صوائح تتبعها نوائح
صوائح تتبعها نوائح
أم كلثوم بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال : لما كانت ليلة تسعة عشرة من شهر رمضان قدمت الى ابي عند افطاره طبقا فيه قرصان من خبز الشعير وقصعة فيها لبن وملح جريش، فلما فرغ من صلاته أقبل على فطوره.
فلما نظر اليه قال : يا بنية، اتقدمين لي لونين في طبق واحد، تريدين ان يطول وقوفي غدا بين يدي الله تعالى! انا اريد ان اتبع اخي وابن عمي رسول الله (صلى الله عليه واله) فانه ما قدم له ادامان في طبق واحد الى ان قبضه الله تعالى.
يا بنية، ما من رجل طاب مطعمه ومشربه الا طال وقوفه بين يدي الله تعالى يوم القيامة،
قال (عليه السلام) : يا بنية، ان الدنيا دار غرور ودار ذل، ومن قدم منها لأخرته شيئا وصل نفعه اليه ؛ يا بنية، والله لا اتناول شيئا حتى ترفعي احدهما.
قالت ام كلثوم : فرفعت اللبن واكل (عليه السلام) مع الخبز والملح، وحمد الله وأثنى عليه، ثم قام (عليه السلام) الى صلاته، ولم يزل تلك الليلة قائما وقاعدا وراكعا وساجدا ويتضرع ويبتهل الى الله تعالى، ثم يخرج ساعة بعد ساعة ينظر الى الكواكب، ويقلب طرفه الى السماء ويبكي، ثم تلا (عليه السلام) سورة يس الى آخرها، ثم نام (عليه السلام) قليلا، وانتبه فزعا مرعوبا، فتناول رداءه وقام قائلا : اللهم بارك لي في الموت، وأكثر من قول : لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، ثم قام الى مصلاه فصلى حتى ذهب أكثر الليل، ثم جلس للتعقيب، ثم نامت عيناه وهو جالس، ثم انتبه من نومه مرعوبا، فجمع أولاده وأهله وقال لهم : اني مفارقكم في هذا الشهر، وقد رأيت في هذه الليلة رؤيا عظيمة أهالتني؛ إني رأيت في هذه الساعة رسول الله (صلى الله عليه واله) في منامي وهو يقول : يا أبا الحسن، أنت قادم إلينا عن قريب، وسيخضب لحيتك أشقى هذه الامة من دم راسك، وانا مشتاق الى لقائك وانت قادم الينا في العشر الأواخر من هذا الشهر، فهلم الينا، فالذي عندنا خير لك وأبقى.
فلما سمعوا كلامه ضجوا بالبكاء والنحيب والعويل، فأمرهم بالسكوت، ثم أقبل يوصيهم ويأمرهم بالخير، وينهاهم عن الشر، ولم يزل تلك الليلة قائما وقاعدا وراكعا وساجدا،
قالت ام كلثوم : فلما رأيت ما عرض لأبي (عليه السلام) من القلق والاضطراب لم يأخذني النوم، وقلت : يا أبت، لم حرمت على نفسك النوم في هذه الليلة، ولم لا تستريح يا أبت؟.
فقال : يا بنية، اني كثيرا ما قتلت الشجعان وقاسيت الاهوال العظيمة ولم يحصل لي رعب واضطراب مثل هذه الليلة ثم قال (عليه السلام) : انا الله وانا اليه راجعون، فقلت : يا اب، لم اراك تنعى الينا نفسيك في هذه الليلة؟
فقال : يا بنية، قد قرب الأجل، وانقطع الامل.
قالت ام كلثوم : فلما سمعت ذلك بكيت كثيرا، فقال (عليه السلام) : يا بنية، لا تبكي، فاني ما اخبرتك الا بما عهده الي حبيبي رسول الله (صلى الله عليه واله)، ثم غفا (عليه السلام) قليلا ثم انتبه وقال : يا بنية، اذا قرب وقت الاذان فأخبريني، ثم جعل يتضرع ويدعو، فلما قرب وقت الصلاة قدمت اليه وضوءا، فقام (عليه السلام) وجدد وضوءه ولبس ثيابه وتوجه الى المسجد، فلما صار في صحن الدار، وكان في الدار وز قد اهدي الى الحسن، فلما راينه رفرفن باجنحتهن وصحن في وجهه، ولم يعهد منهن ذلك سابقا، فقال (عليه السلام) : لا اله الا الله، صوائح يلحقها نوائح، وسيظهر قضاء الله تعالى غدا.
فقالت ام كلثوم : يا ابت، لم تتفأل بالشر؟ فقال (عليه السلام) : ليس احد منا اهل البيت يتفال بسوء، ولا يؤثر فال السوء فينا، ولكن قد جرى الحق على لساني ثم قال (عليه السلام) : يا بنية، بحقي عليك الا ما اطلقته، فلقد حبست ما ليس له لسان فاطعميه واسقيه والا خلي سبيله ياكل من حشيش الارض، فلما وصل (عليه السلام) الى الباب وهو مغلوق فعالجه فانحل ميزره، فشده وهو يقول :
أشدد حيازيمك للموت فان الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت اذا حل بناديكا
ولا تغتر بالدهر وان كان يواتيكا
كما اضحكك الدهر ذاك الدهر يبكيكا
متى .. يَسقط قناع هَجرك ميتاً ؟!
ثم قال : اللهم بارك لي في الموت، وبارك لي في لقائك، قالت ام كلثوم : وكنت أمشي خلفه، فلما سمعت قوله : قلت : واغوثاه يا اباه، ما لي أراك تنعى نفسك مثل هذه الليلة ان لا نراك ابدا، فقال : يا بنية، انها دلالات وعلامات الموت يتبع بعضها بعضا، ثم فتح الباب وخرج.
تعليق عاشق ع اى موضوع بيجيب تفاعل اكتر م الموضوع نفسه.
لا قيمة للقراءة دون فهم~
عَليُِّ الـدُر و الذَهَبُ المُصَـفى
و باقي الناس ' ڪُلِهُمُ تُرابُ'