رمضان حول العالم: في مصر .. جولات في قاهرة المعز ومشهد "المسحراتي"





جامع عمرو

إحدى الموائد للإفطار

أحد أسواق قاهرة المعز

أحد المساجد المصرية


شهر رمضان شهر التوبة والغفران لكل شعوب الأمة الإسلامية؛ يتميز هذا الشهر الكريم، فضلاً عن زيادة رغبة الروح في التعبد والإقبال على طلب التوبة والمغفرة، بعادات وتقاليد خاصة بكل شعب وبكل دولة إسلامية، بل والأكثر من هذا تختلف العادات والتقاليد في هذا الشهر الكريم بين كل مدينة وأخرى في نفس الدولة.
في مصر لم تختلف عادات_المصريين في رمضان طيلة العصور المختلفة إلا في تفاصيل بسيطة، مرتبطة بتطورات العصر وبتطور وسائل الحياة والمعيشة.
طوال العصور المختلفة يستعد المصريون للشهر الكريم قبله بفترة بسيطة، حيث يبدأون في شراء السلع المرتبطة به مثل الياميش، ويشترون الفوانيس وأدوات الزينة التي يتم تعليقها في الشوارع والطرقات وعلى واجهات المنازل.
الدكتور أحمد الجوهري أستاذ التاريخ الإسلامي يرصد عادات_و_تقاليد المصريين خلال شهر رمضان، موضحاً أن أهالي القاهرة والمحافظات المختلفة يستعدون لشهر رمضان قبله بأسبوعين، حيث يعرض الإعلام المصري الأغاني التراثية المرتبطة برمضان، فيما تمتلئ الأسواق بالمنتجات الرمضانية من التمور وقمر الدين والقراسيا والمشمشية والمكسرات والعرقسوس والتمر هندي والخروب والسوداني المقشّر وجوز الهند والزبيب ليبدأ الشراء قبل رمضان.
ويضيف د. الجوهري أن بداية صناعة الفوانيس تسبق رمضان بفترة وهناك منطقة شهيرة في القاهرة لصناعته وهي باب الخلق، وبها كبار أصحاب المهنة. ويُصنّع الفانوس من خامات محلية، خصوصاً الزجاج الملون الذي اشتهرت به زخارف مصر الإسلامية، وتتعدد أنواعه وهذه الفوانيس الكبرى يقبل عليها أصحاب المحلات والفنادق لتوضع في المواجهة وفي خيم_رمضان الشهيرة بالفنادق والمواقع المختلفة، والأصغر حجماً توضع في واجهات العمارات وفي الشرفات، والأصغر التي تصنع في المناطق الشعبية تُعلق بأسلاك بين الشوارع الضيقة.
ويبدأ الأطفال قبل رمضان بأيام في جمع مبالغ من السكان لزينة رمضان ليبدأوا في شراء أوراق الزينة المختلفة وصنعها بأنفسهم والمشاركة مع الكبار في تعليقها بين العمارات والمنازل، وإضافة إلى لمبات كهربائية بأسلاك طويلة لإنارة الشوارع المختلفة، وفي ليلة الرؤية تتحول القاهرة لمظاهرة فرح وسعادة ونهم على شراء المأكولات.
*العادات المصرية في رمضان

إحدى الموائد للإفطار
وتجتمع الأسر والعائلات بعد صلاة المغرب لانتظار احتفالية دار الإفتاء والأزهر الشريف باستقبال الشهر الكريم وانتظار البيان الرسمي لتحديد صلاة القيام، وبعد الإعلان يهرع الجميع كباراً وصغاراً لتمتلئ مساجد القاهرة عن آخرها بالمصلين ويسهر الجميع هذه الليلة، ويبدأ الإعلان عن الدورات الرمضانية الرياضية بأحياء القاهرة المختلفة والحجز لها بالنوادي ومراكز الشباب، والتي تبدأ مبارياتها بعد صلاة التراويح وفي بعض الأماكن من بعد صلاة الفجر.
وتتبادل التهاني بالشهر الكريم عبر الاتصالات المختلفة بالأهل والأحباب والرسائل الإلكترونية عبر الوسائل الحديثة المختلفة، وتحديد مواعيد العزومات الرمضانية بين الأهل والأصدقاء، ولا يفطر في اليوم الأول شخص بمفرده إلا لظروف عمله، حيث يحرص الجميع على تجمع أكبر عدد من أفراد العائلة للإفطار الجماعي.
وفي مصر وخلال الشهر الكريم، تزداد أعمال الخير، حيث تنشط الجمعيات الأهلية المختلفة بإعداد ما يعرف بـ"شنطة رمضان"، والتي يشارك في إعدادها الحكومة والجمعيات والأهالي ويحرص بعض المحافظين على توزيعها بأنفسهم، كما تقوم الإعلانات عبر الفضائيات بتوجيه المتبرعين لبعض الأماكن التي في حاجة الي تبرعاتهم مثل مستشفيات 75375 وعلاجات امراض القلب والسرطان وغيرها من تلك الجهات، فيما قلت اتجاه الناس إلى دعم موائد الرحمن التي كانت تنتشر عبر أحياء وشوارع وميادين القاهرة، ويشارك بها كل أصحاب الخير في مصر، وذلك بسبب الإجراءات الاحترازية ضد كورونا.
ويتابع د. الجوهري أن رمضان ارتبط بمشروبات محلية، ومنها التمر هندي والعرق سوس والسوبيا والخروب والتمور المختلفة بعد نقعها في الماء وإضافة القراسيا والمشمشية واللبن إليها، ويحرص معظم الصائمين على تناول كوب التمر والتوجه لصلاة المغرب ثم يعودون ليتناولوا إفطار اليوم الأول على المحاشي المختلفة من ورق عنب وكوسة وفلفل أخضر وورق خس وسيدة الأطعمة الملوخية الخضراء والبامية وأنواع الرقاق المختلفة والأرز والمكرونة.
كما ارتبط كذلك بحلويات معينة أبرزها الكنافة وأم علي، ولها أصول تاريخية وتجهز أفران الكنافة بالشوارع ويتجمع الأطفال حول بائع الكنافة ليشاهدوا طريقة رشها على الفرن، وكذلك القطايف بأنواعها وأحجامها المختلفة.
وبعد صلاة التراويح ينطلق الشباب إلى منطقة الحسين و الأزهر الشريف لتناول الحلوى المختلفة من أم علي وأرز باللبن، والبعض يتناول الإفطار بالمنطقة، خصوصاً الفول بالزيت الحار والمطاعم المتنوعة بالمنطقة، ويحرص البعض على زيارة منطقة السيدة زينب والسيدة نفيسة، وتنتشر الليالي الرمضانية المختلفة لتعرض الفنون الشعبية التراثية بالمواقع الأثرية، ومنها بيت السناري بالسيدة زينب ومدرسة السلطان الغوري ووكالة الغوري بالغورية وقصر الأمير طاز بمنطقة الخليفة بالقلعة بشارع السيوفية المتفرع من شارع الصليبة.
بالإضافة إلى شارع المعز لدين الله الفاطمي، أكبر شارع أثري في العالم، والذي يضم آثاراً إسلامية من مختلف العصور يتحول الشارع إلى خلية نحل نهار رمضان وليله، وهو الذي يجسّد جماليات وروحانيات الشهر بكل صورها، ولا ينقطع السير فيه إلا وقت الإفطار.
*المسحراتي في مصر

أحد أسواق قاهرة المعز
ظلت مهنة المسحراتي مرتبطة في مصر بشهررمضان المبارك، فخلال الشهر الكريم فقط يظهر المسحراتي حاملاً طبلته أو دفة، متجولاً في الشوارع لإيقاظ النائمين، وتنبيههم لموعد تناول السحور، مقابل أجر غير محدد يدفعه له الصائمون آخر أيام الشهر الكريم، أو صبيحة #عيد_الفطر.
ظهرت مهنة المسحراتي في مصر خلال عهد الفاطميين، أيام السلطان الحاكم بأمر الله، حيث كان يأمر بأن ينام المواطنون عقب صلاة التراويح مباشرة، وكان جنوده يمرون على كافة المنازل يطرقون الأبواب قبل أذان الفجر، ليوقظوا النائمين للسحور، وخلال مرورهم كانوا يستخدمون الطبلة والدف لإيقاظ النائمين مرة واحدة بدلاً من طرق الأبواب وإيقاظ كل أسرة على حدة.
ويعتبر الوالي عتبة بن إسحاق هو أول من قام بمهنة المسحراتي عام 832 هجرية، حيث كان يسير على قدميه من مدينة الفسطاط حتى مسجد عمرو بن العاص، وكان ينادي ويقول: "يا عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة"، ومنذ ذلك الحين أصبحت المهنة تلقى قبولاً عند عامة الناس لكون الوالي أول من عمل بها.
ثم تطورت المهنة وظهر المسحراتي وهو يشدو بأشعار شعبية وزجل خاص يمتع السامعين، ويحبب المواطنيين في الاستيقاظ لسماعه وتناول السحور.
أما أجر المسحراتى فتغير على مر العصور. فقد كان يتقاضي جزءاً من الخراج وبعض المحاصيل والحبوب.
وارتبط الأجر بالطبقة التي ينتمي إليها المتسحر، وعادة ما كان الأجر يؤخذ بالحبوب، فيأخذ قدحاً أو نصف كيلة من الحبوب سواء ذرة أو قمحاً، وحسب ما يجود به المتسحر حسب قدرته، أما الفقراء فكان المسحراتي لا يقف أبداً عند منازلهم لتناول الأجر.
أما الآن، فقد تغير الوضع، فمع تطور وسائل الاتصال والتكنولوجيا اقتربت مهنة المسحراتي من الاندثار والانقراض، فالناس لا ينامون في ليالي رمضان، وإذا فعلوا قام المنبه والهاتف الجوال بدور المسحراتي، إذ يكفي أن تضبطه لتستيقظ في موعد تناول السحور.
لكن رغم ذلك مازال المسحر اتي يجول ويصول من حين لآخر في مصر وشوارعها، ليس لإيقاظ النائمين فحسب، ولكن للتعبير عن الفرحة بقدوم رمضان، والاحتفال بأحد مظاهر الشهر الكريم وممارسة طقوسه القديمة.