كربلاء– منذ دخولها العراق في بداية القرن 19 أصبحت الطائرات الورقية اللعبة المحبّبة لكثير من العراقيين، ومن بينهم الكربلائيون الذين تأثّروا بالزوّار الهنود الذين كانوا يقصدون المدينة لزيارتها ويمكثون فيها فترات طويلة نوعا ما، وكان الهنود يصنعون هذه الطائرات ويبيعونها للأهالي للحصول على المال قبل العودة إلى بلدهم.
فكيف تحوّلت هذه اللعبة لهواية يمارسها الصغار والكبار، لا سيما في رمضان؟
زيني: أعمل في صناعة الطائرات الورقية منذ ستينيات القرن الماضي وتكثر المبيعات في رمضان
استثمار وصناعة
يستثمر الحاج صاحب زيني (73 عاما) أيام رمضان التي تصادف فصل الربيع هذا العام، مثلما يستثمر تحسّن الطقس وهبوب الريح الخفيفة ليزيد غلة بيعه الطائرات الورقية التي يصنعها في محله البسيط.
ويقول إنه ليس الوحيد في هذه المهنة، فهناك العشرات في مدن وأقضية محافظة كربلاء، ورغم أنه لا يعتمد عليها كمصدر رزق لأنها تمارس في أسابيع معدودة في ليالي رمضان حتى الفجر أو في أيام الربيع من العصر حتى المغيب.
ويضيف أن هذه الصنعة تدر عليه أرباحا جيدة كانت تعينه على إعالة أسرته، فهو يعمل في صناعة الطائرات الورقية منذ بداية ستينيات القرن الماضي، ويبيع خلال رمضان -كما يقول- أكثر من 1200 طائرة ورقية، مشيرا إلى أنه يكون هناك إقبال كبير عليها من الصغار والكبار.
محل لصناعة الطائرات الورقية
ورق وأعواد
أما صانع الطائرات الورقية حيدر عرب (42 عاما) يؤكد أن الطائرات الورقية لم تعد كما كانت في السابق، فقد تطوّرت ولها أشكال عديدة، مشيرا إلى أن الشكل المعين والمربع المقلوب يعد الأشهر، ويرغب فيه ممارسو اللعبة لأنه يمنح حرية الحركة والطيران إلى مسافات أبعد.
وعن نوعية الورق المستخدم في الصناعة، بيّن عرب أنه يتم استيراد المواد الأولية من أوروبا والهند ثم يتم الصبغ باللون الذي يرغب فيه الزبون.
وعن كيفية صناعة الطائرات الورقية يقول إنها تصنع من ورق خاص مع عودين من جريد النخل بعد تشذيبه، حيث يلصق على الورقة بمادة صمغية، ثم تشد الأعواد بخيط من الخلف على شكل مثلث يسمى الميزانية، من أجل الحصول على موازنة جيدة أثناء الطيران في الهواء.
ويرى عرب أن تطيير الطائرات الورقية ليس لعبة، بل رياضة فكرية وجسدية كونها تحتاج إلى تفكير وقوّة، حالها حال الرياضات الأخرى.
الخضير : الطائرات الورقية دخلت كربلاء في القرن 19 عن طريق الهنود
هنود وموروث
الطائرات الورقية لم تكن تطير في سماء العراق قبل القرن 19 كما يقول الباحث في الشأن الكربلائي حسين أحمد الخضير، الذي أكد أنها واحدة من الهوايات التي تكثر ممارستها في رمضان.
وعن بدايات دخول اللعبة لكربلاء، أوضح الخضير أنها تعود للقرن 19 الميلادي عن طريق الزائرين من الهند للمدينة، حيث كانوا يجلبون معهم المواد مخزّنة في صندوق مصنوع من خشب، على شكل مكعّب الشكل مزدان بالنقوش والزخارف الفنية الجميلة، موضحا أن الصندوق يكون مقسّما من الداخل إلى خانات، كل خانة تحتوي على مادة خاصة تستعمل في عمل الطائرات.
ويعدّد المواد المستخدمة في صناعة الطائرات بقوله إنها تتألف من الورق والصمغ وبكرة الخيط ويدين من الخشب الرفيع.
أعمار مختلفة تمارس هواية الطائرات الورقية
انتشار واسع
وحول انتشار الطائرات الورقية، يقول الخضير إن الهنود كانوا يمكثون في كربلاء فترة تمتد شهرا أو أكثر، فكانت تُصنع الطائرات الورقية في البداية لتسليتهم وممارسة هوايتهم المحبّبة قبل تحوّلها إلى صنعة لتلبية طلبات الراغبين في ممارستها من أهل البلد.
وأشار إلى أن اللعبة منذ ذلك الحين انتشرت في كربلاء أولا حتى صارت موروثا يخص المدينة، ومنها انتقلت لباقي مدن العراق.
وعن أوقات ممارستها يقول الباحث إنها حسب الأشهر، فإن كانت في رمضان فهي تمارس قبل ساعات الإمساك، وإن كانت في أيام الربيع فإنها تمارس عصرا قبل ساعة المغيب، والبعض يمارسها ليلا في فصل الصيف، ويكون عند منتصف الشهر القمري بسبب اكتمال القمر حتى تتم الرؤية.
ويستدرك الخضير بأن قسما منهم يعلق صندوقا من "الكرتون" في ميزانية الطيارة ويوقد فيه شمعة ويسمى "الفنر"، وهو منظر جميل ينتشر في سماء المدينة، وكذلك هناك مسابقة يومية لإسقاط طائرة المنافس بواسطة قطع خيطها وهي في الطيران تسمّى "المذباب"، وتكون بواسطة استعمال خيط يسمى "أبو الشيشة"، ويكون مغلفا بمادة طحين الزجاج "الكزاز".