على الرغم من الصورة المروعة التي يرسمونها، فإن الومضات الضخمة ليست بالضرورة أكثر خطورة من البرق العادي.
يوفر حجم السحابة مساحة أكبر لانتشار البرق خلالها (بيكسلز)
البرق هو شرارة عملاقة للكهرباء في الغلاف الجوي بين السحب والهواء والأرض، وهو أحد أكثر الظواهر إثارة للرعب في الطبيعة، فهو ينير السماء بتفرعاته الشوكية المخيفة. وبالرغم من ذلك فهو أكثر من مجرد عرض ضوئي، حيث يلعب البرق دورا مهما في الحفاظ على التوازن الكهربائي للأرض، كما أنه يسهم في تثبيت النيتروجين مما يساعد على نمو النباتات، ومن المحتمل أن يساعد أيضا في تطهير الغلاف الجوي من الملوثات.
ووفقا لمكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة، فإن البرق يضرب الكوكب 1.4 مليار مرة في السنة، أو ما يقدر بـ 44 مرة كل ثانية. لكن بعض ومضات البرق تكون أطول وأضخم من غيرها.ففي حين أن معظم ومضات البرق يبلغ طولها من 3.2 إلى 4.8 كيلومترات، فإن البعض الآخر يتصاعد أحيانا ويشق طريقه عبر مئات الكيلومترات في السماء فوق رؤوسنا. ولكن ما هو الحجم الذي يمكن أن يصل إليه البرق في الواقع؟ وهل يجب أن نقلق بشأن هذه الصواعق العملاقة؟
البرق يضرب الكوكب 1.4 مليار مرة في السنة، أو ما يقدر بـ 44 مرة كل ثانية (بيكسلز)
كيف يتشكل البرق؟
ينشأ البرق في سحب العاصفة عندما تتطور شحنة موجبة قوية في إحدى مناطق السحابة وتتطور شحنة سالبة قوية في منطقة أخرى، مما ينتج عنه قوى كهربائية بينهما.
يقول دون ماكجورمان، الفيزيائي والباحث الأول في مختبر العواصف القومي التابع لـ"الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي" (NOAA) في أوكلاهوما، "يبدأ وميض البرق في منطقة تكون فيها القوى الكهربائية قوية للغاية. وتصبح قوية بما يكفي بحيث لا يستطيع الهواء تحمل القوة الكهربائية بعد الآن وينهار أو يتعطل".
ويقول ماكجورمان إن هذا يعني أنه مع نمو القوة الكهربائية، فإنها تكسر قوة عزل الهواء، والتي عادة ما تُبقي المناطق ذات الشحنات المختلفة منفصلة عن بعضها البعض. ويعتقد الباحثون أن هذا يحدث لأن تراكم القوة الكهربائية المفرطة يبدأ في تسريع الإلكترونات "الحرة" غير المرتبطة بذرة أو جزيء في الهواء، مما يؤدي بدوره إلى إفلات الإلكترونات الأخرى من ذراتها وجزيئاتها. وتستمر هذه العملية، مما يؤدي إلى تسريع المزيد والمزيد من الإلكترونات. ويسمي العلماء هذه العملية بـ"انهيار إلكترون"، ومن هنا جاءت تسمية "انهيار الهواء" (the air breaks down).
ويؤدي هذا في النهاية إلى إنشاء قناة ساخنة جدا في الهواء تعمل مثل السلك، والتي تنمو نهاياتها نحو الخارج باتجاه الشحنات الموجبة والسالبة التي تسببت في الانهيار. وتربط القناة المتنامية في النهاية الشحنات الموجبة والسالبة، وعندما تفعل ذلك، فإنها تطلق التيار الكهربائي الهائل الذي نعرفه على أنه وميض البرق.
البرق أحد أكثر الظواهر إثارة للرعب في الطبيعة عندما ينير السماء بتفرعاته الشوكية المخيفة (بيكسلز)
وفي بعض الأحيان، لا تحتوي المنطقة السفلى من السحابة -والتي تحتوي عادة على شحنة موجبة- على شحنة كافية من تلقاء نفسها لإيقاف هذه القناة. لذلك تستمر الصاعقة البرقية في النمو، وتمتد لأسفل نحو الأرض.
وأثناء قيامها بذلك، فإنها تستقطب شرارة صاعدة من الأرض لمواجهتها، مما يؤدي إلى وميض برق بتيارات كهربائية ضخمة تنقل بعض شحنة العاصفة إلى الأرض.
ما العوامل التي تحد من حجم العواصف البرقية؟
وفقا لمقال منشور على موقع "لايف ساينس" (Live Science)، فإن الباحثين يحاولون الإجابة عن هذا السؤال منذ عقود. إذا نظرنا بشكل عمودي سيكون مدى وميض البرق محدودا بارتفاع سحابة العاصفة، أو المسافة من الأرض إلى قمة هذه السحابة، والتي تبلغ حوالي 20 كيلومترا في أعلى مستوياتها. لكن أفقيا، يوفر حجم السحابة مساحة أكبر للانتشار خلالها.
وفي عام 1956، استخدم مايرون ليجدا، عالم الأرصاد الجوية في تكساس الرادار لاكتشاف وميض يمتد لأكثر من 160 كيلومترا. وكان ذلك أطول وميض برق تم تسجيله على الإطلاق في ذلك الوقت. ومنذ ذلك الحين، سمحت التطورات التكنولوجية للباحثين بقياس الومضات الأطول وكذلك العدد الأكبر منها.
وفي عام 2007، حدد الباحثون صاعقة فوق أوكلاهوما الأميركية يبلغ طولها 322 كيلومترا. ولكن بعد عقد من الزمان فقط، تم محو هذا السجل، لأنه في أكتوبر/تشرين الأول 2017 أطلقت السحب فوق الغرب الأوسط الأميركي وميضا ضخما من البرق لدرجة أنه أضاء السماء فوق تكساس وأوكلاهوما وكانساس.
وامتدت الهزة لأكثر من 500 كيلومتر عبر الولايات الثلاث، وكانت غير مسبوقة لدرجة أن مجموعة من الباحثين نشروا دراسة عنها في مجلة "نشرة جمعية الأرصاد الجوية الأميركية" (Bulletin of the American Meteorological Society)، واصفين إياها بأنها "ميغافلاش" (megaflash). فقد كانت واحدة من أكبر ومضات البرق المسجلة على الإطلاق.
ولكن حتى هذا الوميض تم تجاوزه لأنه في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2018، حين تم الكشف عن صاعقة فوق البرازيل امتدت لأكثر من 709 كيلومترات. ولكن مرة أخرى تم تحطيم هذا الرقم القياسي بإطلاق عملاق آخر في 29 أبريل/نيسان 2020، وهو وميض ضخم امتد من تكساس إلى ميسيسيبي، وغطى 768 كيلومترا.
وعادة ما تتم ملاحظة البرق بشكل تقليدي عبر الأنظمة الأرضية كالهوائيات والرادار، إلا أنه يتم الآن تسجيل العديد من هذه الومضات التي تحطم الرقم القياسي باستخدام الأقمار الصناعية.
من المحتمل وجود ومضات أكبر بكثير مما تم تسجيله بالفعل (بيكسلز)
ومضات البرق العملاقة
ولا يزال الباحثون غير متأكدين من الآليات الدقيقة التي تدعم مثل هذه الإضاءة الكهربائية الطويلة، ويكاد يكون من المؤكد أن حجم السحب هو أحد العوامل.
يقول كريستوفر إميرسيك -وهو الباحث الذي يدرس كهربة العواصف الرعدية في جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة- كلما كانت السحابة الأصلية أكبر، زادت فرصة استمرار وميض البرق في الانتشار، ولهذا السبب يمكن أن تكون الومضات الضخمة كبيرة مثل السحابة الأصلية، إذا كان هيكل الشحن مناسبا. وهذا يعني أنه من المحتمل وجود ومضات أكبر بكثير مما تم تسجيله بالفعل.
يقول إيميرسيك، إنه على الرغم من الصورة المروعة التي يرسمونها، فإن الومضات الضخمة ليست بالضرورة أكثر خطورة من البرق العادي. إن الوميض المكاني الواسع لا يعني بالضرورة أنه يحمل المزيد من الطاقة. نظرا لأن السحابة التي نشأت منها واسعة جدا، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى ضربات أرضية بعيدة عن نشاط البرق الرئيسي في قلب الحمل الحراري.
ووفقا لتقدير ماكجورمان فإن الومضات الضخمة ليست شائعة في الوقت الحالي. فهي تشكل حوالي 1% فقط من ومضات البرق بشكل عام.
يقول إميرسيك إنه من المحتمل أيضا أنه في عالم يزداد احترارا، قد يكون هناك زيادة في أنواع العواصف التي تؤدي إلى حدوث ومضات ضخمة. حيث يجعل ذلك الظروف أكثر احتمالا لزيادة تواترها وانتشارها.