يسهم الميثان بدرجة كبيرة في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري. ومؤخرا وجد العلماء ما يبدو أنها طريقة حيوية قد تساعد في التخلص من آثاره الضارة وتحويله إلى أحد أشكال الطاقة المفيدة.
العتائق المحبة للميثان تستطيع تحويله بكفاءة جيدة إلى طاقة كهربائية (شترستوك)
يعد الميثان أخطر الغازات الدفيئة التي تتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري، إذ يستطيع حبس الحرارة بفاعلية أعلى 25 مرة من غاز ثاني أكسيد الكربون.
غير أن هناك وجها آخر مفيد للميثان، حتى وإن كان بغير ذات الكفاءة. إذ يمكن تحويل أقل من نصف الطاقة الموجودة في الغاز الطبيعي إلى طاقة كهربائية عند احتراقه. ولذا، فإن العلماء يسعون إلى إيجاد طرق من شأنها حصد المزيد من الطاقة الكهربائية التي تنتج عن احتراق الميثان.
الكائنات الدقيقة تعمل كمحطات لإنتاج الميثان المشغل للتوربينات عندما يتم احتراقه (بيكسابي)
محطات طاقة حيوية
وحديثا، كشفت دراسة بحثية -نشرت في دورية "فرونتيرز إن ميكروبيولوجي" (Frontiers in Microbiology) في 12 أبريل/نيسان الجاري- عن شكل غير تقليدي لمحطة طاقة ميكروبية يمكنها حصد المزيد من طاقة غاز الميثان.
ووفقا للبيان الصحفي الذي نشرته "جامعة رادبود" الهولندية (Radboud University) تعقيبا على الدراسة، فإن الكائنات الدقيقة تعمل كمحطات لإنتاج الميثان الحيوي. ومن ثم يتم تشغيل التوربينات عندما يُحرَق الغاز الناتج من هذه المحطات الحيوية، الأمر الذي يولد الطاقة في النهاية.
وبالطبع، فإن هذه العملية قد تكون مفيدة جدا لقطاعات الطاقة. غير أنها ليست ذات كفاءة جيدة، الأمر الذي تشرحه كورنيليا ويلتي، عالمة الأحياء الدقيقة وقائدة الدراسة قائلة "يتم تحويل أقل من نصف الغاز الحيوي إلى طاقة، وهذه تعد القدرة القصوى التي نستطيع تحقيقها".
وطبق تقرير نشره موقع "ساينس ألرت" (Science Alert) فإن العلماء قد ركزوا جهودهم على نوع من العتائق (كائنات دقيقة شبيهة بالبكتيريا) معروفة بقدرتها على البقاء حية في ظل أصعب الظروف وأشدها قسوة. وتعرف هذه الكائنات الدقيقة باسم "العتائق اللاهوائية المُحِبَّة للميثان" (Anaerobic methanotrophic archaea).
عتائق "الميثانوبريدينز" توجد في المستنقعات الرطبة والأراضي الزراعية الغنية بالأسمدة (شترستوك)
مصانع لأكسدة الميثان
وتستطيع هذه العتائق تكسير الميثان في البيئات الخالية من الأكسجين. وبالتالي فإن غياب الأكسجين لا يعييها، كما أن هذه العتائق تستخدم حيلة أيضية لتحويل الميثان إلى شكل من الطاقة لا يضيرها. وتقوم العتائق بهذه الحيلة الأيضية عن طريق تفريغ الإلكترونات (الجسيمات الأولية المسؤولة عن انتقال الطاقة الكهربائية) في سلسلة من التفاعلات الكهروكيميائية، مُطَوِّعة في ذلك بعض المعادن الموجودة خارج خلاياها.
وقد صُنِّفت العتائق محل الدراسة والتي تنتمي لجنس "الميثانوبريدينز" (Methanoperedens) أول مرة عام 2006. إذ اكتشف العلماء أنها قادرة على أكسدة الميثان في وجود قليل من النترات. ومن ثم فإن هذه العتائق تعيش في المستنقعات الرطبة والأراضي الزراعية الغنية بالأسمدة. غير أن الجهود السابقة لحصد قدر أكبر من الإلكترونات من هذه العلمية باءت بإنتاج جهد ضئيل من الطاقة الكهربائية.
ولحل هذه المشكلة، فقد جَمع الفريق عينة من الميكروبات التي يعتقدون أنها تحتوي على وفرة من العتائق المُحِبَّة للميثان وزرعوها في بيئة تفتقر إلى الأكسجين. وبالتالي، فإن المصدر الوحيد للإلكترونات في هذه البيئة هو الميثان.
العتائق استطاعت تحويل 31% من طاقة الميثان إلى كهرباء (شترستوك)
بطاريات ذات كفاءة جيدة
كما وضع فريق البحث بالقرب من هذه المستعمرة قطبا موجبا (أنود، يعمل بمثابة مسرى كهربي يسمح للتيار الكهربائي بالمرور من خلاله) ذا جهد صفري. وبالتالي، فقد أنشؤوا بذلك خلية كهروكيميائية مُعَدَّة لتوليد ونقل التيار الكهربائي.
وتوضح هيلين أوبوتر -المؤلفة الأولى بالدراسة- آلية هذه البطارية المتكونة قائلة "إننا صنعنا بذلك بطارية من طرفين، أحدهما بيولوجي والآخر كيميائي". إذ تمد العتائق المزروعة على أحد الأقطاب الكهربائية تلك البطارية بالإلكترونات الناتجة عن أكسدة الميثان.
وقد استنتج الفريق البحثي بعد قياس التيارات الكهربائية المتذبذبة المتولدة أن العتائق قد استطاعت تحويل 31% من طاقة الميثان إلى طاقة كهربائية، الأمر الذي يجعل هذه المحطات الكهربائية الدقيقة قابلة للمقارنة -إلى حد ما- بكفاءة بعض محطات الطاقة والتي تبلغ كفاءة تحويل الميثان في بعضها بالكاد نسبة الـ 30 %، كما يذكر التقرير.
كما قد يؤدي تحسين هذه العملية الحيوية في المستقبل إلى تصميم بطاريات حيوية تعتمد على الوقود الحيوي، مما قد يقلل الضرر الناجم عن غاز الميثان.