين في النصف الثاني من القرن العشرين وأكثرهم تأثيرًا.
ميزت فترة رئاسته منظومة الرفاه الاجتماعي في ظل النمو الاقتصادي الذي شهدته النمسا في السبعينيات، وحوّل النمسا من دولة صغيرة محايدة إلى دولة ذات تأثير وشبكة علاقات متنوعة في السياسة العالمية آنذاك. وتخليدا لذكراه، تأسست هذه الجائزة المهمة وحصل عليها الكثير من الأدباء المرموقين، أمثال: الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس، والمجري إيمري كيرتس الحائز على نوبل، والفيلسوف السويسري جيان زي فلير، والروائية الهندية المعروفة أرو نداني روي.
كما حصل والي على جائزة الصحافة الأميركية، وجائزة "فيلا كورن ورديا" في ألمانيا، وجائزة شترويلي السويسرية، وأخيرا نال جائزة الأوطان لإقليم نوردفيستفالين.
كتاب نجم والي حاز على جائزة الأوطان الألمانية (مواقع التواصل)
نصّ يتحدث عن الوطن
جائزة الأوطان، كما قال الروائي نجم والي للجزيرة نت، حصل عليها "نص كتبته باللغة الألمانية.. ومشروع أوطان اختارت لجنة التحكيم فيه 5 كتّاب و5 مصورين، وطُلب منهم الإقامة في منطقة مونسترلاند في إقليم نورد فيست فالين (شرق ألمانيا) لمدة أسبوع، ليكتبوا عما يعتقدون أن بالإمكان أن يكون وطناً لهم، وما يعتقدون أن فيه روح وطن لهم.. في النهاية اختارت (لجنة التحكيم) من بين هذه النصوص والصور الكاتب والمصور الذي يستحق الفوز. وكنت أنا الفائز من الكتّاب".
نصٌّ نثري بروح شعرية
وبسؤاله عن طبيعة النص وفحواه، قال نجم: هو نص نثري فيه روح الشعر، تحدثت فيه عن علاقتي بالمكان وكيف أن وطني هو السرد، و"متوطن في القصص" هو عنوان النص، وكتبته طبعاً مباشرة بالألمانية. وقد صدر كتاب عن الجائزة يضم النصوص الخمسة التي شاركت، وسأقوم قريبا بترجمته للعربية.
وبسؤاله عن أهمية الجائزة، قال إنه "بغض النظر عن قيمتها المعنوية والمادية وشهرتها، فإن أهمية الجائزة تكمن بالأساس الذي بنيت عليه في منحها.. أنها جوائز لا يذهب لها المبدع، بل هي تأتي إليه، تختاره لجنة تحكيم من دون أن يدري! ودون منة من أحد، لا حاكم ولا سلطان أو غيره".
وحدثنا والي عن آخر إصداراته، وهي رواية "سعاد والعسكر"، فقال عنها "تحدثت فيها عن السندريلا سعاد حسني وعلاقتها بالعسكر"، منوها بعرض للشاعر السوري عارف حمزة عن الرواية (نشر سابقا في الجزيرة نت)، أما عن جديده فقال إنه "رواية جديدة ستكون مفاجأة ستصدر نهاية هذا العام".
إفلات مرويات التاريخ
ويعتقد الروائي العراقي أن تواشج فعل الروي بعملية التوثيق التاريخي للحدث يحاول الإمساك بلحظة مهملة خشية إفلاتها عبر التقادم الذي يطبع الواقع العراقي المحتدم، ويقول "أعتقد أنَّ هذه ميزة واضحة في أعمالي الروائيّة، وأنا أتعاملُ مع هذا التوثيق كمشروع متكامل يمكن أن أطلق عليه تسميه: كتابة تاريخ الجحيم العراقي، بدأت به في رواية: الحرب في حيّ الطرب، ودائماً ما كنتُ أمسك بالأماكن المهمّشة التي تمتلك تاريخاً معيّناً كان سريع الزوال".
نجم والي يحاضر عن النص الفائز بالجائزة
ويكمل قائلا إن "حيّ الطرب" كان حيّاً للغجر يقع في المثلث الجغرافي بين الكويت والعراق وإيران، وجد لفترة معيّنة إبّان الحرب الأهلية اللبنانيّة، في إثر تحوّل وجهة السيّاح الخليجيين الذين اعتادوا لبنان مسرحاً لأصناف متعهم آنذاك، فبنى لهم صدام حسين نوعاً من "لاس فيغاس" قريباً منهم لقضاء أوقاتهم نهاية كل أسبوع.
هذا الحيّ تناولته كمعادل للحرب العراقية الإيرانية، وهو أول بقعة طالتها مدفعيّة الحرب تلك. وهكذا أحدث هذا العمل وقعاً قويّاً بعد صدوره، لأنّه يمثّل أول وجهة نظر (رواية) تخالف وجهة نظر السلطة الحاكمة عن تلك الحرب.
ويردف نجم "لذلك أكرر قولي إن التاريخ تصنعه الأسلحة، بينما الفلسفة تصنعها الأفكار. وهنا، فالرواية هي خيالٌ يحوّل التاريخ إلى قصص مرويّة. وهنا، تنجو من سلاح المنتصر الذي يكتب التاريخ. هناك إذن أكثر من رواية لحادثة واحدة، وأنا أعتمد على الرواية الشفاهيّة التي يتناقلها الناس في كلِّ المراحل الزمنية أو المكانية".
يذكر أن نجم والي من مواليد العمارة عام 1956، ودرس الأدب الألماني في جامعة بغداد. وغادر العراق عام 1980 ودرس الأدب الإسباني في جامعة كومبلوتنسي والأدب الألماني في جامعة هامبورغ الألمانية، ونال الماجستير منها أيضا.
وأصبح نجم من أكثر الكتاب العرب والعراقيين شهرة عالمية، وهو يكتب في أهم الصحف الألمانية، وترجمت بعض رواياته إلى لغات عالمية.
يعيش والي اليوم كاتبا متفرغا في برلين بألمانيا، كما ترجم الكثير من كتب الأدب الألمانية إلى العربية، وبالعكس.
وأهم رواياته: "الحرب في حي الطرب"، و"بغداد مارلبورو"، و"تل اللحم"، و"صورة يوسف"، و"سعاد والعساكر".