الشرح التفصيلي لقضية الشهادة الثالثة :
(الشهادة بالولاية للإمام علي ولي الله)
مع بيان فصل الأذان الأخير :
(حي على خير العمل)
إنّ الشهادة لأمير المؤمنين الإمام علي (صلوات الله عليه) بالولاية شهادة كمل لنا الدين بها ورضى الله لنا بها الإسلام ؛ لقوله تعالى : ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ ، وذلك في غدير خم إذ نصب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليّاً وليّاً لهذه الأمة من بعده . وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حينها : «اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى إِكْمَالِ الدِّينِ وَإِتْمَامِ النِّعْمَةِ وَرِضَى الرَّبِّ بِرِسَالَتِي وَوَلَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بَعْدِي» . بعد أن نزلت آية التبليغ الكريمة على النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة المصادف يوم الخميس ، لدى رجوعه (صلّى الله عليه وآله وسلم) من حجة الوداع في مكان يسمى بـ"غدير خم" . حيث أمر الله تعالى أن يخبر الناس بولاية ابن عمّه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فتخوّف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقولوا حابى ابن عمه وأن يطعنوا في ذلك عليه ، فأوحى الله تعالى إليه : ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ . فقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال : أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ! فأخذ (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد الإمام علي (عليه السلام) وقال : « مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ » . وتكملة في بعض النُسخ : « وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ » .
وقد بيّن ذلك الحدث أكثر من (450) مصدر سني ، منها ما أورده الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين للشيخين البخاري ومسلم - الجزء (3) - الصفحة (118) - الحلقة (4576) :- حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمِيمٍ الْحَنْظَلِيُّ، بِبَغْدَادَ، ثنا أَبُو قِلَابَةَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَالَوَيْهِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْبَزَّارُ قَالَا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، وَثَنَا أَبُو نَصْرِ أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ الْفَقِيهُ، بِبُخَارَى، ثنا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ الْمُخَرِّمِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ قَالَ: ثنا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَنَزَلَ غَدِيرَ خُمٍّ أَمَرَ بِدَوْحَاتٍ فَقُمْنَ، فَقَالَ: «كَأَنِّي قَدْ دُعِيتُ فَأَجَبْتُ، إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ، كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَعِتْرَتِي، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ». ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَوْلَايَ، وَأَنَا مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ» ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا وَلِيُّهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِطُولِهِ، شَاهِدُهُ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ أَيْضًا صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا .
وقال الصحابة حينها وأبرزهم عُمَر بن الخطاب : (بخٌ بخٌ لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن) . عن كتاب البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي - الجزء (11) - الصفحة (74) :- « وَهُوَ يَوْمُ غَدِيرِ خُمٍّ لَمَّا أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: أَلَسْتُ وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَخٍ بَخٍ لَكَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ، أَصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَمَوْلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: 3] » .
وقد بيَّن الله تعالى مَن له الولاية على الخلق والقيام بأمرهم ويجب طاعته عليهم في آية الولاية الكريمة : ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ ، وقد نزلت لمّا تصدّق أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه) بخاتمه وهو راكعٌ . وهذه الولاية مساوية تماماً بين ولاية الله تعالى وولاية النبي وولاية الإمام ، فثبتت إمامة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وانتفت إمامة غيره من الخلفاء ، وإلّا لبطل الحصر . وهذه الآية من أوضح الدلالة على صحّة إمامة وولاية أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) بعد النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بلا فصل ؛ لأنّ الإمام علي (عليه السلام) هو الوحيد فقط الذي تصدّق بخاتمه في ركوعه ونزلت هذه الآية بحقّه ، ولم يفعل ذلك قبله رجلٌ أبداً ولن يأتي أحداً بمثل ما فعل الإمام علي (عليه السلام) أبداً ؛ فالمسألة ليس بنفس تلك الصدقة التي تصدَّق بها أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ولكن المسألة هي بيان هذا المنصب الرفيع المتمثِّل بالقيادة والوصية والإمامة بعد الرسول مُحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإرادة الله تعالى في ذلك ، فالولاية من مختصات الباري تعالى الذي يخلق ويختار لهذا المنصب الخطير ، قَالَ تَعَالَى : ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ ، إذ أنّه منذ الأزل قانونه في ذلك : ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ ، كما أكَّد ذلك لخليله إبراهيم (عليه السلام) .
كما أنّ الإمام علي (عليه السلام) نفس مُحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي باهل الله به كما في صريح الآية الكريمة : ﴿أَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾ . فهذه الآية تعتبر عليّاً (عليه الصلاة والسلام) الشخصيّة الكاملة الموافقة في الكفاءات والصفات لشخصيّة الرسول مُحمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلّم) باستثناء النبوّة التي تمنح النبي خصوصية لا يشاركه فيها أحد ، وقد قال النبي لعلي : «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» . (راجع صحيح البخاري : ج5، ص19، ح3706. وصحيح مسلم : ج4، ص1871، ح32. وصحيح الترمذي : ج5، ص641، ح3731. وصحيح ابن حبان : ج15، ص370، ح6927. والمستدرك على الصحيحين للحاكم : ج2، ص367، ح3294.)
فالإمام علي (عليه السلام) هو المؤهل الوحيد لتمثيل الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلّم) في حياته وبعد مماته لما يملكه من هذه المصداقية الكاملة ، وقد أكَّد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلّم) هذه الحقيقة في أحاديث واضحة الشكل والمضمون في مواطن كثيرة ، منها : «عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» ، «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» ، «أَمَّا أَنْتَ يَا عَلِيُّ فَصَفِيِّي وَأَمِينِي» ، «عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ ، وَلَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا أَنَا أَوْ عَلِيٌّ» . وقد قال له النبي أيضاً : «لأعطينّ الراية رجل يحبُّ الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارٌ غير فرار» ، بعد أن أخذ أبو بكر وعمر الراية فلم يفتح لهم ، فتتح الله يديه ونصره الله على الكفّار والمشركين ، وقد دعا له النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلّم) بالثبات والبركة فصارت الملائكة تقاتل بين يديه جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره :-
-1- السنن الكبرى للنسائي - الجزء (7) - الصفحة (433) - الحلقة (8400) :- أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي حَبَشِيُّ بْنُ جُنَادَةَ السَّلُولِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «عَلِيٌّ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ» فَقُلْتُ لِأَبِي إِسْحَاقَ: أَيْنَ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: وَقَفَ عَلِيٌّ هَاهُنَا فَحَدَّثَنِي رَوَاهُ إِسْرَائِيلُ فَقَالَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ. قال عنه النسائي في خصائص علي (ص87) : حسن صحيح غريب .
-2- السنن الكبرى للنسائي - الجزء (7) - الصفحة (433) - الحلقة (8401) :- أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْكَ» وَرَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ يَزِيدَ الْجَرْمِيُّ عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ وَهَانِئٍ عَنْ عَلِيٍّ. قال عنه النسائي في خصائص علي (ص87) : صحيح على شرط البخاري . وأخرجه الحاكم (3/ 120) . وقال: "صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي .
-3- السنن الكبرى للنسائي - الجزء (7) - الصفحة (434) - الحلقة (8404) :- أَخْبَرَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَأَبُو مَرْوَانَ، قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا أَنْتَ يَا عَلِيُّ فَصَفِيِّي وَأَمِينِي» . قال عنه النسائي في خصائص علي (ص90) : إسناده حسن .
-4- السنن الكبرى للنسائي - الجزء (7) - الصفحة (434) - الحلقة (8405) :- أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ السَّلُولِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلِيٌّ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ، وَلَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا أَنَا أَوْ عَلِيٌّ» . قال عنه النسائي في خصائص علي (ص91) : رجاله ثقات .
-5- سنن الترمذي - الجزء (5) - الصفحة (638) :- 3724 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَمَّرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْدًا، فَقَالَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا تُرَابٍ، قَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ ثَلَاثًا قَالَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَنْ أَسُبَّهُ، لَأَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِعَلِيٍّ وَخَلَفَهُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَخْلُفُنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي»، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» . قَالَ: فَتَطَاوَلْنَا لَهَا، فَقَالَ: «ادْعُوا لِي عَلِيًّا» ، فَأَتَاهُ وَبِهِ رَمَدٌ، فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ، فَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةَ ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ﴾ [آل عمران: 61] الآيَةَ، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي» . هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ . صححه الألباني في كتابه صحيح وضعيف سنن الترمذي : ج8، ص224. (راجع أيضاً صحيح البخاري : ج5، ص134، ح4210. وراجع أيضاً صحيح مسلم : ج4، ص1871، ح2404) .
-6- صهيب عبد الجبار في كتابه الجامع الصحيح للسنن والمسانيد - الجزء (15) - الصفحة (389) :- عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: حَاصَرْنَا خَيْبَرَ , فَأَخَذَ اللِّوَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَانْصَرَفَ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْ الْغَدِ عُمَرُ فَانْصَرَفَ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ، وَأَصَابَ النَّاسَ يَوْمَئِذٍ شِدَّةٌ وَجَهْدٌ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «إِنِّي دَافِعٌ اللِّوَاءَ غَدًا إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ , وَيُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ , لَا يَرْجِعُ حَتَّى يُفْتَحَ لَهُ» , فَبِتْنَا طَيِّبَةٌ أَنْفُسُنَا أَنَّ الْفَتْحَ غَدًا , فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الْغَدَاةَ (صَلَاةِ الْفجر) ثُمَّ قَامَ قَائِمًا فَدَعَا بِاللِّوَاءِ - وَالنَّاسُ عَلَى مَصَافِّهِمْ - فَمَا مِنَّا إِنْسَانٌ لَهُ مَنْزِلَةٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ اللِّوَاءِ، فَدَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ أَرْمَدُ , فَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ , وَمَسَحَ عَنْهُ , وَدَفَعَ إِلَيْهِ اللِّوَاءَ , فَفَتَحَ اللهُ لَهُ . قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: "إسناده قوي" .
-7- أحمد بن حنبل في مسنده - الجزء (38) - الصفحة (97) - الحلقة (22993) :- حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي بُرَيْدَةُ قَالَ: حَاصَرْنَا خَيْبَرَ فَأَخَذَ اللِّوَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَانْصَرَفَ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهُ مِنَ الْغَدِ عُمَرُ فَخَرَجَ فَرَجَعَ، وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ، وَأَصَابَ النَّاسَ يَوْمَئِذٍ شِدَّةٌ وَجَهْدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي دَافِعٌ اللِّوَاءَ غَدًا إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَيُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ لَا يَرْجِعُ حَتَّى يُفْتَحَ لَهُ» . فَبِتْنَا طَيِّبَةٌ أَنْفُسُنَا أَنَّ الْفَتْحَ غَدًا، فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْغَدَاةَ، ثُمَّ قَامَ قَائِمًا فَدَعَا بِاللِّوَاءِ وَالنَّاسُ عَلَى مَصَافِّهِمْ، فَدَعَا عَلِيًّا وَهُوَ أَرْمَدُ، فَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَفَعَ إِلَيْهِ اللِّوَاءَ وَفُتِحَ لَهُ قَالَ بُرَيْدَةُ: وَأَنَا فِيمَنْ تَطَاوَلَ لَهَا (حديث صحيح، وهذا إسناد قوي من أجل حسين بن واقد المروزي، فهو صدوق لا بأس به، وقد توبع كما سيأتي، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح.)
-8- السنن الكبرى للنسائي - الجزء (7) - الصفحة (421) - الحلقة (8363) :- أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، وَأَنَا شَابٌّ حَدِيثُ السِّنِّ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ «إِنَّكَ بَعَثَتْنِي إِلَى قَوْمٍ يَكُونُ بَيْنَهُمْ أَحْدَاثٌ، وَأَنَا شَابٌّ حَدِيثُ السِّنِّ» قَالَ (ص): «إِنَّ اللهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ، وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ، فَمَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ» . أخرجه أحمد في مسنده (ج2، ص68) . قال النسائي في خصائص علي (ص56) : اسناده حسن بمجموع طرقه .
-9- السنن الكبرى للنسائي - الجزء (7) - الصفحة (416) - الحلقة (8354) :- أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَ: «لَقَدْ كَانَ فِيكُمْ بِالْأَمْسِ رَجُلٌ مَا سَبَقَهُ الْأَوَّلُونَ، وَلَا يُدْرِكُهُ الْآخِرُونَ» وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ» فَقَاتَلَ جِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ لَا تُرَدُّ - يَعْنِي رَايَتَهُ - حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْهِ، مَا تَرَكَ دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا إِلَّا سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ أَخَذَهَا مِنْ عَطَائِهِ، كَانَ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ بِهَا خَادِمًا لِأَهْلِهِ. قال أحمد بن حنبل في مسنده (ج2، ص344) : اسناده صحيح .
-10- السنن الكبرى للنسائي - الجزء (7) - الصفحة (437) - الحلقة (8410) :- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَنَزَلَ غَدِيرَ خُمٍّ أَمَرَ بَدَوْحَاتٍ فَقُمِمْنَ ثُمَّ قَالَ: «كَأَنِّي قَدْ دُعِيتُ، فَأَجَبْتُ، إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخِرِ: كِتَابُ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ». ثُمَّ قَالَ (ص) : «إِنَّ اللهَ مَوْلَايَ، وَأَنَا وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ» ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقَالَ: «مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ، فَهَذَا وَلِيُّهُ، اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» . فَقُلْتُ لِزَيْدٍ: سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: «مَا كَانَ فِي الدَّوْحَاتِ أَحَدٌ إِلَّا رَآهُ بِعَيْنَيْهِ، وَسَمِعَهُ بِأُذُنَيْهِ» . قال النسائي في خصائص علي (ص96) : صحيحٌ ، رجال ثقات من رجال الشيخين . وقال ابن كثير في بدايته ونهايته (ج7، ص668) : قَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ: وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
إذن :- العمومات والإطلاقات في الكتاب الكريم والسُّنة الشريفة يدلّان على وجود ترابطٍ وتلازم بين النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين علي المرتضى (صلوات الله عليه) ، فلقد ثبت بالأدلة والبراهين العقلية والنقلية وجوب هذا الترابط الذاتي الذي لا ينفك أبداً ، فالأمير الإمام علي (عليه السلام) درجته كدرجة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تماماً وهو نفسه وصهره وابن عمّه وزوج الزهراء البتول بنت المصطفى الأمين (صلّى الله عليهم وسلّم) . ولقد قال الإمام علي (صلوات الله عليه) : «أَنَا دَمِي دَمُ رَسُولِ اللَّهِ ، وَلَحْمِي لَحْمُهُ ، وَعَظْمِي عَظْمُهُ ، وَعِلْمِي عِلْمُهُ ، وَحَرْبِي حَرْبُهُ ، وَسِلْمِي سِلْمُهُ ، وَأَصْلِي أَصْلُهُ ، وَفَرْعِي فَرْعُهُ ، وَبَحْرِي بَحْرُهُ ، وَجَدِّي جَدُّهُ . أَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ كَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ . أَنَا دَاعِيكُمْ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ رَبِّكُمْ ، وَمُرْسِلُكُمْ إِلَى فَرَائِضِ دِينِكُمْ ، وَدَلِيلُكُمْ إِلَى مَا يُنْجِيكُمْ . أَنَا خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فِيكُمْ ، وَمُقِيمُكُمْ عَلَى حُدُودِ دِينِكُمْ (وَنَبِيِّكُمْ) ، وَدَاعِيكُمْ إِلَى جَنَّةِ الْمَأْوَى . أَنَا صِنْوُ رَسُولِ اللَّهِ ، وَالسَّابِقُ إِلَى الْإِسْلَامِ ، وَكَاسِرُ الْأَصْنَامِ وَمُجَاهِدُ الْكُفَّارِ ، وَقَامِعُ الْأَضْدَادِ . أَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ وَمَعِي عِتْرَتَهُ عَلَى الْحَوْضِ ، فَلْيَأْخُذْ أَحَدُكُمْ بِقَوْلِنَا وَلِيَعْمَلْ بِعَمَلِنَا . أَنَا صَاحِبُ عِلْمِهِ وَالْمُفْنِي عَنْهُ غَمَّهُ . أَنَا الْمُنَفِّسُ عَنْهُ كَرْبَهُ . أَنَا زَوْجُ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ . أَنَا أَبُو شَبَّرَ وَشَبِيرٍ . أَنَا غَاسِلُ رَسُولِ اللَّهِ وَمُدْرِجُهُ فِي الْأَكْفَانِ وَدَافِنُهُ» . (عيون الحكم والمواعظ لعلي بن محمد الليثي الواسطي : ص165، عن كتاب غُرَرُ الحِكم ودُرَرُ الكلِم.)
عَنْ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ الْبَاقِرِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
«خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ رَاكِبٌ ، وَخَرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَهُوَ يَمْشِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : يَا أَبَا الْحَسَنِ ، إِمَّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمَّا أَنْ تَنْصَرِفَ ؟ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ تَرْكَبَ إِذَا رَكِبْتُ وَتَمْشِيَ إِذَا مَشَيْتُ وَتَجْلِسَ إِذَا جَلَسْتُ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ، لَا بُدَّ لَكَ مِنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فِيهِ . وَمَا أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِكَرَامَةٍ إِلَّا وَقَدْ أَكْرَمَكَ بِمِثْلِهَا ، خَصَّنِي بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَجَعَلَكَ وَلِيَّ ذَلِكَ ، تَقُومُ فِي صَعْبِ أُمُورِهِ . وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيّاً مَا آمَنَ بِي مَنْ كَفَرَ بِكَ ، وَلَا أَقَرَّ بِي مَنْ جَحَدَكَ ، وَلَا آمَنَ بِاللَّهِ مَنْ أَنْكَرَكَ ، وَإِنَّ فَضْلَكَ مِنْ فَضْلِي وَفَضْلِي لَكَ فَضْلٌ ، وَهُوَ قَوْلُ رَبِّي : ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ . وَاللَّهِ يَا عَلِيُّ مَا خُلِقْتَ إِلَّا لِيُعْرَفَ بِكَ مَعَالِمُ الدِّينِ وَدُرَّاسُ السَّبِيلِ ، وَلَقَدْ ضَلَّ مَنْ ضَلَّ عَنْكَ وَلَمْ يَهْتَدِ إِلَى اللَّهِ مَنْ لَمْ يَهْتَدِ إِلَيْكَ ، وَهُوَ قَوْلُ رَبِّي : ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى إِلَى وَلَايَتِكَ﴾ . وَلَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أَفْتَرِضَ مِنْ حَقِّكَ مَا أَمَرَنِي أَنْ أَفْتَرِضَهُ مِنْ حَقِّي ، فَحَقُّكَ مَفْرُوضٌ عَلَى مَنْ آمَنَ بِي كَافْتِرَاضِ حَقِّي عَلَيْهِ ، وَلَوْلَاكَ لَمْ يُعْرَفْ حِزْبُ اللَّهِ ، وَبِكَ يُعْرَفُ عَدُوُّ اللَّهِ ، وَلَوْ لَمْ يَلْقَوْهُ بِوَلَايَتِكَ مَا لَقُوهُ بِشَيْءٍ ، وَإِنَّ مَكَانِي لَأَعْظَمُ مِنْ مَكَانِ مَنْ تَبِعَنِي ، وَلَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ : ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ﴾ ، فَلَوْ لَمْ أُبَلِّغْ مَا أُمِرْتُ بِهِ لَحَبِطَ عَمَلِي . مَا أَقُولُ لَكَ إِلَّا مَا يَقُولُ رَبِّي ، وَإِنَّ الَّذِي أَقُولُ لَكَ لَمِنَ اللَّهِ نَزَلَ فِيكَ ، فَإِلَى اللَّهِ أَشْكُو تَظَاهُرَ أُمَّتِي عَلَيْكَ بَعْدِي ، أَمَا إِنَّهُ يَا عَلِيُّ مَا تَرَكَ قِتَالِي مَنْ قَاتَلَكَ ، وَلَا سَلِمَ لِي مَنْ نَصَبَكَ ، وَإِنَّكَ لَصَاحِبُ الْأَكْوَابِ وَصَاحِبُ الْمَوَاقِفِ الْمَحْمُودَةِ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ ، أَيْنَمَا أُوقَفُ فَتُدْعَى إِذَا دُعِيتُ وَتَحْيَا إِذَا حَيِيتُ وَتُكْسَى إِذَا كُسِيتُ ، حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَدِّقْ قَوْلِي فِيكَ ، وَحَقَّتْ كَلِمَةُ الرَّحْمَةِ لِمَنْ صَدَّقَنِي ، وَمَا اغْتَابَكَ مُغْتَابٌ وَلَا أَعَانَ عَلَيْكَ إِلَّا وَهُوَ فِي حِزْبِ إِبْلِيسَ (لَعَنَهُ اللَّهُ) ، وَمَنْ وَالاكَ وَوَالَى مَنْ هُوَ مِنْكَ مِنْ بَعْدِكَ كَانَ مِنْ حِزْبِ اللَّهِ وَحِزْبُ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» . (البحار : ج36، ص136، ح99، عن تفسير فرات.)
لذا فإنّ أصل التوحيد والنبوة منبتهما وأساسهما وأصلهما معارف الولاية الكبرى المترشحة من مولى الثقلين الإمام الأكبر والناموس الأعظم سيدنا علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه) ، وبالتالي فإنّ التساوي بالمكرمات والفضائل يستلزم القول بوجوب تلازم الشهادات الثلاث بلا فصل ، وطبقاً لقانون التساوي بينهما في الكرامات والفضائل إلّا ما استثناه الدليل وهو النبوة بمقتضى حديث المنزلة ، فإنّ كل كرامة أو فضيلة كانت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثبتت أيضاً لوصيه وخليفته وإمام الزمان بعده أمير المؤمنين علي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، ولا يخرج من عموم الكرامة والفضيلة إلّا النبوة التشريعية فقط للحديث المشهور الموسوم بحديث المنزلة المتواتر وهو قول النبي الأكرم : «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» ، وهو يتوافق مع آية المباهلة الدالة على أنهما بالدرجة والمنزلة واحد بلا تخصيص ، لا في أذان وإقامة ولا في تشهد صلاة أو تشهد خارج الصلاة أيضا، بل الترابط لا ينفك بين الشهادات الثلاث أبدا في كل المقامات الروحية والنفسية والزمانية والمكانية، إذ لولا الولاية لأمير الموحدين وسيد العارفين وقبلة السائرين مولانا وإمامنا المعظم أبي الحسن علي أرواحنا فداه وعليه أفضل الصلاة وأزكى السلام ، لما وحّد الله تعالى حق توحيده ، ولولا الولاية لما عُبِدَ الله تعالى حق عبادته كما في الأخبار الكثيرة .
يتضح لمن تدبّر وتأمل في الآيات والأخبار الدالّة على فضائل رسول الله وأمير المؤمنين يحصل له القطع واليقين بمحبوبية التلازم الشرطي في الفضائل بين الشخصين المباركين ، ولا يمكن الفصل لمجرد أنّ الشيخ الصدوق أفرط في الطعن على القائلين بالشهادة الثالثة ونعتهم بالمفوضة الغلاة في كتابه من لا يحضره الفقيه : ج١، ص٢٩٠. وطعن بالأخبار التي اعتمدها القائلون بالشهادة الثالثة ، هذه الأخبار التي دلّت على أنّ : (آل محمد خير البرية) في الأذان ... فقد جعل المقصرون بولاية أهل بيت العصمة والطهارة فتوى الصدوق كأنها وحي يوحى وعملوا بفتواه التي لم تستند على دليل ! لتقصيرهم وضعف إيمانهم وقلّة علمهم وتحصيلهم الفقهي والعلمي مع علمهم بما اعتقده الشيخ الصدوق بحق المعصوم (عليه السلام) ! فنسب إليه السهو ونعت المنزهين للمعصوم عن السهو بأنهم صعدوا (أول درجة في الغلو) ! (راجع : من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٢٣٣ ج ٢١.) .
فالعجب ثم العجب منه كيف يتجرأ بنعت المنزهين للمعصوم بأنّهم غلاة خارجون عن الدين لمجرد تنزيههم النبي وأهل بيته الطاهرين عن السهو ! فلست أدري على أي أساس اعتمد ؟ وفي أي إتجاه سلك ! فنسى اعتقاده الباطل بإثبات السهو للمعصوم ثم في الوقت نفسه شن حملة شعواء على من اعتمد على الأخبار الدالة على صحة الشهادة الثالثة .! فيا سبحان الله كيف صارت فتواه كأنّها سهم لا يخيب وشمس لا تغيب ، ونورٌ لا يكسف أبداً ! فصار كلامه المسموم كعبة لمن في قلبه مرض وكأنّه وحي يوحى علّمه شديد القوى ، فصار هو المعصوم بدلًا من آل الله تعالى .! فصدق ما حكاه الشيخ المحدث الحر العاملي عن الشيخ البهائي حيث نعت الصدوق بأنه : (هو الذي سهى وليس النبي وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام ) . (راجع : رسالة التنبيه بالمعلوم من البرهان على تنزيه المعصوم عن السهو والنسيان : الفصل الأول في ذكر جملة من عبارات علمائنا الابرار ص ١٣.) وكذلك الشيخ الأحسائي قال : (الصدوق في هذه المسألة كذوب) . (راجع : مقدمة كتاب من لا يحضره الفقيه : ج١، ص٧٠ .) .
عن كتاب الطرائف في معرفة المذاهب لإبن طاووس - الصفحة (155) :- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَسُئِلَ بِأَيِّ لُغَةٍ خَاطَبَكَ رَبُّكَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ ؟ قَالَ : خَاطَبَنِي بِلُغَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَأَلْهَمَنِي أَنْ قُلْتُ يَا رَبِّ أَنْتَ خَاطَبْتَنِي أَمْ عَلِيٌّ ؟ قَالَ تَعَالَى : يَا أَحْمَدُ أَنَا شَيْءٌ لَا كَالْأَشْيَاءِ لَا أُقَاسُ بِالنَّاسِ وَلَا أُوصَفُ بِالشُّبُهَاتِ بِالْأَشْيَاءِ ، خَلَقْتُكَ مِنْ نُورِي وَخَلَقْتُ عَلِيّاً مِنْ نُورِكَ ، فَاطَّلَعْتُ عَلَى سَرَائِرِ قَلْبِكَ فَلَمْ أَجِدْ إِلَى قَلْبِكَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَخَاطَبْتُكَ بِلِسَانِهِ كَيْمَا تَطْمَئِنَّ قَلْبُكَ» . (راجع أيضاً : جواهر المطالب في مناقب الإمام الجليل علي بن أبي طالب لأبن الدمشقي الشافعي : ج١، ص١٧ . ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : ج١، ص٤٢٢ . شرح إحقاق الحق للنجفي المرعشي : ج٨، ص٦٨٠ وج٢٣، ص١٤١ . الخوارزمي في المناقب : ص٣٧، والمقتل : ص42 . العمدة لإبن البطريق : ص٩١ . مناقب آل أبي طالب : ج١، ص٢٧ . الروضة في فضائل أمير المؤمنين علي لشاذان بن جبريل القمي : ص١٠٧ . مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني : ج١، ص٥٣ . البحار للمجلسي : ج38، ص312.)
الآن بعد انتهينا من بيان تلك القضية المسنودة بأدلة قاطعة مختلفة الأنواع .. قد يسأل سائل هل يوجد في كتب التاريخ القديمة رواية تبين أنّ الرسول أو الأئمة (عليهم السلام) كانوا يقرّون بالشهادة الثالثة ؟ الجواب هو : إنّ الله تعالى أول من أذاع الأذان متضمناً ذكر الشهادة الثالثة منذ فجر الخليقة ! إذ قال مولانا أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) : «إِنَّا أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتٍ نَوَّهَ اللَّهُ بِأَسْمَائِنَا ، إِنَّهُ لَمَّا خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَمَرَ مُنَادِياً فَنَادَى : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (ثَلَاثاً) ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ (ثَلَاثاً) ، أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَقّاً (ثَلَاثاً)» . (الكافي : ج1، ص441. وأمالي الصدوق : ص701.)
وقد أمر رسولنا الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك فقال : «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَمْسِكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَقُلْ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، عَلِيٌّ وَلِيُ اللَّهِ» . (الفضائل لابن شاذان : ص154) . كذلك عن كتاب الروضة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : «مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، تَفَتَّحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ . وَمَنْ تَلَاهَا بِمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، تَهَلَّلَ وَجْهُ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَاسْتَبْشَرَ بِذَلِكَ . وَمَنْ تَلَاهَا بِعَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ بِعَدَدِ قَطْرِ الْمَطَرِ» . (البحار : ج٣٨، ص٣١٨.)
بل قد ورد حديثاً قدسياً عن رب العزّة (جلّ جلاله) أورده المعصومين (عليهم السلام) عن سيّدنا رسول الله مُحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : حَدَّثَنِي جَبْرَئِيلُ عَنْ رَبِّ الْعِزَّةِ جَلَّ جَلَالُهُ أَنَّهُ قَالَ : «مَنْ عَلِمَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدِي وَرَسُولِي وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَلِيِّي وَخَلِيفَتِي وَأَنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِهِ حُجَجِي أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي وَنَجَّيْتُهُ مِنَ النَّارِ بِعَفْوِي وَأَبَحْتُ لَهُ جِوَارِي ، فَأَوْجَبْتُ لَهُ كَرَامَتِي وَأَتْمَمْتُ عَلَيْهِ نِعْمَتِي وَجَعَلْتُهُ مِنْ خَاصَّتِي وَخَالِصَتِي ، إِنْ نَادَانِي لَبَّيْتُهُ وَإِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ وَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ وَإِنْ سَكَتَ ابْتَدَأْتُهُ ، وَإِنْ أَسَاءَ رَحِمْتُهُ وَإِنْ فَرَّ مِنِّي دَعَوْتُهُ وَإِنْ رَجَعَ إِلَيَّ قَبِلْتُهُ وَإِنْ قَرَعَ بَابِي فَتَحْتُهُ . وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي أَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَشْهَدْ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدِي وَرَسُولِي أَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَشْهَدْ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَلِيفَتِي أَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَشْهَدْ أَنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِهِ حُجَجِي فَقَدْ جَحَدَ نِعْمَتِي وَصَغَّرَ عَظَمَتِي وَكَفَرَ بِآيَاتِي وَكُتُبِي ، إِنْ قَصَدَنِي حَجَبْتُهُ وَإِنْ سَأَلَنِي حَرَمْتُهُ وَإِنْ نَادَانِي لَمْ أَسْمَعْ نِدَاءَهُ وَإِنْ دَعَانِي لَمْ أَسْتَجِبْ دُعَاءَهُ ، وَإِنْ رَجَانِي خَيَّبْتُهُ وَذَلِكَ جَزَاؤُهُ مِنِّي وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» .
فَقَامَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَنِ الْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) ؟ فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، ثُمَّ زَيْنُ الْعَابِدِينَ فِي زَمَانِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، ثُمَّ الْبَاقِرُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَسَتُدْرِكُهُ يَا جَابِرُ ، فَإِذَا أَدْرَكْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ ، ثُمَّ الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ الْكَاظِمُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ ، ثُمَّ الرِّضَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى ، ثُمَّ التَّقِيُّ الْجَوَادُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، ثُمَّ النَّقِيُّ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ الزَّكِيُّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ، ثُمَّ ابْنُهُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ مَهْدِيُّ أُمَّتِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبُ الزَّمَانِ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ) الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً . هَؤُلَاءِ يَا جَابِرُ خُلَفَائِي وَأَوْصِيَائِي وَأَوْلَادِي وَعِتْرَتِي مَنْ أَطَاعَهُمْ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَاهُمْ فَقَدْ عَصَانِي ، وَمَنْ أَنْكَرَهُمْ أَوْ أَنْكَرَ وَاحِداً مِنْهُمْ فَقَدْ أَنْكَرَنِي ، بِهِمْ يُمْسِكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، وَبِهِمْ يَحْفَظُ اللَّهُ الْأَرْضَ أَنْ تَمِيدَ بِأَهْلِهَا» . (الإحتجاج على أهل اللجاج للشيخ الطبرسي : ج1، ص68. وكمال الدين للصدوق : ص258.)
كما قد أمرنا إمامنا الصادق (صلوات الله عليه) بذكرها على كل حال وإقرانها بالشهادتين ، إذ روى الطبرسي في الإحتجاج بأسناده عن القاسم بن معاوية قال : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) هَؤُلَاءِ يَرْوُونَ حَدِيثاً فِي مِعْرَاجِهِمْ أَنَّهُ : لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) رَأَى عَلَى الْعَرْشِ مَكْتُوباً (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ) ! فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : سُبْحَانَ اللَّهِ غَيَّرُوا كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى هَذَا ؟! قُلْتُ نَعَمْ ! قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا خَلَقَ الْعَرْشَ كَتَبَ عَلَيْهِ : (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، وَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَاءَ كَتَبَ فِي مَجْرَاهُ : (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، وَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكُرْسِيَّ كَتَبَ عَلَى قَوَائِمِهِ : (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، وَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اللَّوْحَ كَتَبَ فِيهِ : (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، وَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ كَتَبَ عَلَى جَبْهَتِهِ : (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، وَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ جَبْرَئِيلَ كَتَبَ عَلَى جَنَاحَيْهِ : (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، وَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ كَتَبَ فِي أَكْنَافِهَا : (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، وَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَرَضِينَ كَتَبَ فِي أَطْبَاقِهَا : (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، وَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجِبَالَ كَتَبَ فِي رُءُوسِهَا : (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، وَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الشَّمْسَ كَتَبَ عَلَيْهَا : (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، وَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقَمَرَ كَتَبَ عَلَيْهِ : (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ) وَهُوَ السَّوَادُ الَّذِي تَرَوْنَهُ فِي الْقَمَرِ . فَإِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَلْيَقُلْ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ» . (الإحتجاج على أهل اللجاج للشيخ الطبرسي : ج1، ص158.)
ومن الأخبار الخاصة الدالة على أنّ الشهادة الثالثة لأمير المؤمنين هي من فصول الأذان ويؤتى بها بعد الشهادتين بعنوان الجزئية ، هي ما رواه مستفيضاً العالم المستبصر العلّامة الشيخ عبد الله المراغي المصري - من علماء القرن السابع الهجري - في كتابه السلافة في أمر الخلافة : «أنّ سلمان الفارسي ذكر في الأذان والإقامة الشهادة بالولاية لأمير المؤمنين علي بعد الشهادة بالرسالة في زمن النبي بعد حجة الوداع ، وذلك أنّه دخل رجل على رسول الله فقال : يا رسول الله سمعت أمراً لم أسمع قبل ذلك ، فقال النبي : ما هو ؟ فقال : سلمان يشهد في أذانه بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بالولاية لعلي ؟! فقال النبي : سمعتم خيراً» . وروي عنه أيضا في كتابه المتقدم بأنّ رجلاً دخل على رسول الله وقال : «يا رسول الله ، أنّ أبا ذر يذكر في الأذان بعد الشهادة بالرسالة ، الشهادة بالولاية لعلي ويقول : أشهد أنّ عليا ولي الله ، فقال النبي : كذلك أونسيتم قولي في غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه ؟ فمن ينكث فإنّما ينكث على نفسه» .
فعلى هذا نتيقّن بأن المعصومين (صلوات الله عليهم) كانوا يؤذنون بذكر الشهادة الثالثة التي هي جزء لا يتجزّأ عن الأذان والإقامة ؛ لأنّهم (عليهم السلام) لا يأمرون بشيءٍ إلّا كانوا هم السبّاقين إليه . فالشهادة الثالثة واجبةٌ ولازمةٌ - كجزء تابع للشهادتين المتقدمتين عليه - للأمر بها في الأخبار الظاهرة في الوجوب والتلازم والإقتران على نحو الإقتران الشرطي ، فيلزم الإتيان بها كلما ذكر رسول الله حتى لوكان المورد مستحبّاً كما لو ذكرت الشهادتان في مجلس عام أو خاص ، فيلزم ذكر الشهادة الثالثة معهما . والشهادة الثالثة في خبر الإحتجاج يشير إلى حكم عقائدي وليس إلى حكم شرعي فرعي كي يدعى أنه لا يحتج بالخبر المذكور في الفقه ، والأمر العقدي لا يحتاج إلى قوة سند الخبر ما دام الكتاب مجاهراً بوجوب الولاية لأمير المؤمنين علي وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) ، كما في آيتي البلاغ والإكمال وغيرهما من الآيات الدالة على وجوب الإعتقاد بولايته وأنّ المنكر لها كافر ، لذا لا حاجة إلى رخصة خبر صحيح يجيز الزيادة على الشهادتين وما يلازمهما من الأقوال الدالة على عظمة الشهادة لله تعالى ورسوله ، بل يكفي وجوب ذكر الشهادة الثالثة أنها متلازمة مع وجوب ولاية الله تعالى ورسوله ولا فصل بين الولايات الثلاث ، فحيثما ذكرت ولاية الله تعالى ورسوله يجب أن تذكر ولاية أمير المؤمنين وأهل بيته الطيبين مع ما تقدمها من ولاية الله ورسوله ، فلو زاد المؤمن العارف المتشهد سواء أكان معلن الشهادة في الأذان والإقامة أم في تشهد الصلاة على الشهادة الأولى : (إلها أحداً فرداً صمداً حيّاً قيوماً أبداً سرمداً لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً...) ، لم يكن مأثوماً ولا عند الله تعالى ملوماً بسبب زيادته التنزيهية لله رب العالمين .
كذلك لو زاد المؤمن على الشهادة الثانية قوله : (أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ... وأشهد أنّه رحمة للعالمين والسراج المبين وعصمة الدين ورسول رب العالمين...) ، لم يكن أيضاً مأثوماً بسبب تعظيم رسول الله بما هو حق ونور . وتعتبر الزيادة من لوازم الشهادتين إلّا أنها تلازم مستحب بخلاف الشهادة الثالثة ، فإنّها متلازمة مع ما تقدمها من الشهادتين على نحو الوجوب الشرعي أو اللزوم العرفي العقلي ، فالشهادة الثالثة هي من لوازمهما بل إنّ الشهادة لرسوله ولأمير المؤمنين وأهل بيتهما الطاهرين من لوازم الشهادة الأولى التوحيدية ، فإذا جاز تفريع الشهادة الثانية على الأولى باعتبار الثانية جزة من الأولى فيجوز حينئذٍ تفريع الثالثة على الثانية باعتبارها منبثقة عن الأولى والثانية ، وهذا نظير آية الإطاعة بقوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ - [سُّورَةُ النِّسَاءِ : 59.] فلقد ساوى الله تعالى طاعته بين طاعة النبي وأولي الأمر من بعد النبي فجعل تعالى طاعتهم مقرونة واحدة ، قَالَ تَعَالَى : ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ - [سُّورَةُ النِّسَاءِ : 80.] وهذا يعني أنّ الله تعالى يأمر المسلمين باتباع الرسول وأولي الأمر من بعدهم ، ولا يجوز أبداً أن يوجب الله طاعة أحد على الإطلاق إلّا من ثبتت عصمته وعلم أنّ باطنه كظاهره وأمن منه الغلط والأمر بالقبيح ؛ ذلك لأنّ اختيار ولي الأمر (الإمام) يحدده الله وليس الناس ؛ لقوله تعالى : ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ - [سُّورَةُ الْقَصَصِ : 68.] ؛ لأنه لو كان ولي الأمر يختاره الناس كيفما يريدون لكان غير معصوماً ولصدرت منه الهفوات والزلّات والمنكرات ، وحاشا لله تعالى أن يأمر الناس باتباع ولي أمرٍ جائرٍ مشكوكٍ في أمره . وقد يقول قائل أنّ الله تعالى لم يذكر الرجوع إلى ولي الأمر عند الاختلاف ، فنجيبه : قَالَ تَعَالَى : ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ﴾ - [سُّورَةُ النِّسَاءِ : 83.]
فلن نحتاج إلى إستعمال القواعد الرجالية والفقهية لإعلان الولاية لأمير المؤمنين وأهل بيته الطيبين الطاهرين ؛ لأنّ الإعلان بوجوب الولاية قد دلّ عليه الدليل القرآني والأخبار التي فاقت التواتر فلا حاجة لأن نستدل بخبر أو خبرين على صحة الإعلان بالولاية في الأذان والإقامة وغيرهما ، بل إنّ الأمر العقائدي يجب إعلانه في الصلاة والأذان والإقامة وفي كل الأحوال ، ومن هنا لا يبعد أن يكون أبو ذر وسلمان صلوات الله عليهما قد أعلنا الولاية لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، تحت عنوان الولاية العقائدية لا تحت عنوان فقهي تشريعي ، والفرق واضح بين الحكم العقائدي وبين الفريضة الفقهية ، فإدخال الحكم العقائدي في الأذان والإقامة وتشهد الصلاة لا يكون تشريعا محزماً لأنّنا عندما أعلناه في الموارد المذكورة لم نعلنه تشفياً وبطراً وإستحساناً حتى يكون بدعة ، بل هو بذاته مقنن ومشرع من قبل الله تعالى في محكم آياته وسنة نبيه ، بخلاف ما لو كان فريضة فقهية فإنّ إدخاله من دون عنوان فقهي يعتبر تشريعاً محرماً وبيان الحكم العقائدي يكون واجباً في كل حينٍ وموردٍ ، كذلك لن ننسى الظروف القاسية التي كانت تحتم على الشيعة استعمال التقيّة في كثيرٍ من الموارد التي صدرت عن الأئمة (عليهم السلام) في الحقيقة لكنها لم تصلنا .
كما إن نفس توثيق الشيخ الطبرسي لرواياته التي في كتابه الإحتجاج يعتبر توثيقاً من العدل إلى الثقة ، وهو بنفسه يوجب قبول روايته ويخرجها من الجهالة إلى الوثاقة ؛ لمّا صرح به الشيخ الطبرسي نفسه في مقدمة كتابه الجزء الأول صفحة (4) بقوله : (ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده ، إمّا لوجود الإجماع عليه ، أو موافقته لما دلت العقول إليه ، أو لإشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف ، إلّا ما أوردته عن أبي محمد الحسن العسكري لأياه ، فإنّه ليس في الإشتهار على حدٍ ما سواه ، وإن كان مشتملا على مثل الذي قدمناه ؛ فلأجل ذلك ذكرت إسناده في أول جزء من ذلك دون غيره) . فإنّه رحمه الله تعالى قد آلى على نفسه بأن لا يروي إلا ما ثبت بأحد ثلاثة : الإجماع - أو شهرة عظيمة - أو دلالة العقول القطعية عليه ، بحيث يكون ضروريا في شريعتنا . ومصيره مصير المفسر القمي وإبن قولويه القمي في كامل الزيارات ، حيث رويا الأخبار الصحيحة عن الثقاة تماماً كما فعل الطبرسي ، وقد تسالم الكثير من الأعلام على قبول روايات علي بن إبراهيم وإبن قولويه القمي للنكتة التي أشرنا إليها ، فلماذا لا يكون الطبرسي مساوياً لهما في قبول رواياته التي حذف إسنادها إعتمادا منه على ما ذكر من إجماع أو شهرة أو دلالة عقل محكم ؟! فهل باء القمي وإبن قولويه تجر ، وباء الطبرسي لا تجر ؟!.
وكذلك هناك أخبار خاصة تدل على أنّ الشهادة الثالثة من فصول الأذان ، وهذه الأخبار هي التي أفصح عنها الشيخان الصدوق والطوسي ونعتاها بالشذوذ بل زاد الصدوق على الطوسي بنعته لها بأنها من صنع المفوضة ! إلى آخر تلك الإفتراءات التي لا ينبغي صدورها ممن عرفا في الأوساط الشيعية بالتحقيق والتدقيق ! ولم يفصح لنا الصدوق والطوسي عن السبب في كون هذه الأخبار شاذة وما الداعي لأن تكون من صنع المفوضة ، فتبقى دعواهما مجرد هواء في شبك لا تغني ولا تسمن من جوع ، بل على عادته الصدوق ينعت كل من خالفه بفقه أو معتقد بالشاذ أو المفوضي أو المغالي ويشهد لذلك نعته الأعلام القائلين بعصمة النبي والولي (صلّى الله عليهما وآلهما وسلّم) عن السهو بأنّه صعد أول درجات الغلو ! فكيف يمكننا الإعتماد على دعواه وهو يفتي بغلونا ما يعني أننا كفار نجسون بحسب فتواه ؟!
بالنسبة إلى الشهادة للأئمة الطاهرين (عليهم السلام) ، فهي أمرٌ مطلوبٌ شرعاً سواءٌ أكان في الأذان والإقامة أم في غيرهما بمقتضى الإطلاق الوارد في الروايتين المتقدمتين وغيرهما من الروايات الآمرة بالإجهار بولايتهم المقدسة ، هذا من ناحية النصوص وأمّا من ناحية الأصل العملي فأيضاً يجوز الشهادة لهم منضمين إلى شهادة جدهم أمير المؤمنين (عليه السلام) ، إذ لا يوجد دليل أو أصل آخر أقوى يعارض الأصل القاضي بجواز ذكرهم . وإذا جاز الكلام خلال فصول الأذان والإقامة كالحمد والشكر والدعاء للمؤمنين فبطريق أولى يجوز ذكر ائمتنا الطاهرين وسيدة نساء العالمين ضمن الشهادة الثالثة لأمير المؤمنين ؛ لأن الشهادة لهم أهم من الدعاء للنفس وللمؤمنين بل إنّ أصل وجوب ولايتهم مقدمة على أصل الأذان والإقامة والصلاة والصوم والحج والزكاة بمقتضى الحديث المستفيض : «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ : عَلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْوَلَايَةِ ، وَلَمْ يُنَادَ بِشَيْءٍ كَمَا نُودِيَ بِالْوَلَايَةِ . فَأَخَذَ النَّاسُ بِأَرْبَعٍ وَتَرَكُوا هَذِهِ يَعْنِي الْوَلَايَةَ» . وَعَنْ الْإِمَامِ جَعْفَر الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا فَأَحْسَنَ خَلْقَنَا وَصَوَّرَنَا فَأَحْسَنَ صُوَرَنَا ، وَجَعَلَنَا عَيْنَهُ فِي عِبَادِهِ وَلِسَانَهُ النَّاطِقَ فِي خَلْقِهِ ، وَيَدَهُ الْمَبْسُوطَةَ عَلَى عِبَادِهِ بِالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ ، وَوَجْهَهُ الَّذِي يُؤْتَى مِنْهُ وَبَابَهُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَخُزَّانَهُ فِي سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ ، بِنَا أَثْمَرَتِ الْأَشْجَارُ وَأَيْنَعَتِ الثِّمَارُ وَجَرَتِ الْأَنْهَارُ ، وَبِنَا يَنْزِلُ غَيْثُ السَّمَاءِ وَيَنْبُتُ عُشْبُ الْأَرْضِ ، وَبِعِبَادَتِنَا عُبِدَ اللَّهُ ، وَلَوْ لَا نَحْنُ مَا عُبِدَ اللَّهُ» . (تفسير نور الثقلين : ج٥، ص٣٤٠. مشارق أنوار اليقين : ص١٠٢. الكافي : ج1، ص144.)
وأمّا ذكر زوجة الإمام علي (عليه السلام) فاطمة الزهراء (عليها السلام) الصدّيقة الكبرى وأولادها الطاهرين (عليهم السلام) ، فالأحوط بل لا يبعد أقوائية ذكرهم منضمين إلى الشهادة الثالثة لأمير المؤمنين بأية صيغة كانت ، والأفضل بالصيغة التالية : (وأشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين وأهل بيته الطيبين الطاهرين حجج الله وأولياؤه) . والأفضل منه ذكرهم بأسمائهم كأن يقول : (وأشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين وزوجته الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة القائم المهدي حجج الله وأولياؤه) .. اللهم صلّ على محمدٍ وآل محمدًا . والسر في أقوائية إنضمامهم إلى الشهادة الثالثة بالولاية لأمير المؤمنين هو أنّ قسما وافراً من الأخبار أكدت على الشهادة الثالثة بالولاية لأهل البيت بشكل مطلق والتي أسلفنا ذكرها .
وأما الإشكال علينا بأنّ المحدّثين عقدوا باباً خاصاً في كيفية التشهد وهو الشهادتان لا الشهادات الثلاث ، فلا يقدح بما اعتقدناه من وجوب الشهادة الثالثة لأمير المؤمنين وأهل بيته المطهرين صلوات الله عليهم أجمعين للأمر بها في الأخبار حسبما اشرنا فيما تقدم ، وإن خفي هذا الأمر على غيرنا قصوراً أو بسبب مورد التقيّة ، فمن كان يعيش تحت سنابك التقية كيف يجوز له أن يفتي للمؤمنين بوجوب الجهر بالولاية في الأذان والإقامة وغيرهما ؟! بالإضافة إلى ذلك فإنّ الأخبار التي اقتصرت على الشهادتين في التشهد معروفة التوجه من حيث التقية ، ولكن الإطلاقات الأخرى في الأخبار الأخرى تقيد التشهد بالشهادة الثالثة ، ويكون من باب دوران الأمر بين المطلق والمقيد ، فنحمل المطلق على المقيد ، فيكون قول الأئمة (عليهم السلام) أدنى ما يجزي من التشهد الشهادتان (محمولاً على ترك الشهادة الثالثة لأجل التقية) . فتكون الشهادتان أدنى ما يجزيه في التشهد ، ولكن الأمر يختلف فى حال عدم التقية ، فلا بد من ذكر الشهادة الثالثة .
أخيراً بالنسبة إلى فصل الأذان الأخير (حي على خير العمل) :-
1- مصنف ابن أبي شيبة - الجزء (1) - الصفحة (195) - الحلقة (2239) :- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: نا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَمُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ، كَانَ يُؤَذِّنُ، فَإِذَا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ: «حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ»، وَيَقُولُ: «هُوَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ» .
2- مصنف ابن أبي شيبة - الجزء (1) - الصفحة (196) - الحلقة (2241) :- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ، زَادَ فِي أَذَانِهِ، حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ» .
3- مصنف ابن أبي شيبة - الجزء (1) - الصفحة (196) - الحلقة (2240) :- حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي أَذَانِهِ: «الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ»، وَرُبَّمَا قَالَ: «حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ» .
4- مصنف عبد الرزاق الصنعاني - الجزء (1) - الصفحة (464) - الحلقة (1797) :- عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ «يُقِيمُ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ يَقُولُهَا مَرَّتَيْنِ - أَوْ ثَلَاثًا - يَقُولُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ» .
5- السنن الكبرى للبيهقي - الجزء (1) - الصفحة (624) - الحلقة (1991) :- أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ فِي النِّدَاءِ ثَلَاثًا وَيَشْهَدُ ثَلَاثًا وَكَانَ أَحْيَانًا إِذَا قَالَ: حِيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ: عَلَى إِثْرِهَا حِيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ» . وَرَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ رُبَّمَا زَادَ فِي أَذَانِهِ: حِيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ» ، وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ .
6- السنن الكبرى للبيهقي - الجزء (1) - الصفحة (625) - الحلقة (1992) :- كَمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ثنا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُؤَذِّنُ فِي سَفَرِهِ وَكَانَ يَقُولُ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَأَحْيَانًا يَقُولُ: حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ» . وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ فِي أَذَانِهِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ نُسَيْرُ بْنُ ذُعْلُوقٍ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو قَالَ: فِي السَّفَرِ، وَرُوِي ذَلِكَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ .
7- السنن الكبرى للبيهقي - الجزء (1) - الصفحة (625) - الحلقة (1993) :- وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ثنا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ ثنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، كَانَ يَقُولُ فِي أَذَانِهِ إِذَا قَالَ: «حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ: حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ وَيَقُولُ هُوَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ» .