الدعوة الى تهديم مراقد الائمة
الدعوة لهدم مراقد أئمة أهل البيت ( عليهم أفضل الصلاة والسلام )
ومراقد بعض العلماء والصالحين دعوة قديمة وليست جديدة ،
إذ ردَّ عليها الكثير من علمائنا بل وبعض علماء المذاهب الأخرى ،
لاسيما الصوفية منهم ، وقد كُتبتْ فيها الكتب ،وصارت من الوضوح بمكان ،
بل بات الإشكال العقيم عليها من التراث السحيق ،
ولم يبق ممَن يكرر النبش فيها سوى بعض مرضى العقول وامتداداتهم
الجديد في الأمر أنَّ المطالبة بذلك جاءت هذه المرة بألسنةٍ تنتسب للشيعة
إذ ظهر علينا شاب يُلقي كلمة مكتوبة في حضور ، يُقال أنَّ ذلك كان في صلاة جمعة
يدعونا في كلمته تلك لهدم مراقد أئمتنا ، مُستدلاً بحديث
يُنسب إلى الإمام علي ( عليه السلام ) لم يُشر إلى مصدره ونقول :
أنَّ الأصل في الأشياء الإباحة ،
( كل شيءٍ فيه حلال وحرام ، فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه )
ولا نخرج عن هذا الأصل إلّا بدليل معتبر
بعبارة أخرى : أنَّ الذي يحتاج إلى الدليل ليس نحن ، إنما القائل بالحرمة
ولا يملك هؤلاء دليلاً معتبراً ، إذ عجز حتى ابن تيمية عن الإتيان بمثل هذا الدليل
وأمّا ما أشار له الخطيب من رواية ، فهي عبارة عن روايتين
الأولى :
(قال أمير المؤمنين عليه السلام بعثني رسول الله صل الله عليه وآله وسلم
في هدم القبور وكسر الصور )
الثانية :
عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين
بعثني رسول الله صل الله عليه وآله وسلم إلى المدينة فقال :
لا تدع صورة إلا محوتها ، ولا قبراً إلّا سويته ، ولا كلباً إلّا قتلته ) )
ونحن هنا نتساءل بغض النظر عن مصدر الرواية وسند صحتها من عدمه
ما هي القبور التي أمر الرسول الكريم الإمام علي بتهديمها ؟
هل هي قبور الأنبياء ؟
لم ينقل التاريخ عن النبي صل الله عليه واله وسلم انه هدم قبر احد الأنبياء
هل هي قبور الأئمة ؟
لم تكن هناك قبور للائمة في ذاك الزمان
إذن فلعلها تكون قبور ورموز الشرك والمشركين التي كانت في تلك الفترة
موجودة وتُعظم بأيام الجاهلية من قبل المشركين
فبعث الرسول محمد صل الله عليه واله وسلم الإمام علي بتهديمها
كما بعثه قبل ذلك بتهديم الأصنام من على ظهر الكعبة
ثانياً :
أستدل الكثير من علماء المسلمين على نفي حرمة أعمار المراقد ،
لا سيما مراقد الأنبياء والأوصياء والصالحين بعدة وجوه ، منها
قوله جلَّ وعلا
( فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً )
فالآية الكريمة تتحدث عن أصحاب الكهف ، وهم أؤلئك الرجال الذين آمنوا بربّهم
وتركوا أهلهم وهجروا المواقع والمناصب حفاظاً على إيمانهم
وهذه الآية تكشف عن خلاف وقع بين المؤمنين يوم ذاك وآخرين في ما يجب فعله
بأصحاب الكهف بعد موتهم ، فقال البعض ( ابنوا عَلَيهِم بُنيانًا رَبُّهُم أَعلَمُ بِهِم )
أي ضعوا بنياناً على باب كهفهم
وقال الذين أمنوا : ( لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِم مَسجِدًا ) ، أي إنّنا سوف نتّخذ هذا المكان ،
مكاناً لعبادة الله ، والتقرب إليه سبحانه ، تبركاً بموقعٍ ضم رفات أؤلئك الفتية ،
وحصلت فيه معجزة نومهم وبقائهم أحياءً لما يزيد عن ثلاثة قرون
ووجه الاستدلال بهذه الآية الكريمة
أنّه لو كان البناء على القبور محرّمًا لكان الله سبحانه قد أشار لحرمة هذا الفعل ،
وعدم إشارته يدل على الأقل على جواز ذلك ، لاسيما وأنَّ الآية الكريمة
فيها قرينة على أنَّ أصحاب اقتراح بناء المسجد هم الفئة المؤمنة يوم ذاك ،
إذ اقتراح بناء مسجد لا يصدر إلّا ممَن يريد إقامة شعائر الإيمان ،
والمولى أقر بصحة اقتراحهم بدلالة سكوته
سيرة جميع المسلمين منعقدة على الاهتمام بمراقد أهل البيت ،
بل بمراقد فقهاء المسلمين ورواتهم ،
فمرقد الشافعي ومكان رأس الحسين والسيدة زينب ورابعة العدوية في مصر،
وأبي حنيفة والگيلاني في بغداد ، والبخاري في ( أوزبكستان )
وغيرهم من رواة وصالحين من أهل السنّة ،
هذه المراقد لم تزل قائمة في كل البلاد الاسلامية اين ما وجدت ،
وهي خير شاهد على شذوذ الرأي الذي تبناه الوهابية
بل نفس البناء على مرقد الرسول الأكرم وبقاءه وعجز الوهابية عن هدمه خشية
ما سيحصل من رد فعل عموم المسلمين على ذلك لهو خير شاهد
على أنَّ القول بحرمة أعمار تلك المراقد ما هو إلًا بدعة ابتدعوها
لشدة حقدهم على آل بيت الرسول صل الله عليه وعلى آله وسلم
ومضافاً لما سبق أستدل علماء الشيعة بالروايات الكثيرة التي دلت على التأكيد
على ثواب زيارة مراقد المعصومين وتعاهدها ورعايتها
فإذا قلنا بوجوب هدم تلك المراقد ، فأيُّ شئٍ سيُزار ؟
فهل نترك كل تلك الأدلة والروايات الكثيرة جداً لأجل رواية بل حتى لو كانت أكثر ،
ولكنها لا تعدو عن كونها أخبار آحاد وأكثرها ضعيفة السند ،
وقد حملها العلماء على كراهة تجديد القبور التي لا يترتب على تجديدها
أي أثر للدين ولا للمتدينين ،
أو أنَّ المراد البناء على نفس القبر وليس حوله ،
أو أنَّ المراد اتخاذ نفس القبر مسجداً يسجد عليه للصلاة ولغيرها ،
أو أنّها في أحسن الأحوال لا تقوى على معارضة أدلة الجواز
بل يمكن جداً القول : أنَّ مراقد المعصومين والصالحين كانت ولم تزل
من أماكن الدعوة إلى الله سبحانه ، ومراكز تشييد الدين وجذب القلوب إليه ،
فخرجت عن عنوان كونها مجرد قبور
بل وصارت تلك المراقد محط أنظار الشيعة وشعاراً لهم باعتبارها من مراكز قوتهم
ولذلك ليس من المُسْتبعَد أنْ يكون توقيت هذه الدعوة يأتي ضمن سياق مخطط العدو
بإسقاط كل مواقع القوة عند الشيعة ، ومراقد أئمتنا هي آخر مراكز المَنَعة والقوة عندنا ،
في بعض الروايات حثٌ على أعمار تلك المراقد ،
وأفضلية الصلاة عندها ، وهي روايات كثيرة ، لا يتسع الوقت لذكرها
بقي شيء
وهو أنا لا أميل إلى الطريقة التي تمت بها معالجة الأمر ، فليس من الصحيح
أنْ تعالج قضية ذات بُعْدٍ عقائدي بيد جهاز أمني لا يعرف غير لغة القوة
والشدة والاقتحامات ، الأمر الذي قد يدفع هذه الجهات ، أو نفس الشباب المُغَرَر بهم
إلى العمل بالخفاء، لا سيما ونحن نعرف أنَّ الكثير من شبابنا إنما تُغرر به
هذه الجهات بسبب قصور في معلوماته ، وتقصير منّا في كيفية التعامل معه بشأن ذلك
كذلك لا أميل إلى السماح لتجمعات مجتمعية بنحو فوضوي غير مُسيطَر عليه
لحرق مساجد بل حتى لإغلاقها ؛ لأنَّ إعطاء صلاحية ومشروعية لتحرك العقل الجمعي
بهذا النحو ، يمكن أنْ يعطي الذريعة في قابل الأيام لتحريك مثل هذا العقل
للوقوف ضد مبادئ وأفكار حقة ، مضافاً إلى أنَّ التحرك الجمعي الفوضوي
قد يذهب بها عريضة فيتجاوزوا الخطوط الحمراء ، ويدخل في المحاذير الشرعية .
*********