أمهات جاهلاتنظرة عميقة في خفايا مجتمعنا العراقي، وبالتحديد الأمهات اللواتي لا يعرفن القراءة والكتابة، أو يعرفنها على سبيل إنجاز بعض الأمور المتعلقة بجهاز الهاتف النقال ليس أكثر من ذلك. هن لم يصلن بدراستهن أكثر من مرحلة الإبتدائية، وربما بلغن المرحلة المتوسطة. أغلبهن قد تزوجن وهن صغار، لا تبلغ أكبرهن أكثر من 15 عاما. تتزوج لأنها لا تملك من أمرها أي شيء، إنها رغبة الأم أو الجدة على أغلب الظن، وربما رغبة الأب التي تأتي في المرتبة الأخيرة. تنفذ رغبة هؤلاء وهي لا تعلم من أمر الزواج سوى إنجاب الأطفال، وتكثير السواد، وأن تصبح زوجة صالحة تجيد الطبخ، وتربية الأولاد، وتنفيذ رغبات الرجل، ولا تتطرق أبدا إلى ما يسمى مستقبل الأبناء والذرية لأنها فاقدة لهذا النوع من التفكير، وفاقد الشيء لا يعطيه كما يقول المثل الفلسفي إذا صح التعبير. إنها حلقة ليس إلا في سلسلة طويلة لا نهاية لها من الحلقات التي يجتر بعضها البعض. إنها في مجتمع لا يعرف معنى تطور عقلية المرأة الأم كي تنجب جيلا متعلما، ينهض بنفسه ووطنه. إنها ذلك الحيوان الذي ينعته زوجه به. دخل علي في عيادتي مرة أحد هؤلاء ومعه زوجه، فقال لي: يا دكتور شوف لي هذه الحيوانة ما بها ؟ !! قلت له بعد أن سمعت هذا منه: إذا كانت هذه حيوانة فما أنت ؟!!
بقلم د. علي الطائي
ما معنى أن تتحدث مع هؤلاء بالأخلاق وتوجه النصيحة لهم وهم لم يرتبطوا بهذه الحيوانة!! إلا لإشباع رغبتهم الجنسية وخدمتهم ليس إلا؟ إنها الطبقية الجنسية، إنه زمن الرجل السيد، والمرأة الأجيرة أو الجارية. نحن في القرن الحادي والعشرين وما زلنا نتحدث بأحاديث التطور والتقدم العلمي والتقني، ونحمل جهازين من أجهزة الهاتف المتطورة، ونركب السيارات الفارهة ومن مناشيء عالمية معروفة، ونستعمل الأنواع الذكية من شاشات التلفاز، ونجوب العالم إبحارا في عالم الإنترنت وغيرها، لكننا لم نجتز عتبة العبودية والغطرسة التي يشعر بها الرجل تجاه زوجه الجاهلة. وهنا عرفت بيت القصيد، إنها أصبحت هكذا لأنها جاهلة، تعرف القراءة والكتابة، لكنها لا تستطيع الخروج من إطار الجهل المعرفي الذي يحيط بها. إنها لا تجيد حتى الكلام التام المعنى حينما تسألها عن حالتها الصحية مثلا. إنها تستعين بأمها أو عمتها أو جدتها كي تتحدث بدلها عن الأعراض التي تحس بها!!! هذا من العجب العجاب. إنه مسخٌ لشخصيتها، والتصرف عنها بالنيابة، لأنها (فقيرة)، أو (تستحي) من الكلام مع الآخرين. غريزة حب التسلط عند الكبار وخاصة الجدات، أصبحت من الأمور التي يتميز بها مجتمعنا العراقي، وهو ليس وليد اللحظة، ولا الوقت الحالي إنما هذا الأمر موجود ومترسخ في صميم مجتمعنا ومنذ مئات من السنين. فإذا جمعنا الجهل المعرفي أو الأمية، مع حب التسلط عند هؤلاء نتج لدينا جيل من الأمهات صغيرات السن مسلوبات الإرادة، عديمات القدرة على التصرف في شؤونهن الحياتية والذاتية بل وحتى الجنسية. في بعض الأحيان أسأل إحدى هؤلاء الصغيرات : كم طفل أنجبتِ وأنت بعمر العشرين؟ فتجيب: أنجبت أربعة والخامس في بطني!!! تقول هذا والفخر يملأ رأسها. هي تظن أن هذا هو الغاية من زواجها وكما تعلمت من جدتها أو أم زوجها. إنها تشعر بالنصر لأنها لم تخيب آمال زوجها الصغير، أو عمها أو حتى عشيرتها. هذا هو المطلوب منها والويل لها إن تأخرت في الإنجاب، أو قصرت في عدد الأولاد الذكور. هي لا تحسن رعاية أولادها، ولا تبالي لهذا، لأن عمتها أو جدة زوجها قد تكفلت بهذا الأمر. أخرجي لنا الولد ونحن نتكفل بباقي الأمر. وباقي الأمر عبارة عن ضياع للنشء الجديد. حرمان من أبسط مقومات العيش الكريم، إنه جيل من تاركي الدراسة، والتعلم، والثقافة، بل وأبسط متطلبات النمو. حجتهم في كل هذا هي أن الله يتكفل بالرزق ونحن بالتربية، فلا رزق نزل، ولا تربية صالحة حصلوا عليها. إنه جهل يتضاعف في طيات الجهل السائد، وأمهات مسلوبات الإرادة يضفن إلى كتلة المجتمع الجاهل. وإذا عدنا إلى المقولة التي في معناها أن الإنسان لو ترك لوحده لعاش عيشة هانئة الدافع إليها فطرته التي فطر عليها، كما الحيوان يعيش في كنف الغابة أو المزرعة، ولا ينال أي قسط من التعليم إنما يكتسب الخبرة بالمشاهدة لأبويه فيكبر معتمدا على نفسه بعد فترة وجيزة. هذا الأمر ربما نلاحظه بقضه وقضيضه في هذا النوع من الأمهات الجاهلات. يكتسبن مهارة الإنجاب وكيفية الطبخ والعمل في الحقل من الكبار في البيت، وكأنهن يرددن المقولة المعروفة: هذا ما وجدنا عليه آباءنا، أو أمهاتنا. سألت الكثيرات من هؤلاء الكبار : ما إنجازكن في العائلة ؟! فتجيب إحداهن: لقد ربينا عشرة أولاد أحسن تربية، وسهرنا الليالي الطوال على هذا الأمر، وهؤلاء وقد أصبحوا آباء ولديهم عائلة كبيرة ونحن لن نقصر مع أحفادنا. قلت حينها: بارك الله لنا بالأجيال التي تتخرج من هكذا جامعات، وبعد عشرات من السنين قادمة سيتحول العراق، بجهود هذه الكفاءات إلى بلد يأكل الحجارة والحمد لله أولا وآخرا.