أبواب القربة لله تعالى بمنظور الإمام المجتبى

ورد عنِ الإمامِ الحسنِ المُجتبى : "وتقربوا إلى اللهِ بالطاعة؛ فإنّه قريبٌ مجيبٌ" «بحار الأنوار ج 75 ص 104».
يحدثنا الإمام المجتبى عن مسار العلاقة بالله عز وجل والتي تأخذ منحنى العرفان بعظمته والامتنان لنعمه، وكذلك تلك العلاقة التي تؤتي ثمارها فتنعكس بحلل
الطمأنينة والأنس والورع عن محارم الله تعالى، هي الطاعة له سبحانه فيما أمر واجتناب نواهيه بحيث يكون التطبيق العملي لتلك العلاقة تنفيذ الإرادة الإلهية، وهذا ما يخرجنا من التصورات الخاطئة لتلك العلاقة فلا تتعدى الجانب النظري من معرفة الله تعالى - وإن كان ذلك نتيجة للقناعة العقلية بوجوده وقدرته تعالى -، وفي مقابل ذلك فإن تلك العلاقة المعرفية لا تجد لها مصداقا ينبيء عنها، بل ترى العكس من ذلك وهو التجلبب بالغفلة والانشغال بزينة الحياة الدنيا والأنس بعيدا عن محراب الطاعة.
من النعم الإلهية علينا أن نجد قبسا من الهدى والحق ومنهج التكامل والفضيلة على يدي هذا الإمام العظيم، والذي ينير عقولنا بكنوز الحكم التي تحتاج إلى تأمل وتدبر لفهم ما تحمله من مضامين عالية، كما أن سيرته وحياته المعطاءة كلها محطات عبادية؛ ليكون القدوة الحسنة لنا والمرشد فيما يناسب العلاقة مع الخالق العظيم وأداء حق الشكر له عز وجل، إذ أنه كان في كل جوانب حياته الأخلاقية والاجتماعية والتعليمية كلها خطى عبادية يراد منها التقرب منه تعالى، فالطاعة مفهوم شامل لكلامنا وتصرفاتنا وعلاقاتنا يراعى فيه رضا المعبود والتقرب إليه، إذ أن التصور بأن العبادات تتمثل بالصلاة والصوم والحج يلتزم المؤمن بأدائها والحفاظ عليها، مع إطلاق العنان لمشاعره بالكراهية بسبب سوء فهم أو خلاف مع أحد هو تصور خاطيء، فالعبد المطيع لله عز وجل نقي القلب من الأحقاد والضغائن وإن وجه له أحدهم إساءة صفح وسامح، كما أنه في تعامله مع الآخرين يلتزم الحسنى والجميل واحترام وجودهم، وهذا الإمام الحسن كما أنه كان حليفا لمحراب الطاعة والمناجاة، وورد أنه ترتعد فرائصه خوفا من الله تعالى، فإنه كذلك كان مباركا أينما حل وما ورد في تواضعه وجلوسه مع الفقراء على مائدة واحدة جبرا لخواطرهم هو عين العبادة والتقرب إلى الله تعالى بتأليف القلوب، وعندما يكيل له ذلك الشامي الشتم والتلفظ بما لا يليق بما يغضب الغير ويستفز مشاعره، نجد الإمام يتقرب إلى الله تعالى بمقابلته بالمسامحة والطيب بل ودعوته لاستضافته في بيته، مما كان سببا في هدايته واعتذاره من الإمام لما لقي منه من خلق رفيع يذكر بأخلاق جده المصطفى ﷺ، وكان نبراس المعرفة وقبس الحكمة يوجه الناس لأحكام دينهم ويبين لهم المسائل الشرعية ومعاني الآيات القرآنية ويقدم لهم المواعظ التي تلين القلوب وتربطهم بالله عز وجل وتدعوهم إلى الالتزام بالقيم الإسلامية الراقية.
والتقرب إلى الله تعالى رفعة لشأن الإنسان المطيع وذلك من خلال اكتساب تلك المضامين الأخلاقية للعبادات كالإخلاص والاستقامة والعفة والرحمة بالآخرين والعطاء، ومن أفضل ميادين التقرب إلى الله تعالى الوقوف بين يدي الله عز وجل في محراب الصلاة، حيث يجعل العبد كل شيء من خلفه ويفرغ قلبه لله تعالى؛ ليحظى براحة النفس والطمأنينة والثقة بالتدبير الإلهي في جميع أحواله، فأكدار الدنيا وهمومها تثقل النفس وتستنزف قواه فيحتاج إلى ما يعيد شحن نفسه واسترداد اتزانه الفكري والوجداني، ولن يكون هناك من موضع يفرغ فيه آلامه أفضل من مناجاة العظيم القادر على كل شيء، فإنه سبحانه تكفل للداعي باستجابة دعائه إذا كان فيه مصلحة له أو يعوضه بما هو أفضل منه في الدنيا أو الآخرة.

وأبواب التقرب إلى الله تعالى بعدد أنفاس العباد، فكل كلمة حسنة ينطق بها أو ينصح بها تعد من أبواب الطاعة ما دام يريد بها وجهه سبحانه، ومظلة التكافل الاجتماعي من أبواب الطاعة بشقيها المادي والمعنوي، فتقديم المعارف والمعلومات للآخرين وخصوصا مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي قربة لله تعالى، وكذلك تقديم شيء من المال ولو كان بسيطا ليصرف على كفالة يتيم أو مساعدة شاب لتزويجه أو مساعدته في تكلفة دراسته قربة لله تعالى، وكذلك صنع المعروف للآخرين وقضاء حوائجهم