دفع الجو الروحي لشهر رمضان المبارك العديد من الرسامين والمستشرقين للكتابة والرسم لتسجيل لحظات الروحانية والصفاء
لوحة "صلاة العشاء" لعدد من الرحالة المغاربة يصلّون العشاء في الصحراء في أجواء رمضانية بسيطة (مواقع التواصل)هند
باقتراب الشهر الفضيل يتسابق الكثير من الناس للاستعداد له متبعين كل حسب مجتمعه وثقافته الكثير من العادات، هذه كانت الحال منذ القرون الأولى للإسلام، وقد سجلت العديد من اللوحات نسمات وأجواء رمضان في مجتمعات عدة بأشكال مختلفة.من الشرق الأدنى وصولا للمغرب العربي ومرورا بالشرق الأوسط حمل شهر رمضان في طياته على مر العصور إلهاما لا ينقطع للعديد من الرسامين الذين سجلوا نفحات وأجواء هذا الشهر في لوحات لا تزال بعد عقود أو قرون معبرة عن أجواء رمضان.
على سبيل المثال، يقدم الفنان التشكيلي المصري محسن أبو العزم أجواء رمضان ببصيرة نافذة في المجتمع المصري الذي يتسم بروح وأجواء رمضانية معينة.
واستطاع أبو العزم نقل تلك الروح في عدة لوحات، مثل المسحراتي وبائع الكنافة وغير ذلك من أعماله التي تجعل المشاهد يذوب حنينا للشهر الفضيل.
لوحة "المسحراتي" للفنان التشكيلي المصري محسن أبو العزم (مواقع التواصل)
ونرى في لوحته "المسحراتي" طفلا صغيرا يحمل فانوسا يمشي بجوار جده أو أبيه المسحراتي في أجواء ليلية لكن مليئة بالبهجة والزينة الرمضانية.
وكعادة أبو العزم في لوحاته يركز على البنية الجسدية لشخوص اللوحات بشكل كاريكاتيري يدفع المشاهد للابتسامة، كذلك يظهر المسحراتي وحفيده في بيئة شعبية، وهي الثيمة الغالبة على أعمال أبو العزم الذي يميل إلى الأحياء الشعبية والقديمة لنقل روح مصر وتراثها.
لوحة "بائع الفول" (مواقع التواصل)
نفس الحال في لوحته "بائع الفول" التي يظهر فيها جمع من الناس حول عربة فول وزينة رمضان والفوانيس معلقة فوقهم في أجواء رمضانية مصرية واقعية.ويعتمد الرسام هنا على روح الحارة المصرية أيضا لنقل واحدة من العادات التي لا يغفل عنها المصريون أبدا في رمضان، وهي الفول المدمس كوجبة أساسية ملازمة للسحور.
رمضان في حياة البسطاء
الميل إلى تصوير رمضان في حياة البسطاء كان شغف رسامين آخرين مثل عزيم عزيمزاده، عاش من 1880 إلى 1943، وهو رسام أذربيجاني حائز على لقب رسام الشعب في جمهورية أذربيجان عام 1927، ويميل في لوحاته إلى نقل هموم الفقراء وقسوة حياتهم.
حتى أنه في لوحته "رمضان مع الفقراء" المرسومة عام 1938 نقل إفطار رمضان في حياة أسرة شديدة الفقر لا تكاد تجد حد الكفاف.
ونجد في اللوحة أسرة مسلمة تفترش الأرض حول بضعة أطباق صغيرة وتكاد تكون فارغة كوجبة إفطار، وتعيش الأسرة المكونة من أب وأم و3 أطفال وجدة في منزل شديد التواضع ويكاد يكون خاليا من الأثاث.
لوحة "رمضان مع الفقراء" للرسام الأذربيجاني عزيم عزيمزاده (بيكسابي)
اللوحات الرمضانية التي ظهرت بدافع مؤثرات اجتماعية وخصوصية ثقافية لا تقتصر على أبو العزم أو عزيمزاده، فقد رسم الفنان التشكيلي الفلسطيني الأردني عماد أبو شتية رمضان بروح فلسطينية، وهي العادة التي جرى عليها في معظم أعماله، إذ تظهر الهوية الفلسطينية حاضرة في شكل ثوب المرأة الفلسطينية أو غصن الزيتون والحمام الأبيض أو الحرم القدسي.
في لوحته "رمضان" تجلس شابة فلسطينية في أجواء ليلية تحت شجرة، يدل ثوبها على هويتها، تحمل مشكاة وأمامها حمامة بيضاء ومن خلفها المسجد الأقصى يطل عليه هلال كبير للدلالة على بداية الشهر الكريم، في جو يغلب عليه الهدوء والسكينة بسبب غلبة درجات اللون الأزرق.
في لوحة "رمضان" تجلس شابة فلسطينية في أجواء ليلية تحت شجرة تحمل مشكاة وأمامها حمامة بيضاء ومن خلفها المسجد الأقصى (مواقع التواصل)
روحانية العبادات
في الماضي، دفع الجو الروحي لشهر رمضان وما يحدثه من تغيير كامل في المزاج العام لدى المسلمين العديد من الرسامين والمستشرقين إلى الكتابة والرسم لتسجيل لحظات الروحانية والصفاء التي كانت تغمر العالم الإسلامي في تلك الفترة، مثال ذلك لوحة "صلاة العشاء" للمستشرق الفرنسي يوجين جيرارديت (1853-1907).
قام جيرارديت بـ8 رحلات إلى بلاد المغرب العربي في أواخر القرن الـ19، ووجد الكثير من الإلهام والراحة في البيئة الصحراوية وسكانها من البدو والرحّل، خاصة في واحات بسكرة والقنطرة وبوسعادة.ويعكس المستشرقين الآخرين لم ينتج جيرارديت مشاهد للحرملك أو قاعات الحريم، بل اهتم بتصوير الأجواء الروحانية التي يعيشها المسلمون في تلك المناطق.
نرى في هذه اللوحة عددا من البدو المغاربة يصلّون العشاء في الصحراء في أجواء رمضانية بسيطة، ولا يظهر في اللوحة أي تكلف أو مباهج دنيوية مثل الزينة والأطعمة وغير ذلك.
اللوحة مرسومة على المذهب الواقعي، وهو مذهب في الفن التشكيلي معني بنقل تفاصيل المشهد كما هو على أرض الواقع بدون إضافات من الرسام، وقد قدم جيرارديت روحانية وبساطة الأجواء الصحراوية والرمضانية بدقة وإحساس عال جنبا إلى جنب.