الإرث ضرورة دين أم تغليب هوى
لَمْ يَكُنْ ليدعَ الباري عزَّ وجلَّ الكثيرَ مِنْ الأمورِ المُتَعَلِقَةِ بحياةِ الْعبادِ دُونَ بيان مَا يجبُ أَنْ تكونَ عليهِ بينهم، خاصةً الأمور التي يكثر فيها الْجدل والنَّقاش والاختلاف وتغليب الهوى والتي تبرز في أمور غاية في الأهمية كالعقودِ والمسائلِ المتعلقةِ بالإرثِ. ولمَ للإرثِ مِنْ أهميةٍ في الحفاظِ على انتظامِ حياةِ الناسِ والمحافظةِ على كيانِ الأُسَّرِ؛ والتي هي بدورها نواةٌ وانبثاقٌ تكوينِ المجتمعاتِ المنتجةِ والمتوازنةِ المؤديةٍ إلى ثباتِ تِلْكَ المجتمعاتِ واستقرارها وديمومتها، ونظرًا لما يشكِّلهُ الإرثُ مِنْ أهميةٍ في هذا الاتجاه، وهو مما ثبت يقينًا بالْكتابِ والاحاديثِ والرَّواياتِ، وهو مِنْ ضرورياتِ تطبيقِ الدِّين؛ فكانَ لابدَ مِنْ الوقوفِ عَلَى بعضِ الْمفاهيمِ الْمهمةِ الْمتعلقةِ بهِ.
يأتي معنى الإرثِ فِي اللغةِ بأنَّهُ الأصلُ والْبقيةُ مِنْ الشيء. أما في الاصطلاحِ فهو ما يستحقهُ إنسانٌ بموتِ آخر بنسبٍ أو سببٍ.
وقد أهتمَ الشارعُ المقدسُ في تفصيلِ مسائلَ الإرثِ وبيانِ مقاديرهِ بقدرٍ لا يحتملُ الزيادةُ والنقصانُ، وبيِّن أركانهُ مِنْ وجود الْمورّث، الْوارث، والْموروث، وَمِنْ شروطهِ الْعامة:
1. تحقّق موت المورّث.
2. تحقّق حياةُ الْوارثِ حينَ موت المورّث.
3. تحقّق سبب للإرث مِنْ قرابةٍ أو زوجيةٍ أو ولاءٍ.
4. وجود تركة لكي تورّث.
5. عدم تعلّق حقّ آخر بالتركةِ مقدّماً على الإرثِ كالدِّيْنِ، والْوصيةِ، والتَّجهيزِ.
6. عدم وجود مانع مِنْ موانعِ الإرثِ كالْكفرِ والْقتلِ والرِّقّية.
وينتقلُ الإرثُ مِنْ الموَّرثِ إلى الْوارثِ بنسبٍ والذي يكون في الاتصال بين شخصين بالولادة - كالأب والولد - بانتهاء أحدهما إلى الآخر أو بانتهائهما إلى ثالث عرفاً فلا يتصل بالميتِ اتصالًا بعيدًا كالاتصالِ بالولادةِ معهُ مِنْ آدمَ ”عليهِ السلام“ على الوجه الشرعي فلا نسب بين من يتصل بالآخر بغير الولادة كالزوجية والولاء، كما لا نسب بين من يتصل بولادة غير شرعية كالمتولد من الزنا، والمنفي بالملاعنة. وأمًا السبب فيكون في نوع اتصال بين المتوارثينَ بغير النَّسب مِنْ زوجيّةٍ أو ولاءٍ على وجهٍ يوجب التوارثَ بينهما، وهو على قسمينِ:
1. الزَّوجية بالْعقدِ الدائمِ: ويتوارثُ فيهِ الزوجانِ ما دامتْ عصمةُ النَّكاحِ قائمةٌ بينهما، ويجتمعان مع جميع الطبقات، والمطلقة الرجعية بحكم الزوجة ما دامت في العدة.
2. الولاء: بفتح الواو بمعنى القرب والدنو، والمراد به هنا القرب على وجهٍ يوجب الإرث بغير نسب ولا زوجية.
ومما يمنع من التوارث على الرغم من تحقق موجبه من نسب أو سبب؛ يكون في حالتين هما:
1. المنع بشخص، كمنع الأقرب الأبعد عن الإرث، وهو ما يعبّر عنه الفقهاء بالحجب.
2. المنع بوصف، كمنع القاتل والكافر عن الميراث، وهو المراد من المانع هنا عند الإطلاق.
ويستحقُ الإرثُ بالفرائضِ، فكلّ وارث سمّى اللّه تعالى لهُ في كتابهِ الكريمِ سهماً يسمّى ذا فرض. أو بالرد؛ وهو استحقاق بعض أصحاب الفروض الزائد مِنْ الإرثِ ردّاً بالقرابةِ أو بالسببيّةِ، كالبنتِ الواحدةِ فإنّها تستحقّ النصفَ بالفرضِ مِنْ القرآنِ الكريمِ والنصفِ الآخر بالردِ. أو بالقرابة وهو إرث البعض لإدراجهم في قوله تعالى: ﴿وَأُولُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ﴾ [الأنفال: 75] وهم الإخوة والأعمام، والأخوال، والأجداد، وغيرهم. أو بالولاء: وهو استحقاق الإرث بالإعتاق وهو أن لمولى إذا أُعتق عبدهُ ثم ماتَ العبدُ وليسَ لهُ وارث فإنَّ المولى يرثهُ، والضمانة بأن يتعهد شخص بضمان جناية شخص فإذا مات هذا الشخص وليس له وارث ورثه الضامن، أو الإمامة وهو أنَّ الإمامَ ”عليهِ السلام“ وارث مَنْ لا وارث لهُ.
وقدْ ذكر في القرآن الكريم ومما وردَ عَنْ الإمام الصادق ”“ أنه قال: ”سهام المواريث من ستّة أسهم لا تزيد عليها“
وتنحصر سهام الورثة في ستة وهو استحقاق الوارث سهماً معيّناً مسمّى لهُ في الكتابِ العزيزِ، وهذهِ السهامُ هي:
النَّصفُ، وهو نصيبُ ثلاثةٍ: الزوجة والبنت المنفردة، والاُخت المنفردة للأبوين أو للأب خاصّة.
الربع، وهو نصيب اثنين: الزوج إن كان للزوجة ولد، وإن نزل سواء كان منه أو من غيره، والزوجة وإن تعدّدت مع عدم ولد للزوج وإن نزل.
الثمن، وهو سهم الزوجة وإن تعدّدت مع الولد للزوج وإن نزل.
الثلثان، وهي لصنفين: البنتين فصاعداً مع عدم الابن، والاُختين فصاعداً من الأبوين أو الأب.
الثلث ذكره اللّه لصنفين، وهما: الاُمّ إذا لم يكن من يحجبها مِنْ الولد والإخوة للميّت، الاثنين فصاعداً من كلالة الاُمّ ذكوراً أو إناثاً أو مختلفين.
السدس، وهو لثلاثة أصناف: كلّ واحد من الأبوين مع الولد وإن نزل، والاُمّ مع الإخوة للأب والاُمّ أو للأب مع وجود الأب، الواحد من ولد الاُمّ ذكراً كان أو اُنثى.
وهذا مِمّا يقودنا للحديثِ عَنْ طبقاتِ الأنسابِ التي تتكونُ مِنْ:
* الطبقة الأولى: وهي صنفان:
1. الأولاد وإن نزلوا؛ لأنّ ولد الولد ولد.
2. الأبوان من غير ارتفاع؛ لأنّ الجدّ يرث بالجدودة لا لكونه أباً.
* الطبقة الثانية: وهي صنفان أيضاً:
1. الإخوة والأخوات وأولادهم وإن نزلوا.
2. الأجداد والجدّات وإن علوا، ولا يحجبهم عن الإرث أحد من خلق اللّه غير الأبوين والأولاد وأولاد الأولاد، ولا يرث معهم غير الزوج والزوجة بالإجماع؛ لقاعدة القرب.
* الطبقة الثالثة: الأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم وإن نزلوا، وهذه الطبقة صنف واحد هم إخوة الآباء والأمهات وأولادهم، وهم طبقة اُولي الأرحام ولأنهم صنفٍ واحدٍ لم يرثْ أولادُ الأعمامِ عندَ عدمهم مع الأخوال، ولا أولاد الأخوال مع الأعمام، بخلاف الإخوة والأجداد، فإنّهما لما كانا صنفين ورث البعيد مِنْ كلِّ صنفٍ معَ القريبِ مِنْ الصنفِ الآخر عند عدم قريبه.
نأتي لمسألة العول والتعصيب في الإرث؛ فأما التعصيب فيكون بمعنى الإحاطة بالشيء. وعَصَبَة الرجل: بنوه وقرابته لأبيه، وإنّما سموا بذلك لأنّهم أحاطوا به. والمراد به في كتاب المواريث توريث ما فضل من السهام مَنْ كان مِنْ العصبِة، وهم: الأب والابن ومن يدلي بهما من غير رد على ذوي السهام وأمًا العول من معانيه الزيادة والنقصان وعرفه الفقهاء بأنّه الزيادة في السهام المفروضة في الإرث على وجه يحصل النقص على جميع الورثة.
ونختم حديثًا عن الحبوة وهي في اللغة: الإعطاء، يقال: حبا الرجل حبواً: أعطاه، والاسم الحبوة والحباء، وقيل: العطاء بلا منٍّ ولا جزاء والمراد بها هنا إعطاء الابن الأكبر من ميراث أبيهِ أشياء مخصوصة ابتداء مِنْ دون أَنْ يوصي بها أو وصلتْ إليهِ بالْقسمةِ.
وهو نوعٌ مِنْ الميراثِ المتفقِ عليهِ عندَ جمهورِ الاماميةِ وَمِنْ مختصاتهم لما تضافرَ عندهمْ مِنْ نصوصٍ عَنْ أئمةِ أهلِ البيتِ في هذا الخصوص.