يرتبط الريجيسير بعلاقة وثيقة مع الكومبارس الذين يرسمون الضحكة على وجوه الملايين رغم بساطة أدوارهم
الريجيسير هو العمود الفقري لأي عمل فني (الصحافة الكويتية)
لكل جسد عمود فقري يربط بين أجزائه، والريجيسير (Regissur) هو العمود الفقري لأي عمل فني، فهو حلقة الوصل بين أطراف الجسد الفني ككل، يمشي وفي ذهنه خريطة متكاملة بأسماء الفنانين والكومبارس.
ويرتبط الريجيسير بعلاقة وثيقة مع الكومبارس الذين يرسمون الضحكة على وجوه الملايين رغم بساطة أدوارهم، فتحفظ وجوههم دون أن تعرف أسماءهم، ورغم تفوقهم في أدوارهم البسيطة، فإنهم لم يأخذوا فرصتهم الحقيقية، وكثير منهم يشتكون قلة فرص العمل في التمثيل.
الفيلم السوري "الكومبارس 1993" للكاتب والمخرج السينمائي الراحل نبيل المالح، جسد فيه الفنان بسام كوسا شخصية سالم الممثل الموهوب الطامح للنجومية، لكنه لا يجد سوى الأدوار البسيطة في مسرح الدولة ومسرح الحياة أيضا.
نفس معاناة سالم يعانيها أكثر من ألفي طامح في الكويت لتأدية أدوار أمام الكاميرا، قد تجد طبيبا أو محاميا أو معلما أو مستشارا أو غيرهم يريد كل منهم إشباع هوايته التي غيبتها ظروف الحياة العملية فينتظر أن يبشره الريجيسير بخبر اختياره لتمثيل دور ولو لدقائق معدودة في مسلسل أو فيلم أو فيديو دعائي قصير.
محمود المزين ريجيسير مشهور بالوسط الفني الكويتي بدأ حياته ممثلا لبعض الأدوار البسيطة في المسلسلات، يحكي للجزيرة نت تجربته في العمل وهموم المهنة قائلا: أشعر بالأسف لما أصبحت عليه أوضاع المهنة فمكتب الريجيسير يحصل على عمولته على كل الأحوال، لكن الذي يتضرر هم الكومبارس بعد نزول حاد في أجورهم من 20 و25 دينارا (65-80 دولارا) في 12 ساعة تصوير إلى النصف تقريبا، وذلك لأن الدخلاء على المهنة يتنافسون معنا فيقللون لمدير الإنتاج الأجر كي يحصلوا على أعمال جديدة عن طريقه.

ملصق المسلسل الكويتي بيبي (الصحافة الكويتية)
المهنة تضيع
لا غنى عن الريجيسير في توفير العدد المطلوب والعمر والنوع للممثلين "المجاميع" أو أصحاب الأدوار المحدودة، وليس من المنطقي أن يشغل المخرج نفسه أو حتى مدير الإنتاج بالبحث عن عدد كبير من الأشخاص ليمثلوا أدوارا ثانوية، بينما التركيز منصب على القصة والإضاءة ومواقع التصوير وأداء الأبطال الذين سيستمرون حتى نهاية الفيلم أو المسلسل.
يكتب السيناريست رؤيته ويفرغ مساعد المخرج السيناريو فيتحدد عدد المطلوبين في الأدوار الثانوية وعدد مواقع التصوير، وبناء على ذلك يطلب مدير الإنتاج من الريجيسير الكومبارس وفق جدول محدد يوفر في الميزانية.
ويؤكد المزين للجزيرة نت أن المهنة تضيع لأن المخرج صار يتعامل مع أكثر من مكتب ريجيسير، ومدير الإنتاج يفضل الأجر الأقل طبعا وليس الأجدر، مضيفا أن المشاهدين لو ركزوا في المشاهد جيدا فسيجدون نفس المجاميع في هذا المسلسل موجودة في مسلسل آخر، وهذا يخالف أصول المهنة بعمل زحام فقط ويمرر الكاميرا بسرعة ويبتعد عن اللقطات المتوسطة والقريبة، معتمدا في كثير من الأحيان على مضاعفة العدد بالمونتاج.
ويضيف أن الطفل في السابق كانت أجرة تمثيله لو عمره في حدود سنتين ونصف السنة 40 دينارا وللرضيع 60 دينارا، لكن الآن تناقص الأجر إلى 20 دينارا فقط، وقد يصاب الطفل بنزلة برد نتيجة التكييف البارد أو تيار هواء فيصرف أهله المبلغ على علاجه.
طريقتان فقط
ثمة طريقتان ليتعرف الريجيسير على رأسماله أي الراغبين في التمثيل لأول مرة حتى لو كانت أدوارا صامتة، ونعرف من المزين أن الطريقة الأولى هي التعرف مباشرة على أي مجموعة تجلس في مقهى "ونعرض عليهم الفكرة وهذه طريقة ناجحة بنسبة 40%، والطريقة الثانية هي معارف المعارف أي من يطلعون على تجربة كومبارس ويسألونه عن الفرصة كيف جاءته فيدلهم على مكتبنا، وهذه الطريقة أنجح بكثير لنقل بنسبة 80%".
دكتور أشرف زيدان توجه مع الريجيسير المزين إلى موقع تصوير لأداء تجربة أمام مخرج إحدى المسلسلات، يقول للجزيرة نت "التجربة كانت جيدة وبالفعل لدي شغف التمثيل ولا أمانع في أي دور مادام محترما ويناسب إمكانياتي".
أما المزين فيقول: للريجيسير المهني نظرة في الناس، يعرف أن هذا يصلح في أي دور وهذا لأي دور، فمثلا الدكتور أشرف يصلح لدور من ثلاثة: طبيب أو محام أو زوج رومانسي غيور، والسيدة التي تجلس أمامنا الآن (يشير إلى ثلاثينية حسناء) تصلح سكرتيرة أو زوجة ثانية أو طبيبة أطفال، والشاب الذي بجوارها صديق لا يصلح إلا كمجرم.

الفنان أشرف حسن: الممثل يتوقف عن البحث عن ريجيسير عندما ينجح (الجزيرة)
ضغط النفقات
علي حرب مدير إنتاج يحكي كيف أن مهمته هي تقليص الميزانية قدر المستطاع ولكن ليس على حساب الجودة كما يظن بعض الريجيسيرية، فهو مطالب أمام شركة الإنتاج بالتحرك في ميزانية محددة ولذا يتعامل مع أكثر من مكتب للعثور على الوجوه المناسبة.
ويذكر كيف أن البعض يستغل حاجة العمل الفني لشخصيات معينة، كعجوز في دور جدة أو شيخ في دور جد أو طفلة متحدثة لبقة، فيغالي في الأجر ليحصل على عمولة كبيرة خاصة وقت الأزمات كما حدث في فترة كورونا.
ويوضح حرب أن الريجيسير المجتهد يقوم بجزء من عمل مساعد المخرج أيضا فيطلب من الكومبارس الحضور بملابس مناسبة للمشاهد أو مع إكسسوارات ككتاب في اليد إذا كان الدور لطالب، أو بالطو للطبيب أو حقيبة "براند" لو الدور لفتاة ثرية وهكذا.
ويلفت إلى أن المسلسل يستلزم من 150 إلى 200 كومبارس، وتجميعهم عمل شاق على مدير الإنتاج، كما أن جدولة تمثيلهم حسب المواقع المؤجرة أصعب وأصعب، فعلى كل شخصية ثانوية أن تؤدي دورها للمسلسل كله من الحلقة الأولى للحلقة 30 في يوم أو يومين لضغط النفقات.
الخروج من عباءة الريجيسير
أشرف حسن من الممثلين خفاف الظل الذين اعتاد الناس رؤيتهم في أدوار مساندة بمسلسلات الكويت وإعلاناتها، وحتى فيديوهات الأغاني مثل أغنية "النفخة الكدابة" للفنان علي كاكولي.
يتحدث للجزيرة نت عن تجربته مع الريجيسير بعد أكثر من 50 مسلسلا شارك فيها بأدوار الطبيب أو المستشار أو بائع في مطعم وغيرها الكثير، فيقول: الريجيسير إما أن يعرف إمكانيات كل ممثل ويوظفها في المهمة المطلوبة حين يطلب منه المخرج أو المنتج ذلك، وإما يكون مجرد مقاول يأتي بعدد من الأشخاص بغض النظر عن إمكانياتهم.
ويضيف أن الممثل يتوقف عن الحاجة إلى ريجيسير عندما يبدأ في الانتشار ويطلبه المخرجون أو مديرو الإنتاج مباشرة "وهذا ما حدث عندما اتصل بي المخرج محمد سمير لتأدية أحد الأدوار في مسلسل "بيبي" بطولة الممثلة شجون الهاجري، وكذلك عند اختياري لتمثيل دور صديق البطل في كليب "النفخة الكدابة" ومن بعدها استغنيت عن مكتب الريجيسير.
من يدخل عالم الريجيسير أمامه طريقان لا ثالث لهما، إما الرضوخ للاستغلال أو صقل الموهبة للوصول إلى النجومية، وهو ما حدث مع عدد غير قليل من نجوم اليوم.